محمد خلف الله سليمان - هوامش من سيرة حمال نوبي

كنت حمالا في مرفأ نوبي انقل الأمتعة والسلاحف والعاج وقرون الخرتيت والعطور والنبيذ والذهب وابيع عقاقير جنسية للبحارة والسواح البيزنطيين ،وحينما سقطت وبان فخذي تعلقت بي امرأة كانت تعرفني عندما كنت أميرا اغريقيا في اثينا وهي أحدى وصيفات أمي ،فنادتني باسمي القديم تذكرت ونفضت التراب عن جبتي ،تمر البارجات والعربات التي تجرها الخيول ،أسمع الدمدمات الهائلة لصهر الحديد ،وفي الامسيات اقود حنطورا فرعونيافي شوارع ممفيس ،أحمل في الليل سباب المخمورين وعناء الراقصات وهمسات العشاق الممسوسين ،وأتقاسم الجر مع صاحب الحنطور.أجلس هناك وتتراص أكواب الماء المقدس ،أعلق سيفي الملكي وصورة الأب من فوقي مزدانة بالزمرد،تسللت الى غرفتي ،لحقت بي وصيفة أمي بعد أن غافلت المحظيات ،تحسست جبهتي ،ثم وضعت كفهاعلى صدري واستلقت بقربي..كنت حمالا في مرفأنوبي ،أحمل الأمتعة والسلاحف والعاج وقرون الخرتيت والعطور والذهب والنبيذوأبيع عقاقير جنسية للبحارة والسواح البيزنطيين ،وحينما سقطت وبان فخذي تعلقت بي أمرأة كانت تعرفني عندما كنت أميرا اغريقيا في اثينا.كان معلمي في القصر يحذرني من الافراط في المضاجعة لأنها تضعف !
العقل وتشوش الفكر،صار معلمي نجارا لتوابيت الموتى وقد شهد المذبحة التي ارتكبها هانيبال في حق ألفي شخص من مناوئيه على شاطيء كروتون ...تعبر قوافل الأعراب إلى الأمصار البعيدة ..تظهر نجمة الشعرى اليمانية صباحا إيذانا بانطلاق موسم الخصوبة ...كنا في ميدان الشهداء بام درمان غب أن بانتى في السماء نجمة تتلألأ...عشت لمل كان الكلام يموت حين يقال ...رأيتهم كيف يوارون العصور تحت التراب ،ويدعونني باسم من وحل...وفي الأمسيات أقود حنطورا فرعونيافي شوارع ممفيس ،أحمل في الليل سباب المخمورين وعناءالراقصات وهمسات العشاق الممسوسين واتقاسم الأجر مع صاحب الحنطور ...يقول أبي :إن النكاح يطيل العمر ،ويكثر النسل ...كنت حمالا في مرفأ نوبي ..وفيالليل أغشى الأماكن التي تثير عواطفي ،وأسعد بأولئك الذين يخاطرون بحياتهم من أجل القضاء على مليك جائر .أقود حنطورا فرعونيا في أماسي ممفيس
سكير
رجل وأمرأة..
أمرأة وطفلة تسعل ...
قال السكير للمرأة التي تقود الطفلة:الطقس ...
وتسرب القول :خذي الطفلة للكاهنة نيتوكريس لتتوسل لإله طيبة كي تتعافى البنت ...
هبط السكير ،ونامت البنت وتشاغلت المرإة بالفضاء ...كانت الهمسات تتحشرج بين الرجل والمرأة.
وحينما سقطت وبان فخذي تعلقت بي أمرأة كانت تعرفني
وحول موقد النار أسموني باسم جدي لأبي
تطوف حكمة هندية في رأسي
_ يامعلمي كيف ينبغي لي أن اسلك إزاء النساء؟
_كما لو لم تكن قد رأيتهن أبدا
_لكن ماذا أفعل لو تحتم علي رؤيتهن؟
لاتتحدث اليهن
لكن ماذا أفعل إذا ماتحدثن إلي ؟
_كن منهن على حذر فحسب...
إلا أن فكاهات وصيفة أمي المرحة أبعدتنيعن الحذر وعن الحكمة ،لقد صارت تصبغ شعرها بشقرة محببة
كنت حمالا في مرفأ نوبي ... وفي الليل أقود حنطورا فرعونيا يجوب شوارع ممفيس ،يلتقط أحشاء المدينة الملفوظة ،ويحمل سباب المخمورين وعناء الراقصات وهمس العشاق الممسوسين...
قال أبي :إن وجدت الأنثى فلاتضيع الفرصة.
تمتليء شوارع ممفيس بالعاهرات اللواتي يستوقفن الحناطير العابرة ،ويركبن دون أن يدفعن،ويمنحنأجسادهن بسخاء نظير هذه النزهة الجليلة ،ويعاشرن السواح مقابل( سسترسات) رومانية أو مراهم للوجه .تزدان وجوه الخلاسيات نعومة في المرافيء،وتفوح أجسامهن برائحة الصابون المعطر ...
أمام المرايا الكبيرة سأل الحلاق الملك عن كيف يحب أن يقص شعره؟
قال أبي في صمت ...
صمت الحلاق وصمتت العصافير عن الزقزقة في الأقفاص ،وصمت المغني وران الصمت في المكان ،وظل السيف الملكي صامتا...
كنا في ميدان الشهداء بام درمان ،غب أن بانت في السماء نجمة تتلألأ...
جلس زهير قواد العهد القديم ...
وجهاد مومس ذلك العهد ...
أبابا التي صارت بغيا لكل العهود، كان وشم الصليب على جباه الأكسوميات مفزعا...
...يضعون أواني الشاي المعد للبيع في فرندة دكان قرب محطة الشهداء التي أنشئت بعد غياب تلك المؤسسة الضخمة بقرار من ذلك المحافظ يقضي بحظر البغاء...
لقد مضت قافلة الشهداء ورائحة البخور الزنجباري تحوم في المكان وتطايرت اصوات منادي السيارات ...شنقيطي ...بحري ...سلالم ...نص ...
وتبعثر الباعة الجوالون وماسحو الأحذية وحلاقو ظلال الأشجار
وأنا _ الآن _أكتب القصص وأقرض الشعر وأمارس مهنة لاتمت إلى الكتابة بصلة
أودع أصدقائي في المحطة وأمضي ...
كنت حمالا في مرفأنوبي أنقل الأمتعة والعاج وقرون الخرتيت والعطور والذهب والنبيذ وأبيع عقاقير جنسية للبحارة والسواح البيزنطيين...
وحينما سقطت مرة وبان فخذي تجلت في روح محمد خلف الله...
كنت حمالا في مرفأ نوبي ...
كنت أميرا اغريقيا...
كنت ...وكنت...وكنت...
واصبحت كاتبا مغمورا في ام درمان...
وها أنا أهيىء روحي لرحلة جديدة....


محمد خلف الله سليمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى