كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - قلبي حمار عنيد.. مجموعة شعرية

* بطلُ الغبارِ..
نتوارثُ المستبدَّ إثرَ المستبدِّ
وعلى حناجرِنا ينهضُ
ويغدقُ من دمِنا على السّماء
ما تفيضُ به أقبيّةُ صّمتِنا
أرواحُنا مزاريبٌ لانتصاراتِه
يعلّقُ الجبال على قاماتِنا
يزرعُ المقابر على جدرانِ
آهاتِنا
والعدمُ هو مرتبةُ شرفٍ
لآمالِنا
يصبُّ دّماراً
في عروقِنا
يطوّقُ بصيرتَنا بالعماءِ
يقودُ مشاعلَنا نحو
طلاسمِ الأبدِ
هو أزلُ الجحيمِ
سَرمديُّ الحقيقةِ
وربانُ عبوديتِنا
خُلِقنا لنتباركَ بظلمهِ
ونفتدي كرسيهِ
ونسجدَ لغبائِهِ
يضحكُ من جوعِنا
ولا يشبعُ من حرقِ دروبِنا
آياتُ جبروتِهِ
تشرِّدُنا خارجَ قلوبِنا
لا يموتُ فيه العفنُ
خالدُ الأنيابِ
دائمُ الخيانةِ
بطلُ الغبارِ
شنيعّ المحيَّا
سامقُ الذّلِ أمامَ الغزاةِ .*
إسطنبول
* ظهرُ العتمةِ..
حفنةُ ترابٍ من وطني
تضاهي سمـاءَ الغربـةِ
المكتنزِ بغيومِ الحنينِ
أحفرُ جدرانَ التّشردِ
لأطلَّ من ثقبٍ
على نسائمِ الألفةِ
وندى البسمةِ
وأغصانِ المقابرِ الوارفةِ
بعصافيرِ الذّكرياتِ
والكلماتِ الرّحيمةِ
قبرُ أمّي يجدّدُ عطاءَ الأرضِ
وأبي من مثواهُ
يزرعُ الأفقَ بالضّوءِ
الشّوارعُ تكتظُّ بالبهجةِ
والأرصفةُ تمتلئُ بالوجوهِ
النّاطقةِ بالطيبةِ والتّحياتِ
وطنٌ شيّدتْهُ المعجزاتُ
بيوتُـهُ مرصّعةٌ بالطّهرِ والطّيبةِ
نوافذُهُ مفتوحةٌ على الألقِ
على أسطحتِهِ يفرخُ النّدى
أشجارُه من الأغنياتِ
سنعودُ إليهِ
ولو بعدَ القيامةِ
سنعودُ إليهِ
حتّى وإن متنا على ظهرِ
العتمةِ
هو بصيرةُ نبضِنا
الزّاحفِ إلى أمجادِهِ
والطّامحِ إلى أمواجِهِ
الهادرةِ بالسلام.*
إسطنبول
* رفعـةُ الأوطـانِ..
تلوكُني الهواجسُ
والليلُ يجردُني من النّومِ
تخلعُ عذاباتي عنها
رداءَ الصّبرِ
ويبكي دمي
أمامَ مرآةِ القهرِ
يحاصرُني جسدي بالمرارةِ
وتغطيني الأسئلةُ
من كلِّ صوبٍ
أفتحُ للسكينِ دمعتي
أسلّمُ جلدي لسياطِ الأمنياتِ
وأنبشُ النّبضَ
عن عظامِ الانتظار
في كلِّ خليّةٍ
من رحابِ أوجاعي
في كلِّ شبرِ
من صحراءِ أنفاسي
يطلُّ عليَّ عويلُ الذّكرياتِ
أرى أياديَ صافحتُها
تبقرُ ترحابي
وتجزُّ بسمتي من دفئِها
وتضرمُ التّحطمَ
في أوردةِ أيّامي
أبصرُ شفاهَهُم
تتزاحمُ على لعقِ نزيفي
وتهتكُ
بما كتبتهُ عنِ الحبِّ
ورفعةِ الأوطان.*
إسطنبول
* فضاءُ الإندحارِ..
جسدُ همسِكِ يتلوّى
في دمي
وينزلقُ لأقاصي موتي
أرى شبقَ الينابيعِ
وأحسُّ بأصابعِ الضّوءِ
تخترقُ دمعتي
وتشعلُ المدى
في نوافيرِ سحبي
وتمتدُّ إلى صحراءِ أيّامي
فتنثرُ شهيقَ الجِبالِ
على وديانِ ارْتحالي
أذوبُ في دربِها
كموجةٍ تضربُ شطآنَ الأبديّةِ
تحتَ سنابِكِ الحنان
ورعدِ الشّهوةِ العابثةِ
بشقوقِ روحيَ الماطرةِ بالنّورِ
والوحشةِ الصّاعقةِ
لِجريانِ انهياري
في زحمةِ الخلاءِ
وخذلانِ النّدى الصّاعدِ
من يباسِ الليلِ
على سريرِ الهواجسِ
تحتَ نافذةِ الآهةِ
العارمةِ بجمرِ الصّقيعِ
حيثُ السّماءُ تهفو إلى احتضانِ
قبرِ أشرعتي
المزوّدةِ بقصائدي
المخثّرةِ
بأريجِ النّهايةِ
عندَ تحطّمِ سعيري
اللاهثِ
في فضاءِ الاندحار.*
إسطنبول
* صبـاح الخيـر يا عـرب..
أفتحُ التّلفـازَ
فيندلقُ الـدّمُ
وتمتلئُ غرفتي
بالجـثثِِ الطّـازجةِ
والأشـلاءِ النّـابضةِ
والصّـراخِ الحمـيمِِ
وتسـتلقي فوق سريري
الفاجعـةُ
وتجالسُني على الكنبـةِ
المدافعُ والدّباباتُ
والطّائراتُ تكادُ تلامسُ
سقفَ غرفتي المترهّلَ الدّهانِ
أطفئُ سيجارتي
ليشتعلَ دمعي
وأمسحُ دمي عن
آهتي النّازفةِ
صبـاحٌ سقيـمٌ يشكو
من جــوعٍ
للضـوءِ والـنّـدى
مجـدوعِ العافيـةِ
مخصيِّ النّسائـمِ
يحملُ للـوردِ أكفانَهـا
وفي كأسِ الشّايِ
أجدُ أعصـابي تبحـرُ
علَّها تجـدُ عالماً أفضلَ
صبـاحٌ يلبسُ الغبـارَ
ويحملُ الحطامَ
وتضيعُ منهُ الأزقّـةُ
بينَ خرابٍ
يكشّرُ عن أسنـانٍ سوداءَ
وشفتينِ من شحّـارٍ كثيفٍ
جـاءَ لينقضَّ على صحوتي.*
إسطنبول
* أغـاني الضّـوء..
في وطني
يجلدُ الضّوءُ
كلّما كتبَ قصيدةً
على ورقِ الأشجار
ويحبسُ
في أقبيّةِ الظّلامِ
ليتعفّنَ صوتُـهُ
وتنخـرُ إرادتُـهُ
ويفقأُ نبضُـهُ
وبرغمِ هذا التَّوحشِِ
تبقى أشجارُ الحـبّ
تثمرُ العشاقَ
ويستمرُ النّـدى
يشيّـدُ قصورَهُ
فوقَ الأغصانِ
يتحدّى عسسَ الدّمار
والفراشاتُ لا تأبَهُ
لتعاليمِ الجحيمِ
تبقى تصدحُ بموسيقى
النّهار
الظّلامُ من صنعِ الشّيطانِ
وأذنابِ الاستعمار
والنّـورُ يأتي
من صلابةِ الثّوار.*
إسطنبول
* توريـث..
ومنْ عادةِ الحربِ
أن تقطفَ ثغاءَ البراعمِ
تفتحَ الجدرانَ
وتبقرَ أسقفةَ الأحلامِ
وتّتركَ للأشلاءِ
حرّيّةَ الطَّيرانِ
تحتَ الدّمارِ
المزيّنِ بالغبارِ
وأسماءَ من ماتوا
دونَ أن يودّعوا أجسادَهُم
فقد تركتهم قبل أن
تكتملَ شهقتُهُم
ويلبسون تمزّقَهُم
تناثروا
في رحابِ الرّكامِ
كالنيازكِ الصّاهلةِ
يلوّحون بدمائِهِم
كالسّيوفِ اللامعةِ
تحتَ هودجِ النّهايةِ العذراءِ
ماتوا
دونَ أن ينتظروا الموتَ
ودونَ أن يحفظوا لهُ شكلاً
أو يميّزوا لهُ رائحتَهُ
المثقلةَ بالبارودِ والنّـارِ
حملوا دهشتَهُم وذهبوا
ولم يفرّطوا بدمعِ ابْتساماتِهِم
كانوا ضحايا الأخلاقِ البائدةِ
لحضارةٍ ترعرعتْ في حضنِ الفجورِ
وقادةٍ يجيدونَ الخيانةَ
عن جدارةٍ توارثوها
من آباءٍ سجدوا للمحتلِّ
وأجدادٍ يمجِّدون القذارةَ.*
إسطنبول
* مصيرُ الحمـامِ..
أوشكَ العَـراءُ أن يمتلئَ
بخيبتي
وراحَ العَـدمُ يشكو
مِنِ ازْدحـامِ تشردي
نَصبتُ خيمتي في الأفقِ
لأنَّ الأرضَ لم تعدْ
تّتسعُ لدموعي
النّدى مسورٌ بالحديدِ
وعكازتي تعجزُ عنِ الصّعودِ
السّمـاءُ سـرابْ
والأرضُ خرابْ
وجسدي ترابٌ يئنُّ
تحتَ غيومٍ من حجرٍ
صعدتْ من حنجرتي
الجحيمُ
وأنا أنادي السّلامَ
حربٌ بينَ الموجِ
والشّطآنْ
وموتٌ يتنامى ويسطعُ
ما بينَ الشجرِ والأغصانْ
يرتمي المدى
تحتَ أحذيةِ البارودِ
فتهجّرتِ الينابيعُ
إلى أقاصي الجفافِ
والمقابرِ
باتت تتشوّقُ للأوطانْ
بلادي
في فم الثّعبانْ
بلادي
في جيب الشيطانْ
وبلادي
بلا أتربـةٍ
ومن دونِ وديانْ
تأكلُها الهاويةُ
ويؤرجحُها الخصيانْ
بوابةُ بلادي
مخصّصةٌ
لمطاردةِ الإنسانْ
يحتلُّها العفنُ
والتّخلفُ الشّرسُ
والحيوانْ.*
إسطنبول
* حالةُ وطنٍ..
الفسادْ
عمَّ البلادْ
وتحكَّمَ الأوغادْ
برقابِ العبادْ
جاعَ الرّجَالُ
والنّسوةُ، والأولادْ
والحياةُ تحوّلتْ
إلى سوادْ
انتشر الطّاعونُ
واللصوصُ، والجرادْ
نهبوا الطّرقات
والمنازلَ
وهتكوا الأعراضْ
باعوا مصيرَ الأحفادْ
وتاريخَ الأجدادْ
وسائرَ المواطنينَ
والعبادْ
للذينَ يراكمون في قلوبهم
الضَغائنَ والأحقادْ
فقتلوا الضّوءَ
والنّدى الحالمَ
بالأمجادْ
وكبٍّلوا الصّواري الصّاهلةَ
بالأصفادْ
وخضعت الرّيحُ
لشهوةِ الجلادْ
قتلوا القصائدَ
وفصاحةَ الضّادْ
وبنوا عروشاً من رمادْ
للأغرابِ وللغربانِ
وللقُوًّادْ.*
إسطنبول
* بيـادرُ الجـوعِ..
الجوعُ يفترسُ الشّمسَ
ويأكلُ الأفقَ
ويغرزُ أسنانَهُ بموجِ البحرِ
يلتهمُ النّدى
ويبتلعُ العاصفةَ
الجوعُ ينثرُ المقابرَ
أينما يمشي
وأينما يجلسُ
ويستريحُ
أو يرسلُ نظرَهُ
من عيونٍ متوحشةٍ
يداهُ خرابٌ
قامتُهُ نـارٌ
خطواتُـهُ مجنزراتٌ
وصوتُـهُ صواعقُ
يدلّي من السّمـاءِ
أسرابَ الموتِ
جوعٌ بطعمِ الشّرقِ
و جوعٌ بنكهةِ الغربِ
و جوعٌ بمذاقِ الشّمالِ
و جوعٌ من عصارةِ الجنوبِ
المدى يرزحُ جوعاً
والمراكبُ تأتي
محملةً بالجوعِ ْ
والدّكاكينُ الخاويةُ
تبيعُ الجوعَ
حتّى الأكفانُ
مصنوعةٌ مِنَ الجوعِ ْ
عربٌ يقتاتونُ
على المذلّةِ والجوعِ
ويتوارثونَ الجوعَ
ويورثونَ العدمَ
جوعٌ يبسطُ جنـاحَيهِ
على حقولِ البلادِ
وحكامُنا في تخمةٍ
قاتلـةٍ.*
إسطنبول
* سجائرُ القلقِ..
قطفتْ لي الوردة
قطرة ندى
وقدّمتها على طبقٍ
من رحيقِ
خبّأتْ روحي في جيبِها
فضاءَ الفجـرُ
وركضتْ
نحو دفترٍ
مصنوعٍ من نبضي
فرشتْ أفقَ السّماءِ
بسجادِ حنيني
وفتحتْ نوافذَ النّورِ
ملءَ لهفتي
الضّاربةِ إلى النّشوةِ
والبهاءِ
الأرضُ تراكضتْ على دروبِها
الموسيقا
وامتلأت جداولُ السّرابِ
بالمراكبِ الهائمةِ
الشّجرُ مخمورةٌ أغصانُهُ
والعصافيرُ غنّتِ الأشعارَ
الفرحُ طوفانٌ عارمٌ
والتّرابُ مزروعٌ بالبهجةِ
رقصتِ الرّيحُ
زغردتِ الجبالُ
وصفّقَ الزّمانُ
الجدرانُ تنفّستْ بعمقٍ
والعمارةُ غمرت أدراجَها بالتّنهداتِ
حطَّ القمرُ على أفريزِ النَّافذةِ
وتسلّقَ الغيمُ أسطحَ سعادتي
والنّجومُ باركت فنجانَ انْتظاري
وسجائرَ قلقي.*
إسطنبول
* شكوى..
قدمتُ شكوى بحقِكِ
لقلبِكِ
وشرحتُ لهُ ما أنا فيهِ
من عشقٍ أليمٍ
راحت دموعي تتمسحُ بهِ
صارت عذاباتي تتوسلُ لهُ
وانكبَّ قلبي على يدِهِ
يقبّلُ وجومَهُ
ويستعطفُ صمتَهُ
ويكشفُ عن جروحِهِ
قدّمتُ له كشفاً لقصائدي
قرأتُ عليهِ سورةَ النّارِ
وعرضتُ عليهِ أملاكَ روحي
ومفاتيحَ بصيرتي
أغريتُهُ بحناني
وتخلّيتُ له عن آفاقي
وأمسكتُهُ لجامَ دربي
سقيتُهُ من ينابيعِ همساتي
أشعلتُ له أصابعَ مستقبلي
وارتميتُ تحتَ عنادِهِ
أنهضتني جدرانُ غرفتي
كفكفت ذلِّيَ المرايا
مسحَ الضّوءُ هزالي
ونافذتي كادت تقفزُ
من علوِّ اختناقي
وقلبُكِ لم يتحركْ به ساكناً
ظلَّ كالأبلهِ على وقفتِهِ
يستندُ على تحجرِهِ
وينبضُ بالجحودِ والنّكران.*
إسطنبول
* قصاص..
أخيراً..
أمسكتُ بقلبي
مِن رسغِ نبضِهِ
كانَ يتسلّلُ نحوَكِ
عبرَ أحلامي
باغتّهُ
يفتحُ البابَ
قبضتُ عليهِ بكلْتا غضبي
صفعتُ عنفوانَـهُ
شددتهُ من خفقانِـهِ
ورميتُهُ على أرضِ الجحيمِ
جرَّاءَ عصيانِـهِ
كي لا يستهينَ بأوامري
قلتُ له:
- حاذرْ أن تقعَ فريسةً
للحنينِ
وتماسكْ إن أطلَّتْ
ْ عليكَ
أنتَ جبلٌ أشمُّ
فلا تهتزّ أمامَ العواصفِ
تحدَّ زلازلَ الرّغباتِ
وأشِحْ بوجهِكَ عن بريقِ عينَيها
أحجمْ عن مصافحةِ النّدى
وأدِرْ ظهرَكَ لفتنتِها الخالبةِ
أنتَ عظيمُ المكانةِ
فلا تنحَنِ للبسمةِ اليابسةِ
ولا تصدّقِ إمرأةً
تغترُّ على القصيدة.*
إسطنبول
* قَـدَر..
أنتِ..
لماذا تعبرينَ من أمامِ ذاكرتي
كلَّ حينٍ؟!
أنا أنهيتُ عشقي لكِ
منذُ أمدٍ بعيدٍ
قلبي الذي تختالينَ أمامَهُ
أغلقتُ نوافذَهُ
وأسدلتُ له عينَيهِ
لن يراكِ
حتّى لو ناديتِ عليهِ
وهززتِهِ من نبضِهِ
فقد أوثقتُ حواسَهُ
وأنهيتُ أحلامَهُ
صار دمُهُ من خشبٍ منخورٍ
وبسمتُهُ جثّةً هامدةً
وأصابعُهُ مقطوعةَ الأوتارِ
حاذري أن تأتي إليّ
مزّقتُ روحي قبل أن تعودي
وصلبتُ حنيني
على جذوعِ الليلِ
ما عاد جمالُكِ يلفتُ مساماتي
أغلقتُ المدى
أمامَ أنوارِكِ
وزودتُ أنفاسي بالزكام
لكي لا تتعرّفَ على عطرِكِ
ملعونٌ حبُّكِ ليومِ الدِّينِ
حرمتُ عن أغصاني
النّدى
وعن دفاتري القصائدَ
أنتِ مجردُ كَونٍ
أجهلُ أن أقتحمَ دروبَهُ
جنةُ الله
وأنا مجردُ آثمٍ
لا يستحقُّ إلّا جهنّمَ
لستِِ لي
حتّى وإن توسّطتْ ليَ
الملائكةُ
فابتعدي عن قبري
أنا ميتٌ
منذُ خفقَ لكِ قلبي.*
إسطنبول
* مقاطعة..
لا أريدُ حبّاً يذلُّ قلبي
ويربِكُ أجنحتي
ويشتِّتُ قصائدي
ويهدمُ من فوقيَ السّماءَ
ويُبكي حنيني طوالَ الليلِ
ويُذيقني كلَّ أصنافِ الموتِ
يحشرُني داخلَ قبرِ الأحلامِ
والأماني العقيمةِ
ولهذا اتخذتُ قراري
وابتعدتُ عنكِ جداً
حيثُ صرتُ في منأىٰ
عن فتنتِكِ الجارحةِ
بَعدَ اليومِ لن أشتَمَّ الوردَ
ولن أغوصَ في بحرِ بسمتِكِ
سأبقىٰ محتاطاً من عينَيكِ
ولن أتركَهُما تنقضّانِ عليّ
أناقتُكِ لا يؤتمنُ جانبُها
وصوتُكِ مصيدةٌ تأسرُني
أتجنّبُ سطوعَ النّدى
المترامي في جبروتِـهِ
إني منفصلٌ عن تعلُّقي بِـكِ
حاربـتُ عشقَـكِ حتى شاخَ سيفي
وحصاني صارَ يستندُ علىٰ عكازةٍ
مللتُ من هلاكِ دمعتي
و يئِسَتْ من قدومِكِ
كلُّ الجِهـات.*
إسطنبول
* احتلال..
لا تذكروا اسمَها أمامي
هي مركونةٌ في أقاصي النّسيانِ
محبوسةُ النّورِ والعطرِ والقوامِ
ممنوعٌ عليها أن تخطرَ على بالِ
نبضي وحناني
ستموتُ في قيعانِ ذاكرتي
وتأكلُها حيتانُ أيّامي
خنقتُ شعاعَها في وجداني
ودفنتُ آثارَها عن كياني
ودمّرتُ آفاقَ حبِّها
وبترتُ رحابَ شغَفي بها
من جذورِ لساني
هي عدوَّةُ قلبي ما عشتُ
ومعذِّبةُ رُوحي وشطآني
لن أسمحَ بعودتها
مهما شوقي إليها كواني
ومهما أضرمَ النّدى أغصاني
هي للغيابِ عبدةٌ
ترضخُ لقساوةِ الهجرانِ
سأظلُّ أغنِّي بُعدي عن حبِّها
ما أحيا منَ الأزمانِ
أنا نسيتُ اسمَها وكنيّتَها
وجمالَ وجهِها السَّامي
ومن أيِّ البلدانِ جاءتْ
لتحتلَّ لحمي وعظامي؟!*
إسطنبول
* اغاثةُ اللهفانِ..
أعينوني على قلبي
أمسِكوا بهِ
اعتقلوهُ
قيِّدوا نبضَهُ
وزُجُُوهُ داخلَ صدري
أبدَ العمرِ
امنعوا الحُلُمَ عنهُ
ضيِّقوا عليه سماءَهُ
احجبوا بسمةَ شمسِهِ
غُشُّوا هواءَ أنفاسِهِ
واستأصلوا منه الجنونَ
علَّني أستطيعُ النومَ ليلةً
أو للحظةٍ
أو لبضعِ وقتٍ
لمْ أرَ قلباً أحمقَ منهُ
لم أعرفْ مثلَ عنادِهِ
يُرغِمُني على الحبِّ
يجبرُني على كتابةِ الشّعرِ
ويجعلُني أطوفُ على النّدى
حاسرَ الدّمِ
مبتهلَ الوجدانِ
دامعَ الرّوحِ
منكسرَ الإرادةِ
مهتوكَ القامةِ
مذبوحَ الدّروبِ
لا أقوى على حملِ بسمةٍ
أعجزُ أن أجرَّ نسمةً
لا ألقى لمسةَ حنانٍ
وأموتُ من نظرةٍ
ترشقُني بوميضِ السّهامِ.*
إسطنبول
* قلبي حمـارٌ عنيد..
إنْ قُـدِّرَ لـي
أن أجتمعَ مع قلبي
كيفَ سألتقِـيهِ؟!
وهل سأعاتبُـهُ
أم سأعتذرُ منـهُ؟!
مِن حقي عليـهِ
أن أحمّلَـهُ كافةَ المسؤوليَّةِ
عن سببِ هواني وأحزاني
وهو قد يكونُ محقاً
إن وجّهَ لـي تهمةَ الخذلانِ
وفقدانِ الشَّجاعةِ
والتّحدي، والتّصدّي، والجرأةِ الضّاربةِ
أنا عاقلٌ وهو مجنونٌ
هو مندفعٌ وأنا صابرٌ
لم نتّفقْ لمرّةٍ واحدةٍ
طيلةَ حياةِ عشقِنـا
تحادثْنـا، تجادلْنـا، وتعانَدْنـا كثيراً
بل وتشاجرْنـا وتضارَبْنـا بالأيدي
هو استفزعَ عليّ نبضَهُ ودمَهُ
وأنا جنّدتُ عليه عقلي وروحي
الليالي سالَ هدوؤها
والدقائقُ مزّقتِ الجدرانَ
بكىٰ من فوقِنا سقفُ غرفتِنا
وحاولَ البابُ أن يفصلَ بينَنا
والنّافذةُ أطلقت صرخَتَها
حتى بلاطُ الأرضِ
طلبَ منّا التّهدئةَ
واستحلفتْنا السّتائرُ
باسْمِ ما كان بينَنا من ذكرياتٍ
أن نتوقفَ عن هذا العراكِ
قلبي حمـارٌ عنيدٌ
سيظلُّ على عشقِهِ
وأنا رجلٌ عجوزٌ
تبتُ عن شقاوةِ الحبّ
تعبتُ وما تعب
شبتُ ولم يزل يعتلي جوادَهُ
فمن سيفصلُ بينَنا
يا أصدقـاء؟!.*
إسطنبول
* أسـوارُ حبِّـكِ..
رحلتْ إليكِ دروبي
ركضتْ دمعتي
طارتْ لهفتي
وأنْ طلقتْ نحوَكِ أشرعةُ حنيني
كنتُ أسابقُ خلايايَ
مساماتُ دمي تصهلُ
وقلبي يثبُ الآفاقَ
فتحتْ له الأرضُ ألوانَ وردِها
وأسبغتْ عليه السّماءُ سحابَها
الجبالُ فرشتْ له سجّادَها الأخضرَ
والنّدى أضاءَ أمانيهِ
كان عشقي لكِ محورَ الكونِ
الشّمسُ ترمقُكِ بحسدٍ
والنّجومُ انْفلقتْ بغَيرَتِها
والقمر فضحَتهُ دموعُ عينيهِ
والبحرُ نضبتْ أمواجُـهُ
ومراكبُ أشعارِهِ تناديِكِ
وأنتِ تنثرينَ الشّطآنَ
على ضُحكةِ الحجرِ
ما كانَ حبّي خيمتَكِ
ما كانتْ همساتي ترفعُكِ عن التّصحرِ
ظلّت أصابعُكِ باردةَ الأغصانِ
وبقيتْ أنفاسُكِ خامدةً
وأسـوارُ حبِّـكِ عاليةَ الموت.*
إسطنبول
* حنجرةُ المستحيلِ..
السّماءُ تمطرُ الجوعَ
والأرضُ تفيضُ بالقتلى
والبحرُ يأكلُ المشرّدينَ
والدّروبُ تخطفُ المارةَ
والبيوتُ فتحتْ أبوابَها للدّمارِ
والناسُ منتفخون بالموتِ
ورّمهمُ الخذلانُ
وبطشتْ بقلوبِهِمُ الفاجعةُ
الرّيحُ شمّرتْ عن ساعدَيها للحرائقِ
والوردُ يمضغُ الشّوكَ
والفراشاتُ تجترُّ دمعَها
والأفقُ يطفحُ بالاستغاثاتِ
والصّدى مقطوعُ الوريدِ
تتهافتُ الأكفانُ
والجثثُ تمتطي الصّرخاتِ
سدّت أذنَيها عن شهوةِ المقابرِ
تقاومُ ما استطاعتْ
لتصدَّ وحشيّةَ ما أثمرتْـهُ الحضاراتُ
وما أنتجتْـهُ أيادي الحقدِ
وأناشيدُ العبوديّةِ في أروقةِ الأممِ
وأورقَ الذُّلُّ فوقَ عروشِ الأقزامِ
وأنصارِ الرّذيلةِ العالميّةِ
طفلٌ من (غـzةَ) هاجمتْـهُ الدّنيا
(أmـريكا) أغلقتْ عليهِ التّنفسَ
(وإsـرائيل) تعتزمُ انتزاعَ صلابتِهِ
وكسرَ شوكةِ تاريخِهِ
والعربانُ يسعونَ لطمرِ صورتِـهِ
والفتى يوزّعُ جوعَهُ على الأشجارِ
فتثمرُ طوفان الانْتصارِ
تمجدُهُ حنجرةُ المستحيلِ
فليسَ عيباً أن يطيعَ الكلبُ صاحبَـهُ
ولا يُلامُ العبدُ
إن أطاعَ أوامرَ مولاهُ
لكن يخطئُ مَن لا يسمّي
فلـsـطينَ
كرامةَ العرب.*
إسطنبول
* حطامُ الدّمِ..
تبكيني الجِهـاتُ
وتحـارُ الأرضُ
والسّمـاءُ ترثي دروبي
تمتدُّ آفـاقُ الحنينِ
والهواجسُ تلطمُ مراكبي
وتمزّقُ قارعاتِ نبضي
فأرى السّحابَ تطاردُهُ جموعُ المرارةِ
والخيبةَ تهدمُ مسرىٰ الشّمسِ
في كلِّ ركنٍ من قواي
أجدُ حطامَ دمي
وتبعثرَ أيّاميَ النّادبةِ
قد كنتُ أزرعُ النّدى
في سواعدِ الأحلامِ
وفي بطنِ الأماني
وعلى أشرعةِ الهمساتِ
ووميضِ القصائدِ
وجاءَ ليلٌ سمجُ الظّلامِ
كريهُ اليدينِ
ثقيلُ الصّدى
وبدينُ الشّهواتِ
زلزلَ البصائرَ
وصلبَ الدّفاترَ
وهجّرَ الأغصانَ
وأباحَ الشّواطئَ للغربانِ.*
إسطنبول
* قطوفُ الظّلامِ..
ربَّما كنتُ شقيّاً
إذ تطلَّعتُ إلى هودجِ النّدى
ورمقتُ موكبَ العطرِ
وحلمتُ بلمسِ النّورِ
واحتضانِ موجِ النّظرةِ الهائمةِ
وأحجَم نبضُ قلبي
عن قطوفِ الصَّحراء
وتدفّقِ دمي في شرايينِ
فضائي
وانبعثَتِ الآفاقُ في رُوحي
فتوهّمْتُ المسيرَ في رَكبِ الأقاصي
صار العشبُ يغنّي
و صارتِ الأنداءُ أقربَ
وصرتُ أسعى نحو ابتسامةٍ
من ثغرِ الوميضِ
وعنقِ الأريجِ
وقامةِ الرّهافةِ العابقةِ بالسّطوعِ
في سماءِ الصّدى
تكسّرت، روابي فرحتي
حين أعرضَ الدّربُ
عن لهفتي
وتراكمتْ في دمعتي
حدودُ التّعالي
أينعَ السّرابُ في الجهاتِ
أمطرَ العدمُ على أجنحتي
وانتشرَ الظّلامُ فوق قِفاري
صار الهواءُ سميكاً
وتفحَّمَ صوتي
تحت صخورِ الحنانِ.*
إسطنبول
* مزاريبُ السَّرابِ..
مزاريبُ السّرابِ تَكْفتُ حرقتي
ودروبي معطوبةُ الجهاتِ
ومتقرّحةُ الرّملِ
ومتهالكةُ الرّيحِ
عمياءُ الشّفقِ
تمتدُّ حيثُ دمعتي
وإلى أطرافِ رمادي
وأصابعُ دمي المتعثّرِ
في صحراءِ حنيني
الملتهبِ بالشّكوى والهيامِ
باحثاً عن شبرِ أملٍ
عن فسحةِ تنفّسٍ
وعن قطرةِ فرحٍ
ونافذةٍ من أشرعةٍ
لتحلّقَ بي قصيدتي
فوقَ براكينِ العذابِ
أنا غبارُ التّاريخِ العفنِ
آثامُ الانْفجارِ الأولِ
فضيحةُ الشّهوةِ السّاخطةِ
وأطماعُ الرَّغبةِ العاصفةِ
إبليسُ بنىٰ قصرَهُ في روحي
واستوطنَ عظامَ لغتي
وزيّنَ لي قتلَ (هابيل)
لأسرقَ نسلَهُ
وأغتصبَ سكينتَهُ
وأنشرَ في كلِّ البلادِ
لمعانَ سيفي
حيثُ لا يجرأُ الماءُ
أن يدنوَ من شفاهِ العاشقينَ
ولا يلمسُ النّدى وردَ الصباح.*
إسطنبول
* نشـوةُ الصُّعودِ..
بالأمسِ..
وخلسةً منكِ
سرقتُ بعضاً من رنينِ
ضحكتِكِ
سارعتُ إلى غرفتي
أقفلتُ البابَ بإحكامٍ
ورحتُ أمطرُ ضحكَـتَكِ الشّقيةَ
بقبلاتِ دمي
كان طعمُ الضّحكةِ فضاءً
بنكهةِ النّدى
حلوةِ الرّنينِ
عذبةِ العنقِ
ممشوقةِ الوميضِ
كانت نافذتي تتطلّعُ بحرقةٍ
وسريري مجنونةٌ أعصابُـهُ
الجدرانُ تتحسّسُ الصّدى
والبابُ بصعوبةٍ أمسك مفتاحَهُ
حتّى ضوء المصباحِ المدلّى
سالَ لعابُـهُ
سأنامُ اليومَ مِلْءَ جوارحي
قلبي يعزفُ الموسيقا
وروحي ترقصُ بغبطةٍ
مخمورةَ الآفاقِ
متلألئةَ النّجومِ
مفتوحةَ الدّروبِ
تشربُ النّارُ وهجَ شفتَيها
سأرتوي من سعتِكِ
قبلَ أن أموتَ
وسأتركُ لأشرعتي
حرّيّـةَ الفوضى
سأهصرُ لمعانَ البريقِ
المنبعثِ من أمواجِكِ
وسأحطمُ رملَ الشّواطئِ
بصخورِ عنفواني
وسأنصبُ لكِ خيمةً
على أرضِ صحرائي
تقيمينَ مدى الأبــدِ
يا نشـوةَ الصّعود.*
إسطنبول
* مجـزرة..
وقعتْ بسمتي على الأرضِ
تشرّبها الإسفلت
تعفّرت بالغبارِ
وسحقَتْها أقدامُ العتمةِ
تزاحمت عليها الحشراتُ
تشاجرَ الصّرصارُ مع النّملِ
وهجمَ الذُّبابُ الشّرسُ
وتعالى صوتُ البعوضِ
العقاربُ كشّرتْ عن سمِّها
والأفاعي زحفت بقتدارٍ
الرّيحُ عجزتْ عن حملِها
والقمرُ كانت يدُهُ قصيرةً
والمارةُ شاردون عنها بهمومِهِم
سالَ لعابُ الضّفدعِ
والعنكبوتُ أرعبهُ المنظرُ
وحدَها الفراشاتُ تضامنت معها
وأخذت تبكي بضراوةٍ
وأنا كنتُ أستجمعُ ألمي
علِّي أنتشلُها من هذه الحربِ
لكنّ الإبادةَ كانت أقوى منّي
وتجارُ الموتِ تنقصُهُمُ الرّحمةُ
جاءَ المجوسُ
هرع الدُّبُّ
وتهافتَ الشيطانُ
وانبعثَ نباحُ الحشّاشينَ
عبرَ الغابةِ الكبرى
يصطحبونَ الخرابَ.*
إسطنبول
* جمـرةُ الأحـلامِ..
أغمدتِ عينَيكِ في جوارحي
وحفرتْ بسمتُكِ براكيناً
في قلبي
وأنقضَّ عطرُكِ على أنفاسي
زلزلني موجُ فتنَـتِكِ
وصرتُ أحومُ حولَ أنوارِكِ
أقتربُ من أعاليكِ
وأزحفُ على بلاطِ بهائِكِ
أبراجُ الأماني تنحني إجلالاً لاسمِكِ
أنتِ يا طوفانَ المجدِ
يا بذرةَ الخليقةِ
يا حضنَ الكونِ
أحبُّـكِ أضعافَ ما تحتوي الجنّةُ
مِنَ الأزهارِ
وفوقَ ما تتسعُ مِنَ الندى
وما يفوقُ قطراتِ الماءِ
في الأنهارِ
يا حوراءَ الأزمنةِ
والأمكنةِ والأمطارِ
يا روحَ المَـدى
وسفنَ الأشعارِ
أحبُّـكِ..
أكـثرَ من ساعاتِ الأبـدِ
وأكـبرَ من رقعةِ السّمـاءِ
يا دمعـةَ الـرُّوح
ويا جمـرةَ الأحلام.*
إسطنبول
* عراك..
سأهيلُ على حبِّكِ التّرابَ
وأنساكِ
في قبري
سأكفُّ عن كتابةِ الشِّعرِ
عنكِ
ولن أصطحبَ بعضاً من عطرِكِ
إلى آخرِ مثوى لعشقي لكِ
ولن أبوحَ باسمِكِ
للأمواتِ جيراني
وسأعملُ على نسيانِكِ
طيلةَ موتي
وسأنسبُ كلَّ ما كتبتُهُ من أشعارٍ
عن حبي إليكِ
إلى ذاكَ الأحمقِ (مجنونِ ليلى)
سأخفي عن الملائكةِ دموعي
وعن كفني حناني
َوعن ترابِ القبرِ طيفَكِ
الذي يلازمني
أنتِ معصيةٌ اقْترَفَها قلبي
لا ذنبَ لي إن كنتُ قتيلَـكِ
قدري أن تقتلَـني عينـاكِ
شـاء النّدى أن يبلِّـلَ ناري
محكومٌ بسرابِكِ
أنا عصارةُ القهرِ
مطحونٌ بالحرمانِ منكِ
مسلوبُ النّبضِ
ومصلوبُ الرّوحِ
سأهدّمُ شواهقَ لهفتي
وأمنعُ الأنوارَ عن بصيرتي
لأجلِ أن تنساكِ عظامُ حسرتي
أنتِ غضبُ الدّنيا
أمسَكَني من رقبتي
وظنَّ أن يستوليَ
على آخرتي.*
إسطنبول
* تأديب..
أهاجمُ نياطَ قلبي
سأقطعُ نبضَهُ
وأهدرُ دمَهُ
وأحرقُ خفقانَهُ
وأنثرُ بقاياهُ
على مقابرِ العدمِ
أنا لا أطيقُهُ
أكرهُ ما يحمله من حنين
وأنقمُ على أحلامِهِ الرّعناءِ
قلبٌ صغيرٌ أجوفُ
يريدُ أن يستحوذَ على النّدى
تطاولَ هذا القَزَمُ
بأمانيهِ
وخيّلَ إليهِ أن يكتبَ الشِّعرَ
وتعجَبُ بِه الفراشاتُ
وتتسابقُ نحوَهُ الورودُ
وينتقي شمسَ العذوبةِ
ويقبّلُ وجهَ النّورِ
هو مغفّلٌ أجربُ
والنّجمةُ لا تلقي بالاً لهُ
ولا تأبهُ بهِ إلّا المصائبُ
قلبي شريرٌ مَجُونٌ
رماني في تهلكةِ الحُبِّ
وأنا بالكادِ أدبُّ على رصيفِ
الحياةِ
أعتذرُ من قطرةِ النّدى
عن جرأةِ قلبيَ الفاحشةِ
عن توسلاتِهِ للبسمةِ العابسةِ
عن خضوعِهِ لأنوثةِ العطرِ
عن ضعفِهِ أمامَ المستحيلِ
شيطانٌ رجيمٌ
وتسوّلُ لهُ نفسُهُ
أن يقتحمَ الجنةَ
والنّارُ لا تعتقُ الطّامعينَ
والملائكةُ لا تغضُّ البصرَ
عن آثامِ العاشقينَ
سأقتلُ قلبي بحدٍّ مخاوفي
بسكينِ الحكمةِ التي
اكتسبتُها في حياتي.*
إسطنبول
* مراكبُ الانتظارِ..
تتجرَّأُ عليّ قصيدتي
تستلُّ أحرفَها وتنبشُ ما في قلبي
من ألمٍ عنيدٍ يطحنُ دمي
وتفتِّشُ خلايا روحي
عن ذكرياتٍ تأكلُ نبضي
ودروبٍ تتَّجهُ صوبَ شقائي
لتعرفَ التّاريخَ السّاكنَ
عَراءَ بسمتي
الطّافحةِ بصحارى النّدى
الغاشمِ بالقبلاتِ
ولمساتِ الجمرِ الغارقِ بالعذوبةِ
والضّوءِ الماجنِ
المفتونِ بسرمدِ الهروبِ
إلى ليلٍ يتبلَّلُ بدمعي
ويتمدَّدُ فوق صوتي
يمنعُ عن بابي النّهارَ
ويسمحُ للسّرابِ أنْ يتذوَّقَ حُلُمي
وللوساوسِ أن تدقَّ صدري
ويبزغُ في بصيرتي العماءُ
يشدُّني إلى محرابِ الظّلامِ
حيث أرى بوضوحٍ انكساري
وتحطُّمَ لوعتي
وجنونَ احتضاري
على لولبِ الوقتِ القادمِ
مع مراكبِ الانتظارِ.*
إسطنبول
* عِنانُ العشقِ..
يقضمُني الأرقُ
تنهشُني الهواجسُ
ويهاجمُني الخوفُ
يقتحمُ الرُّعبُ بابي
ويتسلَّلُ الذُّعرُ من نافذتي
ويفتحُ الوجعُ قلبيَ
والموتُ يصولُ خارجَ غرفتي
يحملُ الظّلمةَ بمصباحِهِ
وفي يدهِ مفتاحُ الدّمارِ
على ظهرهِ جثّة الأمانِ
ويفتشُ عن بقايا نبضي
يهوي النّصلُ من عينيهِ
والنَّارُ تنبعثُ من شفتيهِ
ومن ساعديهِ يتدفّقُ القهرُ
أراهُ يبطشُ بالسَّكينةِ
ويبقرُ ببطنِ الهمسِ
يخترقُ الرَّهافة
ويحرقُ نضارةَ الماءِ
مزوَّداً بالهلاكِ الهائجِ
وبوجهٍ طافحٍ بالحقدِ
وأسنانٍ مهووسةٌ بالشّراسةِ
تهاجمُ رفيفَ قصيدتي
في أدراجِ روحي
في تعاريجِ بوحي
وفي شفقِ الرّؤى
سيسلبُ منّي قامتي
ويستأصِلُ عنانَ عِشقي .*


مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
فهرس مجموعة: (عنانُ العشقِ)..



=======================. 01 - بطل الغبار
02 - ظهر العتمة
03 - رفعة الأوطان
04 - فضاء الانحدار
05 - صباح الخير يا عرب
06 - أغاني الضوء
07 - توريث
08 - مصير الحمام
09 - حالة وطن
10 - بيادر الجوع
11 - سجائر القلق
12 - شكوى
13 - قصاص
14 - قدر
15 - مقاطعة
16 - احتلال
17 - إغاثة اللهفان
18 - قلبي حمار عنيد
19 - أسوار حبّكِ
20 - حنجرةُ المستحيلِ
21 - حطام الدّم
22 - قطوف الظلام
23 - مزاريب السراب
24 - نشوةُ الصّعودِ
25 - مجزرة
26 - جمرُ الأحلامِ
27 - عراك
28 - تأديب
29 - مراكبُ الانتظارِ
30 - عنانُ العشقِ

-------------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى