خرجنا كالمعتاد ، كل صباح ، نتقافز كالعصافير ، نطارد الفراشات ، وصغار الجراد ، والشمس ترسل أشعتها الذهبية أيذاناً بالشروق، وببداية يوم جديد، حملنا أشراكنا المصنوعة من شعيرات منزوعة من أذيال الخيول والحمير .. كنا نتقن صنعها ونتقن أكثر أصطياد العصافير بها .. دلفنا إلي الدغل المتاخم للقرية، توغلنا الي داخله آملين بصيد وفير .. ولم نكن نعلم أنه آخر عهدنا بالقرية وبأهل القرية .
سرنا في خط مستقيم .. يتقدمنا "خليل" فهو أكبرنا سناً، وأكثرنا خبرة بمجاهل الدغل الكثيف، ولأنه كان يحمل فأساً يبتر بها الأغصان المتشابكة التي كانت تعترض طريقنا. خلفه بخطوات كان يسير "اسحاق" أصغرنا سناً– صديقي الحميم – اسحاق الأعرج يحمل شركه بيده اليسري، وباليد الأخري كان يقبض علي نايه الاثير .. وفي المؤخرة كنت اسير، أعلق علي عرج "اسحق" فيتوقف غاضباً – يشتمني ، وأحياناً يقذف تجاهي بغصن بتره "خليل".. نضحك .. نمرح-سعداء كنا بطفولتنا .
بعد مسير دام زهاء نصف الساعة، شارفنا نهاية الدغل من ناحيته الغربية.. انسللنا منه الواحد تلو الآخر .. استقبلنا وادٍ فسيح ، بديع المنظر، جلس "اسحق" علي الرمل، رمي شركه بجانبه، وضع الناي بين شفتيه وبدأ يعزف لحناً شجياً مؤثراً .
أعداد هائلة من العصافير الملونة تتقافز حولنا، ترُك علي الرمل حيناً ، وعلي الاغصان أحياناً .. و"اسحاق" علي نايه يعزف.
أعددت مصيدتي بمهارة .. حملت غصناً وغرزته في الرمل ، ثم وضعت الشرك تحت ظله بعد أن نثرت قليلا من الذرة عليه .. لم تمض لحظات حتى ركت العصافير علي شركي.. وفجأة سمعنا ضوضاء وصخب.. ترتفع وتيرته كل لحظة.. لم نتبين في البدء ماهية تلك الأصوات، لكنها كانت آتية من جهة القرية .. ثم تلا ذلك صراخ وعويل، صياح وبكاء ... "اسحق" رمي نايه وتوقف عن العزف ، "خليل" كان يجهز شركه ، فقذفه جانباً وأرهف السمع .. تعالي الصراخ والعويل والضوضاء .. إندفعنا الي داخل الدغل عائدين الي القرية .. تقدمنا
"اسحاق" رغم عرجه.. الاغصان والاشواك تمزق أجسامنا الصغيرة ..وحين اقتربنا من تخوم القرية كان الدخان الكثيف يغطي الأفق ويحجب الرؤيا .. الأصوات بدأت تتلاشي رويداً، رويداً حتى خمدت .
كنا منهكين .. مذعورين ، ومن بين جذوع الشجر المتشابكة شاهدنا أناس ملثمون .. يحملون بنادق وفؤوس ، رأيناهم وسط سحب الدخان كأشباح يتحركون في كل الاتجاهات، اختبأت خلف جذع كبير و"إسحاق" يمسك بيدي. "خليل" مرق كالسهم وهو يصيح ، ينادي: أمي ..أبي .... ثم رأينا يسقط مشجوج الرأس علي بعد أمتار منا – أردت أن أصرخ فخرج صوتي كالفحيح – بللت ملابسي. "إسحاق" وضع أبهامه داخل فمه وأستلقي يبحلق في اللاشيء .
الدخان بدأ يتلاشي، رتل الأشباح غادر المكان، ومازلت بمكاني خلف جذع الشجرة و"إسحاق" مازال يمص أصبعه ويبحلق في اللاشيء .
لا أدري كيف حملتني قدماي وخرجت من الغابة الكثيفة؟ مررت بجثة رفيقنا "خليل"- منظر رأسه المشجوج حرك السوائل في بطني،دفعها إلي حلقي جثوت قربه وتقيأت.
نهضت متثاقلاً ، سرت في اتجاه منزلنا – حيث كان منزلنا- أتعثر في الأجساد المتفحمة، ورائحة الشواء والقصب تزكم أنفي .. وقفت حيث اعتقدت أنه مكان منزلنا .. ثمة جثث متناثرة ، اقتربت من أحد الأجسام المتفحمة .. حدسي قادني اليه.. تمعنت في بقايا الجسد المحروق – أمي – عرفتها بخلخالها الفضي علي رجلها اليمني، أكتسي الخلخال بالسواد .. جثوت قريباً منها .. تمددت بجانبها أبكي، والشمس تتوسط كبد السماء حارقة كأنها تواطأت عليّ .... ثم غفوت .
أيقظني كلب ضال كان يحوم في المكان، لا مس قدمي فانتفضت مذعوراً.. تذكرت صديقي الحميم "إسحاق"وقفت بصعوبة ، مجر جرا أقدامي اتجهت صوب الدغل..وجدته – صديقي – لم يزل يمص إبهامه وينظر إلي فراغ. إلي لاشيء.
إسحاق رفيقي الحميم .. أفق .. أرجوك تكلم .. لا تحدق هكذا.. كلمني .. فليس لي سواك وليس لك سواي.. خذ هذا الناي . أعزف عليه لحنك الشجي .. أفق يا صديقي الحميم.
لكنه أبي إلا أن يظل في صدمته الأبدية .. الليل موحش والذئاب ترعد الفرائض .. تذكرت جدي وحكاياته في الليالي المقمرة، أخبرني يوماً – وكنت مستلقياً علي حجره – أنه وأصحابه ذهبوا الي الصيد، ولما جنّ الليل أشعلوا النار اتقاء للذئاب والوحوش . تذكرته حين آذنت الشمس بالمغيب، بحثت بين أكوام
الرماد عن جمرة خابية .. ولما أنسدل ستار الليل كنت أضع إسحاق علي حجري كطفل رضيع، والنار متأججة أمامنا تدفئنا وتطرد عنّا الوحوش والذئاب .
يومان مرا علي هذا المنوال، وصديقي لم يزل يمص إبهامه، مستلقياً ينظر إلي فراغ .. إلي لاشيء . كنت أقتات من ثمار الشجر والعصافير المشوية .. هو لم يذق طعاماً طيلة هذه المدة.
في صبيحة اليوم الثالث، وبينما كنت أهش الصقور والجوارح عن جثة صديقنا "خليل" تناهي إلي سمعي أزيز ، هدير مرعب ، مصدره السماء، عدوت صوب الغابة مذعوراً .. احتميت بجذع الشجرة ورفيقي مازال في غيبوبته .. اقترب الصوت كثيراً، هديره يصم الأذان، ثم هبط قريباً منّا جسم معدني يشبه طائر ضخم، له جناحان أحدهما فوق ظهره والآخر صغير علي مؤخرته ..طائر أسطوري لم أره من قبل .. صوته مخيف، حط قريباً منا.. ثم بدأ هديره يخفت .. ويخفت ألي أن صمت تماماً .
لدهشتي العظمي، أنفتح جزء من الطائر المعدني، أطل منه رجل يرتدي إزاراً ابيضاً بلا أكمام، ثم تلاه آخر وآخرون .. سحناتهم متباينة، أحدهم كان يحمل شيئاً علي كتفه ولما هبط واستوي علي الأرض حمل الشيء بين يديه ، رفعه بمحاذاة عينيه..ثم خرج ضوء باهر غطي علي ضوء الشمس المتكسر علي الأجسام المتفحمة. احتضنت رفيقي واستكنت ارتعد خوفاً.
بدئوا يجوبون المكان، يتحدثون، يكتبون علي دفاتر كانوا يحملونها .. أقترب أحدهم من مكان النار التي لم يزل دخانها يتصاعد كخيوط رقيقة ، دنا أكثر، نادي علي رفاقه .. تجمعوا حول مكان النار .. تلفتوا حولهم.. ثم بحذر بدئوا يتوغلون داخل الغابة .
وجدوني والذعر كاد أن يميتني ، محتضناً رفيقي الذي يمتص أبهامه وينظر الي اللاشيء، ربت أحدهم علي رأسي بحنو أزال بعض من خوفي ، ثم برفق سحبني من حضن رفيقي.. ثم سألني عن أسمي ..لم أجبه.. انفجرت باكياً ..بكيت كثيرا.. كثيراً جداً .
قبل أن نحمل الي داخل الطائر المعدني كان المكان قد ازدحم بالمخلوقات المعدنية السائرة علي الارض ، هياكل من معدن تسير علي أربعة أرجل ، مدورة ، سوداء اللون . تحمل علي ظهرها رجالاً يرتدون زياً موحداً – لا يشبه أزياء الذين خرجوا من بطن الطائر المعدني الضخم – فهؤلاء ملابسهم لا تتشابه لكنهم جميعهم كانوا يرتدون إزاراً أبيض اللون بلا أكمام مرسوم علي ظهره علامات حمراء .
في جوف الطائر المعدني نمت. رغم الضجيج والضوضاء نمت نوماً عميقاً، ولما صحوت وجدتني داخل غرفة بيضاء تهتز مع الريح ، وفي الاتجاه المقابل كان يرقد صديقي الحميم "إسحاق" حوله أشخاص يربطون شيئاً يشبه البالون الصغير أعلي الخيمة، ويثبتون آخره المتدلي في يد رفيقي – يده الطليقة – فالأخرى لم يزل أبهامها داخل فمه ، ولم تزل عيناه تنظران الي الفراغ.. إلي اللاشيء.
غلبني الفضول ..فانسللت خارجاً .
الفضاء أبيض.. علي مد البصر ، بياض ثم بياض .. خيام هرمية الشكل تشبه "القطا طي" وأخري كالتي خرجت منها – مربعة – والشارة الحمراء مرسومة علي كل الخيام .
نساء وأطفال ، صبايا وشيوخ ، يخرجون أو يدلفون إلي داخل الخيام ..
سرت بينهم .. أحدق فيهم.. في وجوه النساء النحيلات.. علني أبصر وجه أمي .. أو وجهاً يشبه وجه أمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تم اختيار افضل قصة انسانية على مستوى الشرق الاوسط وشمال افريقيا
سرنا في خط مستقيم .. يتقدمنا "خليل" فهو أكبرنا سناً، وأكثرنا خبرة بمجاهل الدغل الكثيف، ولأنه كان يحمل فأساً يبتر بها الأغصان المتشابكة التي كانت تعترض طريقنا. خلفه بخطوات كان يسير "اسحاق" أصغرنا سناً– صديقي الحميم – اسحاق الأعرج يحمل شركه بيده اليسري، وباليد الأخري كان يقبض علي نايه الاثير .. وفي المؤخرة كنت اسير، أعلق علي عرج "اسحق" فيتوقف غاضباً – يشتمني ، وأحياناً يقذف تجاهي بغصن بتره "خليل".. نضحك .. نمرح-سعداء كنا بطفولتنا .
بعد مسير دام زهاء نصف الساعة، شارفنا نهاية الدغل من ناحيته الغربية.. انسللنا منه الواحد تلو الآخر .. استقبلنا وادٍ فسيح ، بديع المنظر، جلس "اسحق" علي الرمل، رمي شركه بجانبه، وضع الناي بين شفتيه وبدأ يعزف لحناً شجياً مؤثراً .
أعداد هائلة من العصافير الملونة تتقافز حولنا، ترُك علي الرمل حيناً ، وعلي الاغصان أحياناً .. و"اسحاق" علي نايه يعزف.
أعددت مصيدتي بمهارة .. حملت غصناً وغرزته في الرمل ، ثم وضعت الشرك تحت ظله بعد أن نثرت قليلا من الذرة عليه .. لم تمض لحظات حتى ركت العصافير علي شركي.. وفجأة سمعنا ضوضاء وصخب.. ترتفع وتيرته كل لحظة.. لم نتبين في البدء ماهية تلك الأصوات، لكنها كانت آتية من جهة القرية .. ثم تلا ذلك صراخ وعويل، صياح وبكاء ... "اسحق" رمي نايه وتوقف عن العزف ، "خليل" كان يجهز شركه ، فقذفه جانباً وأرهف السمع .. تعالي الصراخ والعويل والضوضاء .. إندفعنا الي داخل الدغل عائدين الي القرية .. تقدمنا
"اسحاق" رغم عرجه.. الاغصان والاشواك تمزق أجسامنا الصغيرة ..وحين اقتربنا من تخوم القرية كان الدخان الكثيف يغطي الأفق ويحجب الرؤيا .. الأصوات بدأت تتلاشي رويداً، رويداً حتى خمدت .
كنا منهكين .. مذعورين ، ومن بين جذوع الشجر المتشابكة شاهدنا أناس ملثمون .. يحملون بنادق وفؤوس ، رأيناهم وسط سحب الدخان كأشباح يتحركون في كل الاتجاهات، اختبأت خلف جذع كبير و"إسحاق" يمسك بيدي. "خليل" مرق كالسهم وهو يصيح ، ينادي: أمي ..أبي .... ثم رأينا يسقط مشجوج الرأس علي بعد أمتار منا – أردت أن أصرخ فخرج صوتي كالفحيح – بللت ملابسي. "إسحاق" وضع أبهامه داخل فمه وأستلقي يبحلق في اللاشيء .
الدخان بدأ يتلاشي، رتل الأشباح غادر المكان، ومازلت بمكاني خلف جذع الشجرة و"إسحاق" مازال يمص أصبعه ويبحلق في اللاشيء .
لا أدري كيف حملتني قدماي وخرجت من الغابة الكثيفة؟ مررت بجثة رفيقنا "خليل"- منظر رأسه المشجوج حرك السوائل في بطني،دفعها إلي حلقي جثوت قربه وتقيأت.
نهضت متثاقلاً ، سرت في اتجاه منزلنا – حيث كان منزلنا- أتعثر في الأجساد المتفحمة، ورائحة الشواء والقصب تزكم أنفي .. وقفت حيث اعتقدت أنه مكان منزلنا .. ثمة جثث متناثرة ، اقتربت من أحد الأجسام المتفحمة .. حدسي قادني اليه.. تمعنت في بقايا الجسد المحروق – أمي – عرفتها بخلخالها الفضي علي رجلها اليمني، أكتسي الخلخال بالسواد .. جثوت قريباً منها .. تمددت بجانبها أبكي، والشمس تتوسط كبد السماء حارقة كأنها تواطأت عليّ .... ثم غفوت .
أيقظني كلب ضال كان يحوم في المكان، لا مس قدمي فانتفضت مذعوراً.. تذكرت صديقي الحميم "إسحاق"وقفت بصعوبة ، مجر جرا أقدامي اتجهت صوب الدغل..وجدته – صديقي – لم يزل يمص إبهامه وينظر إلي فراغ. إلي لاشيء.
إسحاق رفيقي الحميم .. أفق .. أرجوك تكلم .. لا تحدق هكذا.. كلمني .. فليس لي سواك وليس لك سواي.. خذ هذا الناي . أعزف عليه لحنك الشجي .. أفق يا صديقي الحميم.
لكنه أبي إلا أن يظل في صدمته الأبدية .. الليل موحش والذئاب ترعد الفرائض .. تذكرت جدي وحكاياته في الليالي المقمرة، أخبرني يوماً – وكنت مستلقياً علي حجره – أنه وأصحابه ذهبوا الي الصيد، ولما جنّ الليل أشعلوا النار اتقاء للذئاب والوحوش . تذكرته حين آذنت الشمس بالمغيب، بحثت بين أكوام
الرماد عن جمرة خابية .. ولما أنسدل ستار الليل كنت أضع إسحاق علي حجري كطفل رضيع، والنار متأججة أمامنا تدفئنا وتطرد عنّا الوحوش والذئاب .
يومان مرا علي هذا المنوال، وصديقي لم يزل يمص إبهامه، مستلقياً ينظر إلي فراغ .. إلي لاشيء . كنت أقتات من ثمار الشجر والعصافير المشوية .. هو لم يذق طعاماً طيلة هذه المدة.
في صبيحة اليوم الثالث، وبينما كنت أهش الصقور والجوارح عن جثة صديقنا "خليل" تناهي إلي سمعي أزيز ، هدير مرعب ، مصدره السماء، عدوت صوب الغابة مذعوراً .. احتميت بجذع الشجرة ورفيقي مازال في غيبوبته .. اقترب الصوت كثيراً، هديره يصم الأذان، ثم هبط قريباً منّا جسم معدني يشبه طائر ضخم، له جناحان أحدهما فوق ظهره والآخر صغير علي مؤخرته ..طائر أسطوري لم أره من قبل .. صوته مخيف، حط قريباً منا.. ثم بدأ هديره يخفت .. ويخفت ألي أن صمت تماماً .
لدهشتي العظمي، أنفتح جزء من الطائر المعدني، أطل منه رجل يرتدي إزاراً ابيضاً بلا أكمام، ثم تلاه آخر وآخرون .. سحناتهم متباينة، أحدهم كان يحمل شيئاً علي كتفه ولما هبط واستوي علي الأرض حمل الشيء بين يديه ، رفعه بمحاذاة عينيه..ثم خرج ضوء باهر غطي علي ضوء الشمس المتكسر علي الأجسام المتفحمة. احتضنت رفيقي واستكنت ارتعد خوفاً.
بدئوا يجوبون المكان، يتحدثون، يكتبون علي دفاتر كانوا يحملونها .. أقترب أحدهم من مكان النار التي لم يزل دخانها يتصاعد كخيوط رقيقة ، دنا أكثر، نادي علي رفاقه .. تجمعوا حول مكان النار .. تلفتوا حولهم.. ثم بحذر بدئوا يتوغلون داخل الغابة .
وجدوني والذعر كاد أن يميتني ، محتضناً رفيقي الذي يمتص أبهامه وينظر الي اللاشيء، ربت أحدهم علي رأسي بحنو أزال بعض من خوفي ، ثم برفق سحبني من حضن رفيقي.. ثم سألني عن أسمي ..لم أجبه.. انفجرت باكياً ..بكيت كثيرا.. كثيراً جداً .
قبل أن نحمل الي داخل الطائر المعدني كان المكان قد ازدحم بالمخلوقات المعدنية السائرة علي الارض ، هياكل من معدن تسير علي أربعة أرجل ، مدورة ، سوداء اللون . تحمل علي ظهرها رجالاً يرتدون زياً موحداً – لا يشبه أزياء الذين خرجوا من بطن الطائر المعدني الضخم – فهؤلاء ملابسهم لا تتشابه لكنهم جميعهم كانوا يرتدون إزاراً أبيض اللون بلا أكمام مرسوم علي ظهره علامات حمراء .
في جوف الطائر المعدني نمت. رغم الضجيج والضوضاء نمت نوماً عميقاً، ولما صحوت وجدتني داخل غرفة بيضاء تهتز مع الريح ، وفي الاتجاه المقابل كان يرقد صديقي الحميم "إسحاق" حوله أشخاص يربطون شيئاً يشبه البالون الصغير أعلي الخيمة، ويثبتون آخره المتدلي في يد رفيقي – يده الطليقة – فالأخرى لم يزل أبهامها داخل فمه ، ولم تزل عيناه تنظران الي الفراغ.. إلي اللاشيء.
غلبني الفضول ..فانسللت خارجاً .
الفضاء أبيض.. علي مد البصر ، بياض ثم بياض .. خيام هرمية الشكل تشبه "القطا طي" وأخري كالتي خرجت منها – مربعة – والشارة الحمراء مرسومة علي كل الخيام .
نساء وأطفال ، صبايا وشيوخ ، يخرجون أو يدلفون إلي داخل الخيام ..
سرت بينهم .. أحدق فيهم.. في وجوه النساء النحيلات.. علني أبصر وجه أمي .. أو وجهاً يشبه وجه أمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تم اختيار افضل قصة انسانية على مستوى الشرق الاوسط وشمال افريقيا