محمد أبوعيد - بين شارع وشاعر

شارع أصم

أثناء هروبه من الظلام

سقطت نوافذه في رأس شاعر

الشاعر لا يملك غير صوت واحد

طبعا من الممكن يتوكأ عليه ويذهب للنداء

المشكلة أن الأشجار لا تمر من أمام صداه


شحن قبضة يده بالقصائد

صعد رماده العالي

ودق على رأسه بقوة

لم يجد نافذة واحدة

تأخذ أنفاسه إلى أول شجر

خبط رأسه في سقف الهواء

لا حياء لا حياة على سرير الدجى

ولا ستائر تحمي قطيع النوافذ من ذئاب الصقيع

أين الراعي ؟ بل أين المرعى ؟ .......


سرب فناء يعوي في الليل الطويل

نزل اليباب على النيام بقسوة

مصابيح الزهور ممددة على الجماجم

الدمع القاني يغسل جراحات الأرض

والمدينة التي فقدت بالأمس شارعها

لا تملك في عروقها شمس .......


!! ( إن أعجب ما في المدينة أنها ترى الغد جيداً في مرآة الشارع الذي يسكنها ؛ لكنها لا تؤمن أبدا بما تراه إلا عندما يدخل عليها الظلام بجيوش الرماد يحتل نوافذها ويقتلع حدائقها التي سقاها الشاعر من عين قصائده حتى صار ضريرا ) !!


علاقة الشاعر مع المدينة في غياب الشارع

أشبه بعلاقة رجل متزوج من امرأتين

هذه تتلون لتجذبه نحو غايتها والأخرى كذلك

وهكذا حتى يسقط في النفاق وتترمد أشجاره

وتذهب كل واحدة إلى المجهول من ظلام واحد !


سقطت أجنحة الشمس وليس على البئر دلو

وقافلة الماضي لا تمر على اليوم

من يشتري النور الذي سقط ؟!

انطفأت الطيور ورئات الهديل عادة بلا شموع

من ينفخ الجمر الخامد في الرماد الهامد

الأنفاس في الغياهب أسيرة الصمت والانكسار ؟


المدينة رفضتت تماما أن تتعلم فن العوم

عند مصب الشرود الهادر غرقت في الحيرة

لم تر غير البحر أمامها والظلام خلفها

وقفت بين شهيق وزفير تنتحب في النداء

ولا شيء في النحيب يجيب ؟

رحلت آخر أسراب الأطواق

وليس في الذاكرة غير نغزات الندم

شقت شوارعها نصفين

قدمت الأول للبحر الموار

وألقت الثاني للظلام المفجوع

ثم تبخرت ...... !!


محمد أبوعيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى