مقتطف محمد إسعاف النشاشيبي - نقل الأديب

353 - على هذا بنيت الدنيا

أُنشِد عمر (رضي الله عنه) قول عبدة بن الطيب

والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش: شح وإشفاق، وتأميل

فقال: ما أحسن ما قسم! على هذا بنيت الدنيا

354 - بلى، إن للعينين في الصبح راحة

في (الموشح) للمرزباني: الشعراء على أن الهموم متزايدة بالليل - متفقون، ولم يشذ عن هذا المعنى ويخالفه منهم إلا أحذقهم بالشعر. والمبتدئ بالإحسان فيه امرؤ القيس فإنه بحذقه وحسن طبعه وجودة قريحته كره أن يقول: إن الهم في حبه يخف عنه في نهاره ويزيد في ليله، فجعل الليل والنهار سواء عليه في قلقه وهمه وجزعه وغمه فقال:

ألا أيها الليل الطويل، ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فأحسن في هذا المعنى الذي ذهب إليه وإن كانت العادة غيره، والصورة لا توجبه. ثم صب الله على امرئ القيس بعده شاعراً أراه استحالة معناه في المعقول، وأن القياس لا يوجبه، والعادة غير جارية به، حتى لو كان الراد عليه من حذاق المتكلمين ما بلغ في كثير نثره ما أتى به في قليل نظمه، وهو الطرماح بن حكيم فإنه ابتدأ قصيدة فقال:

ألا أيها الليل الطويل ألا اصبح ... بِبَمّ وما الإصباح فيك باروح

فأتى بلفظ امرئ القيس ومعناه ثم عطف محتجاً مستدركا فقال:

بلى، إن للعينين في الصبح راحة ... لطرحهما طَرْفيهما كلَّ مطرح

فأحسن في قوله وأجمل، وأتى بحق لا يدفع، وبين عن الفرق بين ليله ونهاره

355 - أحسن منها على حيطان جيرانها

في (كتاب الصناعتين): قيل لبعضهم ما بلغ من حبك لفلانة؟

فقال: إني أرى الشمس على حيطانها أحسن منها على حيطان جيرانها

356 - أبو رياح في (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) للثعالبي: أبو رياح تمثال فارس من نحاس بمدينة حمص على عمود حديد فوق قبة كبيرة بباب الجامع - يدور مع الريح حيث هبت، ويمينه ممدودة، وأصابعها مضمومة إلا السبابة، فإذا أشكل على أهل حمص مهب الريح عرفوا ذلك به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه ولذلك كني بأبي رياح. وقد يقال للرجل الطائش الذي لا ثبات له: (أبو رياح) تشبيهاً به، وقيل:

أفّ لقاض لنا وقاح ... أمسى بريئاً من الصلاح

كأن دنيته عليه ... غراب نوح بلا جناح

وليس في الرأس منه شيء ... يدور إلا أبو رياح. . .

357 - فليس لخوفه يبدين حرفا

قال جحظة: كنت مع ابن الرومي فرأينا (أبا رياح) على دار ابن طاهر. فقلت له: صف هذه الشرفات وأبا رياح، فقال:

ترى شرفاتها مثل العذارى ... خرجن لنزهة فقعدن صفا

عليهن الرقيب أبو الرياح ... فليس لخوفه يبدين حرفا

358 - حرمته ماءه ومرعاه

في (السلوك) للمقريزي: في سنة (664) اشتد إنكار السلطان للمنكر، وأراق الخمور، وعفّى آثار المنكرات، ومنع الخانات والخواطئ بجميع أقطار مملكته بمصر والشام. قال ابن المنير قاضي الإسكندرية لما وردت إليه المراسيم بالإسكندرية وعفي متوليها أثر المحرمات:

ليس لإبليس عندنا أربٌ ... غيرُ بلاد الأمير مأواه

حرمتَه الخمر والحشيش معاً ... حرمتَه مأواه ومرعاه

وقال أبو الحسن الجزار:

قد عُطل الكوب من حبابه ... وأخلي الثغر من رضابه

وأصبح الشيخ وهو يبكي ... على الذي فات من شبابه

359 - دعني أمش في ضوء رضاك في (أمالي) القالي: قال جحظة: دخل رجل على عمر بن فرج فتنصل إليه من ذنب له فرضي عنه، فلما خرج قال: يا غلام، خذ الشمعة بين يديه

فقال: دعني أمشِ في ضوء رضاك. فاستحسن ذلك وأمر له بصلة حسنة

360 - فيأخذها غيرهم فيزن فيها

في (إرشاد الأريب): جرى مع أسعد بن المهذب حديث النحويين وأن أحدهم ينفد عمره فيه ولا يتجاوزه إلى شيء من الأدب الذي يراد النحو لأجله من البلاغة وقول الشعر ومعرفة الأخبار والآثار وتصحيح اللغة وضبط الأحاديث. فقال الأسعد هؤلاء مثلهم مثل الذي يعمل الموازين وليس عنده ما يزن فيه، فيأخذها غيرهم فيزن فيها الدر النفيس والجوهر الفاخر والدنانير الحمر

قال ياقوت: وهذا عندي من حسن التمثيل


مجلة الرسالة - العدد 245
بتاريخ: 14 - 03 - 1938

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى