حيدر سالم - الجرذان - قصة قصيرة

الأمطار تتزاحم ، تهافتت الغيوم حتى كادت تلقي بنفسها نوبة واحدة ، كانت الشوارع تلفلف نفسها بركاض الناس ، تتصدى البرك الصغيرة الملطخة بشوائب الأحذية ؛ لوقوع الأطفال الذين كانوا يلعبون منذ وهلة ، كانت نهيرات صغيرة تنهمر إلى بالوعات الشوارع الجانبية ، و يزيدها حثيث مياه الصرف الصحي ، كانت المياه مضمخة برائحة عطنة داخل المجاري العمومية ، نزق ذلك اليوم كان أكبر من أن تتحمله تلك المجاري القديمة أو قبور المياه الآسنة ، أخذ ترادم الجرذان يزداد مع زيادة منسوب المياه ، كانت أصوات أقدامهم تعزف سمفونية ضحلة ، خائفة من نذائر الغرق الذي راح يفرش نفسه في شقوق الجدران ، و أشعل السكون بوعيدٍ لا رادع له ، و سرعان ما تلاشت أصوات أقدامهم بعدما صارت الارضية بعيدة ، و أخذت الأقدام تقاومُ سيلان الماء المتدفق بقوة ، صار عائقاً يغلقُ أمل الوصول إلى المنفذ ، أمل الهروب من الغرق المحتوم ، أخذت تتشبث برجيلاتها الصغيرة بأي شيء ، تتعلق حتى في الضوء الشحيح كحبل يرفعها من الجريان ، لكن ألأقدام ترتطم بالواقع / بالماء ، الواقع الذي لا يكسره الإرتطام ، و لا الأقدام تيأس من التشبث بالضوء أو الحبل الشحيح ، كانت قطرات الماء تنساب فوق الشعر الرمادي ، متهاوياً فوق العيون التي غضنتها الكارثة بلونٍ شاحب ، بلغت مجموعة الجرذان المنفذ الوحيد ، بادر جرذ ضخم بإلقاء نظرة نحو الشارع المصلوب بالفيضان ، قدم رأسه أو كرة الخوف المبلولة ، كانت أقدامه مستعدة للرجوع بسرعة إلى الوراء تحسباً لأي خطرٍ ، أُذناه تتوجسان الأصوات القادمة من جوف الشارع المتجمد كانت هنالك قطة مقتولة تتوسد الجانب الأيمن من الشارع ، قتلها أحدهم لأنها إحتمت بأريكته من البرد ، شج رأسها بهراوة طرحتها أرضاً دون مواء ، كان رأسها يتوسد بركة حمراء ، مفتوحاً من أذنها اليمنى الى منتصف الرأس ، بينما ساوت عجلة سيارة قدميها مع الإسفلت ، تعتلي ملامحها آثار الأحذية الموحلة و يحيل صفارها إلى مزيج داكن ، صبغت نظرة الجرذ دهشة متحجرة ، نكست رأسه و أجثته تحت وطأة اليأس ، كانت شواربه أشواكاً جمدها الذهول ، ينسكب منهن قطرات بلورية باردة ، أدار و جهه الواجم إلى البقية المُترقبة ، بينما كانت النظرات ترتقب الفكاك من أنياب الغرق ، صارحهم وقد طرزت الخيبة صوته بحشرجةٍ صدئة :
- تقهقروا للغرق !

تمت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى