كل لوازم الدفن جاهزة... جميعها تبرع بها أهل الحي... ولكن يبقي السؤال!... من سيقوم بإجراءات الغسل والتكفين؟! الروح المتعبة انسحبت ببطء... انطلقت في الفراغ تحمل معها صرخات اعتراض لم يسمعها أحد... أو يشعر بها أحد... مثلما عاشت دائما... تلك الروح التي عانت مع الجسد الذى سكنت فيه لسنوات طويلة تحيا حرمان بالغ السوء... تبحث عن سبيل للانسحاب من حياة ثقيلة الوطأة, لم تعش كالآخرين... تلك هي حقيقة كانت تؤلمها... تتحمل معها قسوة الأيام وإيلامها, الآن تركت الجسد البارد تحوم الخطوات المرتبكة حوله بصمت تام... الصمت الذى يتواطأ معه الجميع حين يفصح عن حكايا مليئة بالخلط والغموض... يعيد إنتاج حدث ينبش الأوجاع ويضع المجلس المنعقد من ولاة الأمور في حيرة.
أدوات الغسل من الماء الساخن والصابون وعطور المسك لم تجد بعد من يستخدمها, الكل عازف عن أداء هذه المهمة بينما الجمع الصغير يتأهب لمراسم تشيع جنازة تتجاوز الاختلاف في الشخص الذى هو سعدية
إلى الاتفاق على ما هو متبع في إكرام الميت دفنه.
البعض يبكى إشفاقا والبعض الآخر يتلو ما تيسر له من القرآن ويدعو بالمغفرة والرحمة والكثييييييير يشعر بالارتياح التام! كل أصابع الاتهام تشير إليهم جميعا... هم من نزعوا عنها حق التواجد بينهم إلي حد الإقصاء... تركوها تفوح منها رائحة الوحدة, تختفي دون عذر وتظهر بلا سبب, اعتادت نظرات الدهشة من الآخرين, عاشت تقابل الإساءة بالغفران عازفة عن الكلام في أي شيء يخص حياتها التي تخفي داخلها ثنائية جسد تعيش به جعلها دائما غير مرحب بها في كثير من بيوت الحي منذ دخلت إليه تمسك بسترة أمها البالية تعانى مخاوف الطفولة, تجلس بجوارها على الأرصفة تعرض بضاعتها الرخيصة كوسيلة للعيش... حولها تلهو سعدية بفستانها الوردي تحاول فك ضفائرها المجدلة بالشرائط الحمراء, تجمع بين ملامح قطة فاتنة ونمر غضوب, لا يهمها رطوبة الشتاء أو شمس الصيف الحارقة... تنام بين القطط والفئران... بين الطرقات وعلى أعتاب المنازل وأفنية المساجد تتكور عند باب الحمام الشعبي الكائن بالحي... تملك أنوثة خاصة بها... لوجهها طبيعتان, وجه ظاهري بما يحتويه من نعومة البشرة وعيون مكتحلة... شفاه تتمتع بفاقع الألوان مدهونة الأظافر, تضع كمية من الرقة في نبرات صوتها إلي جانب أناقة تبذل مجهودا كبيرا في إنجازها... ووجه آخر يتحرك داخل كيان لا يعرف ماهيته, كيان ينسكب بالكامل في آخر يتوحد معه يحمل نصف أنثى والنصف الآخر مختنق بفعل التزام صارم وكبت متعمد, ليست امرأة بالمعنى السائد لكن حين تتشبث بأنوثتها يؤخذ عليها ما تفعله دائما في سيرها الرشيق عندما تلتفت بدلال وميوعة تتلاعب بخصلات شعرها, تلملم ثوبها عن عمد فتظهر علامات القطع الداخلية الملونة... المساء مسرح احتفاء تعرض فيه عدية ملامح الأنوثة المصنوعة بإلحاح... تؤدى دورها المتقن في إحياء الليالي والموالد
والأعراس، تشيع بهجة لاذعة, تشعل الأفراح بحركات مترامية الأطراف تتفاعل مع الموسيقي الصاخبة التي تمدها بالرشاقة والخفة, ترصد بقدميها إيقاعا تتمايل معه وتثنى مع ضحكات رقيعة بين جمهور يتهافت عليها... يصفق لكل حركة تؤديها ويضج بالصيحات, تقاوم تحرش الألفاظ والعيون وأسئلة تزرع عذابات كبرى تتجاوزها بالضحك المصطنع توزع معه القبلات بين كل مظاهر الفوضى التي تحدث بالمكان, بعدها يقوم الجسد العاجز بالتقوس أو التمدد مفرود يتوسد وحدة مفروضة بفعل عالم لا يؤمن بوجود... يحتضن أمنية سقطت عند عدد... أمنية تجمعه بجسد يوجد هويته يؤكد وجوده, يحدد نوعه, يلملم جزئين متنافرين في كيان واحد... غير متنافر تغمض عيناها وتتوهم الحلم!...
حلم موءود لثوب زفاف أبيض...! أو بدلة عرس! تستحضر روح أمها التي امتلكت شجاعة الفرار وزجت بها داخل الحمام الشعبي حيث عالم النساء المليء بالأجساد الشهية... تراقب لا بنظرة حادة الصدور المكتظة للحم الساخن... تتحسس لزوجة معجون السكر المحروق على قطع الفتنة الفائرة فتجعله كبلورة سحرية... تحيي عالم الأنوثة المجسمة للنساء شبه عرايا تستسلم أجسادهن للبخار الساخن وتمتزج بحبيبات الطمي المغربب, تزداد بشرتهن توردا بالتكييس والتدليك والعطور التي توغلت رائحتها داخل المكان مندهشات من القدرة الفائقة لأم سعدية فى نسج حكايا لها مذاق نسائي خاص وهى ترسم لهن الحنة أو تبيع لهن الملابس الشفافة وأدوات الزينة والتندر فيما بينهم على تلك الملابس ضاجين بالضحك والصيحات الصاخبة, بينما تقوم سعدية بشراء لوازم الحمام وغسل المناشف وتنظيف المكان وبتسلية جالسات لا يدرين بما يوجد تحت الوجه الهادئ, تذعن لإنذار متكرر من جانب الأم يصل الى حد التهديد الصريح بضبط النفس وابتلاع الشهوات ظنا منها أن هناك راية خفاقة لم يعلن عنها, فبدأت تسن قائمة ممنوعات تفيض عن الحاجة منذ أتت بطفل بدلت هينته كنوع من الحماية وساهمت في تغذية الميل الطبيعي لديه للجنس الناعم ظل يعيش به عالم التداول الحياتي دون أن يلتفت أحد إلى أنه يعيش تائه بنصف أنثى والنصف الآخر رجولة مجروحة يحيا غريبا, يأمل نظرة ولو عابرة بالاحترام من أناس يرونه صيدا ثمينا قابل للاستغلال, يدفعون به إلى انحراف يأباه, يسألون عن نصفه الضائع, يبحثون فيه عن ذكورة فارغة من مضمونها بين التقريع والسخرية, يخفى خجله وراء بكاء متواصل لا يحل المعادلة الناتجة عن ازدواجية تعوى تحت جلده, يحيا بها حياة زائفة فى عالم يخفى واقعه منذ جاء غلاما بائسا هاربا من ثأر غير مسئول عنه يتعقبه إلي ثأر ليس سبب فيه كلاهما يؤدى إلى الموت... الأول فناء عن يقين أما الثاني موت بالشقاء في حياة قاسية التشويه يتوارى فيها وراء أنوثة غير كاملة النضج منقوصة الاستواء يعتصم بها لسنوات طويلة ليتها ما كانت تركت له ذاكرة يتدلى منها حزمة كثيفة من الاضطهاد, سنوات نحتت على روحه دمامتها عاش فيها يستغفر بشر لا يشعرون
هدى حجاجى أحمد (مصر)
أدوات الغسل من الماء الساخن والصابون وعطور المسك لم تجد بعد من يستخدمها, الكل عازف عن أداء هذه المهمة بينما الجمع الصغير يتأهب لمراسم تشيع جنازة تتجاوز الاختلاف في الشخص الذى هو سعدية
إلى الاتفاق على ما هو متبع في إكرام الميت دفنه.
البعض يبكى إشفاقا والبعض الآخر يتلو ما تيسر له من القرآن ويدعو بالمغفرة والرحمة والكثييييييير يشعر بالارتياح التام! كل أصابع الاتهام تشير إليهم جميعا... هم من نزعوا عنها حق التواجد بينهم إلي حد الإقصاء... تركوها تفوح منها رائحة الوحدة, تختفي دون عذر وتظهر بلا سبب, اعتادت نظرات الدهشة من الآخرين, عاشت تقابل الإساءة بالغفران عازفة عن الكلام في أي شيء يخص حياتها التي تخفي داخلها ثنائية جسد تعيش به جعلها دائما غير مرحب بها في كثير من بيوت الحي منذ دخلت إليه تمسك بسترة أمها البالية تعانى مخاوف الطفولة, تجلس بجوارها على الأرصفة تعرض بضاعتها الرخيصة كوسيلة للعيش... حولها تلهو سعدية بفستانها الوردي تحاول فك ضفائرها المجدلة بالشرائط الحمراء, تجمع بين ملامح قطة فاتنة ونمر غضوب, لا يهمها رطوبة الشتاء أو شمس الصيف الحارقة... تنام بين القطط والفئران... بين الطرقات وعلى أعتاب المنازل وأفنية المساجد تتكور عند باب الحمام الشعبي الكائن بالحي... تملك أنوثة خاصة بها... لوجهها طبيعتان, وجه ظاهري بما يحتويه من نعومة البشرة وعيون مكتحلة... شفاه تتمتع بفاقع الألوان مدهونة الأظافر, تضع كمية من الرقة في نبرات صوتها إلي جانب أناقة تبذل مجهودا كبيرا في إنجازها... ووجه آخر يتحرك داخل كيان لا يعرف ماهيته, كيان ينسكب بالكامل في آخر يتوحد معه يحمل نصف أنثى والنصف الآخر مختنق بفعل التزام صارم وكبت متعمد, ليست امرأة بالمعنى السائد لكن حين تتشبث بأنوثتها يؤخذ عليها ما تفعله دائما في سيرها الرشيق عندما تلتفت بدلال وميوعة تتلاعب بخصلات شعرها, تلملم ثوبها عن عمد فتظهر علامات القطع الداخلية الملونة... المساء مسرح احتفاء تعرض فيه عدية ملامح الأنوثة المصنوعة بإلحاح... تؤدى دورها المتقن في إحياء الليالي والموالد
والأعراس، تشيع بهجة لاذعة, تشعل الأفراح بحركات مترامية الأطراف تتفاعل مع الموسيقي الصاخبة التي تمدها بالرشاقة والخفة, ترصد بقدميها إيقاعا تتمايل معه وتثنى مع ضحكات رقيعة بين جمهور يتهافت عليها... يصفق لكل حركة تؤديها ويضج بالصيحات, تقاوم تحرش الألفاظ والعيون وأسئلة تزرع عذابات كبرى تتجاوزها بالضحك المصطنع توزع معه القبلات بين كل مظاهر الفوضى التي تحدث بالمكان, بعدها يقوم الجسد العاجز بالتقوس أو التمدد مفرود يتوسد وحدة مفروضة بفعل عالم لا يؤمن بوجود... يحتضن أمنية سقطت عند عدد... أمنية تجمعه بجسد يوجد هويته يؤكد وجوده, يحدد نوعه, يلملم جزئين متنافرين في كيان واحد... غير متنافر تغمض عيناها وتتوهم الحلم!...
حلم موءود لثوب زفاف أبيض...! أو بدلة عرس! تستحضر روح أمها التي امتلكت شجاعة الفرار وزجت بها داخل الحمام الشعبي حيث عالم النساء المليء بالأجساد الشهية... تراقب لا بنظرة حادة الصدور المكتظة للحم الساخن... تتحسس لزوجة معجون السكر المحروق على قطع الفتنة الفائرة فتجعله كبلورة سحرية... تحيي عالم الأنوثة المجسمة للنساء شبه عرايا تستسلم أجسادهن للبخار الساخن وتمتزج بحبيبات الطمي المغربب, تزداد بشرتهن توردا بالتكييس والتدليك والعطور التي توغلت رائحتها داخل المكان مندهشات من القدرة الفائقة لأم سعدية فى نسج حكايا لها مذاق نسائي خاص وهى ترسم لهن الحنة أو تبيع لهن الملابس الشفافة وأدوات الزينة والتندر فيما بينهم على تلك الملابس ضاجين بالضحك والصيحات الصاخبة, بينما تقوم سعدية بشراء لوازم الحمام وغسل المناشف وتنظيف المكان وبتسلية جالسات لا يدرين بما يوجد تحت الوجه الهادئ, تذعن لإنذار متكرر من جانب الأم يصل الى حد التهديد الصريح بضبط النفس وابتلاع الشهوات ظنا منها أن هناك راية خفاقة لم يعلن عنها, فبدأت تسن قائمة ممنوعات تفيض عن الحاجة منذ أتت بطفل بدلت هينته كنوع من الحماية وساهمت في تغذية الميل الطبيعي لديه للجنس الناعم ظل يعيش به عالم التداول الحياتي دون أن يلتفت أحد إلى أنه يعيش تائه بنصف أنثى والنصف الآخر رجولة مجروحة يحيا غريبا, يأمل نظرة ولو عابرة بالاحترام من أناس يرونه صيدا ثمينا قابل للاستغلال, يدفعون به إلى انحراف يأباه, يسألون عن نصفه الضائع, يبحثون فيه عن ذكورة فارغة من مضمونها بين التقريع والسخرية, يخفى خجله وراء بكاء متواصل لا يحل المعادلة الناتجة عن ازدواجية تعوى تحت جلده, يحيا بها حياة زائفة فى عالم يخفى واقعه منذ جاء غلاما بائسا هاربا من ثأر غير مسئول عنه يتعقبه إلي ثأر ليس سبب فيه كلاهما يؤدى إلى الموت... الأول فناء عن يقين أما الثاني موت بالشقاء في حياة قاسية التشويه يتوارى فيها وراء أنوثة غير كاملة النضج منقوصة الاستواء يعتصم بها لسنوات طويلة ليتها ما كانت تركت له ذاكرة يتدلى منها حزمة كثيفة من الاضطهاد, سنوات نحتت على روحه دمامتها عاش فيها يستغفر بشر لا يشعرون
هدى حجاجى أحمد (مصر)