احمد الجنديل - البالون.. قصة قصيرة

الـبالـون


منتفخ كبالون مصمم للإعلان والدعاية ، متكور على بعضه بطريقة مضحكة ، أسنانه تحفر قبره دون ضجيج .
التفت إلى الحشد الواقف أمامه ، أطلق من عينيه الشبيهتين بعيني جرذ صغير نظرات التعالي ، تجشأ بصوت مسموع ، حمدل واستغفر بلسان جعلته الخمر رخوا على الدوام ، ليت ( لبنى ) حاضرة هنا لتراه وهو يركب أعنـّة ثروته ليذل الجميع ، أغمض عينيه ، تناهى إلى سمعه صوت قادم من رئيس العمال :
ـــ اخرجوا بسرعة ، ودعوا الأستاذ يأخذ قسطا من الراحة .
لم يلتفت إليه ، يعرفه جيدا من خلال نبرة التملق التي اعتاد على إطلاقها ، شاركه في السرقة منذ كانا صغيرين إلا أنه جبان ، ترك السرقة وامتهن النفاق ، صوت آخر دخل أذنيه بعناء :
ـــ كان الله في عون الأستاذ ، فهو لا يستطيع مواصلة عمله .
تحرك رمشاه ، وتباعد جفناه قليلا ، ومن فتحتيهما أطلق نظرة قصيرة عرفه على الفور من خلالها :
ـــ انه منافق آخر وجبان .
كانت ( لبنى ) التي تذله طوال الليل حاضرة في رأسه ، تمنى لو تراه وهو يجلد كلّ هؤلاء بسياط مشاريعه ، هذه الليلة عليه أن يقدم لها هدية ثمينة ، قلادة من الذهب الخالص مرصعة بالماس الثمين ، صوت الخطى الراحلة من أمامه يسمعها جيدا ، وجوه صفراء أنهكها المرض ، وأخرى سلب عافيتها الجوع ، وثالثة متورمة من الشبع بفعل نفاقها ، ولابدّ من الحيطة والحذر لكي يتمكن من جمع المزيد لسحب ( لبنى ) إليه ، لا أحد ينافسه عليها سوى هذا القرد الذي امتلك اكبر شركات العقار ، استطاع أن ينتصر على زبائنها باستثناء هذا الوغد الزنيم .
بدأ لغط يرتفع في الساحة الخارجية للمشروع ، تناهى إليه صراخ أحد العمال :
ـــ أربعون يوما ولم نستلم أجورنا ، هذا ظلم .
انفرجت شفتاه عن أسنان متخاصمة :
ـــ إنها لا تريد التخلي عن هذا الخنزير .
الأصوات تتعالى في الخارج على شكل هتافات :
ـــ أمس استدانت زوجتي من أختها ثمن الدواء .
تلاه صوت آخر :
ـــ لقد تركت طفلي الرضيع يعاني من الإسهال الحاد .
تمتم في سرّه :
ـــ فليذهب الجميع إلى الجحيم ، ولابدّ من الفوز على ( لبنى ) .
ـــ هذا ظلم ، لسنا شحاذين ، كنـّا نعمل من الصباح وحتى المساء .
امتدت يده نحو كرشه المتهدل على فخذيه :
ـــ سأقدم لها مع القلادة أصنافا من الخواتم الثمينة .
صوت خشن يلعلع من بعيد :
ـــ نحن جبناء ، يبنون عروشهم بدمائنا وعرقنا ، ونحن لا نتحرك .
تذكر مستلزمات الليل ، امتدت يده لتضغط على الجرس ، دخل رئيس العمال مسرعا ، منحه إشارة سريعة .
الاحتجاجات تتعالى بقوّة من حشود العمال ، نهض من مكانه بتثاقل ، فتح الباب ، رفرف طائر الصمت على المكان ، تناثرت جموع العمال في كلّ صوب ، ركض سائقه باتجاه السيارة المخصصة له ، احتـّل مقعده فيها ، تحركت بهدوء ، ارتفع الحاجز الحديدي إلى الأعلى ، انزلقت السيارة من تحته وابتعدت عن المكان .
اللغط تحول إلى صراخ ، خرج رئيس العمال إليهم ، صاح بهم بانفعال كاذب :
ـــ لقد ذهب الأستاذ ليجلب لكم أجوركم .
خيـّم السكون على المكان ، ليست المرّة الأولى التي يسمعون فيها هذه الوعود .
ارتفعَ صوت رئيس العمال بقوّة :
ـــ أقسم لكم ، أن الأستاذ كان حزينا من أجلكم ، أما رأيتم إمارات الحزن تغزو وجهه ، وكيف نهض مسرعا ليجلب أجوركم من المصرف .
ارتسمت الابتسامة على الشفاه الذابلة ، وتسلل الأمل إلى النفوس المجدبة ، ودعا الجميع للأستاذ بطول العمر والعافية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى