ومضةُ رِمش

مع كل خطوةٍ؛ من خطواته؛ تاريخٌ من عرقٍ تصبّبَ في (ثلاثين) كوبًا؛ هي زمنُ الصراعِ الطويلِ بينه وبين مَن يرقد في الغرفة (٣٠).
(ثلاثون) خطوة من باب المستشفى، حتى غرفة الموت.
..
في الخطوةِ الأولى:

رأى كلُّ مَنْ بالمشفى رِمشَه يَسَّاقَط من وميضِ الوجع.
وفي الثلاثين:

دخلَ الغرفةَ؛ ليبحث عن رموشِ العين في لحيةِ الراقدِ على سرير الموت؛
وجدهُ ممدّدا كجثةٍ اجتمعَ حولها أحبابُها :
هذا يدلّك، وذاك يطبب، وآخر يتمتم بآياتٍ قرانيةِ على جبهته.
.
امتلأت الغرفةُ بغبارِ السنين، وروائح جثث السابقين
..فتوقفَ نبضُ الكلمات، وظلّت الأعينُ تحدقُ لِـ(ثلاثين) ثانية، فأشارَ المريضُ بيده اليمنى وهي ترتعش من جلطةٍ:
((أنْ تعالْ؛.. أكمل تطبيبي..!. ))
..
تحركَ الرمشُ بين الجالسِ بجوارِ السرير، وتقاسيمِ وجهِ المريض؛ وقد فهم المراد:

((المس جسدي، قبلَ أن تحلّ لعنة الروح))

فعادَ يُحدّق في عيني المريض، ويصارعُ اللحظة الأخيرة ويقرأ خطوطَ العين المنتقِمة؛
فحوّلَ رِمشَه إلى مَنْ يُدلّك ،.. قائلا وهو يبتسم: [ماذا يقصد؟! ]
وأرجعَ رمشه إلى بؤبؤ عين المريض؛ فرأ التاريخَ يفيضُ من عينه وهي تنام نومة اللحود.

أنس
٢١ أيار ٢٠١٤م

.

• من ثلاثينيّة آب الوجود إلى أيلول العدم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى