-1-
ورث على والزين ود حمد نخيلا وأطيانا كثيرة عن أبيهما، لكنهما لم ينعما بكثرة الخلفة من الأولاد، حيث لم يكتب الله الحياة لأبناء على من زوجته بخيتة بت الحسن فتوفى لهما بنتان وولدان بعد شهور من ولادتهم ، ولم يبقى لهما سوى الإبن البكر الخير، أما الزين الذى يصغر أخاه ولسنين طويلة لم تنجب له العازة زوجته أبناء، ولأنه كان شديد الألتصاق بها لم يتزوج عليها أو يطلقها حتى شاء الله أن يمن عليهما بإبنة وحيدة فسماها والدها ست أبوها، كناية عن الحب والفرح الذى أتى بعد صبر السنوات.
أتت ست أبوها بعد ولادة إبن عمها الخير ود على بعشر سنوات فنشأت فى دلال وعناية والديها، بينما كبر الخير وكأنه من أولياء الله الصالحين، لا يعرف شيئا وليس به سوى عقل طفل صغير، طويل القامة نحيلا فى جسمه لكنه قوى البنيان، لا يكترث بهندامه ولا بشىء سوى ما يمليه عليه عقله، فتجده وسط الزراعات مع والده وعمه يطارد العصافير والجراد ولا يكترث بما يعملون إلا حين يدلونه على ماذا يفعل فتراه وقد شمر عن ساعده بجد ونشاط،، معجب بالفتيات حد الصراخ بأعلى صوته حين يراهن فى الحقل بجواره، ولا يتوانى فى خدمتهن وحمل القش على ظهره أو حماره عنهن وهن اللاتى أتين إلى حقل والده،، وكلما تعلق بفتاه وأصبح يردد اسمها ليل نهار يأتيها النصيب بعريس غيره ليفوز بها ثم يبدأ قصته مع فتاة غيرها وكل الفتيات وأمهاتهن لا يرغبن فيه،وسمينه "الدعول" حتى أصبح الإسم صفة تلازمه، وكلما تعلق قلبه بواحدة تشيع الفتيات والحريم فيما بيهن الخبر، ويقولن "الدعول" إتعلق بى فلانة هسى بجيها عريس البخط...!! يضحكن مما يقول ويعتبرنه جالب الخير والسعد لبنات البلد.....!!!
كبرت ست أبوها وإزدادت حسنا وجمالا بلونها الفاقع البياض وعيونها الواسعة الجميلة وكثر الخطاب وكل شاب بالبلد يمنى النفس بالفوز بها وحتى النساء يرغبن فى نسابة أمها العازة،، لكن ست أبوها كان لها رأى آخر إذ رفضت كل من تقدم طالبا يدها من أبيها وكانت تراقب معاناة إبن عمها الخير وما يفعلنه به فتيات البلد وهى الوحيدة التى كانت تشفق لحاله وبهمة تجد فى توجيهه ومعاتبته بما يفعله دون ان يهتم به أحد، لذلك كان يحترمها ويعمل لها ألف حساب، يترك مجلسه قرابة النسوان إن رآها قادمة وإن كانت معه بالحقل لا يكترث بغيرها ويصبح كالحمل الوديع، و تحول واقع الشفقة والإهتمام من ست أبوها نحوه إلى حب رأت فيه قد يكون رجلا للزواج وليس فيه ما يعيبه ولا تنقصه الوسامة إن بدأ فى هيبة رجل بزينته، أحبته وقد شعر بأهتمامها نحوه وأصبح لايرى غيرها،، وقد لاحظت العازة اهتمام ابنتها به وكذلك بخيتة بت الحسن امه،،ولما كانت ست أبوها ترفض كل من يتقدم لها ورغبتها فى الزواج بأبن عمها الوحيد، باركت أمها ما رغبت فيه إبنتها وكذلك أبيها الذى يحبها خاصة وقد توفى أخوه الأكبر والد الخير وأصبح هو وأمه فى رعايته،، إنتشر خبر زواج الخير من ست أبوها فى البلد كالهشيم بين مصدق وغير مصدق،، والحريم والفتيات يتناقلن الخبر من بيت إلى بيت ويستغربن إذ كيف ترفض ست أبوها أجمل بت فى البلد كل الخطاب وتعرس الدعول...؟ غير أن تجهيزات العرس كانت تسير على ما أرادت ست أبوها فتم تشليخها ودق شلوفتها وتجهيز حال العريس.
تم العرس ونحرت له العجول والشياه وقد كان فرحا كبيرا عمه أهل القرى جميعا فى ريفى أرقو، فأولاود ود حمد لهم وضعهم ومكانتهم بين الناس، ومن فى الريف الشمالى لا يعرف الخير الدعول أو سمع به.؟
-2-
إستقلت ست أبوها وزوجها ببيتهما المجاور لأبيها وواصلت هى والخير متابعة شؤون الحقول والنخيل مع أبيها ووالدتيهما وقد إعتنت بالخير وجعلت منه رجلا له مركزه بين الناس حتى لقبه الذين كانوا يسمونه بالدعول "بالفنجرى" راجل الست ، تراه وهو راكبا حماره الأبيض المزين على سرج جديد بمخلاية وجلابية بيضاء وعمة ومركوب لامع لكأنه المفتش أو العمدة فى زمانه، وراهنت ست أبوها أن تجعل منه الرجل الأكثر حسنا بمظهره مكاواة لفتيات وحريم البلد لإهانتهن لأبن عمها الوحيد،، وجدت فيه رجلا مطيعا سهل التعامل وذو قلب كبير، أحبته وإهتمت به كثيرا فأحبها الخير وإلتصق بجانبها،، قالت له ذات مرة تعال أحدثك كلام يا ود عمى: الراجل بعد ما يعرس تانى سكته بتبقى واحدة بس.!! سألها الخير: أى سكة يا بت عمى..؟ قالت: الراجل بعد العرس لازم يتغذى كويس، يأكل حمام ودجاج وعسل ويشرب شوربات ولبن وعصائر ويكون فى سريره من بدرى عشان يونس مرته وتونسه وما يحوم بالليل...!! ها ها هها هههههاى يضحك مفنقلا رأسه إلى أعلى حتى سال لعابه، ضحك الخير بصوت جهورى كدحش أهوج إشتم رائحة دحشه حواليه، ثم أردف قائلا: كلامك صاح يا بت عمى أنا زاتى بحب السكة دى و تانى ما بعوج دربى من سريرى تب، والله إنت ست أبوك وستى أنا وست البلد كلها..!! تنبسط من رده فتقول: الله يخليك لى يا ود عمى الماعندى غيرك، ثم يقول كلامك حلو يا ست البلد، تونسينى وأونسك، تريحينى وأريحك،، تتبسم وتضحك ست أبوها من كلامه وتقول: إنت ما ياكا السمح والخير كله يا ود عمى إنت........!!
رحل الزين والد ست أبوها وبخيتة أم الخير فورثا كل الأطيان والنخيل، والحياة تمر بهما رزقا ببنتين وولد فأزدادا أكثر حبا وقربا من بعضهما ورعاية لأطفالهما، وهما فى هذا الهناء أرادت مشيئة الله أن تأخذ من ست أبوها زوجها الذى أحبته ولم يشغل قلبها رجلا غيره، رحل عنها الخير دون أسباب مرضيه ظاهرة عليه، فقد ألم به صداع مزمن يوما ولما لم يفارقه الألم حملته بالإسعاف ألى مستشفى البرقيق فقضى نحبه فيه ما بين مصدق وغير مصدق من هول المصاب والموت الفجائى،، حمل إلى البلد وورى جسده فيها إلى جوار والديه وعمه الزين،، من هول الصدمة بكته ست أبوها بكاءا مرا أشفق عليها كل أهل البلد،، صغيرة فى شبابها وقد رحل عنها والد أطفالها الذى فضلت عليه الجميع،، وطيلة شهور العدة لم يفارقها لحظة واحدة وقد ظلت تذكر محاسنه لكل من حولها،، وعندما تحدثها النساء بأن الله سيعوضها ما كن يجدن منها سوى الزجر وهى التى لا ترى رجلا غيره....!! إنتهت شهور العدة ومع الأيام بدأت تفكر فى حديث الحريم عن رجل قد تجد فيه عوضا عن ما فقدت، يكون بجوارها ويؤانسها فى وحدتها،، والكثيرون يمنون النفس بالزواج منها، فهى أجمل النساء بالبلد وأغناهن جميعا، تقدم لها الكثيرين عزاب ومتزوجين وتوالى رفضها كبدايتها حين إختارت إبن عمها الخير،، وبما إن الزواج نصيب فقد فاجأت الجميع ووافقت بالزواج من ود الماحى الطمبراوى، تماما كما فاجأتهم حين قبلت بالخير الدعول من دونهم،، وطبع الناس لا يعجبهم العجب وإن إختارت أفضلهم...!! ود الماحى الطمبراوى لا شغل ولا مشغلة له وحين يأتى الليل يحمل طمبوره ويذهب فوق القوز يطمبر ويغنى والصبيان وأصحابه ناس ود محجوب وود القاضى والتلب منبحطين على الرمال بظهورهم يتسامرون ويقهقهون طوال الليل،، ست أبوها كانت تسمع غناه وهى على سريرها فى بيتها الذى لا يبعد كثيرا من قوز الرمال.
-3-
تزوجته وكانت تمنى النفس بأن تعدل حاله مثل الخير ولكنه كان من الشقاوة بحيث صعب الأمر عليها،، أرادت أن يؤنسها ويغنى لها بجوارها ولكنه كان يتعزر بأعزار حتى يفلت ويذهب إلى القوز حيث الشلة، وفى يوم أتاها مخمورا فجن جنونها وهددته إن كررها لن يحصل له خير ولم يكترث،، وعلى الفلس وعدم الشغلة التى عليه وحوجة شرب العرقى المر، ذهب ذات يوم إلى الزريبة وحمل خروفا إلى سوق أرقو، باعه وذهب إلى أرقو الشرقية فى حلة الجلابة وإشترى زجاجات من العرقى البكر، خبأ العرقى فى مكان ما ولكن أمر إختفاء الخروف إنكشف وكانت فضيحته بجلاجل فى البلد،، ولولا الأجاويد لما تخلت ست أبوها من الطلاق الذى كانت مصرة عليه،، لكنها ندبت حظها العاثر فيه وتغير حالها منه،، وكل ما يغنى ويطمبر فوق القوز يأتيها صوته إلى مسمع أزنيها،، وفى يوم قطع أغنية فى أمونة البنت الجميلة التى تزوجت بالبلد وحملها زوجها إلى الخرطوم مقر عمله فسمعته يردد:
أمونة سافرتى والبلد صبحت غباش
يا الرايقة يا الزينة القدر بالبعد حاش
يا رب تقدرنا وتصبرنا تلهمنا المعاش
سمعت غناه وجن جنونها وهى تتلوى وحيدة فى سريرها وحلفت اليمين تانى ما يكون ليها راجل،، فقامت من سريرها وحملت عود خشب، غرزته على الأرض وركزته على باب الحوش من الداخل، وقفلت الباب بالكشر جيدا حتى لا يستطيع الدخول،، وعندما عاد أصبح يطرق فى الباب ولاحياة لمن تنادى، هدد بالقفز من الحائط وهنا أتته وهى تصيح فيه،، أمشى نوم مع أمونة جاى ليه هنا،، فعرف إنها سمعته وأخذ يتوسل، لكنها قالت له أمشى نوم فوق القوز وأتوسد طمبورك لو ينفعك، وإنت عمرك تانى ما بتكون لى راجل والصباح تمشى المازون تجيب لى ورقتى ودى البينى وبينك......!!! فأخذ يرعد ويذبد وذهب إلى القوز لينام متوسدا طمبوره،، عند الفجر صعقه البرد فعرف إنها سوف تخرج إلى الزريبة،، وعندما رآها من بعيد تسلل إلى الداخل، أتت ولم تكترث به كثيرا، وعملت الشاى وقدمت له كعادتها،، وتركته لترتب بيتها،، فأتى إليها معتزرا متوسلا لكنها كانت وقد حسمت أمرها وطالبته بالورقة،، فجن جنونه وقال لها: نجوم السماء أقرب لك، وهنا إستفزاها حديثه،، قالت له همبولك يا الما بتشبه الرجال إنت..!! وهنا رد عليها: يعنى "الدعول" بتاعك كان شبه الرجال...؟؟ تستحمل كل شىء ولا يهين زوجها وأبو أولادها المتوفى فى تربته...؟؟ قالت له إنت يا كلب ما بتسوى ظفره، أنا إن ما قمت دخلت الحلة بيت بيت وكلمت الحريم إنك ما راجل وما فيك شىء ما أبقى ستك يا أبوى.....؟؟؟ وتانى خلى راجل يديك بنته والله بنت ناس تعرسك....!! وهنا إنخلع من جديتها وغضبها الشديد فأتى وبرك بين ركبتيها يتوسل بأن تسامحه وهو على إستعداد بأن يذهب للمازون ويحضر الورقة،،، وقد كان لها ما أرادت وحلت نفسها من ود الماحى الطمبراوى.
أخذت ست أبوها تندب حظها العاثر فى ود الماحى وتتذكر زوجها الخير الفنجرى وتسخط وتشمت فى حريم البلد بما كن يسمينه بالدعول وهى تردد: قالن الدعول قالن....!! الله يدوعلكن يا كلابات هسى كان ضقتن خدمته فى السرير كان طردتن رجالكن المدوعلين ديل......!!!
-4-
بعد زواجها وطلاقها من ود الماحى الذى لم يدم أكثر من سنة توالى العرسان الذين يطلبون يدها من جديد، وقد تزوجت من ود الشريف الذى يعمل بالخرطوم ولكن شرط موافقتها كان أن يعيش معها بالبلد ومساعدتها فى شؤون الحقول والنخيل، قبل بشرطها وتزوجها وبعد عام أصبح الرجل يتململ من البلد ويطالبها ببيع ممتلكاتها والسفر معه للخرطوم وشراء بيت هناك،، فما كان منها إلا وأن أحضرت رجال البلد فى مجلس وأجبروه على أن يطلقها بينهم نظير طمعه فى مالها ومال أولادها،، طلقها وهج من البلد بعد معايرة الناس له، بعده كان زوجها الرابع سعد ود صالح وهو يقرب إلى أمها لكن زواجها منه أيضا لم يدم طويلا لأنه كان كسولا وكثير الكلام ويحب الجلوس والونسة مع النسوان،، فلم تطيقه وطلقته بعد سنتين من الزواج، بعدها زهدت ست أبوها فى الرجال لأنها لم تجد فيهم ما يعوضها عن الخير إبن عمها فهو الوحيد الذى ظلت تذكره بالخير إلى آخر أيامها، بعد 3 سنوات أتى إلى البلد الأسطى عثمان الشايقى الذى يبنى بيوت الجالوص، فأوكلت له بناء بيت لإبنتها البكر نوال بجوار بيتها وكانت مقبلة على الزواج،، وخلال فترة بناء البيت تقرب إليها عثمان وعرف كل شىء عنها وما تملك فأراد الزواج منها،، محدثا أياها بأنه من نورى فى الشايقية وأن زوجته طالبته بالطلاق لأنهم لم ينجبوا لمدة 8 أعوام من زواجهما،، ولما أصر أهلها على الطلاق طلقها وهج من البلد إلى ريفى أرقو،، ست أبوها ما كانت تريد عيالا بقدر ما كانت تريد رجلا يبفى بجوارها ويؤانس وحدتها،، فوجدت فى عثمان الرجل الشهم الذى تريده،، ولأنه وعدها بأن يبقى بالبلد إلى جوارها وافقت عليه وتم الزواج،، ولكن بمرور الأيام تغير حاله وشكت فى أنه قد يكون متزوجا وكذب عليها،، سايرتها الشكوك فقررت أن تذهب إلى نورى حتى تطمئن بنفسها، قالت له بأنها ذاهبة إلى سالى جنوب دنقلا لحضور مناسبة زواج لأحد أقربائها وسوف تأخذ 3 أيام وعليه مراعاة الزراعات والنخيل وأولادها، وذهبت برفقة إثنين من نسوان البلد إلى بلدة نورى فى الشايقية، وعندما سألن عنه كانت المفاجأة التى فقرت فاهها بأن الشايقى متزوج وله أطفال صغار،، فما كان من ست أبوها إلا وتمالكت نفسها وذهبت إلى داره لتسلم على أولاده وزوجته وأعطتهم فلوسا دون أن تخبرهم بأى شىء،، عادت إلى البلد وأخبرته بأن يطلقها من سكات ويذهب إلى أولاده وإلا سوف تجمع رجال البلد ويعملوا له مجلسا،، فطلقها بإحسان وهج من البلد كغيره وقد أعطته نصيبا من المال وراح فى حال سبيله..
ست أبوها إمرأة كريمة وحنينة وتحب الناس والخير لهم،، وحين توفت زوجة ود على وتركت له أطفالا صغارا تكفلت برعايتهم وبكل متطلباتهم، الشىء الذى جعل ود على يطلب يدها حتى يكون اولاده فى مأمن، ولم تخيب ظنه فيها وتزوجته وقد كان يصغرها عمرا،، فوجدت فيه السعادة التى خاضت التجربة لتجدها بعبور 4 زيجات فاشة قبله، عاشت معه 6 سنوات جميلة ذكرتها بأيامها الأولى مع زوجها الخير،، ولأن الحلو لا يكمل أبدا فقد مات عنها ود على كما مات ود عمها الخير، ذهب إلى الخرطوم لرؤية أخته وهناك توفى فى حادث حركة أليم، تاركا أولاده من ورائه لست أبوها لتكمل مشوار تربيتهم ورعايتهم فى غياب أبويهم.
-5-
بالرغم من جمالها وطيبتها إلا أنها لم تجد السعادة التى كانت تتمناها بزواج مستقر يدوم، فتخبطت فى زيجات كثيرة فاشلة، وما نجح منها لم يكتب لها الإستمرار طويلا، ولكن بالرغم من كل ذلك كانت ست أبوها إمراة بوزن الرجال، إمرأة واصلة بنفسها وخيرها سابق، كانت تعتبر كل أهل البلد من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها أهلها المقربين، وكل ما يحدث فرح فى البلد كانت ترسل جوالا من الدقيق وخروفا لأهل الفرح مشاركة منها زيادة على المال الذى كانت تساهم به، وكذلك فى المآتم والملمات الأخرى ولذلك أحترمها الرجال قبل النساء فى البلد،، فهى صاحبة الفرح إن كان زواجا أو طهور وصاحبة المأتم إن رحل واحدا من أهل البلد،، تجد النساء يباركون لها متجمعات حولها كصاحبة أولى للفرح،، وفى المآتم يبكين معها كأهل الميت وأكثر والمرأة التى لا تبكى معها فهى لم تكن زولتها،، فتراها تبكى مع واحدة وبعيونها تلاحظ الأخريات إن هن يمنحن ويبكين بصدق ودموع حقيقية،، والتى لا تحضر لتعزيتها والبكاء معها تصبح خصيمتها، لذلك كانت النساء تسأل أولا إن كان الميت يقرب إلى ست أبوها وكل ذلك خوفا منها ومن لومها، وما كان يطهر طفل ويتحنن ولد أو تتجرتق عروس قبل حضورها وسماع زغرودتها، وما كانت جنازة تحمل إلى المقابر قبل أن تكون شاهدة على الوداع الأبدى،، كانت إمراة خير واصلة للجميع،، تركب حمارتها البيضاء وتجلس على سرجها وتتفقد الناس والأهل شرقا وغربا، شمالا وجنوبا،، إمرأة باسمة ضاحكة بوجهها الملائكى الصبوح،، أحبت أهل البلد فأحبوها وسعدوا بها، إنها ست أبوها بت الزين ود حمد وست البلد كلها.
