إحسان عبد القدوس - الطموح..

الفتاة الطموحة لا تستطيع أن تحب.. إن طموحها يغلب عواطفها وأنوثتها حتى لا تعود تراهما أو تحس بهما.. وكلما اشتد طموحها بعدت عن عواطفها وأنوثتها..
وقد روت لي قصتها.. قصة فتاة في السادسة عشرة من عمرها، أحبت.. وكان يمكن أن تسعد بحبها.. ولكن طموحها غلف هذا الحب بغلاف سميك فلم تعد تحس به، وظنت أنها تستطيع أن تستغني عنه.. وسارت في الطريق الطويل الذي اختارته لنفسها.. الطريق الذي لا ينتهي.. ولم يَعُد الرجال في حياتها سوى درجات سُلّم تصعد عليه، وبعضهم غذاء لابد منه.. إلى أن وصلت.. أو تعبت من كثرة الصعود فاستراحت على إحدى القِمم.. واسترخى طموحها، وبدأ الغلاف السميك ينزاح عن عواطفها.. وعادت تحس بالحب.. نفس الرجل الذي أحبته وهي في السادسة عشرة.. وبدأت تتساءل: هل أخطأت عندما ضحّت به في سبيل طموحها.. وبدأت تحس بالندم.. تحس أنها ضيعت عمرها في سبيل أوهام.. إن كل ما وصلت إليه أوهام.. الشهرة والمال والنجاح، كلها أوهام.. إن الحقيقة الوحيدة في الحياة كلها، هي: الحب! وخرجت تبحث عنه.. نفس الفتى الذي ضيعته ووجدته في الثامنة والثلاثين من عمره.. قويا يافعا لا يزال في مرح صباه.. وتقدمت إليه في خطى مرتجفة وعيناها معلقتان بوجهه الأسمر..
ونظر إليها كأنه يتذكر شيئا، ثم قال:
- ياه.. مالك عجّزتي كده.. اللي يشوفِك يقول عليكي أكبر مني!
***
وأحست كأنه طعنها.. إنها فعلا تبدو عجوزا.. لقد امتص طموحها كل شبابها وكل حيويتها.. وتركها تفلا كالبرتقالة الممصوصة!
وقالت له في صوت مرتعش:
_ حدثني عن نفسك!
ولم يحدّثها، إنما جذبها من يديها كأنها طفلة وسار بها إلى بيته.. بيت متواضع، ليس كبيتها.. ليس فيه نجف كريستال ولا مقاعد أوبيسون.. ولكن فيه ضحك ومرح وطيبة وحب.. زوجته تضحك، وأولاده يضحكون، والمقاعد الخشبية تضحك..
وقال لزوجته وهو يقدمها إليها:
- ألا تعرفينها.. إنها حبي الأول!
وقالت زوجته في مرح:
- أهلا.. أنا حبه الأخير!
***
وعادت إلى قصرها الأنيق.. إلى الوحشة والفراغ.. والندم!


~تمت~



1711619910124.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى