خير جليس طلعت قديح - "لكل شكل من الكتب.. مُريدوه!"

الحديث عن الكتاب المطبوع والكتاب الرقمي ليس حديثًا عن علاقة بين مُنتَج ومنتج آخر، وإلاَّ لكانت هذه النظرة سطحية بل وتصل إلى حدّ السّذاجة.. وهذا يأخذنا إلى النّظر في المكوّن الأساسي، لنرى أنّ هذا الأمر يدخل ضمن الصراع الدائر بين الأصالة من جهة والحداثة من جهة أخرى فالكتاب الورقي لديه تاريخ امتدّ منذ قرون طوال، كانت بذرته الأولى أو “الأم الفكرة” هي صناعة الورق، بدءًا من استخدامها في المراسلات حتى دخوله في ميدان صناعة الكتاب الورقي.
ولذا نرى أنَّ الكتاب الورقي يأخذ ملمحًا تأصيليًّا للفكرة، وهذا ما حافظ عليه من الاندثار على الرغم من إيجاد منافس له “الكتاب الرقمي” أو الكتاب الإلكتروني.
وللوهلة الأولى يتجه التفكير إلى أنَّ هناك صراعًا كبيرًا بين الأصالة وما أستحدث من خلال التقدّم العلمي، وهذا الأمر صحيح في غالبيته، إذ إنَّ إحالة بعض مُنتجات الأصالة للتّقاعد بعد استنفادها في خدمة البشرية؛ غبن لجهود الكثير ممَّن منحوا الوقت والجهد ضمن المشروع الحضاري الإنساني.
وباتّجاه آخر؛ تقف الجهود الحثيثة من خلال المبتكرات الإنسانية، لخدمة الإنسان لتقليل الجهد والوقت، للدّفع لآلية أنَّ الإنسان الحديث يجب ألاّ يضيع وقته في الزمن المتسارع، فقيمة المنتَج تكمن في التخفيف من العبء الاقتصادي أولاً، ومحاولة تنشيط العمل بتقليل التكاليف واستثمار الوقت لمجالات أخرى.
وما بين هذا وذاك؛ يصطفّ المستخدمون لكلا النَّمطين، فالكتاب المطبوع رفيق لمستخدمه؛ أوليس هو المقصود بالقول (وخير جليس في الزمان كتاب) والجليس هنا تعني الصُّحبة، وهذا يعطينا دلالة على أنَّ الكتاب المطبوع له رونق خاص، يبدأ من ولادة العلاقة بينه وبين القارئ لحظة رؤيته، وتقليب صفحاته، ومن ثم الاقتناء، وكم مرت حوادث تدلُّ أهمية وقيمة الكتاب، فهناك من يتكبّد عناء التّنقيب عن كتاب مهمٍّ يلزمه، فيسأل عنه، ويلاقي المشقّة في سبيل الوصول إليه، حتى أنّ هناك من يجتاز بلادًا كي يحصل على كتاب شغف به.
ناهيك على أنَّ الكتاب المطبوع يمتاز بسرعة الممارسة بين القارئ والكتاب، ولا ننسى أنَّ هناك آفاقًا رحبة في التعامل مع الكتاب المطبوع من خلق نوع من الألفة الخاصة، وهذا نلمسه في عمل مكتبة للكتب، وقد تبلغ التكلفة مبلغًا ليس بقليل، هذا الأمر لا يمكن أن يكون إلاَّ حينما يتملك الاهتمام بشكل يعرف من خلال قيمة الكتب.
ولا يمكن أن نغفل على أنَّ هناك الكثير من الكتب المطبوعة يتأخّر إصدارها الرقمي لأسباب ما، وهذا قد يؤدي إلى تأخُّر الباحثين والمتخصصين لأغراضهم البحثيّة، وما إلى ذلك من استخدامات الكتاب.
وفي هذا السِّياق، لا نذهب إلى إغفال استحواذ الكتاب الرقمي على كمٍّ هائل من المستخدمين، ومنهم مُحبّي الاستخدام المطبوع، ذلك أنَّ الكتاب الرقمي يمكن أن يكون مُعينًا على عرض فكرة الكتاب في حال عدم التمكُّن من الحصول على الكتاب مطبوعًا.
وغير ذلك؛ فإنَّ هناك من لا يقدر على تكلفة باهظة لبعض الكتب والتي قد تتاح بشكل مجاني عبر المواقع الإلكترونية، ومن الملاحظ أنَّ هذه المواقع بدأت عرضها للكتب الرقميّة بالمجّان، ثم فرضت رسومًا على استخدام الخدمة الرقميّة، حتى بات الأمر تجاريًّا، مما جعل من هذه الظاهرة سوقًا رائجة موازية لقنوات بيع الكتاب المطبوع بشكل مرخّص ورسمي عبر دُور النّشر المختلفة، وقد يبرَّر هذا الأمر بابتعاد المستخدمين مكانًا عن مكان دُور النّشر، ممّا يكلف دور النشر والقارئ تكاليف كبيرة.
ويبقى أنَّ لكل نمطٍ مستخدمون، لكن لا يمكن الاستغناء عن أيّ نمط لما ذكرنا سابقًا.. وسيظلُّ الكتاب المطبوع، مع تقدّم التكنولوجيا، له حضوره القوي واللاّزم عبر الأزمنة.


28-3-2024
غزة المحتلة
متابعين @إشارة
طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى