عزيز باكوش - تلميذة اعلانات.. قصة قصيرة

طبطب أستاذ مادة اللغة العربية فوق كتف لبنى بحنان هو يقول "ستصبحين مميزة ،لا ينقصك سوى الكثير من التركيز ، وغير قليل من الانتباه. وأضاف بنيرة أب حنون " واجباتك المدرسية قبل التلفزيون ...أتسمعين. يا لبنى؟؟؟؟

في البيت العتيق ، لا يتوقف جهاز تلفزيون 14 بوصة بدون ألوان عن الضجيج و لا يكف عن إرسال أشارت التشغيل لحظة، فمنذ تلاوة النشيد الوطني، لا تتوقف عيون بنات بوشتى الحياني الخمس عن الزيغان ، حتى وقت متأخر ، وحينما يعود بوشتى بعربته مساء ، وهو يتصبب عرقا ، ينتقد سلوك بناته، ويسخر من ولعهم التافه بالتلفزيون ، تصرخ زوجته في وجهه " لكن، لماذا التلفزيون وحده.. وليس بنات الجيران ، وصبية الحارة وشمكارة الدرب ، وبياعة لحشيش ، التلفزيون .... التلفزيون ...متى توجعت يا بوشتى تقول التلفزيون...الم تبع يا بوشتى الحياني محصول السنة من عدس الدوار ، وفدان فول بوعروس من اجل اقتناء هذا التلفزيون ؟ تأخذ نفسا ثم تضيف " آبوشتى، الم يلعب هذا الجهاز دورا أساسيا في تعليم وفصاحة بناتنا ... انظر ابنتنا لبنى ذات التسع شتاءات ومطلع ربيع ، لم يجعل لها التلفزيون بدل الساعات الإضافية ، قلبا ولسانا وشفتين ، وعبد لسانها أمام أقاويل العالم ؟

لبنى ياناس، ياعالم ، باتت تلوك معظم وصلات التلفزيون الدعائية ،بما في ذلك وصلات الربط والإعلانات..تصور، تقول رحمة ،وناب الفك الأسفل وحده البارز مثل عمود هاتف خلوي يعيق كلامها ، ..بدل أن تفتخر بها...وتطلب منها يا بوشتى كي تردد لك الحلقة 11 من سلسلة ميلود الفكاهية ،ونيمرو خمسة ديال خالي اعمارة....تؤنبها...تضع يدها على خصرها ، وتردف بلطف خشن."خفف من روعك ، وأنصت لها قليلا بربك ، حتى تتأكد بنفسك من براعة لبنى في الأداء....وتعرف ماذا أنجبت لك.

تستدعي رحمة لبنى لتزجية الوقت مع جاراتها كل مساءات رمضان و خلال العطل ونهاية الأسبوع ، وبينما تجلس لبنى وسط الجيران فاتنة كعروس دمية ، لتسرد سيناريوهات حلقات تلفزيونية بكاملها ، تمضغ شابات الدرب الأميات من حولها العلك بتؤدة ، او يهرسن الفول اليابس وسط حجرتين كما العادة في الاحواز . ومثلما آلة تسجيل رفيعة ، كانت لبنى تشد انتباه جيران ، وتقطع أنفاس المتحلقين من أبناء وبنات الزنقة21 ...بشكل يعجز عن الوصف.

والدة لبنى رحمة امرأة من عيار رجل ، يديها تشبهان شريحة جلد خام ،ورثت نشاطا استرجاليا ودينامية قل نظيرهما ، منذ أن وطئت قدماها منزلا وضيعا بأحد أحياء اجنانات البئيس.رفقة زوجها بوشتى وبناتها الخمس. وهي تعتز ببراعة لبنى وقدرتها على استظهار مختلف الوصلات الاعلانية التي يبثها التلفزيون ، وأدائها بإتقان ، أينما حلت تصبن ،وارتحلت تنظف سلم عمارات المدينة ، فقد ظلت تشجع لبنى أمام أنظار الغادي والبادي وتقول " ابنتي، هي كل شيء ، لبنى بقليل عناية ومكياج ، تصبح في المستقبل ...فتات إعلانات مشهورة .

في هذا الصباح الممطر لأول مرة بعد انحباس طال يأسه، قبل الدخول بدقائق ، ارتكنت لبنى واحتلت زاوية آمنة جوار مكتب مدير المدرسة ، وعلى الفور، شرعت تتلو وصلة الثابت والمحمول الدعائية التي حفظتها عن ظهر قلب ، اردفتها بسرب إعلانات من مساحيق تنظيف الى شركات اتصال وعوالم تنادي ، وتقدم خدماتها بسخاء ملتبس مدفوع الأجر ، ولم يقاطع شرودها سوى زميل مشاغب همس في أذنها هو الآخر ..."عند ك الحق محلى الكونفتير عايشة هاها.".

في القسم ، مع حصة التربية على المواطنة تحديدا ،سال المدرس لبنى قائلا" لبنى ، صفي لي علم بلادي؟؟

ولما ترددت، وارتبكت، أعاد السؤال مرة ثانية "عبري بشعور وإحساس ، وأنت تتلين كلماته الرائعة يا لبنى؟

بللت لبنى شفتيها من فرط الارتباك ..التفتت يمينا ثم يسارا ، ثم قالت وهي تتلعثم:

منبت الإحرام...مثرب الإصغار
منتك السؤدج وحمال .... دمتملتباه وحماه

الله الوطن الملك. اهتز الفصل ضحكا، كما الجدران، وارتجت خريطة الوطن المثبتة الى الأعلى منذ عقود.



* ملحوظة : كلمات النشيد الوطني المغربي :

منبت الأحـــــــــــرار ** مشــــــــــــــــــرق الأنوار
منتدى السؤدد وحماه ** دمت منتداه وحـمــــــــاه.



عزيز باكوش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى