نجح إنقوي أخيرا في زواج أباي بعد منافسة قوية من أغنى شاب في القرية، وذات مساء وبينما كانت زوجته تعد وجبة العشاء، جلس إنقوي علي حجر بعيد وراح يرقبها وهي تعمل. وفي نفس الوقت كان يتأمل خسائره التي تكبدها في المنافسة التي اشتملت علي سن وعدة أصابع من يده اليمني. ولم يكن يزعجه ما فقد مهما كان حتى لو كان يستهدف حياته. الذي كان يهمه هو أن يكسب أباي كزوجة له. وقد استطاع الآن أن يظفر بها. لقد جاء الوقت لكي يجعل حلمه حقيقة، وذلك بأن يجعل أباي أسعد زوجة في القرية بأسرها.
نهض إنقوي وتحرك صوب أباي التي كانت توليه ظهرا، ولما بلغت المسافة بينه وبيننا أقل من ستة أقدام دون أن تنتبه له لاستغراقها في تفكير عميق قال لنفسه: ما الذي تراها تفكر فيه بهذه الجدية؟ ثم صاح إنقوي بصوت عميق تردد صداه في الوادي القريب. إباي قفزت أباي بسرعة وهي تلهث: يا إلهي، لماذا أفزعتني علي هذا النحو يا إنقوي؟ قالت ذلك لاهثة، وضربات قلبها تكاد تسمع من بعد ذلك الليل الساكن.
هل تروعت؟ تساءل إنقوي ضاحكا وبدت أسنانه البيضاء تأتلق علي ضوء القمر.
تحسس قلبي إن كنت تري أنك لم تفزعني؟ ردت أباي وهي تقترب منه، تحسس إنقوي قلبها، أنه ينبض بشدة كأنما هو علي وشك أن يقفز إلي الخارج. طوقها بذراعيه، أحس بنبضات قلبها تضرب صدره مثل لكمات الجولة الحاسمة، كما أحس بحرارة جسمها، وبالعرق المتصبب من جبينها يبلل صدره العريض العاري. مكثا علي هذا الوضع لبعض الوقت. ثم قطع أنقوي الصمت قائلا...
أنا آسف سامحيني لن أفعل ذلك مرة أخري.
لماذا تطلب مني أن أسامحك؟ إنك لم تعتد علي. وعلي كل حال فإنك علمتني أن أكون امرأة شجاعة. ربما تمكنت ذات يوم من أن أساعدك. قالت أباي.
تعرف ماذا يا أنقوي؟ واصلت أباي.
أجاب إنقوي بصوت جعل صدرها يرتعد علي صدره.
في هذا الصباح. ثم واصلت: عندما ذهبت لتتفقد حظائر الحيوانات. جاءت بوني. ابنة جيراننا إلي هنا.
وما الذي جاء بها؟ أجاب إنقوي وهو يرسلها بعيدا عنه. إنني لا أطيق هذه الفتاة، إن شيئا شريرا يبدو في أساليبها.
قالت إباي معللة:
أعلم ذلك، ولهذا لا أطيقها أيضا ولكننا أحيانا نستطيع أن نتعلم كثيرا من أناس لا نحبهم.
حقا ولكنهم أيضا يتعلمون شيئا. ومهما يكن واصلي في عمل طبيخك.
إن الوقت الأمثل للأخبار عن الأمور المهمة أو تقديم الشكاوي للأزواج يكون دائما بعد الوجبات أو عند التأهب للنوم. نصحها إنقوي بذلك فواصلت إياي طبخها بينما ذهب إنقوي ليتأكد أن باب كوخ الماعز قد أحكم ترسه جيدا بحجارة ثقيلة خشية لصوص القرية الخفيين. والأسد الغامض الذي لم يستطع أحد أن يراه، يعين نفسه علي نيل واحدة من أغنامه الجميلة.
وعندما تأكد من أغنامه. قفل إنقوي راجعا إلي الكوخ، فوجد أن أباي قد جهزت الطعام، فجلسا بالقرب من النار للاستمتاع به.
اثني إنقوي علي الطبخ وأكد لأباي أنه إذا كان هناك طباخ ماهر في كل القرية فإنها هي. شكرته أباي ولكنها حذرته ليحد من المبالغة في الثناء، لأن الثناء الكثير يمكن أن يكون نذير شر.
وعندما انتهت الوجبة جمعت أباي كل أواني الطبخ ثم اعتزلا إلي كوخهما الدافيء. أحاطت أباي إنقوي بما قالته بوني:
حيث حذرتها من أن تسافر لمسافات طويلة بمفردها لأن منافس إنقوي المندحر قواقمي قد خطط أن يختطفها أو يغتال إنقوي.
أخبر إنقوي زوجته أن بوني كانت في غني من قول ما يعرفه من قبل. وحذر زوجته حتى تمسك عن تعاملها مع بوني لأكثر مدي ممكن، بعد ثلاثة أيام استدعي إنقوي للمثول أمام الزعيم الكبير: ليساعد في تسوية نزاع بين اثنين من الشباب. لما عرف به في القرية من لباقة وأمانة ونزاهة وشجاعة. لقد أبقت المحكمة التي استغرقت عدة ساعات، أبقت إنقوي لساعة متأخرة من الليل. ولما كان هو رئيس المحكمة: لم يكن في مقدوره أن يغادر قبل أن ينتهي. وكان الزعيم قلقا لسماع قرار المحكمين الأخير هنا وهناك.
وعندما بدأ إنقوي رحلة العودة إلي المنزل كان الليل قد انتصف من قبل. لم يفكر خلال الطريق في شيء سوي زوجته. الخوف علي نفسه من الخطر لا يعني شيئا بالنسبة له، لقد كان يمشي بأقصى سرعة ممكنة، ويجري أحيانا وهو مشوش العقل والقلب. رائحة العشب بدت له كرائحة الدم. عندما جري منحدرا علي الممر الضيق تخيل أنه صوت أباي وهي تستغيث به طلبا للمساعدة. ها هنا أجبر نفسه علي التوقف ليطرد المخاوف بعيدا. ثم بدأ يسير ببطء واثقا من أن أباي آمنة بالتأكيد. وأنها في انتظاره بطعامها الجيد. كان في تلك اللحظة علي بعد مائة ياردة من المنزل. كان بإمكانه رؤية سطح المنزل الذي يبرز خلف الحشائش الطويلة التي أمامه، ولكن المسافة تبدو قريبة، وهي ما تزال بعيدة جدا. لم تعنه قدماه علي أن يسرع. لقد أحس بشر ما، وأخيرا وصل إلي المنزل. وسار مباشرة إلي باب الكوخ وصاح في همس: أباي: ولم يتلق ردا صاح بصوت أعلي ولكن الكوخ ظل صامتا كصمت القبور. تملكه القلق ونفد صبره فضرب الباب ضربة واحدة فاندفع بقوة إلي الجانب الآخر من الجدار، كان الداخل يتوهج في لون الكهرمان. انتزع بعض العشب من الكوخ وأشعله. أصبح في إمكانه أن يري الآن بوضوح. نعم. كانت أباي موجودة في الكوخ مستلقية ووجهها إلي أعلي. لكن لماذا لم تستجب لكل تلك الضوضاء؟ اختبرها إنقوي من قرب. أنها سليمة ولكنه لاحظ شيئا أن العلو والهبوط في تنفسها قد توقف. تحسس قلبها ولكن الدم لم يعد يجري في شرايينها، حبيبته أباي. ماتت تماما. كان يرتعد والعرق يجري غزيرا من جبهته وصدغيه كالجدول وهو يئن أنينا موجعا. ثم جلس بجوارها كأنه ينتظرها أن تصحو. لقد فقد حواسه، هل أصبح مجنونا؟ كان أول طارق في الصباح هو ليجو رفيق إنقوي في الصيد. لقد حاول بلا جدوى أن يتحدث إلي إنقوي.
وفي وقت وجيز انتشر الخبر في القرية من أقصاها إلي أدناها. إن أباي قد ماتت بعلة أو سبب مجهول. تجمع كل أقارب إنقوي، وكل القرية وعند مراسم التشييع أدلي الزعيم بحديث، وضع كل النشيج المائل كان إنقوي متأكدا من شيء واحد هو أن منافسه قواقمي قد قتل زوجته.
بعد أربعة أيام من الجنازة ذهب إنقوي ليجلب بعض ليجلب بعض الماء من الغدير المجاور. ثم التقي بوني. وكان موقنا من أنها تعرف شيئا عن موت زوجته.. عندما رأته حاولت أن تجري بعيدا. ولكن الوقت كان متأخرا جدا. لقد قبض عليها إنقوي بسرعة، وأمسكها من رسغها حتى صاحت فهددها بأن يقتلها إن لم تخبره من هو القاتل.. وعندما رأت أن التهديد حقيقي تكلمت. قالت له إذا كان يعتقد أن قواقمي قد قتل زوجته فهو مخطيء.. واعترفت أن أمها ويريكا قد أعطتها جرعة قاتلة لتحملها إلي أباي.. واستمرت بوني تقول: إن أمها خططت لهذه الجريمة لأن أباي هي المسئولة عن جنون قواقمي الذي كان يجب أن يتزوج بوني قبل أن تحضر أباي للقرية، ومهما طال بقاء أباي في القرية سواء تزوجت أم لا فإنه لا أمل في زواج فواقمي من بوني. لهذا فكرت ويريكا أنه بقتل أباي يمكن علي المدى البعيد أن يتغير قواقمي ويرجع إلي بوني.
اعتقلت ويريكا وبوني وأحضرتا أمام محكمة القرية.. وخرجت كل القرية لتسمع الحكم:
علي بوني أن تشرب نفس الجرعة القاتلة التي أعطتها إلي أباي.
أما ويريكا فحكم عليها بأن تدفن وهي علي قيد الحياة.
* جنوب السودان
نهض إنقوي وتحرك صوب أباي التي كانت توليه ظهرا، ولما بلغت المسافة بينه وبيننا أقل من ستة أقدام دون أن تنتبه له لاستغراقها في تفكير عميق قال لنفسه: ما الذي تراها تفكر فيه بهذه الجدية؟ ثم صاح إنقوي بصوت عميق تردد صداه في الوادي القريب. إباي قفزت أباي بسرعة وهي تلهث: يا إلهي، لماذا أفزعتني علي هذا النحو يا إنقوي؟ قالت ذلك لاهثة، وضربات قلبها تكاد تسمع من بعد ذلك الليل الساكن.
هل تروعت؟ تساءل إنقوي ضاحكا وبدت أسنانه البيضاء تأتلق علي ضوء القمر.
تحسس قلبي إن كنت تري أنك لم تفزعني؟ ردت أباي وهي تقترب منه، تحسس إنقوي قلبها، أنه ينبض بشدة كأنما هو علي وشك أن يقفز إلي الخارج. طوقها بذراعيه، أحس بنبضات قلبها تضرب صدره مثل لكمات الجولة الحاسمة، كما أحس بحرارة جسمها، وبالعرق المتصبب من جبينها يبلل صدره العريض العاري. مكثا علي هذا الوضع لبعض الوقت. ثم قطع أنقوي الصمت قائلا...
أنا آسف سامحيني لن أفعل ذلك مرة أخري.
لماذا تطلب مني أن أسامحك؟ إنك لم تعتد علي. وعلي كل حال فإنك علمتني أن أكون امرأة شجاعة. ربما تمكنت ذات يوم من أن أساعدك. قالت أباي.
تعرف ماذا يا أنقوي؟ واصلت أباي.
أجاب إنقوي بصوت جعل صدرها يرتعد علي صدره.
في هذا الصباح. ثم واصلت: عندما ذهبت لتتفقد حظائر الحيوانات. جاءت بوني. ابنة جيراننا إلي هنا.
وما الذي جاء بها؟ أجاب إنقوي وهو يرسلها بعيدا عنه. إنني لا أطيق هذه الفتاة، إن شيئا شريرا يبدو في أساليبها.
قالت إباي معللة:
أعلم ذلك، ولهذا لا أطيقها أيضا ولكننا أحيانا نستطيع أن نتعلم كثيرا من أناس لا نحبهم.
حقا ولكنهم أيضا يتعلمون شيئا. ومهما يكن واصلي في عمل طبيخك.
إن الوقت الأمثل للأخبار عن الأمور المهمة أو تقديم الشكاوي للأزواج يكون دائما بعد الوجبات أو عند التأهب للنوم. نصحها إنقوي بذلك فواصلت إياي طبخها بينما ذهب إنقوي ليتأكد أن باب كوخ الماعز قد أحكم ترسه جيدا بحجارة ثقيلة خشية لصوص القرية الخفيين. والأسد الغامض الذي لم يستطع أحد أن يراه، يعين نفسه علي نيل واحدة من أغنامه الجميلة.
وعندما تأكد من أغنامه. قفل إنقوي راجعا إلي الكوخ، فوجد أن أباي قد جهزت الطعام، فجلسا بالقرب من النار للاستمتاع به.
اثني إنقوي علي الطبخ وأكد لأباي أنه إذا كان هناك طباخ ماهر في كل القرية فإنها هي. شكرته أباي ولكنها حذرته ليحد من المبالغة في الثناء، لأن الثناء الكثير يمكن أن يكون نذير شر.
وعندما انتهت الوجبة جمعت أباي كل أواني الطبخ ثم اعتزلا إلي كوخهما الدافيء. أحاطت أباي إنقوي بما قالته بوني:
حيث حذرتها من أن تسافر لمسافات طويلة بمفردها لأن منافس إنقوي المندحر قواقمي قد خطط أن يختطفها أو يغتال إنقوي.
أخبر إنقوي زوجته أن بوني كانت في غني من قول ما يعرفه من قبل. وحذر زوجته حتى تمسك عن تعاملها مع بوني لأكثر مدي ممكن، بعد ثلاثة أيام استدعي إنقوي للمثول أمام الزعيم الكبير: ليساعد في تسوية نزاع بين اثنين من الشباب. لما عرف به في القرية من لباقة وأمانة ونزاهة وشجاعة. لقد أبقت المحكمة التي استغرقت عدة ساعات، أبقت إنقوي لساعة متأخرة من الليل. ولما كان هو رئيس المحكمة: لم يكن في مقدوره أن يغادر قبل أن ينتهي. وكان الزعيم قلقا لسماع قرار المحكمين الأخير هنا وهناك.
وعندما بدأ إنقوي رحلة العودة إلي المنزل كان الليل قد انتصف من قبل. لم يفكر خلال الطريق في شيء سوي زوجته. الخوف علي نفسه من الخطر لا يعني شيئا بالنسبة له، لقد كان يمشي بأقصى سرعة ممكنة، ويجري أحيانا وهو مشوش العقل والقلب. رائحة العشب بدت له كرائحة الدم. عندما جري منحدرا علي الممر الضيق تخيل أنه صوت أباي وهي تستغيث به طلبا للمساعدة. ها هنا أجبر نفسه علي التوقف ليطرد المخاوف بعيدا. ثم بدأ يسير ببطء واثقا من أن أباي آمنة بالتأكيد. وأنها في انتظاره بطعامها الجيد. كان في تلك اللحظة علي بعد مائة ياردة من المنزل. كان بإمكانه رؤية سطح المنزل الذي يبرز خلف الحشائش الطويلة التي أمامه، ولكن المسافة تبدو قريبة، وهي ما تزال بعيدة جدا. لم تعنه قدماه علي أن يسرع. لقد أحس بشر ما، وأخيرا وصل إلي المنزل. وسار مباشرة إلي باب الكوخ وصاح في همس: أباي: ولم يتلق ردا صاح بصوت أعلي ولكن الكوخ ظل صامتا كصمت القبور. تملكه القلق ونفد صبره فضرب الباب ضربة واحدة فاندفع بقوة إلي الجانب الآخر من الجدار، كان الداخل يتوهج في لون الكهرمان. انتزع بعض العشب من الكوخ وأشعله. أصبح في إمكانه أن يري الآن بوضوح. نعم. كانت أباي موجودة في الكوخ مستلقية ووجهها إلي أعلي. لكن لماذا لم تستجب لكل تلك الضوضاء؟ اختبرها إنقوي من قرب. أنها سليمة ولكنه لاحظ شيئا أن العلو والهبوط في تنفسها قد توقف. تحسس قلبها ولكن الدم لم يعد يجري في شرايينها، حبيبته أباي. ماتت تماما. كان يرتعد والعرق يجري غزيرا من جبهته وصدغيه كالجدول وهو يئن أنينا موجعا. ثم جلس بجوارها كأنه ينتظرها أن تصحو. لقد فقد حواسه، هل أصبح مجنونا؟ كان أول طارق في الصباح هو ليجو رفيق إنقوي في الصيد. لقد حاول بلا جدوى أن يتحدث إلي إنقوي.
وفي وقت وجيز انتشر الخبر في القرية من أقصاها إلي أدناها. إن أباي قد ماتت بعلة أو سبب مجهول. تجمع كل أقارب إنقوي، وكل القرية وعند مراسم التشييع أدلي الزعيم بحديث، وضع كل النشيج المائل كان إنقوي متأكدا من شيء واحد هو أن منافسه قواقمي قد قتل زوجته.
بعد أربعة أيام من الجنازة ذهب إنقوي ليجلب بعض ليجلب بعض الماء من الغدير المجاور. ثم التقي بوني. وكان موقنا من أنها تعرف شيئا عن موت زوجته.. عندما رأته حاولت أن تجري بعيدا. ولكن الوقت كان متأخرا جدا. لقد قبض عليها إنقوي بسرعة، وأمسكها من رسغها حتى صاحت فهددها بأن يقتلها إن لم تخبره من هو القاتل.. وعندما رأت أن التهديد حقيقي تكلمت. قالت له إذا كان يعتقد أن قواقمي قد قتل زوجته فهو مخطيء.. واعترفت أن أمها ويريكا قد أعطتها جرعة قاتلة لتحملها إلي أباي.. واستمرت بوني تقول: إن أمها خططت لهذه الجريمة لأن أباي هي المسئولة عن جنون قواقمي الذي كان يجب أن يتزوج بوني قبل أن تحضر أباي للقرية، ومهما طال بقاء أباي في القرية سواء تزوجت أم لا فإنه لا أمل في زواج فواقمي من بوني. لهذا فكرت ويريكا أنه بقتل أباي يمكن علي المدى البعيد أن يتغير قواقمي ويرجع إلي بوني.
اعتقلت ويريكا وبوني وأحضرتا أمام محكمة القرية.. وخرجت كل القرية لتسمع الحكم:
علي بوني أن تشرب نفس الجرعة القاتلة التي أعطتها إلي أباي.
أما ويريكا فحكم عليها بأن تدفن وهي علي قيد الحياة.
* جنوب السودان