الأحمرة الحقة، هي التي تقودنا إلى الطريق دون أن نعي وجهتنا. لكننا، على دراية كاملة أنها لن تخذلنا. أعبر طريق بلد الأرانب البرية، وأنا لا أمعن النظر كالبقية في الثور الأسود الفرانكاوي، الذي يتطلع من أعلى مرتفعات إسبانيا حد القداسة، أو أتصنع الوله الساذج بتمثال الفارس دون كيخوته، بتقاسيمه الحادة، صحبة الساذج سانشو بانثا، المكلف بالدرع، قصد الظفر بحكم إحدى الجزر. بل، أتطلع إلى "بلاطيرو"؛ الحمار الفيلسوف، للبارع خوان رامون خيمينث.
منذ أن قرأت " أنا وبلاطيرو"، هذه النثرية العظيمة، وأنا أرغب في أن أكرس الفتنة المحسوسة إلى الفتنة الملموسة. إن لم نقل: إنها دواعي الطفولة، حين كنت أختلي بجحشي الأزرق ساعة القيلولة، وأطوف به حول حوش سيدي مبارك. يبدو أن بلدة مُغير لا تقل صخبا عن قريتي. ذلك التجاوب المسرف في الروائح، الخضرة، الصدى المشمس ساعة الحر الرهيب، والنسمات المالحة المتعبة القادمة من البحر في أقصى الجنوب.
لم يدم بحثي طويلا عن غرفة للإيجار. السيدة سوليداد أجرت لي غرفة في بيتها. سيدة عجوز تحاول أن ترشي الموت، حتى لا يطرق بابها. أنا على يقين أنها استغرقت وقتا كبيرا في تحسين مظهرها من خلال تلطيخ وجهها بالألوان الدسمة، وجمع شعرها الأكرت بأيقونة ساندريلا، الكاشفة عن ممرات فارغة في جلدة رأسها. تسألني عن هويتي، تبدي بعض الامتعاض حين أخبرتها بأنني مغربي. لكن، سرعان ما ستتدارك الوضع بابتسامة مسروقة، وهي تكرر كلمة "مارويكوس، مارويكوس"، مشيرة بيدها إلى الضفة الأخرى.
ستزول سحابة التبرم، وتتفتح رغبتها في الحديث معي حين سألتها عن الشاعر خوان رامون خيمنيث. فأشّرت على كل الأمكنة، التي كان يحبها، ويمر منها. كان علي أن أتبع كل المسالك لوحدي، وأظفر بالمعاينة المتناغمة مع روح بلاطيرو التي أبت أن لا تفارقني. أسمع نقر حوافره، بنقرة منفردة، ونقرتين متتاليتين: طق.. ططاق، محاذيا تعريشات الحور، والسعدي، واللوز بظهره الأرجواني، أو مختفيا تحت نعيم الخضرة، أو مبرطما بخشمه في مياه الغدران.
شمس الغروب تلقي بلطمتها الحمراء الأخيرة من زقاق سلس. صوت قيثارة يتناهى إلى سمعي، فيحملني النداء إلى شارع لافوينتي، وميدان لوس اسكريبانوس. وقبل أن يتركني بلاطيرو، برطم بمنخاريه، فتصاعد بعض القش والتراب، كأن حال لسانه يقول:
"إنك تتحسس طريق الذين عبروا قبلك. يالك من أحمق أيها الشقي، كم يلزمك من حيوات لمعرفة الطريق؟"
منذ أن قرأت " أنا وبلاطيرو"، هذه النثرية العظيمة، وأنا أرغب في أن أكرس الفتنة المحسوسة إلى الفتنة الملموسة. إن لم نقل: إنها دواعي الطفولة، حين كنت أختلي بجحشي الأزرق ساعة القيلولة، وأطوف به حول حوش سيدي مبارك. يبدو أن بلدة مُغير لا تقل صخبا عن قريتي. ذلك التجاوب المسرف في الروائح، الخضرة، الصدى المشمس ساعة الحر الرهيب، والنسمات المالحة المتعبة القادمة من البحر في أقصى الجنوب.
لم يدم بحثي طويلا عن غرفة للإيجار. السيدة سوليداد أجرت لي غرفة في بيتها. سيدة عجوز تحاول أن ترشي الموت، حتى لا يطرق بابها. أنا على يقين أنها استغرقت وقتا كبيرا في تحسين مظهرها من خلال تلطيخ وجهها بالألوان الدسمة، وجمع شعرها الأكرت بأيقونة ساندريلا، الكاشفة عن ممرات فارغة في جلدة رأسها. تسألني عن هويتي، تبدي بعض الامتعاض حين أخبرتها بأنني مغربي. لكن، سرعان ما ستتدارك الوضع بابتسامة مسروقة، وهي تكرر كلمة "مارويكوس، مارويكوس"، مشيرة بيدها إلى الضفة الأخرى.
ستزول سحابة التبرم، وتتفتح رغبتها في الحديث معي حين سألتها عن الشاعر خوان رامون خيمنيث. فأشّرت على كل الأمكنة، التي كان يحبها، ويمر منها. كان علي أن أتبع كل المسالك لوحدي، وأظفر بالمعاينة المتناغمة مع روح بلاطيرو التي أبت أن لا تفارقني. أسمع نقر حوافره، بنقرة منفردة، ونقرتين متتاليتين: طق.. ططاق، محاذيا تعريشات الحور، والسعدي، واللوز بظهره الأرجواني، أو مختفيا تحت نعيم الخضرة، أو مبرطما بخشمه في مياه الغدران.
شمس الغروب تلقي بلطمتها الحمراء الأخيرة من زقاق سلس. صوت قيثارة يتناهى إلى سمعي، فيحملني النداء إلى شارع لافوينتي، وميدان لوس اسكريبانوس. وقبل أن يتركني بلاطيرو، برطم بمنخاريه، فتصاعد بعض القش والتراب، كأن حال لسانه يقول:
"إنك تتحسس طريق الذين عبروا قبلك. يالك من أحمق أيها الشقي، كم يلزمك من حيوات لمعرفة الطريق؟"