ورث على والزين ود حمد نخيلا وأطيانا كثيرة عن أبيهما، لكنهما لم ينعما بكثرة الخلفة من الأولاد، حيث لم يكتب الله الحياة لأبناء على من زوجته بخيتة بت الحسن فتوفى لهما بنتان وولدان بعد شهور من ولادتهم ، ولم يبقى لهما سوى الإبن البكر الخير، أما الزين الذى يصغر أخاه ولسنين طويلة لم تنجب له العازة زوجته أبناء، ولأنه كان شديد الألتصاق بها لم يتزوج عليها أو يطلقها حتى شاء الله أن يمن عليهما بإبنة وحيدة فسماها والدها ست أبوها، كناية عن الحب والفرح الذى أتى بعد صبر السنوات.
أتت ست أبوها بعد ولادة إبن عمها الخير ود على بعشر سنوات فنشأت فى دلال وعناية والديها، بينما كبر الخير وكأنه من أولياء الله الصالحين، لا يعرف شيئا وليس به سوى عقل طفل صغير، طويل القامة نحيلا فى جسمه لكنه قوى البنيان، لا يكترث بهندامه ولا بشىء سوى ما يمليه عليه عقله، فتجده وسط الزراعات مع والده وعمه يطارد العصافير والجراد ولا يكترث بما يعملون إلا حين يدلونه على ماذا يفعل فتراه وقد شمر عن ساعده بجد ونشاط،، معجب بالفتيات حد الصراخ بأعلى صوته حين يراهن فى الحقل بجواره، ولا يتوانى فى خدمتهن وحمل القش على ظهره أو حماره عنهن وهن اللاتى أتين إلى حقل والده،، وكلما تعلق بفتاه وأصبح يردد اسمها ليل نهار يأتيها النصيب بعريس غيره ليفوز بها ثم يبدأ قصته مع فتاة غيرها وكل الفتيات وأمهاتهن لا يرغبن فيه،وسمينه "الدعول" حتى أصبح الإسم صفة تلازمه، وكلما تعلق قلبه بواحدة تشيع الفتيات والحريم فيما بيهن الخبر، ويقولن "الدعول" إتعلق بى فلانة هسى بجيها عريس البخط...!! يضحكن مما يقول ويعتبرنه جالب الخير والسعد لبنات البلد.....!!!
كبرت ست أبوها وإزدادت حسنا وجمالا بلونها الفاقع البياض وعيونها الواسعة الجميلة وكثر الخطاب وكل شاب بالبلد يمنى النفس بالفوز بها وحتى النساء يرغبن فى نسابة أمها العازة،، لكن ست أبوها كان لها رأى آخر إذ رفضت كل من تقدم طالبا يدها من أبيها وكانت تراقب معاناة إبن عمها الخير وما يفعلنه به فتيات البلد وهى الوحيدة التى كانت تشفق لحاله وبهمة تجد فى توجيهه ومعاتبته بما يفعله دون ان يهتم به أحد، لذلك كان يحترمها ويعمل لها ألف حساب، يترك مجلسه قرابة النسوان إن رآها قادمة وإن كانت معه بالحقل لا يكترث بغيرها ويصبح كالحمل الوديع، و تحول واقع الشفقة والإهتمام من ست أبوها نحوه إلى حب رأت فيه قد يكون رجلا للزواج وليس فيه ما يعيبه ولا تنقصه الوسامة إن بدأ فى هيبة رجل بزينته، أحبته وقد شعر بأهتمامها نحوه وأصبح لايرى غيرها،، وقد لاحظت العازة اهتمام ابنتها به وكذلك بخيتة بت الحسن امه،،ولما كانت ست أبوها ترفض كل من يتقدم لها ورغبتها فى الزواج بأبن عمها الوحيد، باركت أمها ما رغبت فيه إبنتها وكذلك أبيها الذى يحبها خاصة وقد توفى أخوه الأكبر والد الخير وأصبح هو وأمه فى رعايته،، إنتشر خبر زواج الخير من ست أبوها فى البلد كالهشيم بين مصدق وغير مصدق،، والحريم والفتيات يتناقلن الخبر من بيت إلى بيت ويستغربن إذ كيف ترفض ست أبوها أجمل بت فى البلد كل الخطاب وتعرس الدعول...؟ غير أن تجهيزات العرس كانت تسير على ما أرادت ست أبوها فتم تشليخها ودق شلوفتها وتجهيز حال العريس.
تم العرس ونحرت له العجول والشياه وقد كان فرحا كبيرا عمه أهل القرى جميعا فى ريفى أرقو، فأولاود ود حمد لهم وضعهم ومكانتهم بين الناس، ومن فى الريف الشمالى لا يعرف الخير الدعول أو سمع به.؟
-2-
إستقلت ست أبوها وزوجها ببيتهما المجاور لأبيها وواصلت هى والخير متابعة شؤون الحقول والنخيل مع أبيها ووالدتيهما وقد إعتنت بالخير وجعلت منه رجلا له مركزه بين الناس حتى لقبه الذين كانوا يسمونه بالدعول "بالفنجرى" راجل الست ، تراه وهو راكبا حماره الأبيض المزين على سرج جديد بمخلاية وجلابية بيضاء وعمة ومركوب لامع لكأنه المفتش أو العمدة فى زمانه، وراهنت ست أبوها أن تجعل منه الرجل الأكثر حسنا بمظهره مكاواة لفتيات وحريم البلد لإهانتهن لأبن عمها الوحيد،، وجدت فيه رجلا مطيعا سهل التعامل وذو قلب كبير، أحبته وإهتمت به كثيرا فأحبها الخير وإلتصق بجانبها،، قالت له ذات مرة تعال أحدثك كلام يا ود عمى: الراجل بعد ما يعرس تانى سكته بتبقى واحدة بس.!! سألها الخير: أى سكة يا بت عمى..؟ قالت: الراجل بعد العرس لازم يتغذى كويس، يأكل حمام ودجاج وعسل ويشرب شوربات ولبن وعصائر ويكون فى سريره من بدرى عشان يونس مرته وتونسه وما يحوم بالليل...!! ها ها هها هههههاى يضحك مفنقلا رأسه إلى أعلى حتى سال لعابه، ضحك الخير بصوت جهورى كدحش أهوج إشتم رائحة دحشه حواليه، ثم أردف قائلا: كلامك صاح يا بت عمى أنا زاتى بحب السكة دى و تانى ما بعوج دربى من سريرى تب، والله إنت ست أبوك وستى أنا وست البلد كلها..!! تنبسط من رده فتقول: الله يخليك لى يا ود عمى الماعندى غيرك، ثم يقول كلامك حلو يا ست البلد، تونسينى وأونسك، تريحينى وأريحك،، تتبسم وتضحك ست أبوها من كلامه وتقول: إنت ما ياكا السمح والخير كله يا ود عمى إنت........!!
رحل الزين والد ست أبوها وبخيتة أم الخير فورثا كل الأطيان والنخيل، والحياة تمر بهما رزقا ببنتين وولد فأزدادا أكثر حبا وقربا من بعضهما ورعاية لأطفالهما، وهما فى هذا الهناء أرادت مشيئة الله أن تأخذ من ست أبوها زوجها الذى أحبته ولم يشغل قلبها رجلا غيره، رحل عنها الخير دون أسباب مرضيه ظاهرة عليه، فقد ألم به صداع مزمن يوما ولما لم يفارقه الألم حملته بالإسعاف ألى مستشفى البرقيق فقضى نحبه فيه ما بين مصدق وغير مصدق من هول المصاب والموت الفجائى،، حمل إلى البلد وورى جسده فيها إلى جوار والديه وعمه الزين،، من هول الصدمة بكته ست أبوها بكاءا مرا أشفق عليها كل أهل البلد،، صغيرة فى شبابها وقد رحل عنها والد أطفالها الذى فضلت عليه الجميع،، وطيلة شهور العدة لم يفارقها لحظة واحدة وقد ظلت تذكر محاسنه لكل من حولها،، وعندما تحدثها النساء بأن الله سيعوضها ما كن يجدن منها سوى الزجر وهى التى لا ترى رجلا غيره....!! إنتهت شهور العدة ومع الأيام بدأت تفكر فى حديث الحريم عن رجل قد تجد فيه عوضا عن ما فقدت، يكون بجوارها ويؤانسها فى وحدتها،، والكثيرون يمنون النفس بالزواج منها، فهى أجمل النساء بالبلد وأغناهن جميعا، تقدم لها الكثيرين عزاب ومتزوجين وتوالى رفضها كبدايتها حين إختارت إبن عمها الخير،، وبما إن الزواج نصيب فقد فاجأت الجميع ووافقت بالزواج من ود الماحى الطمبراوى، تماما كما فاجأتهم حين قبلت بالخير الدعول من دونهم،، وطبع الناس لا يعجبهم العجب وإن إختارت أفضلهم...!! ود الماحى الطمبراوى لا شغل ولا مشغلة له وحين يأتى الليل يحمل طمبوره ويذهب فوق القوز يطمبر ويغنى والصبيان وأصحابه ناس ود محجوب وود القاضى والتلب منبحطين على الرمال بظهورهم يتسامرون ويقهقهون طوال الليل،، ست أبوها كانت تسمع غناه وهى على سريرها فى بيتها الذى لا يبعد كثيرا من قوز الرمال.
-3-
تزوجته وكانت تمنى النفس بأن تعدل حاله مثل الخير ولكنه كان من الشقاوة بحيث صعب الأمر عليها،، أرادت أن يؤنسها ويغنى لها بجوارها ولكنه كان يتعزر بأعزار حتى يفلت ويذهب إلى القوز حيث الشلة، وفى يوم أتاها مخمورا فجن جنونها وهددته إن كررها لن يحصل له خير ولم يكترث،، وعلى الفلس وعدم الشغلة التى عليه وحوجة شرب العرقى المر، ذهب ذات يوم إلى الزريبة وحمل خروفا إلى سوق أرقو، باعه وذهب إلى أرقو الشرقية فى حلة الجلابة وإشترى زجاجات من العرقى البكر، خبأ العرقى فى مكان ما ولكن أمر إختفاء الخروف إنكشف وكانت فضيحته بجلاجل فى البلد،، ولولا الأجاويد لما تخلت ست أبوها من الطلاق الذى كانت مصرة عليه،، لكنها ندبت حظها العاثر فيه وتغير حالها منه،، وكل ما يغنى ويطمبر فوق القوز يأتيها صوته إلى مسمع أزنيها،، وفى يوم قطع أغنية فى أمونة البنت الجميلة التى تزوجت بالبلد وحملها زوجها إلى الخرطوم مقر عمله فسمعته يردد:
أمونة سافرتى والبلد صبحت غباش
يا الرايقة يا الزينة القدر بالبعد حاش
يا رب تقدرنا وتصبرنا تلهمنا المعاش
سمعت غناه وجن جنونها وهى تتلوى وحيدة فى سريرها وحلفت اليمين تانى ما يكون ليها راجل،، فقامت من سريرها وحملت عود خشب، غرزته على الأرض وركزته على باب الحوش من الداخل، وقفلت الباب بالكشر جيدا حتى لا يستطيع الدخول،، وعندما عاد أصبح يطرق فى الباب ولاحياة لمن تنادى، هدد بالقفز من الحائط وهنا أتته وهى تصيح فيه،، أمشى نوم مع أمونة جاى ليه هنا،، فعرف إنها سمعته وأخذ يتوسل، لكنها قالت له أمشى نوم فوق القوز وأتوسد طمبورك لو ينفعك، وإنت عمرك تانى ما بتكون لى راجل والصباح تمشى المازون تجيب لى ورقتى ودى البينى وبينك......!!! فأخذ يرعد ويذبد وذهب إلى القوز لينام متوسدا طمبوره،، عند الفجر صعقه البرد فعرف إنها سوف تخرج إلى الزريبة،، وعندما رآها من بعيد تسلل إلى الداخل، أتت ولم تكترث به كثيرا، وعملت الشاى وقدمت له كعادتها،، وتركته لترتب بيتها،، فأتى إليها معتزرا متوسلا لكنها كانت وقد حسمت أمرها وطالبته بالورقة،، فجن جنونه وقال لها: نجوم السماء أقرب لك، وهنا إستفزاها حديثه،، قالت له همبولك يا الما بتشبه الرجال إنت..!! وهنا رد عليها: يعنى "الدعول" بتاعك كان شبه الرجال...؟؟ تستحمل كل شىء ولا يهين زوجها وأبو أولادها المتوفى فى تربته...؟؟ قالت له إنت يا كلب ما بتسوى ظفره، أنا إن ما قمت دخلت الحلة بيت بيت وكلمت الحريم إنك ما راجل وما فيك شىء ما أبقى ستك يا أبوى.....؟؟؟ وتانى خلى راجل يديك بنته والله بنت ناس تعرسك....!! وهنا إنخلع من جديتها وغضبها الشديد فأتى وبرك بين ركبتيها يتوسل بأن تسامحه وهو على إستعداد بأن يذهب للمازون ويحضر الورقة،،، وقد كان لها ما أرادت وحلت نفسها من ود الماحى الطمبراوى.
أخذت ست أبوها تندب حظها العاثر فى ود الماحى وتتذكر زوجها الخير الفنجرى وتسخط وتشمت فى حريم البلد بما كن يسمينه بالدعول وهى تردد: قالن الدعول قالن....!! الله يدوعلكن يا كلابات هسى كان ضقتن خدمته فى السرير كان طردتن رجالكن المدوعلين ديل......!!!
-4-
بعد زواجها وطلاقها من ود الماحى الذى لم يدم أكثر من سنة توالى العرسان الذين يطلبون يدها من جديد، وقد تزوجت من ود الشريف الذى يعمل بالخرطوم ولكن شرط موافقتها كان أن يعيش معها بالبلد ومساعدتها فى شؤون الحقول والنخيل، قبل بشرطها وتزوجها وبعد عام أصبح الرجل يتململ من البلد ويطالبها ببيع ممتلكاتها والسفر معه للخرطوم وشراء بيت هناك،، فما كان منها إلا وأن أحضرت رجال البلد فى مجلس وأجبروه على أن يطلقها بينهم نظير طمعه فى مالها ومال أولادها،، طلقها وهج من البلد بعد معايرة الناس له، بعده كان زوجها الرابع سعد ود صالح وهو يقرب إلى أمها لكن زواجها منه أيضا لم يدم طويلا لأنه كان كسولا وكثير الكلام ويحب الجلوس والونسة مع النسوان،، فلم تطيقه وطلقته بعد سنتين من الزواج، بعدها زهدت ست أبوها فى الرجال لأنها لم تجد فيهم ما يعوضها عن الخير إبن عمها فهو الوحيد الذى ظلت تذكره بالخير إلى آخر أيامها، بعد 3 سنوات أتى إلى البلد الأسطى عثمان الشايقى الذى يبنى بيوت الجالوص، فأوكلت له بناء بيت لإبنتها البكر نوال بجوار بيتها وكانت مقبلة على الزواج،، وخلال فترة بناء البيت تقرب إليها عثمان وعرف كل شىء عنها وما تملك فأراد الزواج منها،، محدثا أياها بأنه من نورى فى الشايقية وأن زوجته طالبته بالطلاق لأنهم لم ينجبوا لمدة 8 أعوام من زواجهما،، ولما أصر أهلها على الطلاق طلقها وهج من البلد إلى ريفى أرقو،، ست أبوها ما كانت تريد عيالا بقدر ما كانت تريد رجلا يبفى بجوارها ويؤانس وحدتها،، فوجدت فى عثمان الرجل الشهم الذى تريده،، ولأنه وعدها بأن يبقى بالبلد إلى جوارها وافقت عليه وتم الزواج،، ولكن بمرور الأيام تغير حاله وشكت فى أنه قد يكون متزوجا وكذب عليها،، سايرتها الشكوك فقررت أن تذهب إلى نورى حتى تطمئن بنفسها، قالت له بأنها ذاهبة إلى سالى جنوب دنقلا لحضور مناسبة زواج لأحد أقربائها وسوف تأخذ 3 أيام وعليه مراعاة الزراعات والنخيل وأولادها، وذهبت برفقة إثنين من نسوان البلد إلى بلدة نورى فى الشايقية، وعندما سألن عنه كانت المفاجأة التى فقرت فاهها بأن الشايقى متزوج وله أطفال صغار،، فما كان من ست أبوها إلا وتمالكت نفسها وذهبت إلى داره لتسلم على أولاده وزوجته وأعطتهم فلوسا دون أن تخبرهم بأى شىء،، عادت إلى البلد وأخبرته بأن يطلقها من سكات ويذهب إلى أولاده وإلا سوف تجمع رجال البلد ويعملوا له مجلسا،، فطلقها بإحسان وهج من البلد كغيره وقد أعطته نصيبا من المال وراح فى حال سبيله..
ست أبوها إمرأة كريمة وحنينة وتحب الناس والخير لهم،، وحين توفت زوجة ود على وتركت له أطفالا صغارا تكفلت برعايتهم وبكل متطلباتهم، الشىء الذى جعل ود على يطلب يدها حتى يكون اولاده فى مأمن، ولم تخيب ظنه فيها وتزوجته وقد كان يصغرها عمرا،، فوجدت فيه السعادة التى خاضت التجربة لتجدها بعبور 4 زيجات فاشة قبله، عاشت معه 6 سنوات جميلة ذكرتها بأيامها الأولى مع زوجها الخير،، ولأن الحلو لا يكمل أبدا فقد مات عنها ود على كما مات ود عمها الخير، ذهب إلى الخرطوم لرؤية أخته وهناك توفى فى حادث حركة أليم، تاركا أولاده من ورائه لست أبوها لتكمل مشوار تربيتهم ورعايتهم فى غياب أبويهم.
-5-
بالرغم من جمالها وطيبتها إلا أنها لم تجد السعادة التى كانت تتمناها بزواج مستقر يدوم، فتخبطت فى زيجات كثيرة فاشلة، وما نجح منها لم يكتب لها الإستمرار طويلا، ولكن بالرغم من كل ذلك كانت ست أبوها إمراة بوزن الرجال، إمرأة واصلة بنفسها وخيرها سابق، كانت تعتبر كل أهل البلد من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها أهلها المقربين، وكل ما يحدث فرح فى البلد كانت ترسل جوالا من الدقيق وخروفا لأهل الفرح مشاركة منها زيادة على المال الذى كانت تساهم به، وكذلك فى المآتم والملمات الأخرى ولذلك أحترمها الرجال قبل النساء فى البلد،، فهى صاحبة الفرح إن كان زواجا أو طهور وصاحبة المأتم إن رحل واحدا من أهل البلد،، تجد النساء يباركون لها متجمعات حولها كصاحبة أولى للفرح،، وفى المآتم يبكين معها كأهل الميت وأكثر والمرأة التى لا تبكى معها فهى لم تكن زولتها،، فتراها تبكى مع واحدة وبعيونها تلاحظ الأخريات إن هن يمنحن ويبكين بصدق ودموع حقيقية،، والتى لا تحضر لتعزيتها والبكاء معها تصبح خصيمتها، لذلك كانت النساء تسأل أولا إن كان الميت يقرب إلى ست أبوها وكل ذلك خوفا منها ومن لومها، وما كان يطهر طفل ويتحنن ولد أو تتجرتق عروس قبل حضورها وسماع زغرودتها، وما كانت جنازة تحمل إلى المقابر قبل أن تكون شاهدة على الوداع الأبدى،، كانت إمراة خير واصلة للجميع،، تركب حمارتها البيضاء وتجلس على سرجها وتتفقد الناس والأهل شرقا وغربا، شمالا وجنوبا،، إمرأة باسمة ضاحكة بوجهها الملائكى الصبوح،، أحبت أهل البلد فأحبوها وسعدوا بها، إنها ست أبوها بت الزين ود حمد وست البلد كلها.