محمد آدم - السيدة الخضراء

السيدة الخضراء (سفر) 1

[ والمرأة كانت متسربلة بأرجوان وقرمز
ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب]

[ولكن عندى عليك أنك تركت
محبتك الأولى]

ســـــفر :
أبدأ رحلتى الأولى نحو امرأة تتقطر عشقاً وأنا طفل
أجرى خلف نثيث الثلج الأبيض
فوق الأوراق الخضراء المضفورة بعصير الشمس الصفراء
وأضحك من لغة القلب الخرساء الطفلة
أتبع قافلتى نحو الأرض العريانة والعطشانة للموتي
من أمثالى الفقراء
فهل تأتى سيدتى فى هذا الوقت من الليل؟
أدق على أبواب الريح
وأسكن فى قلب الورق الناحل
والضحكات الباردة الجوفاء لعل الريح تجيب
وترتج الغرفة حولى بالزينة والأضواء
ولكن الريح المعلولة تأتى
ويفر الفجر الناحل عن عينى بعيداً
والأشجار الرابضة أمام النُزْل المعتم
تنحل طيوراً
وعصافير
وأبقى فى داخل قبوى المعتم
أتلمس شيئاً أكتبه
فى هذا الوقت من الليل
تغيب الأطيار - بعيداً - فى فلوات الأرض
ويهرب ظل منتظر لامرأةٍ..
تتآكل بالحب
ويأكلنى الشبق التنينى الجامح
أتداخل فى نفسى شيئاً.. شىئاً
جرح يتفتح مثل الورد النائم خلف ظلال الوقت
ويغزو جسدى
هل أبكى؟
لكن من يسمعنى فى هذى الوحدة؟
والهدأة قاتلة كالمنفى؟
أتشاغل بورود الجرح
وبوح الورد
وأملأ بعض الكاسات الكسلى
لكن الوقت يمر ويسحقنى..
كامرأة تتفتت عشقاً
بين يدىَّ
ويعروها زبد مهتاج نافرْ
ها إنى منتظرٌ
كالظل الواقف فوق جدار الشرفات الناحلة
وأراقب خطواً يأتى من طرقاتٍ أخرى
لكن الوقت يمرُ
والساعة فارغة..
تعلن فى استرخاءٍ عن قرب الليل الدّاهم
والأضواءُ الآتية على زهر الثلج الأبيض
تنشق حصاناً أبيضَ
يحمل مكتوباً من سيدتى
أتصلب في وقفتى المصلوبة
ثم أفض رسائل تحملها الريح
ويرسلها البرق المتواتر حولى.


السيدة الخضراء (الياقوتة) 2

[ أين الطريق إلى حيث يسكن النور]

الياقوته:
سيدتى فى البهو الفرعونى تداعب ملكاً
وأنا طفلٌ
أتدثر فى أسمالٍ باليةٍ
أخرج فى الليل وحيداً
أتمشى فوق جسور الترعة علِّى أقطف بعضاً من أزهار الصبير
نباتات الفل البرى تداعبنى
وتطاردنى
تتحلق حولى وتغازلنى
لكنى أمشى...
وأدوس على قطرات الثلج المنثور بأطراف
العشب الأخضر
كإلهٍ فى وادى النور
تسابقنى الريح وأسبقها
وفراشات الحقل البيضاء الحمراء الصفراء
تخيط قميصى
أتدثر بفضاءٍ فجريٍّ لعشيبات الحناء الخضراء
وأرسم بعضاً من أحلامى
بحبيبات الدم النازف من كل خلايا جسدى المسفوح
على حبات الطين العطشى
هل شاهدنى ظلى
وأنا أتفيأ داخل قلبى
مثل صبى يتكور فى حضن فتاةٍ ضاعا
فى طرقات الزمن المرِّ
وغابا عن عين الأهل طويلاً
ظلى يتغافل عنى
وأنا أتكاسل عن ظلى
هل عادت سيدتى م البهو الفرعونى الآسر؟
تشتد الريح
ويتوجع فى داخل أضلاعي قلبي
يتكسر مثل الأشجار المصروعة فى يومٍ عاصف
أتهيأ للصحو وللنوم
يراودنى شكل امرأة
تتأرجح ما بين الصحو وبين النوم فأغفو
فوق فراشٍ يتوقد بالثلج
ابترد الوقت طويلاً
ها إن الساعة آتية لا ريب
كم يبعد هذا الفجر عن الليل؟
وكم يبعد ليل الزمن المتوحش عن آخر أطراف الفجر؟
تتمسح بى هرة
وتموء كذئب برى يعوى فى صحراء الصيف
ابتعدت أخر عربات الغجر الرُّحل عن طرقات العشب
انعصر الصمت المتخشب فوق دهاليز الوقت النافر
وابتدأت سيارات الجند
تعود لمخبئها
ساكنة
ها إن القاتل قد فرّ
وعصفور الأيكة قد طار إلى عتبات النور لكى يتغسل بالظل
الساقط من أرباض الشمس
وينعس قرب فراشات الحقل
ينقِّر حبات التوت البري
ويجري خلف يمامات الدغل
الغائم فوق جسور الترع المغسولة
بالطل الهاطل
من عليين.


السيدة الخضراء (وصل) 3

[اجعلني كخاتمٍ على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت]

وصل:
اشتدت دورات الريح العاصف
واهتز النخل الواقف كوريقات خريفٍ أصفرَ
لم يبق إلا أن ترحل
أو تنسى هذا الحب الغلاب القاهر فوق جدارات القلب الأبيض
طفل يتساند قرب جدار يساقط
وامرأة تنزل دغل البوص الأخضر
تكشف عن ساقيها
تصطاد السمك البري المتوحش..
ها هى تدغل فى الريح الهوجاء
فتلتف بها
تغريها أن تركض فى بحرٍ لجي
تتنزل فيه الشمس
ويرتاح الرمل المصقول على زرقة أمواج البحر
الجسد النافر يعلو يفرّ
الشعرُ الليلىّ المحلولك يتطاير عبر رذاذ الماء الأزرق
تتعلق حبات الشمس الحمراء
بحبات الزبد الأبيض
فوق الجسد البحر
فتكشف عن سر السر
آهٍ...
هل عادت سيدتي من غارتها الليلية بعدُ
اندلع الفجر
وها هى خيل الرغبة
ترقص فوق خلايا الجسد المسنون المتوقد
تستنفر
أغوار العشق الدوار بقلبى
وتلملم حبات القمح المبذور بأحراش الحقل
الممدود
على شرفات اليم الغارق
فوق نخيل الصيد.


السيدة الخضراء (امرأة) 4

[مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة
والسيول لا تغمرها]

امرأة:
الريح تلاقحها الريح
وها هى أفراس الضوء تحمحم عبر ممرات جبال الصهد
فتركض أو
تتراكض خلف نداءات العشق المسنون
بحمأٍ من تسنيمٍ
وتقطِّع أميال الشهوة
بحوافز يحدوها شرر يتطاير كالزبد المربد
على ساحات الأفق الممتد
لماذا لم تأت سيدتي بعد؟
نُزُلٌ من أقمار هابطةٍ من قرب عباءات الظلمة تلتف حوالي
تكاشفنى وأكاشفها
أفتح بابى..
مَنْ؟؟
سيدة الضوء المبهم
والأفراس البراقة تحت عشاش الزهر الليلي النائم
والسفن المبحرة - أخيراً - نحو جبال الله المبثوثة فى قلب الأرض؟
مَنْ هذى النائمة بقلبى؟
مَنْ؟
امرأة الزهر الليلي تعانق آخر أطراف الأرض
وتركض نحو المجهول بعيداً
بينا أتقرى جسدى
بقعاً
من أطرافٍ غامقة اللون
أغنى..
أتباطأ فى الخطو
أصفِّر...
للريح المصفرة أن تأتى
هل تأتى الريح السواحة
تغزل ثوبي
وتحيك مواجيدى سمكاً يتقافز بين الأشرعة البيضاء
لسفن الصيد الغارقة هنالك فى الميناء؟
آهٍ...
لو تأتى الريح الآن
وتأتى سيدتى مثقلة الخطو
تدق على بابي المنعزل النائي...!!
ها أنذا
أتساقط كوريقات التوت الأصفر إبان خريفٍ مجنونٍ
أتعرى قلباً
يتطاير صدرى مزقاً مزقاً
هذى سفن الضوء - النافذِ - تبحر من كل كريات دمي ناحلةً
صفراءَ
ومفعمةَ اللونِ
أحاول أن أسترجع شيئاً لامرأة الحزن الغامق
والصدر الجبلي الشاهق
لكنى لا أتذكر إلا وجهاً كالطفل النائم
تحت شجيرات الحنطة
في ليل الصيف المخنوق العاري
ضفدعة تنقر أثداء الوقت الساكن
كهل يتوكأ فوق عصاه قبيل صلاة الصبح
امرأة يتعاطاها بعض رجال الدرك الساهر
خيل تصهل قبل صياح الديك
وقبرة
تنتقل جامحةً
بين وريقات البوص الفجرى السامق
وتلامس أطراف الماء المثقل بالتطواف
نواطير القش
تجمِّع ديدان الحقل
وترقص إبان الهدأة من غسق الليل
الوقتِ المغسول برشات العشق
بلاد تتجاذب ثوب محبتها
آسرة هذى السيدة المجنونة..!!
آسرة هذى السيدة المجنونة
لكن
ها أنذا أتعبني النوم
وأوجعني سيل التذكاراتِ المحمومِ
أجمِّع تذكاراتى
واحدةً
واحدةً
وأفرق تذكاراتي
واحدةً
واحدةَ
من ينقذني؟ وامرأة الأصداف الليلية والأوراق الدكناء؟!
أحاول أن أسترجع بعضاً
من أشتات وجوه
تتقاذفها حيطان الوهم العالي.


