مصطفى الحاج حسين

لو كنتُ بصحبتِكِ الآن كنتُ سأطلبُ من الفراشاتِ الابتعادَ عنكِ قليلاً جاءَ دوري باقتطافِ رحيقِكِ وسأرجو النَّسمةَ لا تخطفُ منِّي رائحةَ شذاكِ عطرُكِ اليومَ لي وحدي لا أريدُ للدّروبِ أن تشردَ بِهِ وسأتوسَّلُ للشَّمسِ أن لا تتزوَّدَ من ضوئِكِ طالما نحنُ نغطُّ في عناقِنا عليها مؤقَّتاً الاستعاضةُ...
مثلُ تراتيل موشاة بالسّذاب المقدّس ، تبدو قصائد ديوان” قبل أن يستفيقَ الضوء” للشاعر ” مصطفى الحاج حسين” إذ تنبلجُ من أسمى المطالع : العشق والجرح. فالشاعرُ يرشحُ عشقاً ظهر له كليلة القدر، ليختزلَ ما جبّ من أعمار قبله راحت هباءً وعناءً، فيرهن المداد والنفس والرّوح له. يسخّر الحبر، يؤرّثه خلوداً ،...
كلّ صباح .. ينبعث منكِ الضّوء تغمرينَ قلبي برائحةِ النّدى أتنفسُ ضحكتكِ أحتسي فتنة عينيكِ أوغل في تأمل روحكِ أرتحل في ثنايا البوحِ أثمل من سهوبِ أنوثتكِ أتأكدُ أنّكِ روح الكون لو لاكِ .. ما كان للوجودِ طعم ولا معنى .. وما كان للغةِ أجنحة ولا للسماءِ شهوقٍ لو لاكِ .. لغادرَ الموج البحر وانتابت...
يتأملني الفراغ يحدق في زحمة اختناقي يقترب من انهزامي يجسّ تجاعيد أنفاسي يصيخ السمع لدمعتي يمسد أصابع لوعتي ويربت على أكتاف أوجاعي يسقي صمتي جرعة من تراتيله ثم .. يجهش ببكاء محترق ويدمدم .. بصوت متهدج النظرات أنتَ .. محتاج لوطنٍ يضمّ رفاتك وطن .. يزخر بغبار الضجيج تعلو سماءه غيوم من الضحكات وتكون...
أشربُ من اسمِكِ حياتي أرتشفُ سبعَ سمواتٍ محلّاةٍ بأنجمٍ أكثرَ مِن حبّاتِ السّكّرِ وشمسٌ تقرأُ الشّعرَ لحبّاتِ القمحِ في دفتري وآخذُ من أصابعِكِ خصلةَ بوحٍ تكفكفُ فضاءَ روحي لأغفوَ على قارعاتِ النّدى تحتَ هُدبِكِ أتنفّسُ القبلاتِ وعندَ عنقِكِ أتلمّسُ اشتعالي أجولُ على أرجاءِ دفئِكِ أعمّرُ قلبي...
الدفترُ أمامي على الطَّاولةِ ينظرُ إليٌَ باستجداءٍ الطَّاولةُ تفرشُ لي صدرَها بطريقةٍ مُغرِيَةٍ والقلمُ يتوثَّبُ على أصابعي والأسطرُ تتضوَّرُ من جوعٍ تفتحُ فمَها بشغفٍ مجنونٍ والأحرفُ تستعرضُ عضلاتِها في مخيَّلتي اللّغةُ تستنفرُ وتَجهَزُ لخدمتي والصُّوَرُ الشّعريَّةُ تتسابقُ إليَّ لاهثةً قلبي...
تورقُ النَّارُ فوق أسطري وتتفتًّحُ لغتي على احتضاري فأنا تناسقّ الفاجعةٍ في أبنيةِ التَّهدّمِ وتلعثمِ الزلزالِ في صفائحِ صمتي يتسرَّبُ الخرابُ إلى جذوري وتمتدُّ ألسنةُ البرقِ نحو هشيمي وتميدُ بي دمعتي إلى سقوطي لأقفً على تلالِ أوجاعي وحنيني يناهزُ الفوضى ليستلَّ قلقي الأشرعةَ وأفقي مكتظٌ بنثارِ...
تعثَّرتٍ الجُثًّة بابتسامةِ القاتلٍ فتهاوتْ عليها رصاصاتُ المحبًّةِ وسقطتْ شاكرةً لطفَ الجاني الذي لم يبخلْ عليها بطلقةِ الرحمةِ للقاتلِ تاريخٌ عتيدٌ بالإنسانيًّةِ فهو مَن شرًّدَ القتلى تحت الأنقاضٍ وهو مَنْ أخرسَ الأنينَ للأبدٍ وهو من صدَّر المواطنينَ إلى أصقاعِ العالمِ عبر البحرِ والبرِ...
هذا الحاكمُ ليس منَّا هذا الباغي مفروضٌ على رقابِنا هذا اللعينُ نحن لا نرضى بهِ هذا الخائنُ علينا محاكمتُهُ والقَصاصُ منهُ هذا الذي لا يشبهُنا ينبغي عزلُهُ وطردُهُ هذا القاتلُ يتوجبُ مواجهتُهُ والتصديَ لهُ هذا السارقُ أعِيدوهُ إلى فقرِهِ وردوا لنا ما أخذ هذا اللقيطُ ، الدّنسُ ، الأجربُ ،...
خُذيني إلى قلبي الذي توارى عنِّي فأنا أعرفُ أنَّهُ عندكِ فهو لا يلجأُ إلَّا إليكِ ولا يختبئُ عند أحدٍ سواكِ ولا يعصاني إلَّا لأجلِكِ فلا داعٍ للإنكارِ وللكذبِ رُدِّي إليَّ قلبيَ الطائشَ الأحمقَ السَّاذَجَ أنتِ لا تحبِّينَهُ فلماذا تستأثرينَ بهِ؟! ولا تشفقينَ عليهِ؟! فلِمَ تشجِّعينَهُ على...
ما تبقَّى منِّي لا يكفي للوصولِ إليكِ سأسقُطُ في منتصفِ الطّريقِ ولكنٍّي سأَاْتي أعرٍفُ أنَّ دربَكِ طويلٌ وشاقٌّ وأنَّ تلالاً من التّعبِ تنتظرُني وأنَّ عطشاً لائباً ولُهاثاً شرساً وسراباً صفيقاً ومتاهاتٍ تفتحُ فمَها أرضاً مِن تعثُّرٍ وأنَّ السماءَ اختناقٌ يحاصرُني الهلاكُ فوقَ مرتفعاتِ الوهنِ...
لَوْ مَدَدتِ يَدَكِ وَلَمَستِ السَّماءَ كَمْ نَجمَةٍ سَتَلِدُ ؟! وَكَمْ أُفُقَاً سَيَتَفَتَّحُ ؟! وَكَمْ مدىً سَيَنتَشِي ؟! وهذا القمرُ البائسُ يشهقُ بغيرتِهِ تَيَبَّسَ النُّورُ بأوردَتِهِ وأنتِ لَمْ تَعِيرِيِهِ قَطرَةَ نَدَى أو بَعضاً مِنْ نَظرَةٍ يَمُّدُّ لكِ نَبضهُ شلالاتٍ مِنَ الحنينِ ويرسمُ...
ولأنِّي أحبُّكِ أسايرُ شبحَ الموتِ أتنازل له عن كلِّ شيءٍ إلّا أنتِ أتجنَّبُ عِنادَهُ والتَّصَادُمَ لا أتحدَّى بِهِ غَطرَسَتَهِ في سبيلِ تَجَنُّبِكِ ولئلا ينتقمَ منِّي بِكِ فَيَحرِقُ قلبي بِفُقدَانَكِ أُعطِيهِ كلَّ يَومٍ ورقةً مِنْ عُمري اطعمهُ بعضَ قِوَايَ أَدَعَهُ يفكِّكُ مَا يَحلُو لَهُ مِنْ...
لولا أنتِ كانتِ الدُّنيا احتاجَت لمعنى وكانَ على السماءِ أن تجدَ شمساً وعلى الليلِ أن يؤمِّنَ قمراً وعلى البحرِ أيضاً أن يتدبَّر ماءَهُ لولا أنتِ كان الوردُ سيتطلَّبُ عطراً وكان النّدى سيتضوَّرُ عطشاً ولكانَتِ الفراشاتُ تهيمُ في براري السّرابِ وكانَ الوقتُ سيطلُّ علينا حافياً متعثَّراً مُدمى...
لأجلي ، اشترى أبي تلفازاً لنا بصورةِ الأسودِ والأبيضِ ، لأتوقَّفَ عن ارتيادِ دورِ السينما ، إذ لمْ أتركْ فيلماً إلَّا وأحضرُه مراتٍ عديدةً . فرحْنا بالتلفازِ كثيراً أنا وأخوتي ، لكنَّني لمْ أحقِّق ماكان يرغبُهُ أبي منِّي ، فلم أقلِعْ عن عادتي في التّردُّد الدائمِ على السينمات . وكثيراً...

هذا الملف

نصوص
280
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى