الفيل فيله.. البيت بيته.. الصحراء ملك لمن يغزو ومن يعبر.. الشمس فقط لم يكن له عليها الحكم لذلك سلطت عليه أشعتها النارية وهو يعبر هذه الصحراء فى رحلته المقدسة.. لن يقطعها كمن سبقه على حمار ولن يقطعها مثل لاحقه على جمل.. فيله تحته.. يدب الخطو على الأرض فتسمع كل خيول القبائل خطوه.. آه لو تحقق الحلم.. لو صار "القليس" كعبة للعرب لانفتحت أمامه خزائن الأرض.. استقدمت كل قبائلهم أصنامهم.. صار إلهه حامى آلهة الغير.. تبدلت المعادلة... وصار الله إلى جانبه.. الصحراء فسيحة.. والشمس لا تعرف صديقا.. لا تعرف ملكا.. لا تعرف الهدف النبيل من رحلته تلك المقدسة لذلك تُفْرغ هذه النيران فوق رأسه لا يمنعها عن الوصول ما وضع فوق رأسه من قماش وجلد.. ولا يمنع حرها الهواء الطائر من مراوح العبيد الذين لا يتخلفون خطوة ولا يتقدمون.. شارد هو، مشغول البال ببيته الجميل.. زينه كما لم تزين امرأة.. لونه كما لم تلون وردة، وكساه كما لم تكتس فى يوم كعبة قريش وانتظر مكافأة الدهر.. الحج.. "ولكم منافع فيه".. الأموال المنهمرة.. التجارة.. العبيد والإماء "حور العين" والصبية الصغار "الدر المكنون".. لكن هذا البيت اللعين المكى يسرق أموالى.. أموال بيتى.. انتبه من سرحته حين أشار جنوده إلى غزال شارد ينظره عن بعد.. يشير له إشارات لم يفهم معناها.. يخرج من بين صفوف جيشه عددا من الجنود فى اتجاهه.. المطاردة حامية.. هم لا يقتربون أبدا منه.. لكنه أبدا لا يبتعد.. تتسع دائرة المطاردة.. يندفع المزيد من الجند إلى اللعب /المطاردة.. تتسع الدائرة كلما بلعت مزيدا من الجند.. المشهد المثير الغريب يشد نظر الجميع، يتوقف الجيش عن التقدم.. حتى فيلى يدير وجهه للغزال.. كأنه هو الآخر ينتظر الإذن بالمشاركة فى المطاردة.. لكن الأمر لا يصدر له.. تسرى حالة من الفوضى فى الصفوف .. تضطرب خطوط الجيش.. تتفكك.. الغزال يسرع إلى الصحراء.. يدور فى دوائر متسعة يتلوى كثعبان.. يطير كنسر، لكنه لا يغيب أبدا عن نظرهُ ولا يغيبه عن نظرهِ.. يتعجب.. يقترب منه وزيره، مستشاره فى أدق أموره وأمور مملكته.
- هل ترى ما يحدث يا مولاى؟.. إن هذا غير طبيعى.. إنها رسالة الإله لك.. تحرسك وتؤيدك فى خطوك.
.. أبرهة ينتبه لما حدث فى جيشه.. لو كانت هذه الرحلة المقدسة غزوة حقيقية... لنال منه العدو الآن.. وأغلبية الجيش قد خرج فى مطاردة غزال.. يعود أبرهة أبرهة.. يتوقف العسكر عن المطاردة والقنص.. يعود الجيش إلى الانضباط.. تنتظم الصفوف.. فقط أبرهة يشرد فى متابعة الغزال الذى اطمأن الآن إلى انتهاء المطاردة فاقترب من الجيش وسار بخطوه يراقبه..
****
يومه الثانى فى الصحراء.. أحلام الليل كوابيس تطارده.. فيه شاهد سماء سوداء.. طيورا لم ير مثلها من قبل.. تأتى من قبل الشرق .. تسير فوق الجيش ساعات الليل والنهار.. تلقى أمامه حبات ذرة.. تنبت الحبات.. ترتفع على المدى الحقول.. يضيع الجيش وأثره داخل الحقول.. كان وفيله فى قلب المتاهة.. الذرة فى كل مكان.. ألف حقل وألف متر.. ولا طريق.. انتبه حين رأى أن سماءه قد تغير لونها.. المبهج فى الأمر.. أن فيله تحته.. لكنه قلّب وجهه لجهة اليمن.. كلما أداره إلى مكة استدار لكن توقف عن المضى فى الطريق.. فجأة اختفت الذرة وظهر الجيش بلا رؤوس.. حتى فيله اختفت رأسه.. فقط رأسه هو كانت ماتزال على كتفه.. لا يذكر هل كان اليمين أم اليسار.. لكن الطيور تنهشه وتنهش جنوده... جرى.. أسرع وأسرع.. استجار بالآلهة.. ذكّرهم ببيته المزين المبهج الجميل.. "آلهة لا تعرف الجميل ولا ترده"..
يومه الثانى فى الصحراء.. الغزال طوال الليل لم يبتعد رغم عواء الذئاب الذى لم ينقطع.. حين خرج من خيمته فى الصباح أشار له نفس الإشارات.. لم يفهم.. لكنه أصدر أمرا أبرهيا بعدم التعرض للغزال.. القنص ممنوع، نحن منذ الآن فى رحلة حج لهدم بيت مكة، للتقرب من باقى الآلهة.
يتحرك الجيش.. خطوطه لا اعوجاج فيها ولا نقص.. الصباح الجميل يطرد كوابيس الليل.. يعود أبرهة أبرهة من جديد.. يمر الجيش برعاة إبل وبعيروأغنام و... يتوقف.. يسأل لمن هذه الأموال.. لأى القبائل.. هو لم يأت للغنائم، هذه رحلة مقدسة.. لذلك لا يلتفت كثيرا لما يمكن أن يكون ملكه الآن.. فغدا سوف يرث الأرض ومن عليها.. الشمس تعاود حركتها الغادرة.. تشعل المكان من حوله.. لو اتسع ملكه يوما إلى المغرب حيث مسكنها.. سوف يحاسب الشمس على أيامه هذه، وفعلتها تلك.. سيجعلها عبرة.. سيحبسها فى مكمنها أياما وأياما دون ماء، دون طعام.. حتى تعترف به سلطان أو ملكا.. ينتبه على اقتراب الغزال.. اختراقه صفوف الجيش.. تقدمه دون وجل.. المرور أمامه دون انحناء.. والإشارات المجهولة بالنسبة له.. ثم الخروج من جديد.. مبتعدا عن صفوف الجيش.. يقترب الوزير.. يشير ويؤكد من جديد .
- الأمر معجز يا مولاى.. رسالة الإله واضحة.. دعمه لا يغيب..
.. أبرهة لا يثق كثيرا فى رسائل الآلهة.. لكنه يؤمن أن الغزال يحمل سرا ما.. رسالة ما حقيقية.. وأن وجوده له هدف.. ربما يكون هذا الوجود مرتبطا بحلم الليل، تفسيره، الإشارات.
****
يومه الثالث فى الصحراء .. كالعادة غلبه حلم الليل .. ظهر له ليل مبهج .. فيه اقترب من حلمه .. كانت الكعبة على مرمى نظر .. على بعد حجر .. من هنا كان يمكنه أن يقذفها بالمنجنيق .. لا عائق .. لا جيش .. لا حراسة .. فجأة .. ظهر على البعد سواد قاتم قادم من جهتها .. لم يكن واضحا ما نوعه فى بداية الحلم .. لكنه كلما اقترب – ربما – الحلم من نهايته .. ظهر نوعه .. إنها حشرات صغيرة .. لا تزيد عن حبات الملح والعدس.. لها لون الليل الحالك السواد.. تتحرك فى سرعة مخيفة.. لتدهن وجه الدنيا.. تدمر الأخضر واليابس فى طريقها.. كانت تمر على الجند فلا يبقى إلا العظام.. رعب الدنيا تملكه.. أسرع مبتعدا.. كان فيله يسبقه.. رغم أنه فوقه.. لكن ملح الأرض.. حشراته أحاطت بفيله ابتلعته.. حتى العظام لم تتركها.. فقط ظل أبرهة واقفا ينتظر المصير، يحيطه السواد الحالك.. فجأة تغير المشهد ظهر وزيره إلى جانبه.. وجهه الذى يعرفه.. فغادره المنام...
اخبره وزيره أن هناك من يريد لقاءه.. إنه قائد مكة وزعيمها.. لم يهتم.. سأله عن الغزال هل مازال يتبع الجيش؟..
- نعم.
تعجب من أمر هذا الإله الذى يرسل الإشارات عبر الغزلان.. تحرك فى خيمته.. ربما معها تفسير حلمه.. ارتدى ملابسه مسرعا.. غادر الخيمة.. نبهه وزيره إلى زعيم مكة المنتظر.. لم يلتفت له.. سار على قدميه متخذا من الغزال قبلته.. تبعه حرسه الخاص.. أشار لهم فتوقفوا.. واصل المسير.. مبتعدا عن الجيش.. حافظ الغزال من جهته على المسافة الفاصلة بينهما.. تعب من المسير.. فتوقف.. عندها أشار الغزال من جديد.. لم يفهم.. لكنه الآن على يقين من أنه يحمل خبرا ما له.. وأن هناك رسالة يجب أن يتلقاها.. وعليه الصبر، فتابع المسير.. الشمس الآن فوقه بالضبط.. تكاد تلمس شعره.. تحط على رأسه كطائر العقاب.. "أين العبيد؟!".. لا يظهر له جيش.. ولم يعد يلمح الفيل.. هل ابتعد لهذه الدرجة.. ماذا عليه أن يفعل الآن؟.. هل يواصل تتبع خطا الغزال أم يعود ويرتد لرحلته المقدسة.. على أية حال هو الآن بحاجة فقط إلى قليل من الراحة قبل أن يحدد ماذا سيفعل.. على الجانب المظلل لتل من الرمال قليل الارتفاع ألقى بنفسه واختبأ من عيون الشمس وسهامها..
وجه وزيره نخذه كالعادة.. زعيم مكة مازال فى الانتظار.. خرج له.. "على وجهه سيماء تقربه إلى القلب.. تحببه إلى النفس".. مد له بساطه.. أجلسه إلى جانبه.. لم يفعلها مع من قابله قبله من زعماء القبائل "ربما يسترضى هذا إله هذا البيت فيقبل أن ينتقل إلى بيتى.. حيث البناء أعلى وأضخم وأجمل وأبهى وأرقى وأعظم وأفخم -يمكننى أن أعد حتى تسع وتسعين من الصفات- مما يسكنه الآن".. تباسط معه فى الحديث.. ثم دعاه إلى مائدته وقرب له طعامه ليذوق ما يمكن أن يناله ربه لو شاء وانحاز له.. لم يمد عبد المطلب اليد فى الطعام.. سأله..
- ما الأمر؟! .
قال.. جئت لك فى طلب..
رفع أبرهة يده عن الطعام ونظر فى اتجاه الغزال.. كان يدور فى المكان.. يرسم دائرة تكمل دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. لم يفهم.. "لو ينطق" لكنه كان يلح فى الإشارة لعله يفهم.. عاد بنظره إلى زعيم مكة..
- ما الأمر؟.
- جئت أحدثك عن أغنامى وإبلى و..
- وبيت ربك؟!!!.
- أنا رب لهذه الأغنام والإبل.. أما البيت فله رب سيحميه.
- ألن تقاتل؟!!.. ألن تدافع عنه؟!!.. فلما يظل فى أرضك؟!!..
- أنا رب لهذه الأغنام والإبل.
تعجب أبرهة.. لم يعد بنظره إليه من جديد، فقد خف وزنه فى الميزان.. بل رماه فى اتجاه الغزال الذى كان يلح على رسم الأشكال.. دائرة تكمل دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما..
رد عليه غنمه وإبله.. ووهبه الزمن الكافى كي يفر هو وأتباعه عن مكان شيغشاه بجيشه ويدمره عما قريب ..
انصرف عبد المطلب .. عاد إلى متابعة الغزال ..
رسمه على الأرض يتواصل.. هب من رقدته خلف التل أسرع إلى حيث تَوَاصل رسمه.. كان هناك بناء غير مكتمل تنقصه لبنة.. وكانت هناك دائرة تكمل دوائر.. وكان هناك مثلث يقطع مثلثا.. وكان هناك خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. وكان هناك كتاب بالغ القدم، كأنه كتب قبل الخليقة أو هو الخليقة.. فتح صفحاته.. فإذا به..
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ".
.. فرفع نظره إليه والسؤال فى رأسه.. ألم تر؟!!!!!!.
- هل ترى ما يحدث يا مولاى؟.. إن هذا غير طبيعى.. إنها رسالة الإله لك.. تحرسك وتؤيدك فى خطوك.
.. أبرهة ينتبه لما حدث فى جيشه.. لو كانت هذه الرحلة المقدسة غزوة حقيقية... لنال منه العدو الآن.. وأغلبية الجيش قد خرج فى مطاردة غزال.. يعود أبرهة أبرهة.. يتوقف العسكر عن المطاردة والقنص.. يعود الجيش إلى الانضباط.. تنتظم الصفوف.. فقط أبرهة يشرد فى متابعة الغزال الذى اطمأن الآن إلى انتهاء المطاردة فاقترب من الجيش وسار بخطوه يراقبه..
****
يومه الثانى فى الصحراء.. أحلام الليل كوابيس تطارده.. فيه شاهد سماء سوداء.. طيورا لم ير مثلها من قبل.. تأتى من قبل الشرق .. تسير فوق الجيش ساعات الليل والنهار.. تلقى أمامه حبات ذرة.. تنبت الحبات.. ترتفع على المدى الحقول.. يضيع الجيش وأثره داخل الحقول.. كان وفيله فى قلب المتاهة.. الذرة فى كل مكان.. ألف حقل وألف متر.. ولا طريق.. انتبه حين رأى أن سماءه قد تغير لونها.. المبهج فى الأمر.. أن فيله تحته.. لكنه قلّب وجهه لجهة اليمن.. كلما أداره إلى مكة استدار لكن توقف عن المضى فى الطريق.. فجأة اختفت الذرة وظهر الجيش بلا رؤوس.. حتى فيله اختفت رأسه.. فقط رأسه هو كانت ماتزال على كتفه.. لا يذكر هل كان اليمين أم اليسار.. لكن الطيور تنهشه وتنهش جنوده... جرى.. أسرع وأسرع.. استجار بالآلهة.. ذكّرهم ببيته المزين المبهج الجميل.. "آلهة لا تعرف الجميل ولا ترده"..
يومه الثانى فى الصحراء.. الغزال طوال الليل لم يبتعد رغم عواء الذئاب الذى لم ينقطع.. حين خرج من خيمته فى الصباح أشار له نفس الإشارات.. لم يفهم.. لكنه أصدر أمرا أبرهيا بعدم التعرض للغزال.. القنص ممنوع، نحن منذ الآن فى رحلة حج لهدم بيت مكة، للتقرب من باقى الآلهة.
يتحرك الجيش.. خطوطه لا اعوجاج فيها ولا نقص.. الصباح الجميل يطرد كوابيس الليل.. يعود أبرهة أبرهة من جديد.. يمر الجيش برعاة إبل وبعيروأغنام و... يتوقف.. يسأل لمن هذه الأموال.. لأى القبائل.. هو لم يأت للغنائم، هذه رحلة مقدسة.. لذلك لا يلتفت كثيرا لما يمكن أن يكون ملكه الآن.. فغدا سوف يرث الأرض ومن عليها.. الشمس تعاود حركتها الغادرة.. تشعل المكان من حوله.. لو اتسع ملكه يوما إلى المغرب حيث مسكنها.. سوف يحاسب الشمس على أيامه هذه، وفعلتها تلك.. سيجعلها عبرة.. سيحبسها فى مكمنها أياما وأياما دون ماء، دون طعام.. حتى تعترف به سلطان أو ملكا.. ينتبه على اقتراب الغزال.. اختراقه صفوف الجيش.. تقدمه دون وجل.. المرور أمامه دون انحناء.. والإشارات المجهولة بالنسبة له.. ثم الخروج من جديد.. مبتعدا عن صفوف الجيش.. يقترب الوزير.. يشير ويؤكد من جديد .
- الأمر معجز يا مولاى.. رسالة الإله واضحة.. دعمه لا يغيب..
.. أبرهة لا يثق كثيرا فى رسائل الآلهة.. لكنه يؤمن أن الغزال يحمل سرا ما.. رسالة ما حقيقية.. وأن وجوده له هدف.. ربما يكون هذا الوجود مرتبطا بحلم الليل، تفسيره، الإشارات.
****
يومه الثالث فى الصحراء .. كالعادة غلبه حلم الليل .. ظهر له ليل مبهج .. فيه اقترب من حلمه .. كانت الكعبة على مرمى نظر .. على بعد حجر .. من هنا كان يمكنه أن يقذفها بالمنجنيق .. لا عائق .. لا جيش .. لا حراسة .. فجأة .. ظهر على البعد سواد قاتم قادم من جهتها .. لم يكن واضحا ما نوعه فى بداية الحلم .. لكنه كلما اقترب – ربما – الحلم من نهايته .. ظهر نوعه .. إنها حشرات صغيرة .. لا تزيد عن حبات الملح والعدس.. لها لون الليل الحالك السواد.. تتحرك فى سرعة مخيفة.. لتدهن وجه الدنيا.. تدمر الأخضر واليابس فى طريقها.. كانت تمر على الجند فلا يبقى إلا العظام.. رعب الدنيا تملكه.. أسرع مبتعدا.. كان فيله يسبقه.. رغم أنه فوقه.. لكن ملح الأرض.. حشراته أحاطت بفيله ابتلعته.. حتى العظام لم تتركها.. فقط ظل أبرهة واقفا ينتظر المصير، يحيطه السواد الحالك.. فجأة تغير المشهد ظهر وزيره إلى جانبه.. وجهه الذى يعرفه.. فغادره المنام...
اخبره وزيره أن هناك من يريد لقاءه.. إنه قائد مكة وزعيمها.. لم يهتم.. سأله عن الغزال هل مازال يتبع الجيش؟..
- نعم.
تعجب من أمر هذا الإله الذى يرسل الإشارات عبر الغزلان.. تحرك فى خيمته.. ربما معها تفسير حلمه.. ارتدى ملابسه مسرعا.. غادر الخيمة.. نبهه وزيره إلى زعيم مكة المنتظر.. لم يلتفت له.. سار على قدميه متخذا من الغزال قبلته.. تبعه حرسه الخاص.. أشار لهم فتوقفوا.. واصل المسير.. مبتعدا عن الجيش.. حافظ الغزال من جهته على المسافة الفاصلة بينهما.. تعب من المسير.. فتوقف.. عندها أشار الغزال من جديد.. لم يفهم.. لكنه الآن على يقين من أنه يحمل خبرا ما له.. وأن هناك رسالة يجب أن يتلقاها.. وعليه الصبر، فتابع المسير.. الشمس الآن فوقه بالضبط.. تكاد تلمس شعره.. تحط على رأسه كطائر العقاب.. "أين العبيد؟!".. لا يظهر له جيش.. ولم يعد يلمح الفيل.. هل ابتعد لهذه الدرجة.. ماذا عليه أن يفعل الآن؟.. هل يواصل تتبع خطا الغزال أم يعود ويرتد لرحلته المقدسة.. على أية حال هو الآن بحاجة فقط إلى قليل من الراحة قبل أن يحدد ماذا سيفعل.. على الجانب المظلل لتل من الرمال قليل الارتفاع ألقى بنفسه واختبأ من عيون الشمس وسهامها..
وجه وزيره نخذه كالعادة.. زعيم مكة مازال فى الانتظار.. خرج له.. "على وجهه سيماء تقربه إلى القلب.. تحببه إلى النفس".. مد له بساطه.. أجلسه إلى جانبه.. لم يفعلها مع من قابله قبله من زعماء القبائل "ربما يسترضى هذا إله هذا البيت فيقبل أن ينتقل إلى بيتى.. حيث البناء أعلى وأضخم وأجمل وأبهى وأرقى وأعظم وأفخم -يمكننى أن أعد حتى تسع وتسعين من الصفات- مما يسكنه الآن".. تباسط معه فى الحديث.. ثم دعاه إلى مائدته وقرب له طعامه ليذوق ما يمكن أن يناله ربه لو شاء وانحاز له.. لم يمد عبد المطلب اليد فى الطعام.. سأله..
- ما الأمر؟! .
قال.. جئت لك فى طلب..
رفع أبرهة يده عن الطعام ونظر فى اتجاه الغزال.. كان يدور فى المكان.. يرسم دائرة تكمل دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. لم يفهم.. "لو ينطق" لكنه كان يلح فى الإشارة لعله يفهم.. عاد بنظره إلى زعيم مكة..
- ما الأمر؟.
- جئت أحدثك عن أغنامى وإبلى و..
- وبيت ربك؟!!!.
- أنا رب لهذه الأغنام والإبل.. أما البيت فله رب سيحميه.
- ألن تقاتل؟!!.. ألن تدافع عنه؟!!.. فلما يظل فى أرضك؟!!..
- أنا رب لهذه الأغنام والإبل.
تعجب أبرهة.. لم يعد بنظره إليه من جديد، فقد خف وزنه فى الميزان.. بل رماه فى اتجاه الغزال الذى كان يلح على رسم الأشكال.. دائرة تكمل دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما..
رد عليه غنمه وإبله.. ووهبه الزمن الكافى كي يفر هو وأتباعه عن مكان شيغشاه بجيشه ويدمره عما قريب ..
انصرف عبد المطلب .. عاد إلى متابعة الغزال ..
رسمه على الأرض يتواصل.. هب من رقدته خلف التل أسرع إلى حيث تَوَاصل رسمه.. كان هناك بناء غير مكتمل تنقصه لبنة.. وكانت هناك دائرة تكمل دوائر.. وكان هناك مثلث يقطع مثلثا.. وكان هناك خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. وكان هناك كتاب بالغ القدم، كأنه كتب قبل الخليقة أو هو الخليقة.. فتح صفحاته.. فإذا به..
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ".
.. فرفع نظره إليه والسؤال فى رأسه.. ألم تر؟!!!!!!.