حسام المقدم

‬رمي أحمد النكتة وسكت‮. ‬كنا نعرفها بالطبع‮: ‬مُدرِّسة دراسات تاه زوجها،‮ ‬فذهبت لتبحث عنه في الخريطة‮! ‬لحظتها لم نضحك؛ لأننا كنا في الحصة الأخيرة التي هي حصة‮ "‬دراسات‮"‬،‮ ‬ولأن الأبلة سناء ليس لها أثر في المدرسة طول النهار‮. ‬سيتركوننا مع دوشتنا ولن‮ ‬يسأل فينا أحد‮. ‬ومن كلمة إلي كلمة...
الليلة يطوف بنا الملك طوافه الأكبر.. فدعونا نعرف يا أحباب يظهر قادما في ضوء العواميد الاصفر المتعكر، يمشي متطوحا في عباءته الصيفية الكاشفة لمفرق صدره المشعر، والاكمام المحسورة عن عضلات بعروق منفوخة، تلمع صلعته لمعة زيتية محببة، نقوم كلنا من علي الحصيرة الكبيرة المفروشة جنب جدار الجامع، يرمي...
كنت أراه كل صباح وأنا ذاهب لعملي. أُقسِّم نظراتي بين وجهه وقرص الشمس الوليد. هذا الولد لابد أن الله خلقه بمقاييس مختلفة. يراني فيبتسم، فيما ذراعاه تسندان حقيبة ثقيلة على الظهر. أُعنِّف نفسي: لابد أن أتذكره في الليل. في الصباح التالي، وبعد أن يفوت، أرجُّ دماغي وألتفت: غدا سأقف وأكلمه. حلمت به في...
في ذكري مرتبة "يوسف إدريس" المقعرة في المرة الأولي بدا مثل طفل علي ظهر جمل، وهو يشير ناحيتها ان تقبل. كانت واقفة مبتسمة في قميصها، متطلعة له. وكان يطرقع بيديه علي المرتبة، وينتر جسده صعوداً وهبوطاً لينيخ تلك المنتصبة المشدودة. نادي بعبث: تعالي اقتربت تتلوي، ومن وضعه المزعزع مال وخطف قبلة. لفت...
فى كتاب «نزوة القَص المُباركة» يحكى «جابرييل جارسيا ماركيز» هذه الحكاية: (فى أحد الأيام، فى مدينة مكسيكو، خرجتُ من المكتب ورأيتُ سيارة تاكسى تتقدم وفيها زبون، ولكنها عندما اقتربت انتبهتُ إلى أنها خالية، وليس هناك أحد إلى جانب السائق، مثلما ظننت فى البدء. أشرت إلى السائق عندئذ بحركة متعجلة، فتوقف...
لو لم يأخذ باله في آخر لحظة؛ لأكله الموتوسيكل وسائقه الموتور بسرعة سينمائية. خطف نفسه مُتفاديا الأزيز المجنون، ووقف مائلا فوق سياج الكوبري العتيق، مُغالبا سخونة الدم إثر صدمة تخيُّلية كادت أن تطوله في حارة المشاة. في الأسفل البعيد ماء مُخضر تتشكل موجاته الصغيرة بانتظام بليد، وخلف ظهره أقواس...
درجات قليلة أصعدها، بعد انحرافي عن الشارع، وأُصبح في محطة القطار بمدينتي. المكان الذي أحببته دائما، وظلَّ يجتذبني، ويُكسبني الشَّغَف بالوجوه: وجوه عابرة ومُنتظرة وقلقة، حميمة ومُتعَبة ونافرة. أقف أمام صف المقاعد الرخامية ذات المساند، مُستطلعا أفضل مكان لجلوسي. أبقى مُتحفِّزا لقطارٍ يُقبل وآخر...
آخر الليل، وبقعة زيت بجوار العربة. بقعة رغم دُكنتها قادرة على عكس الجسد المقلوب لكل قادم جديد. أرفع رأسي من مكاني بالكرسي الأمامي فأرى القوام المنعكس للبشيرالمنتظر. غالبا يأتي بالهاند باج ويدخل مهدودا مرتميا. ألتفت خلفي وأحسب الباقين. أربعة ربما أو خمسة، والسائق بوجه ناشف ينظر في الداخل ويقول...
إهداء مبدئي: إلى الأحِبّاء الصغار الذين شاركوا في الحكي بأعين مفتوحة. سبع وردات لكم ولدوركم في حكاية المسعورة. وإلى آبائكم المحترمين، وأهالي بلدتنا المتحمسين. ** روحي فيكم أيها الأفذاذ الصغار. ما كنت لأذيع شيئا مما حكيتموه لي، أو مما حدث في بلدتنا الصغيرة، لولا ضيق ذات العقل عن كل خيال. ها...
لمريم عبدالعزيز التي لا أعرفها، لروايتها التي ستبقى تطوف في الجوار وعلى البعد وبامتداد الاوقات، بعوالمها السردية الأسيانة.. لمريم وروايتها عقد فُل من الذي كان "حسين" يُهديه ل"جميلة" في أوقات الصفاء قصيرة العمر، قبل أن يبتلعه البحر وحلم الهجرة والهروب من كل شيء، في "رشيد"، المدينة الموعودة...
من أول نظرة، عرفت أنني لن أكون محايدا تجاه وجه الرجل الذي يجلس بجواري في الأتوبيس. مع ذلك حاولت أن أنساه، وتركت رأسي يغفو فوق صدري. لم أتمكن؛ لأن الوجه اقتحمني في غفوتي بمجرد أن أغمضتُ عينيّ. رفعت رأسي نحوه من جديد: الشَّنَب! شَنب ملفوف ومستقوي.. عَمَّر سنوات طويلة، حتى انفتلَ بتلك الهيئة، وذلك...
في هذه المدينة الكبيرة، عندما تستوقِف أحدهم، وتحكي له عن زمنٍ كان فيه بَشَر مُهدَّدُون في أعزّ ما لديهم؛ فإنّه لن يُصدِّقكَ. هذا جِيل يتفاخَر بِفُحُولَته. ** كُلُّ شيء يبدأ بِخاطر مُلحّ. والخاطر قد يكون غائما، ومع الوقت يتحوّل إلى هاجس. رجل يجلس على قاعدة الحَمّام، مثل باقي الخَلْق. يفكّر...
اصبر يا مؤمن، يا مَنْ تحج لأول مرة، مثل "رفعت". هنا " السّيل الكبير"، أحد أماكن الإحرام، على مشارف سبعين كيلومترا من مَكّة. يَمرُّ به الحجَّاج القادمون من العاصمة، وما تلاها من مُدن على الطريق السريع. في المدخل ساحة خضراء واسعة، وبعد ذلك، في الممر الضيق الطويل، هناك روائح العرق غير المُحتمَلة،...
أوشكتْ ألعاب العيال، في ذلك الزّمن، أن تكون كذا وعشرين لُعبة. خُذوا مثلا: جَمعُ أغطية الكُوكاكولا والبيبسي وغيرها، ولضمها في بعضها بخيط، ثم ثنيها لتصير عَجلة صغيرة تصنع مع زميلة لها شيئا يمشي بعجلتين، مُثبَّتتين في خشَبة صغيرة، وعمود طويل للقيادة يكون دائما من جريد النَّخل. كان هناك وشيش لصوت...
إهداء: إلى فكري عمر، صُحبة الأيام والكُتب والقلق. ... يا ليل، يا عين، يا نهار، يا عالم.. انفلتَ تليفوني من يدي. راح في النهر، بعد رَبكة لحظيّة وأنا أُخرِجه من جيبي لأَرد على الرقم المجهول. تجمّدتُ مُنحنيا فوق سِياج الكوبري، راشقا عينيَّ في البُقعة التي غاصَ فيها. انزلقَ في لمحة، مثل...

هذا الملف

نصوص
71
آخر تحديث
أعلى