السيدة الخضراء (ترنيمة لـسـلـيـمان الملك) 5

[ أنا لحبيبي وإلىَّ اشتياقه تعال يا حبيبي لنخرج إلى
الحقل ولنبت فى القرى لنبكرنَّ إلى الكروم ولننظر هل أزهر
الكرم؟ هل نور الرمان؟ اهرب يا حبيبي اهرب وكن كالظبي أو
كغفر الأيائل على جبال الأطياب]

ترنيمة لسليمان الملك:
وجه لسماء الصيف
نجيمات تتعلق فى خيمة بللور أزرقَ
قلب ملاك يتدلى من تحت العرش الكوني
ويهبط كإله الصيد
على عشب الأرض المسترخى فى حالة سكرٍ
وجه ليمام البر
ينقِّل خطوته الأولى
فوق تراب الطرق الريفية
والشجر المتكاشف يتطاول يتحاضن
يمتد
ويترامى
أفقاً من بُسط
يفرشها الوجه المتطامن لصبيٍّ يلهو فى كومة رملٍ
يرسم وجه حبيبته الأولى
بيت الرغبة والنشوة
والموت
امرأة تتغامز ليمام البرِّ
تطارده
فيطاردها
ثم يصاحبها فى نوبة ريحٍ عاتٍ مجنونٍ
رجل قطَّع أشجار الحنطة واللوز
وراح يتابع رحلتها فى يوم شاتٍ مذهولٍ
ها هى ريح تدخلنى وتؤاخينى
وأنا
أدخلها وأؤاخيها
أركب نحو مدائنها سفناً من نخلات الضوء
وأسرج خيلى واحدةً
واحدة
نحو بلاد الرغبة
استوقد نار الله ونار العشق
ولكن البلد بعيد
والطرقَ المدخولة آهلة
بالركبان
ابتدأ الزمن الصعب الآن
وأجناد الأرض
يمرون سراعاً
نحو الهاوية المفجوعة لرحيلٍ لم يبدأ بعد
سراةُ الوقت يمرون
خفافاً
نحو طواحين الموت
وأعراس النشوة آتية من غور الصبوة
عبد الله استشهد فى حب امرأة
لم يرها من قبل ولم يسمع عنها
لكن الحلم آتاها تحت النخل وفاجأها
الأفق اللا محدود بأصلاب الكون
كانت تنظر نحو النور الصاهل من أجناب الأرض
اهتز النخل
انفرط الرطب الحلو
انفلتت كل عصافير الوقت تزاحم أشجار السنط البري
وتنقر فى حبات التوت المسجور على جسد الأرض الناحل
هل شاهد عبد الله الرؤيا؟ هل شاهد
واسترق السمع؟؟


السيدة الخضراء (مُليْكة) 6

[ليت كلماتي الآن تكتب ياليتها رسمت فى سِفر ونقرت إلى
الأبد فى الصخر بقلم حديد وبرصاص]

مُليْكة:
مُليْكة هذى الجنية تختال على شرفات القلب
تغادر مرفأه
تاركة سفناً
من جصٍ
وقواريرَ
وتنزل فى أحراش الغيم
تكاشف أحجار الضوء المسنونة بتراتيل الوجد
تعرِّى بدناً
كانت تملؤه سحب النوار الراكضة هنالك خلف تصاوير الغيم
هل شاهد عبد الله الرؤيا؟
هل شاهد..؟؟
كان البحارة يغترفون الضوء
وينتشلون الغرقى من أنياب البحر
آهٍ ها هم...
ينتشلون الغرقى من أنياب البحر النهاش القاسى
ثم يعودون فرادى
في زمن النوة والنوء يعاندهم
شوق غلاب للوحدة والترحال طويلاً فوق الزبد المهتاج
وها هى آخر أسماك القرش تعاندهم
وتطرز أطراف الماء المتقلب
بالدم المخبوء بأعماق اليم
تفر بعيداً
وتساومهم
كانت سيدة تطفو فوق النجم الأزرق
والموج..
وتضحك للبحارة
فابتسم البحارة للأمطار المتزاحمة تلامس أطرافَ البحر
ولكن السيدةَ ابتعدت... وابتعدت...
طاردها البحارة
كانت سفن تركض
وفراش يتوافد
ونجوم تلمع
فوق ضبابٍ شهواني أخاذٍ
فابتعدت
وابتعدت
وابتعدت...
حتى أخفاها الموج وغيبها بين ذراعيه
انتفض البحارة
وانقلب البحر
وعاندهم وقت مقهور قاهر
لكن على الشط الآخرْ
كان هنالك عبد الله
انتظر البحر طويلاً
وانتظر الغيم طويلاً
وانتظر النجم الرابض فى أدغال السحب الدوامة
خلف طواويس الصمت
فهل تأتى سيدتي بعد؟
استضحك بعض البحارة وانكشفوا...
بلل عبد الله القلب بأكياس الدمع
هل تشرب شيئاً في هذا الوقت من السكر؟
لا...
حدثنا كيف رأيت الدنيا؟
واسعة كعيون الطفل
وضيقة
كالقبر المنسد.

[ما أجمل رجليك بالنعلين
دوائر فخذيك مثل الحلي سرتك كأس مدورة لا يعوزها
شراب
ممزوج بطنك صِبَّرة حنطة مسيجة بالسوسن
ثدياك كخشفتى توأمى ظبية عنقك كبرج من عاج
عيناك كالبرق
رأسك عليك مثل الكرمل
وشعر رأسك كأرجوان
ملك قد أسر بالخصل]

استند الصيف على جذع النخل
وغابت أقمار الليل
وها هى آخر أسراب النمل تغادر مخبأها الشتوى
وترحل في زى ملكى نحو الأوراق المزدانة بالورد
تقاطع فى رحلتها البرية أسراب الطير
امتلأ الوقت دخاناً
وانسدت أبواب الدنيا
نافذة تتفتح فى أبراج الوقت
وشباك لمليكةَ إذ تتوجه صوب البحر
وتسترخى فوق شواطئه المبلولة بالأصداف
وتضفر فى وحدتها شعر ضفائرها المحلولة
ثم تخايلها ريح آتية من جزر الشرق!!
مليكةُ
ها هى ريح العشق تخايلني ثم تهبُّ
وأنا كهلٌ
أتعبني التجوال علي طرقات الصخر
غنيت طويلاً لم يسمعني أحد من قبل
آخيت كثيراً ما بين الغيمة والغيمة
لكن مليكة تتأبى
وتعاند فى رحلتها أن تبدأ
والمركب واقفة
والريح مواتية
وعصافير الغيم تلملم أذيال النوم
وترفل فى حللٍ من زهر أبيضَ
تسبقها رائحة الليمون المخضر
ويحرس كوكبها
طير من نُزُلِ الصيف الشمسِّى
أجراس صلاةٍ تتعالى فى دهليز الصمت
ويسمعها عبد الله
فتهتز الأيكة والسُّرر المفرودة فوق ممرات القلب
مليكة لم تأت بعد
وعبد الله صبياً كان
وحين دعته الريح على مائدة الشمس
وغمَّس ماء البحر طفولته
كان يجمِّع حبات التوت ويمشى فى طرقات الأرض
التمّ - عليه - الناس وطعموا
صلوا للغيمة كى تنزل
فوق الأرض العطشى
والمطر الدفاق يهل ويغرق أجران الملح النابت فوق تضاريس
الزمن
الخائخ
والمحشو بأنياب الجوع
الصاهل من عشب الصخر.

[ما أجملكِ وما أحلاكِ أيتها الحبيبة باللذاتِ]

انتظر طويلاً عبد الله
ولكن مليكة كانت جنيه
أخذته بين ذراعيها لفته..
فى ثوبٍ كتانيٍّ أبيض
ثم دعته
لمرافئها المجهولة فى أعماق البحر
استضحك عبد الله هناك على جزر المرجان المضفور بريق الخمر
استلقى - عبد الله - وشاهد حبات اللؤلؤ
إذ تتكور
فى نُزُلِ الرؤيا والسر
سألته مليكة:
هل يذكر عبد الله الصيفَ
وحباتِ العنبِ الأخضرِ إذ تتكوم فوق عشاش الطير النوام
على سرر الليل؟؟
وإذ يلهو بطفولته
مزهواً بنباتات الحناء الراكضة على جنبات النهر؟
وماذا عن أعواد الكتان المعقود
بتاج الزرقة واللون؟؟
وها هو يلهو
يتصيد أسماك الدغل
ويلقي بطفولته قرب فراشات الحقل ويجلس تحت الأشجار السامقة
هناك علي عتبات الضوء
يكلم بعض عصافيرٍ تهجر
أفراس الحزن المنقوش بداخل بوابات القلب
يداعب سنارتَه
هل تأتى أسماك الماء حواليه؟
هل تغمزُ؟
ها هو
يغرق فى سِتر الوحدة ثم يعانق نشوتَه
منشداً لمليكة
هذى الجنيةُ من يفجؤها فى هذا الوقت من الليل
ويركب صوب مراتعها خيلاً
من ضوء محمومٍ؟
من..؟!
يدخل أرباض قبيلتها ومرابعها؟
لكن كلاب الصيد تهش
وينقِّر ذبان الوقت جناحيه
ويغزو عبد الله المربع
ها هى ريح نيئة رطبةْ تعدو... تعدو... تعدو
وتمر خفيضاً فوق الرمل المستوحش
ثم تعد الحبات
وتغرس ما بين الرملة والرملة شجراً من أيكٍ مخضراً
وتخطط نهراً لمياه الغيم
وتهبط فى نُزُل الضوء لكى تعبر صوب حبيبته.

[قامتكِ هذه شبيهة بالنخلة وثدياكِ بالعناقيد ورائحة
أنفكِ كأجود الخمر]

كانت سيدةٌ من ذهبٍ ولآلىءَ تعبر
ومياه تتراقص فوق نبيعات الفضة
ثم تحلُّ السيدة - العابرةُ - ضفائرَها
وتفك رباط قميص النوم
وتخلع نعليها
ينفرط الثوب المحموم يعرى بدناً محموماً
ويكشِّف مدناً تملؤها أصداف اللؤلؤ
ياقوت من جنات الصحو يفر
واحدةً
تلو الأخرى
ثم يكور حبلاً من نورٍ حول الصدر العاجي
وينسج متكأً
لضفائرها اللينة الفحماء
المتكسرة على - الجسد البحر -
فتسبحُ
يتبعها الماء
وتترجرج أجزاءُ الجسد البضِّ كزهرات اللوز القطنى
وحين تلامسها الريح السيالة
تستضحك للماء
وتكشف عن سِنَّتها للشمس اللينة الرخوة
تستضحك لطفولتها
يأخذها شوق يخلبها إذ...
تتثنى فوق كريات الرمل الناعم يحضنها ويؤاخيها
ثم يهدهد أقدام عصافيرٍ تتبعها
وفراشٍ
يقفو خطوتها
واحدةً بعد الأخرى تأخذ سنتها الشمس
وتعطيها وجداً كالجمر
وتبحث عن رجلٍ لم يخلق من قبلُ.


محمد آدم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى