نزار عبد الستار - الكوالا الأزرق

رفعت اذيال فستانها الأبيض بحذر. التفتت إليه، مركزة بصرها على حنكه، وأمرته ألا يترك ذراعها وهما يدخلان إلى تونهالة دوسلدورف.
بدأ مثلها بالقدم اليمنى، وحافظ بظهر مستقيم على تناسق حركته معها. ولكنها خيبت حماسته، ولم تسأله عن بيتهوفن.
حين تكشفت لهما القبة العملاقة وهي مشعة بالزرقة اللامعة، وتوضحت معالم مدرجات العازفين بخشبها الاشقر توقع انها ستطلب المزيد من التوضيح بشأن ما قاله لها عن المايسترو حين كانا في شارع كايسر شتراسة. جلست على كرسيها في الجناح العلوي الأيمن، وقالت وهي تنشر طرف فستانها على ركبته:
ـ ربما الان افهم سر تعلقك ببيتهوفن.
قرب فمه من اذنها:
ـ تونهالة برغم جمالها الخرافي قطعا ليست لائقة بعظمة بيتهوفن وسيمفونيته التاسعة حبيبتي، وانا متأكد انك هذه المرة ستعشقينها بقوة، وان شعيراتك الدموية الحساسة ستضخ دم النشوة، وتتورد مسامتك، وسترتفع روحك إلى حد ان تنفتح لها هذه القبة، وحينها ستنجذب إليك كل نجوم السماء لولو، ولكن علينا انا وانت ان نصفق مطولا للمايسترو لأنه سيختفي ما ان ينهي قيادته لعزف الحركة الأخيرة. سيكون المشهد في قمة الانفعال وعلينا ان نصفق حتى نعيد المايسترو من الكواليس لكي يحيينا مجددا. في العادة المايسترو العظيم يخرج ويعود ثلاث مرات، وطبعا التصفيق يجبره على هذا حبيبتي، وعلينا ان نجعله يشعر بالفخر.
قالت وهي تلاصق ساقيها:
ـ امسك بذراعي وكأنك دب الكوالا الصغير الأزرق وهو يمسك بأغصان اليوكالبتوس.
جمدته الصدمة، وحين استقر ذراعه على ثقل ثديها، عادت لتقول:
ـ يتعبني التصفيق.
اقترب مجددا من اذنها:
ـ الحركة الاخيرة كورالية بشكل مذهل والمايسترو سيكون في مشهد انفعالي عظيم. بيتهوفن خدع البشرية كلها قبل ان يصل إلى هذه التاسعة المدمرة. أؤكد لك لن نشعر بتعب التصفيق.
ـ لا احب ان اصفق لأحد.
قال بصوت متمزق:
ـ حبي انت بهذا ستمنعيني من التصفيق للمايسترو. سأضطر إلى كتم انفعالاتي.
قالت له:
ـ الكوالا لا يفارق الأشجار. مخالبه قوية وهو دب جامد الملامح. لا يضحك للرغيف الساخن. انه يشبهك جدا.
تحركت وزادت من ثقل ثديها على ساعده:
ـ الكوالا الأزرق مطيع ومتزن.
قال مبتسما:
ـ لا يوجد كوالا ازرق حبيبتي.. انه بين البني والرمادي.
ردت:
ـ وهل يوجد مايسترو مثل بيتهوفن؟
قرب فمه من اذنها:
ـ مؤكد لا.. بيتهوفن حالة كونية أخرى. انه قطعة اصلية مثل السماء تماما. لا احد يمكن له ان يبتكر مثلها حبيبتي ولهذا ارى ان المايسترو اليوم وهو سيقود الموسيقيين يحتاج منا إلى الدعم والتصفيق. علي ان اصفق بقياس تصفيقتك. انه الاتكيت ولهذا ارجو ان تنفعلي مثلي.
سألته بحدة:
ـ أنت تحب بيتهوفن؟.
ارتبك:
ـ حب موسيقي فقط.
ـ أنت تحبه وتحب ايضا هذا المايسترو الذي ستصفق له.
ـواحبك ايضا يا يوكالبتوستي الحلوة.
نظرت في عينيه:
ـ ومتى آخر مرة صفقت لي؟.. طبعا لا تذكر.. واذا كان بيتهوفن حالة كونية وقطعة من السماء فماذا تبقى لي؟..وتونهالة دوسلدورف لا تليق بمكانة بيتهوفن، ولكنها تليق بي..عليك الا تفكر بحاجتك إلى السوائل لان الكوالا لا يشرب الماء ابدا.
رفع رأسه، ناظرا إلى مركز القبة:
ـ دب الكوالا الأزرق، من اليوم، لا يحب بيتهوفن.
قالت بتوتر:
ـ ولا يصفق.
نظر إلى ساعته:
ـ حسنا.. لن يصفق للمايسترو.
اخذ الموسيقيون اماكنهم على المدرجات. التفتت إليه ونظرت بتكبر إلى انفه:
ـ لعلمك الكوالا مهدد بالانقراض.
غطس في كرسيه وسكت.


* نقلا عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى