عبدالفتاح كيليطو

كان التوحيدي يكره متّى بن يونس، حتى قال عنه إنه « كان يملي ورقة بدرهم مقتدري (نسبة إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله) و هو سكران لا يعقل، و يتهكّم، و عنده أنه في ربح، و هو من الأخسرين أعمالاً، الأسفلين أحوالا »(1). ينبغي التعامل مع هذا الكلام بشيء من الحذر، فالتوحيدي أكبر هجّاء عرفه الأدب...
خلال «مائدة مستديرة» في باريس، سمعت كاتبة لبنانية تشكو من قلّة اهتمام الفرنسيين بالأدب العربي. نحن نقرأ ما يكتبون، نعرف أدبهم، بينما هم يهملوننا، قالت ساخطة من هذا التفاوت الصارخ. إنها في العمق حكاية حبّ غير متبادل، قصّة غيظ غرامي: العرب مفتتنون بالفرنسيين، لكن هؤلاء لا يأبهون بهم، العرب يُعطُون...
أقرأ في «كتاب البيان والتبيين» للجاحظ، في سياق حديثه عن الأسنان الأمامية وعلاقتها بالبلاغة والفصاحة، الفقرة التالية: «قالوا: ولم يتكلم معاوية على منبر جماعة منذ سقطت ثناياه في الطست». لم يعد قادراً على النطق السليم فقرر تجنُّب الخطابة والامتناع عن صعود المنبر، حرصاً على هيبته وصوناً لسمعته من...
« البخلاء لا يؤمنون بالبعث؛ إن الحاضر كل شيء بالنسبة لهم » بلزاك، أوجيني غرنداي في مقدمة كتاب البخلاء(1)، يحيل الجاحظ إلى كتاب آخر له، لم يصلنا، في تصنيف حيل لصوص النهار وفي تفصيل حيل سراق الليل. هذه الإحالة ليست اعتباطية: إنها تدعونا إلى قراءة كتاب البخلاء كجرد لمناورات أنصار البخل، وهم...
في مقدمة كتاب الرحلة(1)، يقول أحمد فارس الشدياق: « ويعلم الله أني مع كثرة ما شاهدت في تلك البلاد من الغرائب، وأدركت فيها من الرغائب، كنت أبدا منغص العيش مكدره(…) لما أني كنت دائم التفكير في خلو بلادنا عما عندهم من التمدن، والبراعة والتفنن، ثم تعرض لي عوارض من السلوان، بأن أهل بلادنا قد اختصوا...
وحده كان الطفل فوق السرير، مستغرقا في قراءة كتاب. كان لديه من الوقت ما يكفي، ولذلك لا أحد سيزعجه لمدة طويلة. يشعر الآن بأنه بحال أفضل، ولو أنه يرغب في مزيد من النوم. انخفضت حرارة جبينه، وتخلص من أحلامه المضنية التي جعلت نومه محموما: رأى نفسه سابحا في الفراغ وسط بنايات متهاوية كان يخشى أن تدفنه...
بدأ شيُوران الكتابة باللغة الرومانية، ثم انتقل إلى الفرنسية حين هاجر واستقرّ في باريس. لربما كان يفكّر، من بين أشياء أخرى، في تجربته حين قال: «استبدال اللغة، بالنسبة للكاتب، هو بمثابة كتابة رسالة غرام باستعمال قاموس». تتمّ الإحالة هنا إلى لغتين: واحدة أليفة، أسروية، ميزتها التلقائية والخفّة...
يروي ابن الزيات في كتاب التشوف قصة ولي من سلا اسمه أبو العباس أحمد، « كان ذا مال فتصدق بجميعه وعزفت نفسه عن الدنيا وأهلهـا وأقبـل على الله تعـالى ». غني عن القول أن مثل هذا التصرف ليس بالنادر في التشوف، فما أكثر الأولياء الذين يختارون الآخرة ويتخلون عن التعلق بأسباب الدنيا، إلا أن ما يلفت...
أبو حيان التّوحيدي، الكاتب ذو الاعتبار، عاش على وجه الخصوص في بغداد، في الريّ، وفي شيراز التي بها مات حوالي 414 هـ ( 1023 م ). يبدو أنّه راكم خيبة على خيبة، ولو أنّه تردّد على شخصيات متنفّذة، لم يجن من ذلك إلاّ حياة تقتير، والكتب التي كان ينسخها للغير لم تؤمّن له إلاّ موارد هزيلة. إنّه الذي...
من الصعب تصوُّر نص سردي أو مقطع شعري لا ترد فيه إشارة صريحة أو ضمنية إلى السفر. وحتى إن لم يرد ذكر لرحلة ما، تظل هناك تلك التي يقوم بها القارئ من عالمه المألوف إلى عالم غريب تشرع أبوابه بتزامن مع فتح الكتاب. رحلة القراءة تستدعي تكيفاً مع عادات النص وشعائره، وتتطلب بالتالي مجهوداً ذهنياً ليس...
أستاذة فرنسية تهتم بالأدب العربي وتقرأه «في النص»، سألتني ذات يوم عن ثلاثة شعراء يرد ذكرهم كثيراً في كتب النقد القديم. لم تستطع أن تحدد من هم لأنها لم تعثر على أسمائهم في تواريخ الأدب العربي التي اطلعت عليها، أو كانت في متناولها. الشاعر الأول هو أبو الطيب. من هو أبو الطيب؟ قلت لها بشيء من الخجل...
تحمل مداخلتي عنوان « التخلّص من المقامة «، و لأنّنا في الغالب لا نعثر على العنوان المناسب إلاّ بشكل متأخّر، فإنّ هذه المداخلة ستستظلّ بعنوان جديد : « الدّيك السّاهي le coq égaré «. المقامة جنس أدبي ازدهر خلال القرن العاشر الميلادي مع الهمذاني و خلال القرن الحادي عشر الميلادي مع الحريري؛ يتعلّق...
الكلام عن القواعد السردية يبدو لأول وهلة غريبا ، لأنه يذكر بمرحلة ثقافية كان الناقد أثناءها يلعب دور الموجه فيعرض للكاتب النماذج التي يجب اتباعها دون مناقشة . عندما يستخلص قدامة بن جعفر مثلا قواعد الشعر فإنه يلزم بها الشعراء . لا أقصد هذا النوع من التوجيه عندما أستعمل كلمة ’’ قواعد ‘‘ ولا أعتبر...
اهتم بورخيس كثيراً بالأدب العربي، اطّلع عليه مترجماً إلى لغات أوروبية، واستفاد من دراسات قام بها مستشرقون، وعلى الخصوص إدوارد لِين، ريشار بورتون، إرنِست رينان، أسين بَلاثيُوس. يكفي في هذا الصدد استعراض عناوين بعض نصوصه لتكوين فكرة عن انشغالاته العربية: «الدنو من المعتصم»، «حجرة التماثيل»، «بحث...
لا أتخيّلني أكتب في اللغة الدّارجة التي أتكلّمها . ما إن أمسك بالريشة ، ما إن أكن أمام الورقة البيضاء ، تفرض العربية الكلاسيكية نفسها عليّ و معها الأدب . تحرير رسالة ، و هو، مع ذلك ، فعل يوميّ ، عادي ، يجعلني مسبقا ، و بكيفية ماكرة ، أستقرّ في المؤسسة الأدبية . عليّ أن أستخدم نماذج ، إنشاءات...

هذا الملف

نصوص
104
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى