لبست قشابتي البيضاء لتخفي ملابسي الداخلية الفضفاضة التي تخفي سلاحي، وخرجت متوكئا على عصاي متوجها إلى المسجد قبل أذان الظهر، بعد أن توضأت؛ وقد حرصت على أن لا تشوب طهارتي شائبة، لذا، توضأت أكثر من مرة لأقطع الشك باليقين، وحتى لا يأتيني الريب وأنا أصلي؛ ليس ذلك دليل هوس، أو انشغال مرضي بالتهطر، بل هو حرص مني على الوقوف أمام الرب نقي الروح والثياب. ثم ن ذاكرتي مخرومة، تتلاعب بي أحيانا، فتوهمني بأشياء وقعت لي وما وقعت البتة، وحرصا مني على ألا أكون لها ضحية، أتعمد التكرار ليترسخ اليقين. سرت بتؤدة والشمس عمودية تسلط أشعتها الحارة على قنة رأسي، فتجعل دماغي يغلي، وحين وصلت، جلست على عتبة المسجد في انتظار المؤذن. لحظتها رأيت شابا يعانق شابة فيما يشبه الانصهار، كطائرين فوق فنن راقص. أصبت بغيرة حادة منه، وتخيلتني أزحزحه عن موضعه، وأجلس مكانه، أمسك بيدي الحسناء برقة، وأكلمها شعرا عذبا يذيب القلب؛ فأنا أمتلك موهبة القول، لكن الفتيات ما امتلكن رفعة الإنصات، فتعذبت كثيرا، فما وجدت قبولا لدى أي واحدة، رغم أني لست دميما، بل مليحا كنت. سأسمعها أعذب ما يتغنى به من حب، سأكتب لها أجمل الكلمات، لكنني عدت إلى رشدي، فأنا شيخ بلغ السبعينيات، وليس من حقي التصابي
أدمنت وأنا شاب، مفعم بالحيوية، متفجر الطاقة، الجلوس بمحطة القطار، أنتظر القادمين، وحين أبصر فتاة مبتسمة تسير باتجاهي، أنهض بتلقائية، وأفتح ذراعي بعفوية، تخترقني وتمضي، غير عابئة بدمع القلب، أنظر إلى الخلف لأجدها محلقة بفرحة لقاء حبيبها، تعانقه بحرارة، ويتبادلان القبل. بعد أن راكمت ما يكفي من مرارة.
قررت، مرة، أن أكون وقحا، وسافلا، ومنحطا، فنفسي الخائبة صارت كسكينة من الحقد ماضية:
اتجهت صوب محطة الحافلات، فقد ألتقي بشابة ضالة كما حصل لأمثالي؛ فقد حكى لي أصدقائي عن مغامراتهم انطلاقا من هذا المكان، يستفردون بالفتيات الهاربات من منازلهن لسبب ما؛ فاقتنعت، وآمنت به مخيلتي.
تحقق مرادي لما أبصرت فتاة وقت الغروب ترتدي جلبابا سماويا، وتضع منديلا على رأسها، تنزل من الحافلة بقدمين مترددتين، وبنظرات زائغة، أخبرني قلبي أنها وحيدة وغريبة عن المدينة، دنوت منها بخطا واثقة، ومددت لها يد المساعدة بابتسامة ماكرة، لم أكن ماكرا، ولا أظن نفسي ماكرا، لكن الظروف تصنع من المحروم ذئبا:
هل تعرف هذا العنوان؟
بالطبع، وقدتها باتجاه مكان خال؛ ربما غابة الشباب، ربما جانب حائط متهدم من حيطان صهريج السواني، وربما في مكان آخر، لا أتذكر؛ كثيرا ما يحدث لي حتى أظنني واهما. توسلت إلى أن أرحمها؛ وهي التي فرت من قسوة أهلها عليها، ولما بكت، صارت دموعها مقص ختان للرغبة، قلت لها:
البسي ثيابك
ولبست نبلي.
ناديت سيارة أجرة، وطلبت من سائقها أن يتوجه بها إلى العنوان الذي بيدها. ركبت غير مصدقة لتسارع الأحداث. بشكل عجيب، وغير منتظر. ترجلت، وقبلتني بحرارة، أمام أنظار السائق المستغربة، نفذت الحرارة إلى داخلي، رجتني رجا، وبللتني. وقبل أن تنطلق السيارة، خفضت زجاج النافذة، وأطلت برأسها، قائلة:
سألتقيك!
لا تعرف اسمي، ولا أعرف اسمها، ولست متيقنا مما جرى، وما تواعدنا، فكيف سنلتقي؟
. لن أصرخ في وجههما: اللهم إن هذا منكر، لأخفي كبتي وحرماني، بإمطار العاشقين بوابل من سخط سكن الفؤاد جراء قحولة القلب من رواء الحب، لن أقف فوق المنبر، مثل هذا الخطيب الذي تحدث صارخا واللعاب يتطاير من فمه الأدرد: القيم في خطر، واللعنات تصب علينا جما، ها أنتم ترون أن المطر قد حبس عنا، وأن الخير قد فارقنا، وما كل هذا إلا بفعل خروج المرأة سافرة، إنها أس البلاء ومصدر البلية...
سأقول عند كل سجدة: اللهم اسق قلوب عبادك بالحب.
أدمنت وأنا شاب، مفعم بالحيوية، متفجر الطاقة، الجلوس بمحطة القطار، أنتظر القادمين، وحين أبصر فتاة مبتسمة تسير باتجاهي، أنهض بتلقائية، وأفتح ذراعي بعفوية، تخترقني وتمضي، غير عابئة بدمع القلب، أنظر إلى الخلف لأجدها محلقة بفرحة لقاء حبيبها، تعانقه بحرارة، ويتبادلان القبل. بعد أن راكمت ما يكفي من مرارة.
قررت، مرة، أن أكون وقحا، وسافلا، ومنحطا، فنفسي الخائبة صارت كسكينة من الحقد ماضية:
اتجهت صوب محطة الحافلات، فقد ألتقي بشابة ضالة كما حصل لأمثالي؛ فقد حكى لي أصدقائي عن مغامراتهم انطلاقا من هذا المكان، يستفردون بالفتيات الهاربات من منازلهن لسبب ما؛ فاقتنعت، وآمنت به مخيلتي.
تحقق مرادي لما أبصرت فتاة وقت الغروب ترتدي جلبابا سماويا، وتضع منديلا على رأسها، تنزل من الحافلة بقدمين مترددتين، وبنظرات زائغة، أخبرني قلبي أنها وحيدة وغريبة عن المدينة، دنوت منها بخطا واثقة، ومددت لها يد المساعدة بابتسامة ماكرة، لم أكن ماكرا، ولا أظن نفسي ماكرا، لكن الظروف تصنع من المحروم ذئبا:
هل تعرف هذا العنوان؟
بالطبع، وقدتها باتجاه مكان خال؛ ربما غابة الشباب، ربما جانب حائط متهدم من حيطان صهريج السواني، وربما في مكان آخر، لا أتذكر؛ كثيرا ما يحدث لي حتى أظنني واهما. توسلت إلى أن أرحمها؛ وهي التي فرت من قسوة أهلها عليها، ولما بكت، صارت دموعها مقص ختان للرغبة، قلت لها:
البسي ثيابك
ولبست نبلي.
ناديت سيارة أجرة، وطلبت من سائقها أن يتوجه بها إلى العنوان الذي بيدها. ركبت غير مصدقة لتسارع الأحداث. بشكل عجيب، وغير منتظر. ترجلت، وقبلتني بحرارة، أمام أنظار السائق المستغربة، نفذت الحرارة إلى داخلي، رجتني رجا، وبللتني. وقبل أن تنطلق السيارة، خفضت زجاج النافذة، وأطلت برأسها، قائلة:
سألتقيك!
لا تعرف اسمي، ولا أعرف اسمها، ولست متيقنا مما جرى، وما تواعدنا، فكيف سنلتقي؟
. لن أصرخ في وجههما: اللهم إن هذا منكر، لأخفي كبتي وحرماني، بإمطار العاشقين بوابل من سخط سكن الفؤاد جراء قحولة القلب من رواء الحب، لن أقف فوق المنبر، مثل هذا الخطيب الذي تحدث صارخا واللعاب يتطاير من فمه الأدرد: القيم في خطر، واللعنات تصب علينا جما، ها أنتم ترون أن المطر قد حبس عنا، وأن الخير قد فارقنا، وما كل هذا إلا بفعل خروج المرأة سافرة، إنها أس البلاء ومصدر البلية...
سأقول عند كل سجدة: اللهم اسق قلوب عبادك بالحب.