لو كنتُ بصحبتِكِ الآن
كنتُ سأطلبُ من الفراشاتِ
الابتعادَ عنكِ قليلاً
جاءَ دوري باقتطافِ رحيقِكِ
وسأرجو النَّسمةَ
لا تخطفُ منِّي رائحةَ شذاكِ
عطرُكِ اليومَ لي وحدي
لا أريدُ للدّروبِ أن تشردَ بِهِ
وسأتوسَّلُ للشَّمسِ
أن لا تتزوَّدَ من ضوئِكِ
طالما نحنُ نغطُّ في عناقِنا
عليها مؤقَّتاً الاستعاضةُ...
مثلُ تراتيل موشاة بالسّذاب المقدّس ، تبدو قصائد ديوان” قبل أن يستفيقَ الضوء” للشاعر ” مصطفى الحاج حسين” إذ تنبلجُ من أسمى المطالع : العشق والجرح.
فالشاعرُ يرشحُ عشقاً ظهر له كليلة القدر، ليختزلَ ما جبّ من أعمار قبله راحت هباءً وعناءً، فيرهن المداد والنفس والرّوح له. يسخّر الحبر، يؤرّثه خلوداً ،...
كلّ صباح ..
ينبعث منكِ الضّوء
تغمرينَ قلبي برائحةِ النّدى
أتنفسُ ضحكتكِ
أحتسي فتنة عينيكِ
أوغل في تأمل روحكِ
أرتحل في ثنايا البوحِ
أثمل من سهوبِ أنوثتكِ
أتأكدُ أنّكِ روح الكون
لو لاكِ ..
ما كان للوجودِ طعم
ولا معنى ..
وما كان للغةِ أجنحة
ولا للسماءِ شهوقٍ
لو لاكِ ..
لغادرَ الموج البحر
وانتابت...
تعثَّرتٍ الجُثًّة بابتسامةِ القاتلٍ
فتهاوتْ عليها رصاصاتُ المحبًّةِ
وسقطتْ شاكرةً لطفَ الجاني
الذي لم يبخلْ عليها
بطلقةِ الرحمةِ
للقاتلِ تاريخٌ عتيدٌ بالإنسانيًّةِ
فهو مَن شرًّدَ القتلى
تحت الأنقاضٍ
وهو مَنْ أخرسَ الأنينَ للأبدٍ
وهو من صدَّر المواطنينَ
إلى أصقاعِ العالمِ
عبر البحرِ والبرِ...
هذا الحاكمُ ليس منَّا
هذا الباغي مفروضٌ على رقابِنا
هذا اللعينُ نحن لا نرضى بهِ
هذا الخائنُ علينا محاكمتُهُ والقَصاصُ منهُ
هذا الذي لا يشبهُنا ينبغي عزلُهُ وطردُهُ
هذا القاتلُ يتوجبُ مواجهتُهُ والتصديَ لهُ
هذا السارقُ أعِيدوهُ إلى فقرِهِ وردوا لنا ما أخذ
هذا اللقيطُ ، الدّنسُ ، الأجربُ ،...
خُذيني إلى قلبي
الذي توارى عنِّي
فأنا أعرفُ أنَّهُ عندكِ
فهو لا يلجأُ إلَّا إليكِ
ولا يختبئُ عند أحدٍ سواكِ
ولا يعصاني إلَّا لأجلِكِ
فلا داعٍ للإنكارِ وللكذبِ
رُدِّي إليَّ قلبيَ الطائشَ
الأحمقَ السَّاذَجَ
أنتِ لا تحبِّينَهُ
فلماذا تستأثرينَ بهِ؟!
ولا تشفقينَ عليهِ؟!
فلِمَ تشجِّعينَهُ على...
لولا أنتِ
كانتِ الدُّنيا احتاجَت لمعنى
وكانَ على السماءِ
أن تجدَ شمساً
وعلى الليلِ
أن يؤمِّنَ قمراً
وعلى البحرِ أيضاً
أن يتدبَّر ماءَهُ
لولا أنتِ
كان الوردُ سيتطلَّبُ عطراً
وكان النّدى سيتضوَّرُ عطشاً
ولكانَتِ الفراشاتُ تهيمُ
في براري السّرابِ
وكانَ الوقتُ سيطلُّ علينا
حافياً متعثَّراً
مُدمى...
لأجلي ، اشترى أبي تلفازاً لنا بصورةِ الأسودِ والأبيضِ ، لأتوقَّفَ عن ارتيادِ دورِ السينما ، إذ لمْ أتركْ فيلماً إلَّا وأحضرُه مراتٍ عديدةً .
فرحْنا بالتلفازِ كثيراً أنا وأخوتي ، لكنَّني لمْ أحقِّق ماكان يرغبُهُ أبي منِّي ، فلم أقلِعْ عن عادتي في التّردُّد الدائمِ على السينمات .
وكثيراً...