مصطفى نصر - مشاجرة

ما كاد سيد- سائق العربة الكارو – يعبر شريط الترام بالميدان بالإسكندرية، حتى وجد عربة نقل كبيرة قد احتكت بعجلة عربته.
وقف بالعربة فى سوق السمك المجاور لشريط الترام وألتف الناس حوله.
حماره كاد أن يموت، سائق عربة النقل يريد أن يعبر شريط الترام بنفس السرعة التى يعبر بها شارعا عريضا، خاليا من المارة.
أخذ سيد يلعن ويسب ويهدد حتى أوقف سائق عربة النقل سيارته فى الناحية الأخرى من شريط الترام، وجاء إليه .
سيد نحيل وقصير ، بيديه بقايا جرب قديم، لكنه عصبي، لا يهمه سائق عربة نقل ولا حتى سائق قطار.
فى كل يوم يعبر سيد هذا الميدان مرتين، مرة فى الصباح ومرة بعد الظهر . حماره يعرف الطريق وحده، لو نام سيد فوق العربة ، سيصل بالحمار. فهو يقف إذا رأى خطراً أمامه، دون أن يشد سيد رسن الحمار:
- لن أترك هذا السائق فقد كان يريد أن يقتل حماري.
أقترب منه سائق العربة النقل، فبدا مظهره عن قرب: رجل عريض في حجم أربعة رجال مثل سيد، أو يزيد . لكن سيد لا يعنيه هذا فى شئ. فالشجار لا يحتاج إلى القوة أو طول الجسد وعرضه، الشجار يحتاج للشجاعة، وسيد لا تنقصه هذه الشجاعة، نعم: سأروى هذا الشارع من دمك، تظن نفسك ماشياً على الكورنيش؟!
يحاول سائق عربة النقل أن يرى سيد لكن الملتفين حوله يحيلون بينهما. الناس تحجبه عنه.
أقتنع سائق عربة النقل برأي بعض المارة فى ألا يهتم بهذا الولد، ويذهب إلى عربته ويتركه لصراخه. ذهب الرجل فعلا، وما كاد يصل إلى عربته حتى سمع ضجيجاً وصراخاً، نظر حوله فوجد سيدا يمسك زجاجة فارغة كانت موجودة في عربته. التفت الناس حوله، تحاول إبعاده وهو يصرخ ويشرئب، محاولاً أن يخترق أجسادهم.
عاد الرجل ثانية، أعاد الناس عليه اقتراحهم بأن يذهب لعربته ويسير بها. تردد قليلا ثم سار في صمت حول المكان. سيد هناك يصرخ والناس تبعده.
ذهب سائق عربة النقل في هدوء إلى عربته. قال الناس عنه:
- رجل عاقل، لم يقل كلمة واحدة حتى الآن.
- اذهب مع السلامة وأتركه.
الصراخ يزداد حول سيد، وهو يراوغ ويسب ويهدد ويحاول الوصول إلى الرجل الذي فتح باب سيارته، أخرج حديدة طويلة يستخدمها " منفلة" لتسخين الموتور، ثم سار في هدوء ناحية سيد.
سيد مازال يصرخ ويهدد: تعال، تهددني بحديدة، سأضربك بها.
حاول البعض إبعاد الرجل الذى استطاع الوصول لسيد، فوضع الحديدة في يده الأخرى، وبيده صفع سيد على وجهه. عاد الرجل ثانية إلى عربته، وسيد هو الآخر سار لعربته وانفض الناس. لم يقل الرجل شيئاً كعادته. وسيد هو الآخر لم يعلق بشيء هذه المرة، لكن الناس مازالوا يتحدثون عما حدث.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى