يعود متأخراً بعد أن يجنَّ الليل .. فإذا جنّ الليل ظهر جنونه واضطرم جنانه ..
حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب كأي زوج يغنّي أو يدندن في الطريق لإثبات السعادة ونشرها بدلاً من الغسيل المتسخ .. ويجب أن يحمل معه أكياساً طعامية .. وبالتالي اسكتوا يا جيران فلا مشاكل عندنا في عشنا الزوجي
يغلق الباب خلفه بهدوء .. لا يريد أن يشعل نوراً أو يصدر صوتاً .. كالفأر ينسلّ إلى داخل بيته ويتحسّس طريقه مهتدياً بالجدار الذي يسايره.. ومعتمداً على محفوظاته من معالم الطريق..
وهكذا يدخل إلى داخل بيته بصمت .. بدون أن يرتكس أي شيء لدخوله .. وكأنه لم يدخل .. وكأنه بقي خارجاً .. وكأنه لم يأتِ بعد من عمله..
غيابه كحضوره إذ لا حضور له في قلبها .. لا صوت .. لا صورة .. لا طعم ولا رائحة .. منذ متى ؟.. لا يذكر .. منذ وقت طويل وكفى
ليس شبَحاً فالشبح مرعبٌ يجبرك على الهرب .. أما هي فإن هربت من بيتها وقع عليها الحدّ
ليس صرصوراً تسلل إلى فراشها .. فالصرصور علاجه معروف .. قبقابٌ لمجرّد رؤيته
ليس ظلاً فالظلّ خيالٌ لشيءٍ موجود .. أما هو فلا وجود له عندها
ليس ملاكاً فالملاك له أجنحة .. أما هو فجُنحُه مكسور أو ضامرٌ ومقهور
يعرف أنها نائمة .. وليست نائمة .. ككل زوجة تستقبل زوجاً غير مرغوبٍ به .. وهو يحبّ أن تكون نائمة .. بل ويتمنى أن تبقى نائمة .. فالنائم ظاهرياً أفضل من النائم الحقيقي إذ لن يتكلم في نومه .. ولا يحلم ..مع أن كل حواسه متربّصة بك كالأفعى في سباتها الشتوي .. لا تلدغ ولكن تبيّت الفرصة حتى يحين الوقت .. تجوّع نفسها ويا ويلك لو لمستها .. كالكهرباء الساكنة تقشعرّ لها ولا ترتعد
والنائم إرادياً لا يمشي في نومه .. ولا يشخر .. حتى أن أنفاسه قد لا تسمعها
وغالباً يعطيك ظهره وقد يلتحف ليغطي وجهه .. هو طبعاً يراك بطرف عينه .. وقد يتقلّب في فراشه ليبقيك في مرمى النظر
يدخل غرفة نومه كاللصّ الغبي المكشوف .. لا يريد أن يسرق .. وماذا يسرق الرجل من زوجته ؟.. لا شيء .. كان يسرق منها قبلة قبل أن يتزوجها .. وبعد الزواج لاشيء يسرقه من زوجته .. كلها له .. ماخلا مصاغها .. أو روحها!!
هل هذا هو الزواج يا سعيد .. أم هو السعيد يا زواج ؟
هاتان الكلمتان كانتا مرتبطتين كالنعت والمنعوت ..
يريد أن يقضي معها سواد الليل فقط .. فالعصفور يجب أن يعود إلى عشه .. كل رفاقه يفعلون ذلك إسكاتاً للقيل والقال .. كم كان يستعجل الوقت ليعود إلى حضنها !.. ذلك كان فيما مضى وهنالك شيء ما تبدّل
يريد أن ينام بجانبها .. لأن الزواج يفرض ذلك .. يقضي النهار مع شريكه في الدكان ولا يحب الشراكة .. وله شريكة في البيت وقلنا لا يحب الشراكة .. لا يحبّ الشراكة هل أعيدها أيضاً لتعلَق في أذهانكم ؟.. لكنه مُجبَرٌ أن يشاركها الفراش.. يتذكّر أنها انتقدته البارحة عندما دسّ جسده في فراشها بدون سابق إنذار .. كمن يدسّ أنفه في طبخة لا تعنيه..
حفلة النوم الزوجية تبدأ بخلع الحذاء .. ولا يخجل الزوج من رائحة جواربه لكنه يحرص أن يكون نظيفاً لو ركن جسده في مرآب غير زوجته مثلاً.. وعندما يتعمّد الزوجان قلة النظافة مع بعضهما عندها تعرف أن رائحة الطلاق قد انبعثت .. كريهة كرائحة الجوارب والثياب الداخلية المعجونة بالعرق
- إحِمْ .. إحم
قالها بصوت مسموع ... ليعلن أنه جاء .. هي بديلٌ عن مساء الخير
- إحم .. إحم
هو صوت النحنحة ... هذا ما يناديها به .. أو بمعنى آخر .. نحن هنا .. لا يقول اسمها ولا يستبدله بيا روحي .. ولا يا حبيبتي .. قد يستحي من ذلك .. أصبح يرى تلك الكلمات كاذبة .. وهو لا يحب الكذب
ويتابع ..بعد أن تتحرّك أو تتقلّب .. استجابة لنحنحته :
-يارب ..يا ستار ..يا رحمن ... يا إله العرش .. يا مُغيث
تلك النداءات .. تعني أنه متعب .. ولا حول له .. هي أجوبة لأسئلة لن تستطيع الزوجة أن تتفوه بها .. وبذكر الله عادة ترتاح القلوب .. ولكن بعضهم يستعيذ بالله أيضاً لمواجهة إبليس!
تتقلب وتتمطط و تفرغ له مكاناً إلى جانبها وتسكت .. أيضاً لا حول لها ولاقوة .. هذا هو الزواج ويجب أن ينام بجانبها .. وكيف أنام مع شخص لا أتكلم معه ؟.. ولا أعرف إلا ظهره .. وتأففه ونقيقه .. كضفدعٍ معي في مستنقع .. وتبدأ بعدها ساعة ماقبل النوم!
هي هنا طويلة .. ومملّة.. وهي الأخطر في الحياة الزوجية .. وتعرف ذلك الوسادة التي ينامان عليها من اتجاه الرؤوس المتعاكس عندما يخلدان إليها ..
ويعرف ذلك اللحاف الذي ينكمشان تحته من تلاصق الأجساد أو تباعدها..
وتعرف ذلك جدران غرف النوم الزوجية فلها آذان صاغية .. فإما أن تستمع لأحاديث وأحاديث .. أو أن الصمت يكون سيد الموقف فتسمع عندها ساعة الجدار قوية بتكتكاتها..
وينتظران ملاك النوم وهو عنهما غافل .. يتأخر قصداً فقد يحدث شيء ما يقلب الموازين .. تلك هي ساعة ماقبل النوم
صمتٌ .. والصمت إذا طال قد يسبب طنيناً في الأذنين
اضطجاعٌ قسري .. وإذا ما طال قد يسبب تصلباً في العضلات
تقلّبٌ في الفراش .. وتقلبات معاكسة .. والمسافة بين الجسدين محتفظٌ بها كالحدود بين الأعداء .. موضوعة تحت المراقبة .. وأجهزة التنصّت تعمل بانتباه ..كأنك تنام مع عدو..
الاحتمالات كثيرة .. فقد تبدأ ليلتهم بالغزل
وقد تبدأ بالعتاب
قد يتطوّر الأمر إلى نقد .. قد ينقلب النقاش إلى شقاق أو عناق أو افتراق أو خناق ..أو انشقاق .. أو انفلاق .. عفواً لم نصل بعد إلى طلاق مع أن الكلمة تراودهما لأنها على نفس الوزن ونفس النغمة
قد يعلنان النفير فيهتزّ السرير .. أو ينسحب أحدهما بإعلان الشخير
هما الآن في حالة هدنة .. والهدنة مفتوحة الاحتمالات
هما في حالة سلامٍ بدون معاهدةٍ موقّعة .. ولا حربٍ مُعلنة .. قد تكون نوعاً من الحرب الباردة .. ليست كلعبة شد الحبل فالحبل مرخيٌّ بينهما ويزداد طولاً وابتعاداً .. لا يشدّانه فينقطع .. ولا يتركانه فينقلب أحدهما عن سرير الزوجية
ليس هو حبل الوداد ولكنه حبل البعاد .. وكأنه يزداد طولاً
ساعة ما قبل النوم الزوجيّ.. هي استرجاعٌ للذكريات .. فعلى هذا السرير تحابّا وتعانقا .. وتقاربا وتلاصقا .. وهنا تباعدا وتفارقا .. هنا أدار عنها وجهه وهنا أدارت له ظهرها..
هنا اختلى بها شرعياً .. وكم كان يحلم أن يختلي بها ؟
هي لك اليوم وكل يوم .. إلى طول العمر .. لكنه لا يريدها ..شبع منها
آه يا سرير الزوجية لم لا تكون أوسع وأوسع ؟.. لنبني جدراناً حجرية وأسواراً وحصوناً فوق مفارشك .. كأننا سنبني متاريساً لا لنطلق مدافعنا بل لنصد المهاجمين.. هل نحن أعداء وننام متجاورين؟
على السريرنفسه .. وتحت نفس اللحاف .. وعلى نفس الوسادة .. يفرض الزواج أن ينام جسدان مختلفان بكل شيء .. جنساً وعمراً وعائلة .. وأفكاراً وتعليماً .. مختلفان بالمورّثات .. بالزمر الدموية والنسيجية ..بالصوت بالصورة .. بالطعم باللون ..بالطول والوزن
وقد يختلفان بالمعتقد .. والاتجاه السياسي .. والمنبت الطبقي .. والوضع الوظيفي والمالي
بالمطرب المفضل .. بالفريق الرياضي .. بالقناة التلفزيونية المحبّذة .. لكنّ تلفاز البيوت يعرض قناة واحدة .. وبالتالي هنالك من تنازل عن قناته
بالشحنة الكهربائية يختلفان .. سالبٌ وموجب .. زائد وناقص
الزواج جمعٌ وطرح .. وضربٌ .. وتقسيم على اثنين
كان يجمعهما شيء اسمه الحب .. والحب أحيانا يتبخّر !.. ويتطاير .. وتلتصق قطيراته على السقف .. تتكثف وتعود لتسقط عليهما .. لكن يجب أن يجمعانها
أسمَعَته بكاءها .. ولولا العيب لبكى أكثر منها
شدّت اللحاف إليها متوقعة أن يمسكَ به .. لكنه تركه لها
في الأفلام لا يتحمّل الزوج ذلك .. يشعل سيجارة .. يحمل شرشفاً وينام خارجاً .. قد يقرأ كتاباً .. قد يناور مناورة .. قد يصيح وينهر .. قد يزأر
قد يضرب..فتدافع عن نفسها .. وضرب الزوجة حلٌّ أحياناً ..لماذا ؟
لأنك ببساطة سترى دموعها .. ويحدث وصالٌ ما بين راحتك وخدها .. فتتفرغ الشحنات السريرية .. وهو نوعٌ من الوصال
تتوقع أن يلمسها بطرف قدمه .. ثم يعتذر .. فتلمسه أيضاً بشكل عفوي فيتواصلان .. لابد من بداية فتتحول ساعة ما قبل النوم إلى حكاية
تتمنى أن يرفسها بقدمه من تحت اللحاف ..فتردُّ عليه ..وهو نوع من الوصال
في يومٍ ما .. صاحت في نومها .. ادّعت أن كابوساً حلّ عليها .. فهدّأ من روعها بكل الطرق الفنية الزوجية .. يومها كانت رائحة جواربه مقبولة بل ومحبّبة .. قد تغفو عليها كغازٍ مخدّر .. ومسيل للدموع بكلّ أشكالها !
تتمنى أن يغتصبها .. يمزق ثوب نومها كالوحش .. ليكتشف أنها لا تلبس شيئاً تحته لأنها مستعدة ومتوقعة وجاهزة ..فتستحي .. وتجذبه إليها ليغطي عريها .. وهو وصالٌ وأيُّ وصال
في الأفلام يحاول الزوج خنق زوجته .. فيعتصر عنقها الغض .. لكنه ينهار إذا ما التقت عيناه بعينيها .. لا يعتذر بل يسكت آهاتها بشفتيه .. يقطع أنفاسها بقبلاته .. وخنق الزوجة نوع من الوصال إذ يجب أن يعتليها أولاً .. يثبّتها وتقاومه .. وتضحك وتعتقد ذلك في البداية حباً .. وفعلاً قد تنتهي اللعبة بالحب .. أو الموت!
ساعة ماقبل النوم معقدة جداً.. فيها الكثير من الأفكار .. وتطول وتطول إلى أن يأتي النهار.. انتبه إذا ما جنّ الليل وأنتَ وأنتِ .. وحيدان وينام أحدكما بجانب عدو .. ويفرض الزواج أن تنام جنيب عدوك عارياً بدون أسلحة .. وإن نمت بثيابك سيعرّيك العدو شرعاً بأمر الملائكة!
د. جورج سلوم
*****************
حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب كأي زوج يغنّي أو يدندن في الطريق لإثبات السعادة ونشرها بدلاً من الغسيل المتسخ .. ويجب أن يحمل معه أكياساً طعامية .. وبالتالي اسكتوا يا جيران فلا مشاكل عندنا في عشنا الزوجي
يغلق الباب خلفه بهدوء .. لا يريد أن يشعل نوراً أو يصدر صوتاً .. كالفأر ينسلّ إلى داخل بيته ويتحسّس طريقه مهتدياً بالجدار الذي يسايره.. ومعتمداً على محفوظاته من معالم الطريق..
وهكذا يدخل إلى داخل بيته بصمت .. بدون أن يرتكس أي شيء لدخوله .. وكأنه لم يدخل .. وكأنه بقي خارجاً .. وكأنه لم يأتِ بعد من عمله..
غيابه كحضوره إذ لا حضور له في قلبها .. لا صوت .. لا صورة .. لا طعم ولا رائحة .. منذ متى ؟.. لا يذكر .. منذ وقت طويل وكفى
ليس شبَحاً فالشبح مرعبٌ يجبرك على الهرب .. أما هي فإن هربت من بيتها وقع عليها الحدّ
ليس صرصوراً تسلل إلى فراشها .. فالصرصور علاجه معروف .. قبقابٌ لمجرّد رؤيته
ليس ظلاً فالظلّ خيالٌ لشيءٍ موجود .. أما هو فلا وجود له عندها
ليس ملاكاً فالملاك له أجنحة .. أما هو فجُنحُه مكسور أو ضامرٌ ومقهور
يعرف أنها نائمة .. وليست نائمة .. ككل زوجة تستقبل زوجاً غير مرغوبٍ به .. وهو يحبّ أن تكون نائمة .. بل ويتمنى أن تبقى نائمة .. فالنائم ظاهرياً أفضل من النائم الحقيقي إذ لن يتكلم في نومه .. ولا يحلم ..مع أن كل حواسه متربّصة بك كالأفعى في سباتها الشتوي .. لا تلدغ ولكن تبيّت الفرصة حتى يحين الوقت .. تجوّع نفسها ويا ويلك لو لمستها .. كالكهرباء الساكنة تقشعرّ لها ولا ترتعد
والنائم إرادياً لا يمشي في نومه .. ولا يشخر .. حتى أن أنفاسه قد لا تسمعها
وغالباً يعطيك ظهره وقد يلتحف ليغطي وجهه .. هو طبعاً يراك بطرف عينه .. وقد يتقلّب في فراشه ليبقيك في مرمى النظر
يدخل غرفة نومه كاللصّ الغبي المكشوف .. لا يريد أن يسرق .. وماذا يسرق الرجل من زوجته ؟.. لا شيء .. كان يسرق منها قبلة قبل أن يتزوجها .. وبعد الزواج لاشيء يسرقه من زوجته .. كلها له .. ماخلا مصاغها .. أو روحها!!
هل هذا هو الزواج يا سعيد .. أم هو السعيد يا زواج ؟
هاتان الكلمتان كانتا مرتبطتين كالنعت والمنعوت ..
يريد أن يقضي معها سواد الليل فقط .. فالعصفور يجب أن يعود إلى عشه .. كل رفاقه يفعلون ذلك إسكاتاً للقيل والقال .. كم كان يستعجل الوقت ليعود إلى حضنها !.. ذلك كان فيما مضى وهنالك شيء ما تبدّل
يريد أن ينام بجانبها .. لأن الزواج يفرض ذلك .. يقضي النهار مع شريكه في الدكان ولا يحب الشراكة .. وله شريكة في البيت وقلنا لا يحب الشراكة .. لا يحبّ الشراكة هل أعيدها أيضاً لتعلَق في أذهانكم ؟.. لكنه مُجبَرٌ أن يشاركها الفراش.. يتذكّر أنها انتقدته البارحة عندما دسّ جسده في فراشها بدون سابق إنذار .. كمن يدسّ أنفه في طبخة لا تعنيه..
حفلة النوم الزوجية تبدأ بخلع الحذاء .. ولا يخجل الزوج من رائحة جواربه لكنه يحرص أن يكون نظيفاً لو ركن جسده في مرآب غير زوجته مثلاً.. وعندما يتعمّد الزوجان قلة النظافة مع بعضهما عندها تعرف أن رائحة الطلاق قد انبعثت .. كريهة كرائحة الجوارب والثياب الداخلية المعجونة بالعرق
- إحِمْ .. إحم
قالها بصوت مسموع ... ليعلن أنه جاء .. هي بديلٌ عن مساء الخير
- إحم .. إحم
هو صوت النحنحة ... هذا ما يناديها به .. أو بمعنى آخر .. نحن هنا .. لا يقول اسمها ولا يستبدله بيا روحي .. ولا يا حبيبتي .. قد يستحي من ذلك .. أصبح يرى تلك الكلمات كاذبة .. وهو لا يحب الكذب
ويتابع ..بعد أن تتحرّك أو تتقلّب .. استجابة لنحنحته :
-يارب ..يا ستار ..يا رحمن ... يا إله العرش .. يا مُغيث
تلك النداءات .. تعني أنه متعب .. ولا حول له .. هي أجوبة لأسئلة لن تستطيع الزوجة أن تتفوه بها .. وبذكر الله عادة ترتاح القلوب .. ولكن بعضهم يستعيذ بالله أيضاً لمواجهة إبليس!
تتقلب وتتمطط و تفرغ له مكاناً إلى جانبها وتسكت .. أيضاً لا حول لها ولاقوة .. هذا هو الزواج ويجب أن ينام بجانبها .. وكيف أنام مع شخص لا أتكلم معه ؟.. ولا أعرف إلا ظهره .. وتأففه ونقيقه .. كضفدعٍ معي في مستنقع .. وتبدأ بعدها ساعة ماقبل النوم!
هي هنا طويلة .. ومملّة.. وهي الأخطر في الحياة الزوجية .. وتعرف ذلك الوسادة التي ينامان عليها من اتجاه الرؤوس المتعاكس عندما يخلدان إليها ..
ويعرف ذلك اللحاف الذي ينكمشان تحته من تلاصق الأجساد أو تباعدها..
وتعرف ذلك جدران غرف النوم الزوجية فلها آذان صاغية .. فإما أن تستمع لأحاديث وأحاديث .. أو أن الصمت يكون سيد الموقف فتسمع عندها ساعة الجدار قوية بتكتكاتها..
وينتظران ملاك النوم وهو عنهما غافل .. يتأخر قصداً فقد يحدث شيء ما يقلب الموازين .. تلك هي ساعة ماقبل النوم
صمتٌ .. والصمت إذا طال قد يسبب طنيناً في الأذنين
اضطجاعٌ قسري .. وإذا ما طال قد يسبب تصلباً في العضلات
تقلّبٌ في الفراش .. وتقلبات معاكسة .. والمسافة بين الجسدين محتفظٌ بها كالحدود بين الأعداء .. موضوعة تحت المراقبة .. وأجهزة التنصّت تعمل بانتباه ..كأنك تنام مع عدو..
الاحتمالات كثيرة .. فقد تبدأ ليلتهم بالغزل
وقد تبدأ بالعتاب
قد يتطوّر الأمر إلى نقد .. قد ينقلب النقاش إلى شقاق أو عناق أو افتراق أو خناق ..أو انشقاق .. أو انفلاق .. عفواً لم نصل بعد إلى طلاق مع أن الكلمة تراودهما لأنها على نفس الوزن ونفس النغمة
قد يعلنان النفير فيهتزّ السرير .. أو ينسحب أحدهما بإعلان الشخير
هما الآن في حالة هدنة .. والهدنة مفتوحة الاحتمالات
هما في حالة سلامٍ بدون معاهدةٍ موقّعة .. ولا حربٍ مُعلنة .. قد تكون نوعاً من الحرب الباردة .. ليست كلعبة شد الحبل فالحبل مرخيٌّ بينهما ويزداد طولاً وابتعاداً .. لا يشدّانه فينقطع .. ولا يتركانه فينقلب أحدهما عن سرير الزوجية
ليس هو حبل الوداد ولكنه حبل البعاد .. وكأنه يزداد طولاً
ساعة ما قبل النوم الزوجيّ.. هي استرجاعٌ للذكريات .. فعلى هذا السرير تحابّا وتعانقا .. وتقاربا وتلاصقا .. وهنا تباعدا وتفارقا .. هنا أدار عنها وجهه وهنا أدارت له ظهرها..
هنا اختلى بها شرعياً .. وكم كان يحلم أن يختلي بها ؟
هي لك اليوم وكل يوم .. إلى طول العمر .. لكنه لا يريدها ..شبع منها
آه يا سرير الزوجية لم لا تكون أوسع وأوسع ؟.. لنبني جدراناً حجرية وأسواراً وحصوناً فوق مفارشك .. كأننا سنبني متاريساً لا لنطلق مدافعنا بل لنصد المهاجمين.. هل نحن أعداء وننام متجاورين؟
على السريرنفسه .. وتحت نفس اللحاف .. وعلى نفس الوسادة .. يفرض الزواج أن ينام جسدان مختلفان بكل شيء .. جنساً وعمراً وعائلة .. وأفكاراً وتعليماً .. مختلفان بالمورّثات .. بالزمر الدموية والنسيجية ..بالصوت بالصورة .. بالطعم باللون ..بالطول والوزن
وقد يختلفان بالمعتقد .. والاتجاه السياسي .. والمنبت الطبقي .. والوضع الوظيفي والمالي
بالمطرب المفضل .. بالفريق الرياضي .. بالقناة التلفزيونية المحبّذة .. لكنّ تلفاز البيوت يعرض قناة واحدة .. وبالتالي هنالك من تنازل عن قناته
بالشحنة الكهربائية يختلفان .. سالبٌ وموجب .. زائد وناقص
الزواج جمعٌ وطرح .. وضربٌ .. وتقسيم على اثنين
كان يجمعهما شيء اسمه الحب .. والحب أحيانا يتبخّر !.. ويتطاير .. وتلتصق قطيراته على السقف .. تتكثف وتعود لتسقط عليهما .. لكن يجب أن يجمعانها
أسمَعَته بكاءها .. ولولا العيب لبكى أكثر منها
شدّت اللحاف إليها متوقعة أن يمسكَ به .. لكنه تركه لها
في الأفلام لا يتحمّل الزوج ذلك .. يشعل سيجارة .. يحمل شرشفاً وينام خارجاً .. قد يقرأ كتاباً .. قد يناور مناورة .. قد يصيح وينهر .. قد يزأر
قد يضرب..فتدافع عن نفسها .. وضرب الزوجة حلٌّ أحياناً ..لماذا ؟
لأنك ببساطة سترى دموعها .. ويحدث وصالٌ ما بين راحتك وخدها .. فتتفرغ الشحنات السريرية .. وهو نوعٌ من الوصال
تتوقع أن يلمسها بطرف قدمه .. ثم يعتذر .. فتلمسه أيضاً بشكل عفوي فيتواصلان .. لابد من بداية فتتحول ساعة ما قبل النوم إلى حكاية
تتمنى أن يرفسها بقدمه من تحت اللحاف ..فتردُّ عليه ..وهو نوع من الوصال
في يومٍ ما .. صاحت في نومها .. ادّعت أن كابوساً حلّ عليها .. فهدّأ من روعها بكل الطرق الفنية الزوجية .. يومها كانت رائحة جواربه مقبولة بل ومحبّبة .. قد تغفو عليها كغازٍ مخدّر .. ومسيل للدموع بكلّ أشكالها !
تتمنى أن يغتصبها .. يمزق ثوب نومها كالوحش .. ليكتشف أنها لا تلبس شيئاً تحته لأنها مستعدة ومتوقعة وجاهزة ..فتستحي .. وتجذبه إليها ليغطي عريها .. وهو وصالٌ وأيُّ وصال
في الأفلام يحاول الزوج خنق زوجته .. فيعتصر عنقها الغض .. لكنه ينهار إذا ما التقت عيناه بعينيها .. لا يعتذر بل يسكت آهاتها بشفتيه .. يقطع أنفاسها بقبلاته .. وخنق الزوجة نوع من الوصال إذ يجب أن يعتليها أولاً .. يثبّتها وتقاومه .. وتضحك وتعتقد ذلك في البداية حباً .. وفعلاً قد تنتهي اللعبة بالحب .. أو الموت!
ساعة ماقبل النوم معقدة جداً.. فيها الكثير من الأفكار .. وتطول وتطول إلى أن يأتي النهار.. انتبه إذا ما جنّ الليل وأنتَ وأنتِ .. وحيدان وينام أحدكما بجانب عدو .. ويفرض الزواج أن تنام جنيب عدوك عارياً بدون أسلحة .. وإن نمت بثيابك سيعرّيك العدو شرعاً بأمر الملائكة!
د. جورج سلوم
*****************