أنهكنا المسير طوال الليل في رحلة عودتنا من مواقع الثوار الحدودية إلى عمق أرياف دهوك. هبط الفجر علينا في اللحظة التي أقبلنا فيها على قرية صغيرة تناثرت بيوتها أسفل السفح. كنا أول الواصلين فقد كنا في مقتبل العمر، رياضيين، لعبنا معاً في فرق المدارس التي حللنا بها.
طوال الطريق كنا نحلم بانتصار الثورة متخيلين لحظة عودتنا المظفرة بالسيارات إلى مدننا التي ستستقبلنا بالورود، مخدرين بأحلام العدالة والمساواة.
سبقني مسرعاً نحو سقيفة حجرية وبلغ فتحتها ليعود مهرولاً:
- تأخر ولا تدخل خلفي
سألته:
- لماذا وما هذا البناء؟!.
- نبع ماء!. تأخر أرجوك سأشرح لك؟!.
كان مستعجلاً. أصررت على معرفة طبيعة الأمر، فأرتبك قائلاً:
- صبية.. صبية وحدها!.
.... وجدته في أول التحاقي بالثوار واقفاً في نهاية الممر الجبلي الصاعد إلى القاعدة الصغيرة يبتسم. حضنني بحنان. شعرت بالأمان بعد ليالٍ من المسير الطويل وعبور معسكرات الجيش والكمائن. سألني عن الديوانية وناسها وما جرى خلفه. كان قد تحول إلى أسطورة إذ أن لحظة اعتقاله من شارع عام حولها إلى فضيحة؛ هتف وقتها بحياة الشعب العراقي مندداً بالحملة التي بدأت للتو وقتها. أخذوه وعند إطلاق سراحه بعد أشهر اختفى تماما تاركاً زوجته وولده الرضيع. ها هو أمامي يحمل سلاحه المتأرجح على كتفه نشطاً حيوياً.
لم أفهم شيئاً، فكفر بالسماء وركض نحو سقيفة النبع. تمهلتُ وتسللت إلى طرف السقيفة الآخر لأطل على المشهد؛ كان صاحبي يتلمس جسد صبية كردية مذعورة أخرسها الرعب ومازالت تتمسك بإناء معدني جوار مجرى النبع الصاخب. جمدتُ مذهولاً أحملق به وهو منهمك في عصر سيقان وصدر وبطن الصبية لاهثاً. في اللحظة التي حاول سحبها إلى صدره، ضربتُ أخمس بندقيتي بقوة، فتركها. لم تتوان هبت راكضةً صوب بيوت القرية. عدل ملابسه وأقبل نحوي قائلاً بصوتٍ مكسور:
- وين أنروح رفيق وين؟!.
- ...!.
- متتْ.. متتْ أريد ألمس جسد نثية حار.. حار، من لحم ودم!.
- ...!.
- من لحم ودم..
- ...!.
- مو والله متت رفيقي!.
سلام إبراهيم
21-8-2017
طوال الطريق كنا نحلم بانتصار الثورة متخيلين لحظة عودتنا المظفرة بالسيارات إلى مدننا التي ستستقبلنا بالورود، مخدرين بأحلام العدالة والمساواة.
سبقني مسرعاً نحو سقيفة حجرية وبلغ فتحتها ليعود مهرولاً:
- تأخر ولا تدخل خلفي
سألته:
- لماذا وما هذا البناء؟!.
- نبع ماء!. تأخر أرجوك سأشرح لك؟!.
كان مستعجلاً. أصررت على معرفة طبيعة الأمر، فأرتبك قائلاً:
- صبية.. صبية وحدها!.
.... وجدته في أول التحاقي بالثوار واقفاً في نهاية الممر الجبلي الصاعد إلى القاعدة الصغيرة يبتسم. حضنني بحنان. شعرت بالأمان بعد ليالٍ من المسير الطويل وعبور معسكرات الجيش والكمائن. سألني عن الديوانية وناسها وما جرى خلفه. كان قد تحول إلى أسطورة إذ أن لحظة اعتقاله من شارع عام حولها إلى فضيحة؛ هتف وقتها بحياة الشعب العراقي مندداً بالحملة التي بدأت للتو وقتها. أخذوه وعند إطلاق سراحه بعد أشهر اختفى تماما تاركاً زوجته وولده الرضيع. ها هو أمامي يحمل سلاحه المتأرجح على كتفه نشطاً حيوياً.
لم أفهم شيئاً، فكفر بالسماء وركض نحو سقيفة النبع. تمهلتُ وتسللت إلى طرف السقيفة الآخر لأطل على المشهد؛ كان صاحبي يتلمس جسد صبية كردية مذعورة أخرسها الرعب ومازالت تتمسك بإناء معدني جوار مجرى النبع الصاخب. جمدتُ مذهولاً أحملق به وهو منهمك في عصر سيقان وصدر وبطن الصبية لاهثاً. في اللحظة التي حاول سحبها إلى صدره، ضربتُ أخمس بندقيتي بقوة، فتركها. لم تتوان هبت راكضةً صوب بيوت القرية. عدل ملابسه وأقبل نحوي قائلاً بصوتٍ مكسور:
- وين أنروح رفيق وين؟!.
- ...!.
- متتْ.. متتْ أريد ألمس جسد نثية حار.. حار، من لحم ودم!.
- ...!.
- من لحم ودم..
- ...!.
- مو والله متت رفيقي!.
سلام إبراهيم
21-8-2017