أحمد إسماعيل زين - بقايا.. قصة قصيرة

فجأة وجد نفسه في الخمسين وحيداً . يعاني من أرق كاد يوصله للجنون... وبعد صراع مرير مع كل ما يحيط به . توجه لعيادة نفسية خاصة بعيدة عن أعين الناس . شعر ببعض الراحة حين علم أن الطبيب المعالج بالعيادة التي قصدها هي امرأة... فدفع رسوم فتح الملف الصحي... ولم ينتظر طويلا لإجراء الكشف . بدت له الطبيبة في مثل سنه ...ولكنها تهتم كثيراً بمظهرها ... ومنشغلة عنه بقراءة ما تم تدوينه في ملفه الذي سبقه بالدخول إليها... فبقي واقفا يتأملها ... نظرت إليه الطبيبة مبتسمة مشيرة عليه بالجلوس المسترخي فجلس راسماً ابتسامة خفيفة على شفتيه... مطرقاً ببصره للأرض... مشبكاً أصابع يديه ينتظر للحظات كأنها جبال رأسية فوق صدره . أقفلت الطبيبة الملف متوجهة إليه بنفس ابتسامتها الهادئة قائلة :
منذ متى تعاني من حالة اﻷرق ؟
فرد . بهدوء تام بالوضعية التي جلس بها :
من أيام... لا من شهور... بصراحة لم أعد أذكر بالتحديد من متى !...
وصمت . وحين طال صمته... كتبت له وصفة علاجية مؤكدة عليه بالمراجعة بعد أسبوع للعيادة... وبحق المراجعة المجانية متى رغب في الثلاثة الأيام القادمة . أخذ الوصفة مسرعاً بالعودة للبيت... وشعر بتحسن ملحوظ على حالته مع العلاج... ولكنه في الليلة التالية من تناوله لآخر حبة من العلاج عاد له الأرق من جديد مصحوباً بخوف قاتل لم يتمكن لثلاثة أيام من دحره... فرجع مجبوراً في الليلة الرابعة من توقفه عن أخذ العلاج للعيادة... حين رأت الطبيبة الحالة التي رجع بها إليها... طلبت منه التمدد على سرير الكشف... وجلست بقربه واضعة يدها على يده... فقام مسرعاً يسحب يده هاماً بالنهوض ومغادرة العيادة... ولكنها تمكنت من منعه طالبة منه الهدوء بالكلام... والمسح الرقيق على يده حتى شعرت بارتخاء يده المرتعشة تحت يدها قامت سألته :
منذ متى تعاني من حالة اﻷرق ؟
فقال بعد صمت مرتعش :
منذ كنت في سن السادسة . -
فسألته :
وما أسبابها ؟
فأغمض عينه... وبعد صمت متعرق... قال :
من ثلاثة غرباء اقتحموا بيتنا بالقوة... ورأيت أحدهم يغتصب أمي... والثاني يغتصب أختي... وصمت عاجزاً عن الكلام... وعن كف دموعه عن السيلان !
فسألته :
والثالث ماذا فعل ؟ !
ولكنه لم يرد عليها... ولم يمنعها تشنج يده المرتعشة تحت يدها من إعطاءه حقنة مهدئة... ومن تكرار السؤال عليه... فأغمض عينه قابضاً بقوة على يدها... صارخاً :
كنت طفلاً يتيماً لا قدرة له على وقف ثلاثة رجال ...
ويبكي كطفل كلما أعادت عليه السؤال... ويهذي بكلام غير مفهوم حتى نام دون إحساسه بشيء مما يهذي به....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى