أيمن مصطفى الأسمر - المبتسم

أيقن أن الرصاصة القادمة ستكون لا محالة من نصيبه، تخترق صدره وتستقر تماما في القلب، يتساقط العشرات من حوله بالرصاص الحي المنهمر عليهم كسيول جارفة، فيما تصنع القنابل المسيلة للدموع منتهية الصلاحية سحابات من دخان أسود ورائحة خانقة، يعرف قليلا ممن يحيطون به بدرجة أو بأخرى، فيما يظل أغلبهم مجهولين بالنسبة إليه، يعرف أن التحرك يمينا أو يسارا .. أماما أو خلفا لن يفيده أو يمنعه، تذكر في لمحة خاطفة قبل أن تباغته الرصاصة المنتظرة أنه لم يتعامل مع الأمر بالجدية الكافية، وعندما أخبره واحد من أصدقائه بموعد ومكان الاحتجاج لم يكن ينوى حقا المشاركة فيه، لكنه في الموعد والمكان المحدد جاء ليشارك، ربما كان ذلك من باب الفضول أو لسبب آخر لا يعلمه رغم أن عشرات الأسباب تجعل من حضوره أمرا بديهيا، فأحوال أسرته المضطربة منذ إحالة أبيه إلى التقاعد المبكر بعد بيع المصنع الذي يعمل به لمشتر أجنبي كانت سببا كافيا لخروجه، أو ما خبره هو بنفسه خلال فترة دراسته الجامعية من تدخلات أمنية فجة في الشئون الطلابية من انتخابات وأنشطة مختلفة، أو ممارسات بعض أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم معه ومع زملائه وما يلقونه من معاملة جافة وقاسية، وانخراطه قسرا في عملية تعليمية مبتسرة عديمة الهدف فارغة المضمون يدفع فيها هو وزملائه رسوما طائلة ومبالغ فيها لكتب ومذكرات ملفقة لا تحمل علما أو فكرا، وحالة من البطالة شبه الدائمة رافقته منذ تخرجه تقلب خلالها بين وظائف وأعمال مختلفة لا يتناسب أغلبها مع مجال دراسته فضلا عن ضآلة المقابل المادي العائد عليه منها، أما غياب أي مقومات تسمح له بمجرد التفكير في المستقبل والتطلع إلى الاستقرار وتكوين أسرة فقد كانت بالتأكيد دافعا قويا يدعوه هو وغيره للاحتجاج، لم يكن منخرطا في أي نشاط سياسي أو حزبي لكنه كان يشعر كغيره بوطأة النظام القاتم الذي يخيم على الوطن بأكمله ويحسب على كل فرد أنفاسه ولقيمات عيشه، كل هذه الأسباب أو حتى بعضها كانت كافية لكي يخرج محتجا من تلقاء نفسه لا أن يكون مجرد متلق لدعوة لم يأخذها بقدر كاف من الجدية، يرى أمام عينيه كل هذه المشاهد والأحوال بل يرى حياته وحياة أسرته بكل تفاصيلها في لحظة شديدة القصر بالغة الطول، لحظة قد لا تتجاوز كسرا ضئيلا من آلاف الأجزاء من الثانية الواحدة لكنها مرت عليه كأنها ساعات وأسابيع متصلة، اشتغل خلاله عقله كما لم يشتغل طوال حياته بأكملها فعلا صوته وهو يرى الرصاصة الموعودة قادمة في اتجاهه، انطلق هتافه صاعدا إلى السماء ومنتشرا في دائرة ممتدة هو مركزها في نفس اللحظة التي اخترقت فيها الرصاصة صدره واستقرت تماما في القلب، تلقفت جسده عشرات الأيادي قبل أن يسقط أرضا فيما هدرت أصواتهم بالهتاف الذي تجاوب معه الوطن بأكمله، رفعوا جسده عاليا فوق رؤوسهم فيما الهتاف ينمو ليكسح أمامه الرصاصات المندفعة صوب رفاقه، ألقى عليهم نظرة أخيرة فيما ابتسامة رضا ساحرة تنير وجهه وتلهب حماس المحتشدين في الوطن بأسره.

يوليو2011
جريدة أخبار الأدب – سبتمبر 2012
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
عن الكاتب
أيمن مصطفى الأسمر
قاص وروائى مصري نُشرت قصصه بالعديد من الصحف والمجلات المصرية مثل الجمهورية ـ المساء ـ أخبار الأدب ـ الثقافة الجديدة – المجلة ـ مسرحنا ـ قطر الندى – مجلة ميريت الثقافية ... الخ.

كما نُشرت العديد من قصصه إلكترونيا بمواقع متنوعة على شبكة الإنترنت.

عضو عامل باتحاد كتاب مصر 2590.

من 6-9 ديسمبر 2015 المشاركة في مؤتمر أدباء مصر الدورة الثلاثين بمحافظة أسوان كشخصية عامة عن محافظة دمياط


الإصدارات

الوقوف على قدم واحدة "قصص"إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ سلسلة إبداعات ـ العدد 123 أغسطس 2000
التحولات "رواية"إصدار الهيئة العامة للكتاب ـ سلسلة إشراقات جديدة 2008
قصص عربيةكتاب مشترك مع آخرين – مطبوعات شبكة القصة العربية – دار سندباد للنشر والإعلام بدعم من الصندوق العربى للثقافة والفنون- 2011
المشاركة بقصة "العطش"
مصطفى الأسمر (تجربة إبداعية وشهادات) – إعداد سمير الفيل.إقليم شرق الدلتا الثقافي - سلسلة الآباء – العدد الأول – ديسمبر 2012
المشاركة بشهادة "مصطفى الأسمر .. المبدع الإنسان"
مصطفى الأسمر "لمحات إنسانية ومشوار من الإبداع"إصدار مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية بالتعاون مع دار هيباتيا للنشر - يونيو 2013
من حكايات اللعنة "رواية"إصدار مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية بالتعاون مع دار العماد للنشر والتوزيع - يوليو 2015 (المركز الثاني جائزة عماد قطري في الرواية 2015)
أنيس البياع "الشاعر الثائر عاشق البسطاء" إعداد سمير الفيلدار ميتا بوك – ديسمبر 2020
المشاركة بشهادة "أنيس البياع .. وجوه وأدوار متعددة"

كتب لم تنشر

الحقيقة الكاملة "رواية"معد للنشر
انتصار "قصص"معد للنشر
أحوال عائلة مصرية "رواية"معد للنشر ـ جائزة إحسان عبد القدوس 2008 حفل الجوائز يناير 2009 (المركز الثالث)
فى مدينة الألعاب "قصص"معد للنشر
نبوءة للوطن "قصص"معد للنشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى