أحمد بوزفور - العين الزركَا... قصة قصيرة

ولكن ( نانا ) لم تكن جرة عسل فقط، كانت جرة حكايات أيضا، كنت أسمع من أعمامي الشيوخ حكاياتهم عن شبابهم ورجولتهم وصراعاتهم على الأرض مع الجيران القدامى، وبلائهم في حروب ” بوحمارة ” و ” عبد الملك ” ” وعبد الكريم “. كنت أنظر مبهورا إلى اللحية البيضاء وهي تهتز كشاشة، وأقرأ فوقها صور البطولة والشهامة والإباء، وأنا خلال ذلك أتسع وأكبر، والعالم يصغر ويتكور، حتى يصبح حبة حلوى في كفي الصغيرة المرتعشة، من الحماس لا من الخوف، من القوة النابتة لا من البرد.

وحين أخلو إلى ( نانا ) كانت تعيد الحكايات نفسها، الأحداث نفسها، الحروب نفسها، ولكن بإخراج أفظع وأقسى، يجعل من أبي وأعمامي الأبطال عصابة من القتلة والسفاحين المتوحشين، لا تهتز لهم شعرة أمام الطفل والمرأة والشيخ المسن. يقتلون ويغتصبون، ويستولون، وشعارهم الدائم: ” حفنة تراب ولاحفنة نمل “
لم تكن ترحم أحدا، أو تحترم أحدا، كلهم قلبهم” كافر” وعينهم (زركَا ) والعالم يتسع ويُظلم ويتوحش، وأنا أصغر وأنكمش، وأندس في ” قشابة ” ( نانا ) الباهتة، ولحمها الأسمر المجعد.

” نانا “
لم تكن الفظاعة في الأحداث أساسا، بل في طريقة حكيها : القتل والدم والخديعة والوحشية تُسرد بنغمة رتيبة مستوية لا تعطي أية أهمية للمعنى وظلاله. كمن يقرأ قصيدة عمودية قديمة قراءة عروضية محضة تحافظ على البحر، وتلغي الدلالة.
كانت عين العالم الكبير تزرورق شيئا فشيئا، وضمنها عين ( نانا ) نفسها.


أحمد بوزفور







==========================
السي أحمد بوزفور
قاص وكاتب مغربي يعتبر من أبرز رواد القصة القصيرة الحديثة في المغرب.
- ولد أحمد بوزفور في بداية الأربعينات من القرن الماضي بقبيلة البرانس القريبة من مدينة تازة الواقعة في شمالي شرق المغرب.
- تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب القرآنية
- التحق بالقرويين بمدينة فاس التي تابع فيها دراسته الابتدائية والثانوية. في سنة 1966
- حصل على شهادة الباكلوريا وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وأخلي سبيله بعد تلات أشهر بسبب نشاطه السياسي.
- التحق بكلية الآداب حيث حصل بعد ذلك على الإجازة في الأدب العربي.
- نال شهادة استكمال الدروس في الأدب المغربي الحديث سنة 1972 .
- نشر أول قصة له تحت عنوان: "يسألونك عن القتل" سنة 1971 في جريدة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال المغربي.
- التحق في سنة 1977 ، بكلية الآداب بعاصمة المغرب الرباط كأستاذ للشعر العربي الجاهلي.
- انتقل بعد ذلك إلى كلية الآداب عين الشق في الدار البيضاء كأستاذ للأدب العربي.
- نال شهادة دبلوم الدراسات العليا عن رسالته "تأبط شعرا " في سنة 1989.
في سنة 2002 رفض أحمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب في صنف الإبداع لسنة 2002،التي قدمتها له وزارة الثقافة المغربية ، احتجاجا على ما وصفه بتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في المغرب.

اصدارات :
- الغابر الظاهر (مجموعة قصصية 1987)
- تأبط شعرا
- النظر في الوجه العزيز (مجموعة قصصية 1983)
- ديوان السندباد
- الزرافة المشتعلة (قراءات في القصة المغربية الحديثة)
- صياد النعام (مجموعة قصصية 1993)
- ققنس
- نافذة على الداخل


1712948880514.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى