أحماد بوتالوحت

كان الوَقْت مُبكِّراً كَي تَخْرُج الأَرْض مُتَبرِّجَة مِن جُيوب الْمَاء هِراقْليطِس لَا زَال يُجَرِّب السِّباحَة فِي النَّهْر مَرَّتَيْن حَتَّى يُثْبِت أن العالَم يَتَغَير وَراحَتا الرَّحَى لَا زالَتا لَم تَنْفَتِقا وَظلَّتا رِتْقاً لم تَنْفَصِم عُرَاه حَتّى أجْراس الكَنائِس لَم تَتَفتَّح...
" واصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ، وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" قرآن كريم . صدح الديك على سطح السفينة " زمردة " هب بلال من نومه ، كانت زوجته قد إستيقظت منذ ساعة ، وأعدت له فطوره ، وضعت على مائدة في وسط المطبخ ، سلطانية من حساء الشعير وطبقاً من...
فِي مَمَالِكِ الغبار والضَّجَر ، شجرٌ يَعُضُّ عَلَى نَوَاجِذِ الحجر ، وأرصفةٌ تفتح نوافذها لِأَحْذِيَة الريح والمَطرْ ، وَقِطَارٌ يَعْبُرُ نحو الجنوبِ مُوشَّى بالدم والأنين ، وأنت تجهش بالأسى على خرائط المدن المَنْسِيَة ، مَيِّتٌ منذ زمنٍ بعيد ، وَهَا أحزان الْكَرَزْ تَسَّاقَطُ من سقف عينيك ،...
عابِراَ دُروب الأبَدِيَة ، هناك! حَيْث تَذْهب عَرَبات المَوْت الأَخِيرة وَتَحْت مِعطَفه الوَاقِي من الأَرَق ،يُهَرِّب أَحْزَان وَحْدَتِه إِلى حَانِة تَحْت المَطَر مُنْعَزِلة وَمِن الطَّريق يَتَناهَى إِلَيْه نُبَاح أَحْذِية عَسْكَرية وَهَذَيان أرْوَاح مُعَدَّبة ، تَعْبُر رَصِيف سَمَاء رَمَادِية...
لَا جَديد تَحْت سَقْفِ المُدُن المِتْروبُّولِية ، حَيْث التَّفاهَة تَمْشِي مَدْعومَة بِصَوْلَجانات الكَهَنة . الرِّجَال جُوف والأطْفال مُعَمَّدون بِمِياه آسِنَة وَعَراة كَالدِّيدان . إِرْكَل دَرّاجَتَك الهَوَائِية ، التي ثَكِلَت حَصّاريْها ، واخْرِجْها مِن غَفْوَتِها وَحاذِر أن تَتَأدَّى إِحْدى...
قام مِن مَوْتِه الأَخير وانْحَدَر مِن التَّلّة وَاسِماً وَجْهَها بِطريق العَوْدة إلى الحَياة ـ كان الطَّريق كَخيْط دَم أو كَمِسْبحَة مِن النَّمل ـ وَكانَت لعِظامِه رائِحة مَضاجِع عَجوزات كَسيحات وَمُوغِلات في الشَّيْخوخة . في إسْتِقْبالِه وَجَد أُرْجوحَة نَومِه المُهْمَلة الخَرْساء ، حَيْث...
كان فيما مضَى قنَّاص فُرَص ، ولم يَخْل مَاضِيه مِن بَنادِق تُجِيد التَّسْديد لَكِنَّه خَسِر معارك كَثِيرة وَأَزْرَاراَ لِأَقْمِصة صَارَت أَشْرِعَة لِسُفُن مُشَعَّثة تَمْخُر كَوابيسَه وَهَا هُوَ الآنَ يَهْرَم لَاصِقاً على كُرسِي مُتَنقِّل يَهُزُّه فُوَاقٌ أحْمَق وفي بَاحَات أُذُنَيْه يَجُرْجِر...
كان يَحْشو رُؤوس الطَّواحين الصَّغيرة بِالأقْوال وَالأَفْعال المَنْسوبَة خَطَأً إلى رُسُل البَدْو وَكان هذا إِعْتِقاد الفارِس النَّبيل ، صاحِب تَجارِب إِسْتهْدَفَت فِيما بَعْد عَقيدَته وَحَياتَه حَدَث أن غَاص في لَحْم رِوايات المُغامَرات وَالفُروسِية حتَّى جَحَظت شَامَة بَيْن عَيْنَيه ...
وَلِأنّه كان بِلا عَقْل راجِح ، فَقد دَأَب عَلى رَجْم قَطِيع السَّحاب بِالْحَجر ولمَّا تَسْتَغْرِق العُزلَة جِيَاد السَّماء ، يَرْفَع عَقيرَتَه بِالأَذان وَيَقيناً أنَّه مَن كان يَحْرِسُني مِن "لَسَعات النُّجوم " فِي لَيالي الصَّقيع كَما تَحْرس عَرَبات مُفُكَّكَة ، بَقَرات زَجّ بِها رَسّام...
ـ لماذا يضع هذا السيد قناعاً على نصف وجهه ؟ يا أبي ـ حتى لا يأكل الذباب أنفه . ـ لماذا تكذب على الصغير ؟ قالت الكلبة لزوجها الكلب ـ لقد قلت له ما اعتقدته صحيحا ، فطالما ضايقني الذباب وأنا أحشر أنفي في ركام النفايات باحثا عن فضلات طعام ، وطالما فكرت في وسيلة أذود بها عن أنفي كي أبعد عنه تلك...
أَرْبِطُ الْأَزْمِنَةَ بِالْأَزْمِنَةْ ، وَبِمِسَلَّةِ الْخُطَى أَرْفُو الْأَمْكِنَةْ ، مِنْ وَطَنِ الْمَنْفَى إِلَى رَصِيفِ الْمَبْغَى ، أَرْكُضُ وَدَاخِلَ مِعْطَفِي تَهرُّ الرِّيحْ ، وَتَحْتَ جِلْدِي الْكَابِي تُبْحِرُ مَرَاكِبُ الْكَآبَةْ . لَا خُبْزَ لِي ، فِي بِلَادِ الْمَنَافِي وَلَا...
أَرْبِطُ الْأَزْمِنَةَ بِالْأَزْمِنَةْ ، وَبِمِسَلَّةِ الْخُطَى أَرْفُو الْأَمْكِنَةْ ، مِنْ وَطَنِ الْمَنْفَى إِلَى رَصِيفِ الْمَبْغَى ، أَرْكُضُ وَدَاخِلَ مِعْطَفِي تَهرُّ الرِّيحْ ، وَتَحْتَ جِلْدِي الْكَابِي تُبْحِرُ مَرَاكِبُ الْكَآبَةْ . لَا خُبْزَ لِي ، فِي بِلَادِ الْمَنَافِي وَلَا...
ها أَنْت مُحاصَر بِكُلِّ أعْطَاب الْحَيَاة ! ولا مَكانَ لك إلَّا على هَوامِش هذه المُدُن المَنْذورة لِلْعُزْلَة والسَّأم . فَلَا تَكُن واهِماً وأنت تَكْنِس ذُبَاب المَوْت عَنْ جُرْح احْتِضارِك ، فَالرَّبِيع مُفْلِس في مُنْتَزَهات الْأَوْطان ، والشِّتاء لم يَعُد مُسَاِلماً ، وَمَا مِن أَحَدٍ...
كَانَ يُشْبِهُ أَحَداً ، وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ إِسْكَافِيِّ الْحَيِّ الَّذِي بِلَا قَدَمَيْنْ ، وَرُبَّمَا شَيْءٌ مِنْ بُسْتَانِيِّ الْبَلَدِيَةِ الَّذِي كَانَ يُشَدِّبُ دُمُوعَ الشَّجَرْ . فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي أَصْبَحَ الآنَ مُشَوَّشاً خَلْفَ قُبَّعَتِهْ ، كَانَ الْقَدَرُ أَكْثَرَ...
سَريعاً مَا تُغَطِّي القُبُور والبُثُور عُيون الشَّمْس سَريعاً مَا تَمْتَليء مَنافِضُ الحَيَاة بِأَعْقَاب خَسَائِرنَا و سَريعاً مَا تَذْبُل الْأَجْراس السَّاكِنَة فِي حَقائِبِ الرِّيح فُصُول تَعْقُب الفُصُول وَتَخْنُق الأَحْلَام فِي ضِمَاداتِها . هَلْ عَلَيْنا أَنْ نُعَلِّق جِرَاحَاتِنا عَلى...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى