الرذاذ القذر يتساقط على باريس منذ البارحة. كنت أرغب في أن أنهي التزاماتي مع باتريك الذي يصر على أن أتخذ من ابنته مونيكا عاشقة لي. يرغب في أن يراها مغموسة في عسل الحب كحلوى ( الزلابية). يقول هذا ويهأهئ بضحكة خبيثة؛ ربما راقه التشبيه أو أنه يرغب في تحفيزي على النحو الكبير. صفقت الباب ورائي، وأنا أحمل شوقا مجهولا، محاولا مداراة حدة الأسئلة التي لازمتني منذ وصولي لباريس، أكثر من البحث عن عاشقة باريسية لثغاء.
قطعت شارع سان ميشيل حتى أتلقف شارع سان جيرمان. يبدو أنني أصارع قوى خفية. المطرية هي الأخرى فقدت أسلاكها، وانساقت لعنفوان التيار.. أو أن هذه النرفزة تشكلت من مدعاة الحيز المركون في نفسية الزائر الراغب في زيارة براسري الليب؛ من هواجس قضية الزعيم المهدي؛ خاصة عندما تتقاطع عملية اختطافه مع الجاهز أو التنبؤات أو الغوامض، وعرار الأنوات المقروحة ساعات تلقي العذابات، فتختلط أصوات المعذبين في كل الميثولوجيات والواقع و نقر الرذاذ القذر على وجهي بعنف.
النادل الأنيق يحييني كعادة الندل التي تشوبها تصورات النفاق والمجاملة. طلبت قهوتي المعتادة، وأطلقت خيول بصري في أرجاء الليب بحثا عن المصادفات. يتطلع إلي شيخ ثمانيني مرة مرة، فاتحا عينيه كأنه يميز بين حدسه وملابسي وقبعتي عن أصلي، فقال بصوت تتخلله نبرة الشفقة:
" الذين في سنك يبحثون عن الأحلام، وأنت تقتفي مخلفات حركة "مير" أيها الأمريكي اللاتيني. آه، من فيروس الثورة الذي يؤجج دماءكم يا حفدة سيمون بوليفار".
قلت بصوت تشوبه نغمة الثقة بعد أن شفطت القهوة، واضعا الطاس بحركة مسرحية:
ــ لقد خانك حدسك سيدي الفاضل.
أعاد بصره الثاقب هذه المرة، محركا سنين حياته المحتكة بأكبر نهر من الهجرات:
ــ إذن من لاريونيون أو مدغشقر.
أعاود شفط القهوة بصوت مسموع مقزز:
ــ من بلد الدينامو ياعم.
ــ مهما يكن لقد قرأت في عينيك شغف ترصد سياقات أمكنة الثورة. خاصة التي نبعث شرارتها الأولى من هذه الكراسي الصماء. دعني أرو بعض ظمئك أيها الشاب الوسيم صاحب الشعر الغيفاري.. بن بغكة ( بن بركة)؛ إنه الفعل الرهيب للمعادلة الرياضية حين تؤجج نيران المعادلة الإيديولوجية و السياسية، وترغب في زعزعة المنظومة العامة إلى تبني أحقية الإنسان في إشراك التصور بالفعل، وتفعيل روح الإنتاج عوض انتظار رحمة السماء. في مكانك هذا بالضبط كان العالم يدور في كف من يرغبون في إعادة صياغته. أوف، أيها الشاب الوسيم لقد حركت كانون ذاتي. الآن، أرى كيف كان المهدي يؤشر ملوحا بيديه كأنه مركز دائرة، و لويس دي لابونتي أوثيدا و أتباعه يصغون إليه ببالغ الاهتمام كلما عاد من سفرة، تشكل الأساسات التي سيقوم عليها مؤتمر القارات الثلاث بكوبا الذي كان يهيئ له في يناير 1966، فتم اختطافه، أو قتله في 28 أكتوبر قبل الميعاد. لا تنس أيها الشاب الوسيم أن تأخذ صورة من مكان خطفه، حتى تحس بلعنة اقتفاء أثر التاريخ.
تركني الشيخ الثمانيني، لم يقدم لي نفسه، لكنه دفع ثمن قهوتي، فرفع وجهه بابتسامة تخفي الشيء الكثير، قارعا عكازه أمام طاولتي بنقرتين وانصرف.
قطعت شارع سان ميشيل حتى أتلقف شارع سان جيرمان. يبدو أنني أصارع قوى خفية. المطرية هي الأخرى فقدت أسلاكها، وانساقت لعنفوان التيار.. أو أن هذه النرفزة تشكلت من مدعاة الحيز المركون في نفسية الزائر الراغب في زيارة براسري الليب؛ من هواجس قضية الزعيم المهدي؛ خاصة عندما تتقاطع عملية اختطافه مع الجاهز أو التنبؤات أو الغوامض، وعرار الأنوات المقروحة ساعات تلقي العذابات، فتختلط أصوات المعذبين في كل الميثولوجيات والواقع و نقر الرذاذ القذر على وجهي بعنف.
النادل الأنيق يحييني كعادة الندل التي تشوبها تصورات النفاق والمجاملة. طلبت قهوتي المعتادة، وأطلقت خيول بصري في أرجاء الليب بحثا عن المصادفات. يتطلع إلي شيخ ثمانيني مرة مرة، فاتحا عينيه كأنه يميز بين حدسه وملابسي وقبعتي عن أصلي، فقال بصوت تتخلله نبرة الشفقة:
" الذين في سنك يبحثون عن الأحلام، وأنت تقتفي مخلفات حركة "مير" أيها الأمريكي اللاتيني. آه، من فيروس الثورة الذي يؤجج دماءكم يا حفدة سيمون بوليفار".
قلت بصوت تشوبه نغمة الثقة بعد أن شفطت القهوة، واضعا الطاس بحركة مسرحية:
ــ لقد خانك حدسك سيدي الفاضل.
أعاد بصره الثاقب هذه المرة، محركا سنين حياته المحتكة بأكبر نهر من الهجرات:
ــ إذن من لاريونيون أو مدغشقر.
أعاود شفط القهوة بصوت مسموع مقزز:
ــ من بلد الدينامو ياعم.
ــ مهما يكن لقد قرأت في عينيك شغف ترصد سياقات أمكنة الثورة. خاصة التي نبعث شرارتها الأولى من هذه الكراسي الصماء. دعني أرو بعض ظمئك أيها الشاب الوسيم صاحب الشعر الغيفاري.. بن بغكة ( بن بركة)؛ إنه الفعل الرهيب للمعادلة الرياضية حين تؤجج نيران المعادلة الإيديولوجية و السياسية، وترغب في زعزعة المنظومة العامة إلى تبني أحقية الإنسان في إشراك التصور بالفعل، وتفعيل روح الإنتاج عوض انتظار رحمة السماء. في مكانك هذا بالضبط كان العالم يدور في كف من يرغبون في إعادة صياغته. أوف، أيها الشاب الوسيم لقد حركت كانون ذاتي. الآن، أرى كيف كان المهدي يؤشر ملوحا بيديه كأنه مركز دائرة، و لويس دي لابونتي أوثيدا و أتباعه يصغون إليه ببالغ الاهتمام كلما عاد من سفرة، تشكل الأساسات التي سيقوم عليها مؤتمر القارات الثلاث بكوبا الذي كان يهيئ له في يناير 1966، فتم اختطافه، أو قتله في 28 أكتوبر قبل الميعاد. لا تنس أيها الشاب الوسيم أن تأخذ صورة من مكان خطفه، حتى تحس بلعنة اقتفاء أثر التاريخ.
تركني الشيخ الثمانيني، لم يقدم لي نفسه، لكنه دفع ثمن قهوتي، فرفع وجهه بابتسامة تخفي الشيء الكثير، قارعا عكازه أمام طاولتي بنقرتين وانصرف.