سهير عبد الرحمن - الترام الذاهب إلى السبتية

كلما ذهب زوج عمتي ناظر المدرسة في عمل خارج القاهرة ,كان على أن أذهب للمبيت مع عمتي.شقة عمتي تقع في حي السبتية , تطل غرفها الخلفية على شريط السكك الحديدية و تقاطع القطارات الذاهبة و الآتية من الصعيد و الدلتا.
الشرفة المطلة على السكك الحديدية كانت كابوسا بالنسبة لي,كلما واتتني الشجاعة لأقف هناك أشاهد القطارات, فجأة يقع قلبي و أركض بالداخل كلما مر قطار. كانت الشرفة ترج بقوة عندئذ و كنت دوما على يقين أن العمارة القديمة ستقع و سأموت على قضبان القطار.
أذكر هذا السرير ذي الأعمدة الأربعة و على الحائط رف خشبي يحمل مذياعا خشبيا كبيرا. كنت أقضي الليل على هذا السرير وحدي, أشد خيطا متدليا بجانبي فأفتح المذياع ثم أشد الخيط فأقفل المذياع.
كانت عمتي تعد لي فطورا شهيا في الصباح و كأنها تعوضني عن غربتي التي دوما كنت أحس بها في شقتها,رغم حبي الشديد لها . كان بياتي عندها لليلة واحدة كل حين لا يفرحني , و كنت أنتظر وقت العصر عندما يعود زوجها لأعود لمنزلنا في الحلمية الجديدة.
أستقل مرة أخرى الترام البطئ ذي المقاعد الخشبية و "السنجة" الكسولة التي تتزحلق كل ربع ساعة عن الخط الكهربائي المعلق في الهواء فينزل الكمساري و يتسلق ظهر الترام و يعيد السنجة للمسار. كانت محطة الترام تبدأ هناك في السبتية و لذلك كنت أزاحم الناس و أقفز لأجلس على كرسي وحيد بجانب النافذة لأشاهد القاهرة من خلال...الترام.
الفجالة و مطابعها العريقة و حاناتها الصغيرة, شارع محمد على و دكاكين تبيع الآلات الموسيقية على جانبيه و محلات الكباب هناك ترى دخان الشواء و تشم رائحته الشهية.
يصل الترام لمحطة الرفاعي و أنزل لأشم نسيم حينا العريق ,أهبط هذا الشارع ببطء حتى أصل لأسفله ثم أمر على دار للعجزة و مقام شيخ منسي صغير في الطريق و مخبز خبز بلدي لأستدير و أصل لسينما وهبي ,تلك السينما التي تعد جزء هاما من طفولتي و أهم ذكرياتي.
أخيرا...أخيرا أدق جرس شقتنا و تفتح لي أمي المشتاقة...و أرتمي في حضنها...و أبكي !

19 نوفمبر 2011

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى