كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (أبجديّة القبلات).. مجموعة شعرية

/// قراءة في ديوان: أبجدية القبلات.
الشاعر مصطفى الحاج حسين .
بعنوان.. ( أبجدية القبلات )
بقلم: الشاعر والناقد نزار أبو رأس أبو ريبال.


الكتابة الشعرية، هي إلهام حقيقي
.. يأتي بكلمة الحرف والكلمة والوزن.. ويصهرهم في بوتقة الإبداع الذي يخلق الحالة الشعورية ، والهالة النفسية التي تؤسس لكلمات الشاعر.. وفيما قرأت من كلمات صاغتها ملكة فكرية ملهمة، ومشاعر إنسانية راقية
كنت أعيد القراءة.. لأقف على جمال المعاني.. وأخواض غمار التجربة الشعورية والإنسانية، التي يعيشها الشاعر.. فمن عنوان الديوان..
(أبجدية القبلات)
هنا المزج بين اللغة التي تريد أن تحرر من عقالها وتنفلت بشكل حر وبطريقة عفوية.. لتجد البيئة المشبعة بالأحاسيس الإنسانية الدافئة، التي تلهب نيران الشوق.. الكامنة في صدورنا، والتي تلمع في عيوننا وتبرق.. ثم تعد بهطل غزير، يروي جنائن الورد والياسمين.. وتجسده قبلات عاشق للحياة،
في عالم سيطرت فيه الماديات.. نرى الأدب يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة ، وهي أن يحافظ على هذا النسيج الروحي والشعوري، في فكره وروحه مصارعاً ومغالباً تلك العواصف المادية التي تهز أركان القصيدة..
هي أمانة حملها الشاعر في(أبجدية قبلات) وكانت تمثل نهجاً ورؤية وحقيقة، سعى بكل ما يملك من ابداع وحرفية ، لتجسيد تلك الرؤية.. فمن يحب يملك كل لغات العالم، ولغات العالم لا تتسع لحقيقة مشاعره وحبه، لأنه يعتقد أن الحب الحقيقي بدأ مع أول نبض في صدره.. فتنهمر دموعه شوقاً ووجداً، ويلتهف كي يلبس كلماته ابهى المعاني، وأطهر الأحاسيس الجياشة في الصدور.. فتظهر أبجدية حبه للحياة والنقاء والطهر، وإيمانه الدائم بأن الطبيعة لا تترك فراغاً، بل تملؤه بموعد وانتظار ولهفة وجمال وحب..رغم كل الألم والوجد والشوق رغم الدموع.. ستبقى شعلة الحياة وقَّادة مبهرة زرقاء، ترشد القائمين إلى دروب العشق والسعادة، هذا التغريد الراقي والجميل، ليس غريباً على أديب متمكن من أدواته، وحاضر الذهن والكلمة والفكرة، جعلنا نسافر معه عبر ذلك المناخ الابداعي، وتحملنا حروفه عالياً، على جناح أخيلته..
سبق وقرأت الشاعر أكثر من نص، وكنت مندهشاً لطريقة الصياغة، وطريقة عرض الأفكار وانتقاء العناوين ، والإحاطة بالموضوع..
له طريقة خاصة، تميزه وتجعله متفرداً في طريقة عرضها وترجمتها الشعرية، تلك النصوص حفرت عميقاً في الوجدان، وتركت بصمتها المضيئة.. ولا أنكر أنني تأثرت بها، من خلال قرأتي لها وتذوقت ما تخفي من سحر وإبداع.
لي الشرف الكبير بأن أرسم كلماتي المتواضعة والخجولة والمقتضبة، في مقدمة هذا الديوان.. لشاعر كبير بحجم الشاعر (مصطفى الحاج حسين)
ولم استرسل في الشرح، أو الاطالة.. لأن متعة قراءة ديوان(أبجديةالقبلات)
تغنيك عن المقدمة فهي الأكثر إثارة والأكثر متعة.. يبقى أن أقول:
كل المحبة والتقدير لهذا الجهد الابداعي الجميل.. وهذا المولود الفكري الناضج، في طريق معبّد بالحب والفيلات وبلغة الأبجدية..
تعلمت لغة شعرية جديدة، مفعمة بالحب والأمل.. وللشاعر رؤية ورسالة تؤثر في مجتمعه.. ويتأثر بها فالرسالة واضحة بكل ذي لب..كل المحبة والتقدير والتوفيق شاعرنا.*
المحب والصديق
نزار جميل ابوراس
* أبجـديَّةُ القبلاتِ..
أقطِفُ من أنفاسِـكِ الدُّنيـا
وفضاءً يتلألأُ بالقصائدِ
وبحوراً تَمورُ بالنَّشوةِ
فأركُضُ على بساط الضَّوءِ
أراقِصُ النَّدى
وأتزَلَّقُ فوقَ الغيومِ
قلبي يتدفَّقُ بالموسيقا
يصطحبُ الفراشاتِ إلى الوردِ
الأرضُ تورقُ بظِلِّكِ
الشَّمسُ ترتدي اْسـمَكِ
والقمرُ قنديلَ غيابِكِ
أرتشفُ من راحتَيكِ الهنـاءَ
ومن عُنقِـكِ المَـدى
وفي نبضِـكِ أزرعُ الآفاقَ
وهمـسَ النَّسائمِ
أنـتِ نواةُ التَّكوينِ
بذرةُ الضَّوءِ
وأجنحةُ المسافاتِ
وقامةُ الزَّمـانِ
أنـتِ مسكنُ الخلودِ
وبهـاءُ الأزلِ
أبجـديَّةُ القبلاتِ
وسنـابِلُ الأنـاشيدِ
وبهجـةُ المـاءِ
في السَّمـاءِ، اسمُكِ الجنـَّةُ
و على الأرضِ،
ندعوكِ سورية.*
إسطنبول
* الخلود..
يَقطِفُنِي الوقتُ
وأنا ألمِّمُ أطرَافَ نَبضِي
وأخبِّئُ ما عندي من أحلامٍ
وأمنياتٍ لم تتحقَّقْ بعدُ
أصدُّ الزّمانَ
وأغلِقُ بابي في وجهِهِ
لكنهُ ينفُذُ من خلايا الجُدرانِ
تُعطيهِ نافذتي أوراقَ عُمري
لأنَّها تخافُهُ
وكلُّ ما في البيتِ من أشياءٍ
يفضحُ أمامَهُ أسراري
وحدُها دفاتري مَنْ
تنبري لادفاعِ عنّي
وتتحدّاهُ
بما كتبتُ عليها مِنْ قصائدَ
تُدَافِعُهُ حروفي
تعارِكُهُ باستِماتَةٍ
تُمزِّقُ خَدَّيهِ
وتَشُجُّ رأسَهُ الضَّخمَ
وأنا..
أراقِبُ من خلالِ ارتعاشي
وتَسَمُّرِ صوتي
وبُكاءِ أنفاسي
لَوْ كان بإمكاني
أن أبلِّغَ عنهُ الشَّرِطةَ
لكنَّهم لا بهتَمُّونَ بأمري
فهُمْ لا يُحبُّونَ الشُّعَراءَ
لكنَّ مَنْ يَحمني من هذا الغُولِ؟!
فهو ماردٌ عُملاقٌ
يُشبَهُ حُكَّامَنا الأفذَاذَ
ذُو سَطوَةٍ
كسَطوتِهِم
ذُو قَسوَةٍ
كقَسوَتِهِم
فكيفَ لي بالهرَبِ؟!
وأقدامي صارت ليستْ لي!!
رغماً عنِّي بقِيتُ أنتظرُ
أراقِبُ عن كثَبٍ
احتِدَامَ المعرَكَةِ
ولا أعرفُ
عن ماذا ستُسفِرُ؟!
وحينَ امتدَّتْ يدُهُ
ذاتُ الأصابعِ الثُعبانيَّةِ
لتُمَزّقَ الدَّفاتِرَ
انخَلَعَ قلبي
وجَنَّتْ دُمُوعي
وخارتْ رُوحي
قصائدي حَصيلَةُ مَوتي
طِوالَ حياتي
زُبدَةُ دمي
حَصَادُ احتِراقي
كانتْ أوردَتِي تَصرُخُ بتَضرُّعٍ
كانتْ أنفاسي تجثُو عِندَ قدَميهِ
فَجأةً..
ومنْ دُونِ توقُّعٍ مِنِّي
ومِنهُ..
شاهدْتُ قصائدي
التي كَتَبتُهَا بحُبرِ دَمِي
تَثِبُ نَحوَهُ بِجُنُونٍ
وشراسَةٍ
هاجمتُهُ بضراوَةٍ
ضرَبتُهُ بلا شفقةٍ
بفداحةٍ انهالتْ عليهِ
فما أقواها قصائدي؟!
ما أشجَعهَا؟!
هِيَ قُوَّتي وعُنفُواني
هِيَ قامتي التي لا تنحني
هِيَ صوتي الباقي
هِيَ ذُرٍّيَّتي التي تُسانِدُني
وتحميني من الموتِ
وها إنّي أراها تُهزِمُهُ
وها إنّي أراهُ يتقَّهقَرُ أمامَها
يتراجعُ مذعُوراً كالفأرِ
يهرُبُ..
ودمُهُ السَّائِلُ يتبعُهُ
حينها..
تقدَّمَتْ منّي قصائدي
أنهضتْني منِ اْنهزامي
وانحنتْ فوقَ تلعثُمي
تُقَبّلُ يَديَّ.*
إسطنبول
* ظَهرُ الفَراغِ..
أتغَلغَلُ في أمواجِ أوجاعي
أصابعُ الظُّلمةِ تَرسُمُ لي دُروباً
منَ الانكسار
وقلبي يهفو إلى أعالي الاختناقِ
أبكي على فرحةٍ هُرِقَتْ نسائمُها
على سماءٍ تَهَدَّمَتْ رَحَاهَا
وأصرُخُ ملءَ مَوتي:
- أَعِيدُوا إليَّ رُفَاةَ قامتي
وحقولَ نبضي
تَيَبَّسَتْ آهتي
عندَ شُطآنِ الفُراقِ
إنِّي أحتَرِقُ
مِنْ تُرابٍ يَدُوسُ على همسَتِي
من سرابٍ يَمُورُ في غُيُومي
والأفقُ يَنخَلِعُ من قصيدتي
ويقفزُ من جدرانِ هواجِسِي
بُركانُ انتظارٍ
رغمَ العماءِ
أنا أبصِرُ رائحةَ أمِّي
ودفءَ أخوتي
في شهقةِ الذَّاكرةِ
وألمِسُ فَحِيحَ الفاجعةِ
فوقَ عُنُقِ السُّؤالِ
يا سحابَ الدَّمِ!!!
دُلَّني على مَرقَدِ لُغَتِي
أحرُفي استوطنها القُطرانُ
ليكتُبَ مَرثِيَّتَهُ على هُويَّتي
والأرضُ تعتَصِرُ خُطايَ
كُلَّما لامستها دمعتي
فيا أسوارَ جَهَنَّمَ
افتحي أبوابَكِ العاتيةَ
وتقبَّلي مِنِّي الجنَّةَ بأكملِها
لأنَّ لا أحدَ يستحِقُّها.*
إسطنبول
* خيبةُ الموتِ..
لا يُغِيظُ الموتَ إلَّا الشِّعرُ
وَلِهذا القَصِيدَةُ تَختَارُني
وأنا أختارُ شَكلَ الفَضَاءِ
لِأُطلِقُ شَمسِي
في عُتمَةِ الأَبجَدِيَّةِ
الزَّمَنُ كَائِنٌ يَمشِي
دُونَ التِفَاتٍ
والشِّعرُ مَحَطَّاتٌ وَمَرافِئٌ
واستراحةٌ للأجنِحَةِ
الموتُ غايتَهُ السُّكونَ
والشِّعرُ توَّاقٌ لِلْتَفَجُّرِ
ولِلْتَبحُّرِ وَلِلْانعِتَاقِ
وَلِهَذَا..
يُرسِلُ لي الموتُ
في كُلِّ لَحظَةٍ
تَحذِيرَاتِهِ الّتي لا أخَافُهَا
حتَّى وإنْ غَدَرتَ بِي يا مَوتُ
سَتَذكُرُنِي رَغماً عَنْ قَسوَتِكَ
كَتَبْتُ على جَسَدِكَ حَيَاتِي
ودَسَسْتُ في جِيُوبِكَ أوراقي
وعلى ظَهرِكَ عَلَّقْتُ
حَقِيْبَةَ كُتُبِي
فلا مَوتٌ إلَّا أنتَ يامَوتُ
ولا خُلُودٌ إلَّا لِلْشُعرِ والشُّعَرَاءِ
يَكفِيْكَ أَنْ يَهرُبَ النَّاسُ مِنكَ
وَيَكْفِي الشُّعَرَاءَ
التِفَافُ الفَرَاشَاتِ مِنْ حَولِهِم
أنا شَّاعرٌ
سأُلحقُ بِكَ الهَزِيمَةَ
خُذْ جَسَدِي المُتَهَالِك مِنِّي
خُذْ نُدُوبَاتِ عُمُرِي الضَّئِيل
وَرَمَادَ غُيُومي المُبَعثَرَةِ
وخُذْ قُصَاصَاتِ أوجاعي اليابسةِ
لكنَّكَ سَتَحتَرِقْ
إذا مالامَسْتَ بظلامِكَ
حرفاً من قصيدتي.*
إسطنبول
* أبـواب الصدى..
تنـداحُ الكلمـاتُ من مسامـاتِ حنيني
بيَ شوقٌ يُضيءُ دهاليزَ المسافاتِ
ويصهلُ بِـيَ الجنـون ُ
حينَ تجتـاحُني قوافلُ الظّنون ِ
يدغدغُ الموتُ ضِحـكتِي
وتفترشُ ذاكرتي سنابلَ الأوجاعِ
ترمَّدَ لُهـاثي على شطآنِكِ
وتسـاقَطَ خريـفُ الموجِ
سحـاباً من عطشٍ مالحٍ
سكبتُ عمري قناديلَ بوحٍ
و رحتُ أناجيكِ لتأتيني القصيدةُ
الماءُ يشربُ من لهفتي نبيذَ الأحـلامِ
هامت بي أصابعُ الانتظـارِ
وأنا أبحثُ عن أصداءِ غيابِـكِ السّرمديِّ
فهل كنتِ من قبلِ التّكوينِ؟!
أم ترامت مِن يَديكِ البدايةُ؟
أبحثُ عن سمـاءٍ تتّسعُ لغربتي
عن شمسٍ تنيرُ هزيعَ أمنياتي
وعن موتٍ يحتضنُ دروبي
لتغفوَ بقلبي نيرانُ أشواقي
ويغشاني شبقُ الغيـمِ الممتدِّ
إلى ثنـايا ظلمتي
أتنفسُ ظلالَ قِفـارِكِ الوارفاتِ
أتوسّعُ في أرجـاءِ هِجرانِكِ الفسيحِ
أتوغّلُ في حضنِ الظمأِ الرّيـانِ
مبعثرَ الخطى أدقُّ أبوابَ الصّدى
ويصرخُ بي سرابُ عينَـيكِ
لا تلاحِقْني يا قمراً من رمـادٍ
يا غيماً من صليلٍ
يا عاشقاً من أغصانِ الغباءِ
خُـذ قصيدَتَـكَ عنّي و ارحلْ
اعتكِفْ
في ركنِ الدمـاءِ
شـاعرٌ أنـتَ لاحـت صورتُـكَ
على حـائطِ الهبـاءِ.*
إسطنبول
* نَدَى الجُنُون..
مُعَفَّرٌ قلبي بالهَواجِسِ
يَسكُنُهُ الدُّخانُ
وَيَترَعُ النَّارَ مِن دَمِي
يَشرَبُ ظُلمَةَ جُرحِهِ
وَيَصرُخُ مِلءَ انهِيَارِهِ
على لَيلٍ خَانَ حَنِينَهُ
يَا لَيلُ نَسِيتَ سَوَادَكَ
على شُباكِ صَبَاحِي
تَرَكتَ نَبضِي يَعِيشُ
في ظَلامٍ دَامِسٍ
وَضِحكَتِي لا تُبصِرُ طَرِيقَهَا
ضَلَّت عَنِّي كَلِمَاتِي
وَتَشَرَّدَ صَوتِي بَعِيدَاً
عَن دُمُوعِي
آهِ يَا لَيلُ
تَرَكتَ لِي وَخَزَاتِ البَردِ
وَأَحلَامِي سُرِقَت أَلبِسَتُهَا
مِن حَبلِ الغَسِيلِ..
عَارِيَةٌ هِيَ أَشواقِي
تَرتَجِفُ في بَاحَةِ الاِنتِظَارِ
وَأَنَا أَتَلَفَّتُ صَوبَ
قَنَادِيلِ المَجِيءِ
مَن يَدُلُّنِي على جَسَدِي
لِأَستَرجِعَهُ إِلَيَّ؟!
مَن يمسكُ بأَصَابِعِي
لِأَكتُبَ قَصِيدَةَ حُبٍّ
لِمَن صُرتُ أَكرَهُهَا؟!
مَن يُقنِعُ قَلبِي
أَن يَبقَى قَلباً لي
وَأَن لا يُشَارِكَ حَبِيبَتِي
في اغتِيَالِي؟!
قَالَت لِي عَرَّافَةُ العُشَّاق ِ:
- سَتَقتُلُكَ مَن تَسعَى إِلِيهَا
وَسَيَكُونُ قَلبُكَ خِنجَرَهَا المَسمومَ
قَصَائِدُكَ سَتَشهَدُ عَلَيكَ أيضا
أَنَّكَ البَادِئُ في التَّحَرُّشِ
وَسَتَكُونُ بَصَمَاتُكَ وَاضِحَةً
على عنقِكَ المَخنُوقِ
وَأَمَامَ القُضَاةِ
ُسَيدِينُكَ الدَّربُ الَّذِي قَطعتَهُ
وَالوَردُ الَّذِي قَطفتَهُ
وَنَافِذَتُها الّتِي الْتَقَطَت لَكَ صُوَرَاً
وَأَنتَ تُنَادِي بِاسمِها
وَتَرمِيها بِحبَّاتِ دُمُوعِكَ
حَتَّى أَنَّ قَلبَكَ سَيَعتَرِفُ
بِكُلِّ جَرَائِمِ التَّجَرُّؤِ والتّقرّبِ
وَ رُوحُكَ سَتَنهَارُ وَتُقِرُّ
بِصِدقِ مَشَاعِرِكَ
لَن تَلقَى مُسَانَدَةً
حَتَّى مِن القَمَرِ
الّذِي أَشبَعَكَ بِالتَقَارِير
وَهَذَا الليلُ سَيكشفُ
تَفَاصِيلَ أَسرَارِكَ
كُلُّهم تَآمَرُوا عَلَيكَ
أَيُّهَا العَاشِقُ المسكِينُ
بِمَن فِيهِم نَدَى الجُنُون!*
إسطنبول
* تَنُّورُ الولادةِ..
وَقَعَتْ مَوجَةٌ على صَحرَاءِ
صَوتِي
تَبَلَّلَ عُشبُ مَوتِي
فَأَورَقَ حَطَبُ دَمِي
وتَفَتَّحَتْ ألسِنَةُ صَمتِي
وصارَ الكلامُ يَقطُفُ من مَطَرِي
فَضَاءً لِعُمرِي الأشعَثِ
وَيَسكِبُ الضَّوءَ في أسطُرِي
قَصَائِدِي مَمهُورَةٌ بالنَّبضِ
لُغَتِي سَمَاءُ الأزمِنَةِ
تُسَوِّرُ أبجَدِيَّةَ البَرقِ
والنَّدَى قِلادَةُ الرَّحِيقِ
وَتَنُّورُ الوِلادَةِ
على أعطَافِ دَفَاتِرِي
سَأمحُوَ قَتَامَةَ التَّارِيخِ
وَأُشَرِّعُ لِلهَواءِ
أن يَهبِطَ على الأَنفَاسِ اليَابِسَةِ
وأقولُ لِمَوتَى الرُّؤى
سَلاماً على مَنْ أحرَقَ ذُعرَهُ
وَتَوَجَّهَ صَوبَ الصَّدَى
في حُقُولِ غُصَّتِهِ
حَيثُ تَهتِفُ اليَنَابِيعُ
باسمِ مَجدِهِ المُنتَظَرِ
وَتَكُونُ بِلادُهُ شَمسَ إرَادَتِهِ
وَبَحرَ أفكَارِهِ الدَّافِئةِ.*
إسطنبول
* وَيلاَت..
أنَا لَو أرَدتُ الانتِقَامَ مِنكِ
يَمنَعُنِي عَنكِ ألفُ عائِقٍ
َيَزجُرنِي قَلبي
َتُقَاطِعُنِي المَلائِكَةُ
يَتَشَفَّى مِنِّي الشَّيطَانُ
وَيَبصُقُ عَلَيَّ الوَردُ
يَحتَقِرُنِي النَّدَى كُلَّ حِينٍ
الأرضُ سَتَقرَفُ من خُطُوَاتي
تزيحُ الشَّمسُ وَجهَهَا عَنّي
حتّى أنَّ السَّماءَ سَتَزدَريني
وغُرفتي سَتَصرُخُ بِوَجهي
وتأمُرُنِي جُدرَانُها بالمُغَادَرَةِ
دَفَاتِري سَتَخمِشُ وَجهِي
وَأَقلامِي سَتُطَارِدُنِي كَالخَناجِرِ
وَكَلِمَاتِي
سَتَدُقُّ عُنُقِي بِأَحجَارٍ مِن سُجّيلٍ
لا أَظُنّ أنَّ أحَدَاً سَيَحمِيني
مِن غَضَبِ الفَرَاشَاتِ
وَلا أعتَقِدُ أنَّ شَجَرَةً واحِدَةً
يُمكِنُ لَهَا أن تُظَلِّلَني
سَتَثُورُ عَلَيَّ يَدَايَ
وَتَحنُقُ مِنِّي خُطَايَ
وَتَتَفَجَّرُ دُمُوعِي بَرَاكِينَ
تَحرُقني بِلَا شَفَقَةٍ
حَتَّى إنَّ سَجَائِرِي
سَتُشعِلُ أنفَاسِي
اللَيلُ سَيُحَاصِرُنِي
والمَطَرُ سَيَدلِقُ فَوقِي جُنُونَهُ
والرِّيحُ سَتَدُكُّ قامَتِي
وَسَيَقتَلِعُنِي مَارِدُ السَّكيِنَةِ
أَنَا لَو أَرَدتُ الانتِقَامَ مِنكِ
عَلَى مَا وَجَدتُهُ مِن حُبِّكِ
الجَهَنّمِيِّ
سَيَنتَقِمُ مِنِّي الانتِقَامُ
رَغمَ دَمَارِي وَنَارِي
سَيَعصاني دَمِي
وَيَتَصَلَّبُ فِي شَرَايِنِي
احتِجَاجَاً
لأنِّي يُفتَرَضُ أن أُسَامِحَكِ
فَأَنَا لَستُ بِالمُهِمِّ
في سُطُورِ الحُبِّ
ولا قِيمَةَ لِأَوجَاعِي
أَنتِ وَحدَكِ تَستَحقينَ
العِنَايَةَ الإلَهِيَّةَ.*
إسطنبول
* شواطئُ النَّصرِ..
سَنَبكي ألفَ دهرٍ
على ما اقترفناهُ
من فظائعٍ لا تُغتَفرُ
بحقِّ ياسمينِ البلاد
وكانَ الياسمينُ أبيضَ
كمرايا الغيومِ
وَوَجهِ القصيدةِ
كانت بلادنا ضحكةَ الجَّنَّةِ
وملاذَ النَّدى
حينَ يَجُنُّ الاختناق
الوردةُ تنتمي لرائِحَتِنَا
الماءُ يقطرُ شهداً من هَمسِنا
والضَّوءُ يبزغُ من نبضِ أَكُفِّنا
حينَ نصافحُ وَهَجَ الأغنياتِ
كانت البلادُ تَحتَضِنُ خَصرَ الكونِ
وَتُرضِعُ صغارَ النُّجُومِ البَرِيئَةِ
من حليبِ بسمتها الضّاوِيَة
طُيُورٌ تُرَفرِفُ في فضاءِ الرُّوحِ
فَرَاشَاتٌ تُدَندِنُ اسماءنَا
وكُنَّا نُحِبَّ الصَّباحَ
وما يحملُ بِيَدِيهِ من دروبٍ
أرضُنا تَتَفَتَّحُ بأوراقِ المدى
والسَّماءُ تُمَسِّدُ بأصابِعِها
على جَبِينِ أحلَامِنَا
كلُّ هذا كانَ
قبلَ أن يَستَفِيقَ الهَلَاكَ
فجأةً .. وعلى حينِ غَرَّةِ
تَفَجَّرَت في بِلَادي رِيَاحُ الموتِ
دَوى إعصَارُ القَتلِ الرٌَهيبِ
وَصَارَ الشَّاطِرُ فِينَا
مَن يُبَادِرَ إلى ذبحِ أخِيهِ
بدونِ تَرَدِّدٍ
ويغتصِبُ طفلَةَ الزَّيتونِ
صَارَ دَمُنا أرخَصَ
مِن حِذَاءِ الشَّوكِ
حَياتنا تعبَّأت في كِيسِ قُمامةٍ
ارتَمت فَوقَ مَزَابِلِ
الاغتراب
تُجَّارُ الرَّقِيقِ يبيعونَ نَسلَنَا
والسّائِلَ المَنَوِيَ لِمُستَقبَلِنا
وأرَحَامَ اليَنَابِيعِ
في مَجلسِ الأَمنِ المُراوِغِ
فُتِحَ المَزَادُ العلنيَّ
لِشِرَاءِ قُبورٍ تَلِيقُ بِأشلَائِنَا
وَأصحَابَ السّموِّ المخنَّثِينَ
استَخدَموا حقَّ (الفيتو)
مَمنُوعٌ على العَرَبِ أن يُدفَنوا
فِي كَوكَبِ الأرضِ
مَمنُوعٌ عَلَينَا أن يَختلطَ رَمَادِنا
بِالترابِ
وَمَمنُوعٌ على البَحرِ
أن يَتَلَقَّفَ نهايَتَنَا
لَا مَأوَىٌ لِهَذَا الانقراضِ
عَلَى السَّماءِ أن تنكُرَنَا
عَلَى الهَوَاءِ أن يُجَافِينَا
عَلَى العَدَمِ أن يَأخذَ
كُلَّ مَا يَحلَو لَهُ مِنَّا
وصَفَّقَ الجَّمِيعُ لِلمُبَادَرَةِ الجَّلِيلَةِ
لِلعَدَمِ
حِينَ رَسَت سُفنُه
عَلَى شَوَاطِئِ النَّصرِ.*
إسطنبول
* أواصرُ الحنين..
يتثاءبُ الرّمادُ
كلَّما أجهشت ضحكتي بغربتِها
ويثبُ الدّربُ على أواصرِ الحنينِ
يرمقُني عواءُ اللظى
ويدكُّ بابي نحيبُ الشّوقِ
أكلّمُ أضغاثَ السّرابِ
عن موجٍ شائبِ الأشرعةِ
سيسرقُ منّي وهنَ البوحِ
ويعطي للمدى المبتورِ الصّدى
أسرابَ احتجازي
أقفُ تحتَ شبابيكِ الاندثارِ
أومئُ للريحِ أن تحملَ نعشي
وتطوفَ على رحى الاختناقِ
ترمّمَ قامتي بمداميكِ النّارِ
أنتظرُ ما لا يجيءُ
أصفّقُ لخيانةِ الدّمِ
وَأَلتَمِسُ للغدرِ ألفَ عذرٍ
ونوافذَ ارتحالٍ
وأقولُ للجهاتِ:
- هلمّي
نبحثُ عن مخرجٍ لصرختي
هلمّي يا سفوحَ الماءِ
إنَّ كلماتي عطشى للشواطئِ
والملحُ يتغلغلُ في أوردةِ النّشيدِ
يمشي السّحابُ إلى حتفِهِ
والنّدى يرفلُ بأغلالِهِ السّوداءِ
والمسافاتُ تقضمُ جذعَ أيامي
حجرٌ يمضغُ آهتي بضراوةٍ
وطنٌ يتنكّرُ لذاكرتي
وقصيدتي تشهدُ على خيانتي
تغويني للاعترافِ وإعلانِ توبتي
وشت بي دمعتي لمَّا ذرفتُها
تربَّصَ بي ظلّي حينَ اقتربت
كنتُ عميلاً لأشواقي الثّائرةِ
جنّدَني دمي اللائبُ بنجواهُ
ورَّطني بحبٍّ سرمديٍّ لبلادي
وكان القصاصُ في انتظاري
يجهّزُ ليَ المقصلةَ.*
إسطنبول
* رقصة الانتحار..
لا تلمس موتي يا رحيل
ولا تغلق عليه بكائي
سينتحر الكلام
في بوابة الشّغف
وترنو الجهات إلى مخبأ اختناقي
تعدو في دمي صرخات النّار
تتوجّع متاهات آفاقي الثكلى
ويناديني عطش التّشرد
وها أنا أقفُ
على مفارقِ العصفِ
تأكلني خطاي كلّما تقدّمتُ
نحو انهزامي
أبكي على حائط الأوجاع
قصيدتي تكتّفُ أجنحة الدّهشة
السّماء تقوّضت في أسطري
الأرضُ تشهقُ بنزيفي
ويجتاحني سقوط وارف الدّمع
إنّي أشهد أنَّ الأبواب
عطشى للمدى المبعثر
وأنَّ الماء يشربُ من لهاثي
أبكي على دمعٍ تصلَّبَ
فوقَ رؤى النّحيب
قد هتكتهُ أشرعة اليباب
أعاصير من الظّلام
داهمت قمر الفؤاد
ويعضّني سؤال الجنون
عمَّ أبحثُ في روابي الهلاك؟!
ولمن أُجهزُ نعش النّدى؟!
ولماذا يسقطُ منّي
كلّ هذا الخواء؟!
تمشي في دمي جنازات الحلم
تمتطي أقدامي مسافات الاشتهاء
يشتهي الرّماد نبضي
و تتقاسمني أمواج الفواجع
أشيّد أشرعتي على لظى السّراب
وأشدُّ لجام الذّكريات
علَّ الهواء يتفتّت
وتنداح من اشراقتهِ
الضّحكة العذراء
وتستفيق البلاد العمياء
من رقصة الانتحار
الشهية.*
إسطنبول
* ثغاء الدّم..
على قارعةِ الموت
تنبتُ دمعتي بالمدى
وتلوّحُ لي أجنحةُ الغياب
يناديني احتراق الطّريق
والسّراب يلعقُ آهتي الشّعثاء
الغيوم الرّاكضة تسقط في فخِّ المتاهات
الهواء الجّاف يتمسّكُ باختناقي
وأمّي تسأل لهفة الجهات
عنّي
تستحلفُ نزيفَ الوقت
عن ورودِ قصيدتي
فيا أمّي قد طالَ صهيلي
على قارعاتِ الشّوق
هاجمتني أحجارُ الدّروب
نهشت بأوجاعي السّهوب
وحذّرتني أعاصير الخراب
من الاقتراب العصيّ
فلا تقتربي يا فرحة من حدودي
وخطاي تدقّ أبواب الرٌماد
يا أمّي لا تلمسي ملح اشتعالي
لا تذرفي صباحكِ فوقَ حطامي
قلبي يكابدُ انبثاق الحنين
وأصابعي ترسم شهقة الكلمات
يا أمّي كلّ الجهات خجلى
من فراشات دمعتكِ
صوتكِ يحفرُ عتمة الآفاق
ليحتضنَ ارتعاشات احتضاري
صوتكِ عباءة الملائكة
وأصابع لنجوى النّدى
خذي من جرحي أوراق القصيدة
تيبّس الكلام على قارعاتِ
صمتي
وتسوّرت صرختي بصحارى النّار
أحبّكِ أمّي
هكذا تركض بي وديان قلبي
وتعرّش باسمكِ
أشجار روحي في كلِّ ولادة
سأنام على أطراف انتظاري
علَّ أصابعكِ تمسح عطشي.*
إسطنبول
* غضب..
قصيدتي اليوم بلا فمٍ
ومن غيرِ أجنحةٍ
سأبعثرُ فضاءها
وأحتطبُ غيومها
وأشنقُ معناها
ستقرئينَ
أسطراً من فراغٍ سحيق
كلمات ابتلعت قامتها
سأكتبُ عن غيركِ
أتظاهرُ بنسيانكِ
وأنّكِ لم تعودي
تستحوذينَ على اهتمامي
نعم
سأنتقمُ منكِ
وأخونكِ بضراوةٍ
لأثير فيكِ الاهتمامَ
وأحرّضُ قلبكِ المثلّج النّبض
على الغيرةِ الحمقاء
ستندمينَ
وتحلمينَ
وتعيشينَ
بانتطار قصيدتي
النّاقمة
على حبٍّ
قاتل.*
إسطنبول
* دمعُ إسمي..
ألملمُ انكساراتِ موتي
أعلِّقُ فضاءاتي على حبلِ وريدي
وأعدو صوبَ شهقةِ الأفول
مكثتُ في دمعتي عمراً
أبحثُ عن بوّابةِ الرّملِ
زرعتُ في عروقي شتائل المدى
سيّجتُ احتراقي بالبحرِ
حفرتُ قبري في جوفِ قصيدتي
ورحتُ أهزُّ بجذعِ قهري
تساقطَ عليَّ جمر صمتي
أنا التّائه في أدغالِ قفاري
المنفي من أرض عطشي
إلى صحراءِ دفاتري
تستبيحني كلماتي كلّما انفردت بي
تقفز على متّنِ صمتي
أمدُّ لغتي أجنحةً لخرابي
أوزّعُ ينابيع دهشتي
على خريرِ اختناقي
وأقبضُ على سحابِ تشرّدي
أصادر نوافذي
من هبوبِ السّراب
أتمسّكُ بلهاثِ آهتي
ياوجهَ التّلاشي الأمرد
توقّف
عن سرقة خطايَ
وابتعد عن نزيفِ شفقي
أغوصُ في عتمةِ النّار
أشفقُ على وهنِ الأرض
تعبت دروبها من البحثِ عنّي
وأنا أشيّدُ برجَ الغبار
أتصيّدُ الصّدى
لا شيء يشبه اسمي
إلاّ أمواج العدم.*
إسطنبول
* أشجان الليل..
للّيل مرايا..
تشفٌ عن الأحزان
لا تترك وحدتك بمفردها
تثرثر طوال صمتكَ
تجبركَ على الكلام
ويصغي الليل إليكَ
سكون الغرفة لا يقاطعكَ
حتى السجائر تتعاطف مع بوحكَ
يتحدث قلبك عن شوقه
في صوته دمع مستتر
يسأل بارتباكٍ وحيرةٍ
عن خاتمةِ الانتظار
ولروحكَ دور في التحدثِ
وطرح بعض الأسئلة
عن نهاية صبرها الملتاث
وتحكي الهواجس ما عندها
والذكريات تطلّ بكلِ لحظةٍ
كلّ ما فيكَ يشارك بالحوار
الأماني ضاقت ذرعاً
والنجوى تختنق بعبارتها
حتى أصابعك تتلهف للمسة
حضنكَ لتنهيدة
ذات لهب
لا شيء فيكَ يصمت
الليل يبذل كلّ ما بوسعه
ليطيب خاطر الحرقة
نامت الجدران
إلآ أنت
وحدكَ..
تحرسها من الكلام
وسقف الغرفة يهدهد أنينك
تمسد الوسادة براحة أنوثتها
جبين وحشتكَ
لا يغفو بقلبك الحنين
الجريح
الليل وحده
يعرف ما يعتريكَ
يربت كلّ حين..
على أكتافِ أوجاعكَ
مجروح الفؤاد
فؤادكَ
من غياب طال
ولا تعرف..
كم سيدوم؟!*
إسطنبول
* شجر النبيذ..
سأدفنُ السّماء
بصدركِ
حينَ أُمطرُ عطري
على واحاتِ جيدكِ
وسأتركُ قمري يتوضّأ
من رذاذِ بوحكِ
أصابعي..
تعزفُ على صلصالِ الغيم
نشيد الاكتواء.. الملظّى
وأهمسُ..
في فضاءِ القبلات
أوجاع النّاي في صخبي
أعبّ..
من بحرِ أنفاسكِ
موسيقا الرّفيف
وأحلّقُ..
في أدغالِ الشّهيقِ
أذرفُ..
ماتبقّى من قلقٍ
مستعرٍ
تحتَ أشجار النّبيذ.*
إسطنبول
* عصيان..
تدغدغُ احتراقي
ضفائرُ السرابِ
وتلثمُ انكساري
ينابيعُ اليباسِ
أضمُّ إلى صدري
دمعَ ارتحالي
وأنادي..
مَن شيّعَ جثمانَ غيابي
ازرعوا دمعتي شتلةَ أفقٍ
أنيروا مهجةَ الحنينِ
لغيمةٍ تزحفُ
على صدر العطش
تبحثُ عن سماءٍ تلبسُها
الشمسُ أدارت ظهرَها
لخطواتي..
و رحتُ أتخبطُ
في قفصِ العتمةِ
وكانَ الرمادُ يقهقِهُ بصفاقةٍ
على شفتيِّ أوجاعي
أتوجسُ صوتَ الموتِ
أتهجسُ نظراتي
وأنا أهربُ من حصارِ
فكرتي
المتورمةِ بالسقوطِ
أعاندُ مرورَ الرياحِ
أتجنبُ تقيؤَ الذكرياتِ
سأمنعُ الندى منَ الانتحار
وسأشدُّ وثاقَ الجدار
كي لا يتهاوى
فوقَ عَراءِ الروحِ
أتمهلُ بمغادرةِ أنفاسي
إني أعلنُ العصيانَ
سأجدُ في هذا الفضاءِ
مكاناً لدبيبِ ظلي
وسأتركُ لقلبي
حريةَ الصهيلِ.*
إسطنبول
* أضغاث السراب..
مالحٌ هذا الهواء
يزكمُ أجنحةَ الجّوع
يقفزُ خلفَ الورد
يغتصبُ أوردةَ العطر
ويعربدُ في حنجرةِ الدّمع
لا يأبهُ لاحتجاجاتِ الدّروبِ
ولا لشهيقِ الحجارةِ
في ضحكتهِ صدأ الغيم
وتهدّج الصّقيع الأسود
يتنفّسُ نبضَ شفاهنا
ويسقينا من رعدِ السٌماء
يقعي على أردافِ خيبتنا
يحاصرُ أضغاثَ السّراب
ولا ينفكّ عن بعثرةِ نهوضنا
هواءٌ من جلدِ العدم
ينفخُ في أحشاءِ السّعيرِ
يهطلُ من فوقنا جمرٌ
ينداحُ في صحراءِ دهشتنا
إنّه مضغُ الرّمل
أصابعُ الشّتات القارس
شدقُ الهاوية
انحدار هزيمتنا القصوى
تاريخ انتحارنا الجّماعي
قتلُ البباض
النّابت من عراءِ القلوبِ
هواءٌ أشعث القلب
أسودُ الملامحَ
أحمرُ الخطا
مدبّبُ الرؤى
يهاجمُ شرفات تآخينا
يشرذمُ دفءَ التألّق
يمحقُ بسماتنا
يشنقُ قبلاتنا
ينفثُ في بيوتنا
اعصارَ الكرهِ والمجون
يقتلعُ بهاء الندى
من جذورِ أرواحنا
إنّهُ موسمُ الهلاكَ الجّانح
حصادُ الفاجعة
سوّرَ البلاد بظلّهِ
اقتحمَ مملكة النّرجس
هبَّ علينا من أصقاعِ الكفرِ
ومن لحاءِ رغيفنا
الذي كنّا نتقاسمه.*
إسطنبول
* يقظة..
نعم..
يتلوَّثُ البياضُ بسهولةٍ
ويسمَّى
تلوثاً على بياضِ
لكنّ لا أحدَ
يمكنُهُ تلطيخُ الندى
ولايجرؤ أحدٌ
اتهامَ النّايِ بالخيانةِ
فَمِن طبعِ الدّيوثِ وحدَهُ
أن يستبيحَ عرضَهُ
وَمِن صفاتِ العميلِ وحدَهُ
أن يسلمَ البلادَ
لأعدائِها
انتبهي سوريتي
كم غريباً
يدنّس اليوم ترابَكِ
طامعاً!
وهيهاتَ
ستنفجرُ أرضُنا بكَ
أيّها المحتلُّ
فنحنُ شعبٌ دائمُ
اليقظة.*
إسطنبول
* جنّتي..
على جدران الأبد
رسمت صورتكِ
وأنتِ تمتشقين لهفتي
قلبي يحمل سيفه
ليحرسكِ من الحسد
رسمت لكِ سبع سماوات
تشرب منكِ الرحاب
وتتوضأ من أنفاسكِ
وتستعير من عينيكِ المدى
ضوؤك يعمر أجنحتها
وصوتكِ يؤذن للنجوم
وقت الصلاة
تحتضنكِ قصيدتي
وأنتِ توزعين على السديم
ما يقتاته من حنان
وجهكِ بوح الندى
عنقكِ من رعشات الرذاذ
وصدركِ من حليب النسيم
يارحيق دمي
وسكّر الغيم
يا عشق جوارحي
وزغب قصيدتي
يا مطر الريحان
ونافذة أنفاسي
في راحتيكِ انعتاق البراري
وفي شفتيكِ نبيذ قهري
سأشبع موتاً في احتضانكِ
وأرتوي من البكاء
في حضرة همسكِ
لكِ النبض يخشع
لكِ الروح تستباح
ولكِ عمري يفرد أيامه
ويتخلى لكِ عن جناحيه
حبيبتي ..
مدينتي التي طردت منها
جنتي.*
إسطنبول
* إنكار..
ليس دمعي هذا الذي يحترق
وليست بآهتي
تلكَ المسافات الهائمة
ولم تكن كلماتي
هي التي نهبت ذاكَ الطّريق
تعرّت الأشجار من بكائي
وخلعَ السّحابُ عني اختناقي
لستُ من يناديكِ
أنا دفنتُ صوتي
تحتَ رمالِ الظلال
وتركتُ قلبي حبيسَ الهباء
فإذا دقَّ عليكِ بابكِ
اعلمي أن يدي قد بترها الجّفاء
وإنّ هذا الذي يتراءى إليكِ
ليس أنا على الإطلاق
حتى وإن كان يشبهني
فأنا طردتُ نفسي من نفسي
وابتعدتُ عن كلِّ مابداخلي
لا وجود لي
إلّا في خيالكِ
فلو أنّكِ ارتميتِ على صدري
لن تجديني
ومهما تمسّكتِ بجدرانِ روحي
مؤكد أنّكِ لن تلمسيني
ذات جنونٍ كنتُ أحبّكِ
وأبعثُ إليكِ شموسَ ابتسامتي
وأهديكِ قبلات النّدى
في مطلعِ كلِّ قصيدة
لكنَّ هواكِ كانَ مؤلماً
دائماً يتنكّر لحناني
ويدلقُ الخيبة على ورودي
كم أحببتكِ؟!
يامن على يديكِ صلبَ نبضي
وكم أردتكِ؟!
يااللتي أهدت لي الاندثار!*
إسطنبول
* خرابُ الضّوء..
تصرخُ بوجهي المسافاتُ
لا تبتعد
وأعدُّ جراحَ الأرضِ
في دمعتي
شاسعٌ هذا الاختناقُ
يسحقُ رياحَ الحنينِ
وتخطو بي لهفتي العاتيةُ
صوبَ انكساري
وأطلُّ على رؤى الشّروقِ
يسبقُني غيمُ الرّمادِ
يتلقفُني جمرُ الهاويةِ
ويطعنُنِي ظلّي بخنجرِ السّرابِ
أرتمي في حضنِ العطشِ
ليشربَني دمي في صحنِ العدمِ
يتلوّى الجوعُ في لغتي
تنزفُني القصيدةُ
فوقَ بحّةِ الرّملِ الشفيفِ
أنا حطبُ الشّوقِ
يغرسُ في نبضي المدى
زوابعَ الافتراءِ
ومذنباتِ السّديمِ العاثرةَ
لا يبرحُني السّقوطُ
في وحلِ الجَحيمِ
أتلظّى بانهمارِ الأفقِ
القابعِ في غصّةِ ارتحالي
يا أيّها التّيهُ أجِرني
من رمضاءِ لهاثي
أبحثُ عن أرضٍ
تتحمّلُ ثقلَ أوجاعي
عن بوابةٍ تتّسعُ
لخيبتي
وعن سماءٍ تظلّلُ
تشرّدي
وعن جدوى لهذا الموتِ
الجَامحِ في بلادي
كخنزيرٍ أسودَ
صارَ الغيمُ يحملُ جثثاً!
صارَ البحرُ مرتعاً للدمِ!
والأشجارُ تثمرُ جماجمَ!
وأصبحَ الخرابُ يطفو
على زبدِ الضّوءِ!
وغدا النّدى شراشفَ القتلى!
أحتكمُ للفناءِ
على هذا الصّمتِ الآبقِ!
صمتٍ على ذبحِ البهاءِ!
صمتٍ يكمّمُ أفواهَ الثّكالى!
صمتٍ يلجمُ احتجاجَ التّرابِ!
دمُنا يرفرفُ فوقَ الشّفقِ
دمُنا يصيحُ بوجهِ الملأ
أوقفوا القتلَ يا سادةَ التّوحشِ
أيها النّبلاء!*
إسطنبول
* أعاصيرُ العمر..
ينفلتُ العمرُ منّي
يتهاوى..
على بكائي
يعدو دونَ دروبٍ
تتسرّبُ منهُ خطايَ
تنسابُ دهشتي..
من نارِهِ
ترتمي صرختي..
من نجواهُ
وفي جيوبِهِ رمادُ ضحكاتي
مبتلٌ بعطشي
عمري يدقُّ فضاءَ هواجسي
لا يأتمنُ لأمواجِ الخرابِ
تسقطُ من يديهِ أشرعتي
ينهزمُ إلى آخرِ انكساري
كأنَّ الأرضَ تأكلُ منّي مدايَ
كأنَّ الشّجرَ يصطادُ رئتيَّ
والسّماءَ بالاغترابِ ترميني
آهِ يا عمراً يرتّقُ ملحَ العراءِ
يحتطبُ أوجاعَ هزائمِنا
ينادي أصابعَ الذّكرى
آهِ ياسلالمَ البهاءِ..
تصعدُ نحوكِ أسرابَ الضّغينةِ
تمسكُ ببحةِ نزفي
تتأبَّطُ رمالَ الجِهات
تصعدُ إلى ظلِّ نهاري
تشدُّ منّي ضفائرَ نومي
تطبقُ على ارتجافي
تحملقُ في هزيعِ جنوني
ولا تبرحُ أسوارَ احتضاري
وأنا..
أختبئُ تحتَ صمتي
أزدردُ خيبتي
وأقضمُ جليدَ موتي
هارباً من إعصارِ بلادي.*
إسطنبول
* شعرة من غرّتكِ..
لو كنتُ أملكُ شعرةً من غرَّتِكِ
كنتُ حكمتُ العالَمَ
وصارَ الربيعُ بيدي خاتماً
وتأتيني الفصولُ خانعاتٍ
الشّمسُ تشرقُ حسبما أُريدُ
والقمرُ يطلُّ برغبتي
سأمنحُ الوردَ ألواناً جديدةً
وشذى أقوى وأروعَ
وسأزيدُ من سحرِ الفراشاتِ
وأعطي للنسمةِ طاقةَ الحنينِ
الأرضُ سأطيلُ من عمرِها
وأعطي للبحرِ سلَّماً
ليعانقَ السَّماءَ
وأنشرُ الفرحَ في كلِّ مكانٍ
أقدِّمُ للمرضى عقاقيرَ الحياة
لو كنتُ أملكُ شعرةً من غرَّتِكِ
سيأتي إليَّ الموتُ
يسألُني أن أعفيَهُ من مهمّتِهِ
وأكلّفُهُ بعملٍ آخرَ
ومفيدٍ
ويسألُني الليلُ
عن إمكانيةِ أن يبدّلَ ثوبَهُ
بلونٍ آخَرَ
وسيطلبُ الرّعبُ منّي الأمانَ
والحزنُ سيخلعُ أوجاعَهُ عندي
لو كنتُ أملكُ شعرةً من غرّتِكِ
سيزيدُ عمري ألفَ عامٍ
وأصيرُ أقوى أجملَ.*
إسطنبول
* ولادة..
حينَ أموتُ
لن أخبرَ أحداً
سأحملُ جثماني
على ظهرِ حُلُمي
وأمضي
أرقدُ تحتَ زيتونةٍ
في بلادي
وسأختارُ مكاناً
يطلُّ على النّشيدِ الوطني
وقلعة حلب
علَّ نسيم الليل
يحملُ إليّ أغاني القدودِ
لأحضنَ الشّجرةَ وأراقِصُها
ويكون القمر في السّماءِ
ضابط الإيقاع
وستشاركنا كلّ النّجوم
بالدّبكةِ والتّصفيقِ
والهتافِ
لسوريّة القادمة.*
إسطنبول
* قهقهةُ العدم..
أُقبّلُ أقدامَ الفضاء
أن يتَّسعَ لمرورِ آهتي
وأنحني على يَدِ الرُّكامِ
ليحنو على انهياري
وأؤدي التَّحيَّةَ العسكريَّةَ للرماد
وأعترف
أنَّهُ سيّدُ الأوطان
لا أفقَ إلّا السّقوط
لا سيادةَ إلّا للهلاكِ
يطالعنا الصّباحُ بأمواجِ الجُّثثِ
وكرامتنا مصلوبة
على جدرانِ الاغتراب
قد تنفجر النّسمة
في وجهنا فجأة
قد تحاصرنا استغاثاتنا
على حينِ غرّةٍ
وقد تنبذنا الأرض
ونحنُ سُجَّدَة
يلاحقنا الانهزام
أينما ولّينا الأدبار
في ظهرنا قهقهة العدم
وخطاوينا
تتواثب في النّارِ
يتنصّلُ من احتضاننا
التّراب
وينكمشُ الماءُ عن حناجرنا
وحدهُ الموتُ يتأبّطُ أحلامنا
ويقتادنا إلى سراديبِ
السّدى.*
إسطنبول
* حافّة العراء..
تركتُ عندَ حافّةِ صرختي
سحبَ الحنين
وبقايا احتراقي
وكنتُ أهجسُ بوميضِ السّكون
أطوّقُ ينابيعَ الرّماد
وأسدُّ نوافذ السّراب المهشّمة
ليسَ موتي
من يعيق ولادة الدّروب
وليست كلماتي
من ستشيّدُ جنون الرّحيل
أنا أعبثُ برمالِ ضحكتي
وأقفزُ في فضاء البكاء
وفي كلِّ حينٍ
أبعثرُ مجيء الحصار
في يدي
بضع آهاتٍ نازفة
وعلى أجنحةِ غيابي
يتراكمُ عويل الخراب
أنا صلصالُ الهزائم الرّاهنة
ونيرانُ النّدى الموؤود
أصعدُ أدراجَ الوقت
لأعلن عن ولادةِ العراء
تحملني أعاصير الشّهوةِ
لحنينِ النّايَ الماطر
وأوزّعُ على بهاء البلاد
أغصان جثتي الحالمة
بشفقٍ يغنّي نشيدنا الوطنيٌ
وبحر تجيدُ أمواجه
التّحدث بلغتنا الورقاء
وشواطئ تهلّلُ للسلام.*
إسطنبول
* بكاء الفواجع..
لكنَّ دمي يورقُ وجهَكِ
وأراكِ تنهمرينَ على أسطري
يا نجوى الارتحالِ
تطوفينَ على وحشتي الصّفراءِ
قصيدةَ صلاةٍ وتوقٍ
تغمرينَ ابتهالي اشتعالاً
يا رمقَ الضّوءِ في صرختي
وإنِّي أحبُّ فيكِ ضحكةَ الأشرعةِ
فاتركيني أموتُ على ضفةِ نارِك
وأنمو في هضابِ همسِكِ العاتي
تعالَيْ..
أسردُ عليكِ حكايةَ حصاري
وقصّةَ عشقي لأمواجِ غيابِك
عسى سمائي تستظلُّ بهدبِكِ
وتنامُ أصابعي في حنايا مروجِكِ
يا حضنَ النّدى
كم عطشتُ لبوحِ راحتيكِ
أحبُّكِ أكثرَ ممّا شاء المدى
وأردتُكِ
فوقَ احتمالِ عمري
فمدّي إليَّ جسوراً
من فيضِ عطرِكِ
تبكي ضحكتي على أسوارِ صمتِكِ
وتنتحرُ كلماتي
عندَ أعتابِ قفارِك
إلامَ قلبي يصدحُ بغصّتِهِ؟!
وروحي تحفرُ موتَها
في جليدِ رمادِك
تعالَيْ..
خذي عنِّي غرامَكِ
ما عدتُ أطيقُ انهزامي
ولا عادت قصيدتي تأتلفُ مع أحرفي
بكتنيَ الفواجعُ
وأحرقتني الليالي الطّويلةُ
كم في حبِّكِ لاقيتُ العذابَ؟!
أكلتُ من ثمارِهِ
علقمَ التّرابِ
وما زلتُ أنادي إبتعادَكِ.*
إسطنبول
* رسالة سوريا..
صار قتلنا هواية للآخرين
يمارسها كل باغ رخيص
لا اعتبار لشعب عريق
ولا لإنسانية رفدت العالم بالأبجدية
شهوة للأمم صار دمنا
يهرقون منه ما يحلو لهم
لا أحد يحاسبهم على ذبحنا
ودمار مدن بأكملها
يجربون علينا ما اخترعوه من أسلحة
روسيا التي طوال عمرنا
نعتبرها صديقة تبيدنا
ولا من سبب لها أو مبرر
روسيا التي أحببنا كتابها
وأدبها الإنساني بلا إنسانية اليوم
لو يقولوا للمقتول عن جريمته
لمات منشرح الصدر
غصة في أرواح قتلانا
وأسئلة لا تنتهي طوال موتهم
ويدعون التحضر والتمدن
والتقدم الفكري والعلمي
وهم وحوش هذا العصر
الطاغية نعرف أسبابه
يظن أنه ورثنا عن أبيه
وليس من حقنا أن نتمرد على ظلمه
ليس من حقنا محاسبته عن خياناته
وسرقة خبز الشعب!
لكنا لا نعرف سبباً لدعمِ روسيا له
مصالح إقتصادية؟!
وهل ثورتنا ستضر بمصالحهم؟!
إذاً هم أصحاب مصالح باطلة
ليس من مصلحة الثعالب
أن تسيج الأرانب جدرانها
ليس من مصلحة الغربان
أن تأوي العصافير ألى أعشاشها
دمنا صار مباحاً
بتأييد من مجلس الأمن!
يتحدون .. مشيئة الله.. في خلقنا
وأخوتنا العرب.. لا صوت لهم
سوى الشخير
على مقاعد الأمم المتحدة
لا أحد يساندنا
إلآ جدراننا المدمرة
بعضهم ذرف دمعة كاذبة
والبقية..
يعقدون الصفقات مع الطاغية
وإيران..
البلد الشقيق المسلم
شنت علينا حقدا أسودا
منهم من يستلذ بأكل لحمنا
ومنهم من يسكره دمنا
بحثوا عن مبرر..
سينتقمون بعد كل هذا الزمن
لمقتل سيدنا الحسين!
وهم من باعوه وخانوه
وتآمروا عليه وخدعوه
ونحن نجلّ الحسين لأنه حفيد الرسول
كثرت علينا جحافل القتلة
شيعة لبنان والعراق
وكل أصناف المرتزقة واللصوص
أرسلوا علينا داعش صنيعتهم
وما أدراكم ما داعش
باسم الإسلام تقتلنا وتكفرنا
وتسبي النساء..
قدمت للطاغوت مبررات جمة
أعطت للغرب
صك الكراهية للمسلمين
ولن نكره الكرد..
من أجل حفنة من الحمقى
هم أخوتنا..
شركاؤنا في المصير والوطن
ستبقى سوريا..
موئل الأديان والطوائف
وسنشد من أزر العلويين
الذين لم تتلطخ أياديهم
بالدّم
سوريا نضارة الحضارة
وسينتهي..
هذا البلاء.*
إسطنبول
* درب الأفول..
أَمشي على وجعي المديدِ
خطايَ مثقلةٌ بالنحيبِ
يرافقُني انكساري
ويصحبُني جمرُ التّنهداتِ
أمشي فوقَ لهاثي
ويلوّحُ لي دربُ الأفولِ
أستبقُ دمعتي
تطاردُني خيبتي
ويركضُ في دمي السّقوطُ
يسدُّ عليَّ السَّرابُ الجِهات
من هُنا هاجمتني ضواري الظّنونِ
وامتدت إليَّ ألسنةُ البوادي
الشّمسُ تقعدُ فوقَ أنفاسي
السّماءُ تتمسّكُ بحنجرتي
والهواءُ صارَ شوكاً
خلفَ أسوارِ الموتِ الشّاهقةِ
ترزحُ مدينتي
فمن يأخذُني إليها يا جنونُ؟!
قصيدتي عطشى للفضاءِ
وأحلامي جفَّت فيها النّوافذُ
أُشيّعُ عمري كلَّ يومٍ
وأُودعُ ما تساقطَ من أفقي
يشربُني الحنينُ الهائمُ
ويأكلُ الصّمتُ من أحرفي الذّابلةِ
الوقتُ ما عادَ يأبهُ لوقتِهِ
والأرضُ تلتهمُها القبورُ.*
إسطنبول
* آهٍ بلادي..
حَجَرٌ يَهوِي بِلَهفَتِي
يَصطَدِمُ بِأضواءِ حنيني
وَيُحَطِّمُ نسائمَ عُشبِي
النَّابتِ في حقولِ نبضي
وَيَنبَثِقُ دَمُ صَرخَتِي
فَتَغرَقُ سُفُنُ القصيدَةِ
وتبكي المَسَافَاتُ
داخِلَ غُصَّتِي
فَيَتَقَدَّمُ العراءُ
يُنهِضُ عنِّي رَمِيْمَ نِدَائِي
وأنا أحِنُّ إلى خُبزِ بلادي
وهوائِها المَحشُوِّ بالسُكَّرِ
وإلى قمرٍ كانَ يُدَغدِغُ قلبي
ويُلاعِبُ أسطُرِي
وأحِنُّ إلى شَجَرٍ يُثْمِرُ النَّدَى
وإلى ماءٍ تَشَرَّبَ الضَّوءَ
بلادي تَعشَقُهَا الشَّمسُ
بلادي إلهَامُ المَطَرِ
وبلادي أنفاسُ الفضاءِ
ومَقَامُ السَّماءِ
وأصابِعُ الزَّمنِ
فيها ينمو الخلودُ ويَكْبُرُ
دُرَّةُ الأرضِ هِيَ
وتاجٌ على رأسِ التَّكوينِ
آهٍ بلادي..
كَمْ أنا ميِّتٌ بِدُونِكِ؟!
وكَمْ ذرفتْ عَلَيْكِ رَوحِي
القَصَائِدَ؟!*
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - قراءة الأستاذ نزار أبو رأس..
02 - أبجدية القبلات
03 - الخلود
04 - ظهر الفراغ
05 - خيبة الموت
06 - أبواب الصدى
07 - ندى الجنون
08 - تنور الولادة
09 - ويلات
10 - شواطئ النصر
11 - أواصرُ الحنينِ
12 - رقصة الإنتحار
13 - ثغاء الدّم
14 - غضب
15 - دمع إسمي
16 - أشجان الليل
17 - شجر النبيذ
18 - عصيان
19 - أضغاثُ السراب
20 - يقظة
21 - جنّتي
22 - إنكار
23 - خراب الضّوءِ
24 - أعاصيرُ العمر
25 - شعرة من غرّتكِ
26 - ولادة
27 - قهقهة العدم
28 - حافة العراء
29 - بكاء الفواجع
30 - رسالة سوريا
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى