رسائل الأدباء رسالة من عبدالرحيم أبو ذكرى إلى كمال الجزولي

منتصف يونيو 1970م.

[كييف 101
شارع لومونوصوفا 32
المسكن الطلابى 10 الغرفة 55

الأخ كمال:
رغم المشاكل الكثيرة التى تواجهها ورغم الامتحانات الا أننى أكتب لك هذا الخطاب لعله يخفف عنى قليلا. أنا الآن بالمستشفى بجامعة الصداقة مريض أخرج إن شاء الله بعد اسبوعين والمرض ليس مرضا خطيرا ولكنه مجرد ارهاق عصبى ولكن القصة مش هنا. القصة أن هذا المرض اللعين المسمى بالارهاق العصبى كان فى الاول نادرا ثم اصبح يكثر الزيارت "وينشك على روحى أوتاد وأخيرا لازمنى لا يبرحنى الا ساعات الميلاد" (5) المصيبة أن السبب هو أنا فاننى اما لضعف فى الاعصاب واما لnepravelnoe predstavlenya (6) عن العالم (كلمتان مشطوبتان) لا أشعر بأى سعادة فى هذا العالم لا فى النساء ولا فى الضحكات الصافية ولا فى الصداقة ولا حتى فى الكتب. أجلس مع الناس فأشعر بالضيق أجلس وحدى فأشعر بالتعب أقرأ الكتب فأموت من الضجر والارهاق حالتى حالة دبشليم الذى "ينام مهموماً ويصحو متعباً" (7) إن كل شىء تصور يؤلمنى. أفكر (جدياً ـ مشطوبة) أحياناً فى ذلك الشىء المخيف الذى تحدث عنه مايكوفسكى فى وصيته فقال "لا أنصح أحدا باتباعه ولكن لا مخرج (غيره ـ مشطوبه) لى سواه" المشكلة يا كمال هكذا: إننى شخص طموح جدا وأشعر بقوة بأن لى مكانا خاليا فى الحياة ينتظرنى وأن هذا المكان لن يملأه أحـد غيرى فى (1) الشعر (كلمة مشطوبة) (2) والترجمة ولكن مع ذلك أغرق كل يوم فى تفاصيل الحياة التافهة. أمرض فى اليوم عشرة مرات كأنما خلقت هكذا وكأنما أنا مجبر أن أكون هكذا رغم ارادتى. أهرم واشيخ كل لحظة. أعصابى كأنها عاملة كبانية مجبرة أن (توصل ـ مشطوبة) "تستلم" كل الاشارات "وتوصلها" الى امكنتها دون أن يكون لها الخيار فى الرفض. جسمى النحيل قد يتحمل لسنوات ولكن لكم من السنوات؟!

لست ادرى لاى حد أنا مخطىء ولكن الحالة مع ذلك seryoznoe ( الان والـ facti astyoutsa factami (9) ليس عندى أى مخرج من هذا الحائط المغلق الاصم هل تتصور شخصاً يضيق بالحياة حتى أنه يفضل أن يكون وحيدا بلا أحد حوله؟ تلك هى حالتى خاصة أيام الارهاق العصبى هذه فزيادة عليها تأتى زوبعة الامتحانات وأكون أنا "كغردون" حين حاصر (هاء ـ مشطوبة) الدارويش قصره وقد حدث قبل يومين أن كنت فى أمتحان اللغة الروسية وأنا من خيرة الطلاب فى الفصل وقد كتبت suchinenya (10) قالت عنها الاستاذة أنها precrasnoe (11) (وقد ـ مشطوبة) ودخلت الامتحان الشفوى وهنالك هل تدرى ماذا حدث؟ لقد اضطربت وأخذت ارتجف وعرقت كلى حتى أن الاستاذة تعجبت واستلمت 4 رغم أن الـ 5 كانت بين يدى (12) أصل أحيانا (الى ـ مشطوبة) ـ كما فى حالة الامتحانات ـ الى درجة لا استطيع فيها السيطرة على نفسى مطلقاً. وذلك حين اريد أن استجمع قواى للكلام أو للخطابة أو للامتحانات أو حتى لقول نكتة كأنما هناك شخصين: شخص اسمه أبو ذكرى هو الذى يراه الناس وشخص آخر اسمه أبو ذكرى هو الذى يسير الاول دون أن يراه احد وهو الحاكم بأمر الله فى تلك المنطقة التى تسمى "أنا" يفعل ما يشاء وأنا أطيعه (فقط ـ مشطوبة) كالخادم.

إننى بقليل من الجهد استطيع أن أفهم الكثير أن أساعد فى حل مشاكل السودان أن أبيعه دمى وكل ما عندى ولكننى بهذه الطريقة "أموت فطيسة" دون أن أحقق شيئا موتا شبها بموت أبطال (كلمة مشطوبة) "شكسبير" العظماء الذين كانوا يحاربون (....) والشياطين أنفسهم ولكن كانت فيهم خصلة واحدة رديئة هى السبب فى هزيمتهم عطيل: الغيرة هاملت: التردد لير: الطيبة الزائدة ماكبث: الشك الخ كان فيهم حصان طروادة الذى جلب لها الخراب. (أن ـ مشطوبة) والحل كما يقول الاطباء ، فى أن أمارس الرياضة الصباحية وأن أتنزه كثيرا وأن أصادق فتاة وأن اكون دائما وسط الناس وأن أجيئهم الى (كلمة روسية مشطوبة) المستشفى بانتظام لاخذ المسكنات وأن أبدأ الدراسة من أول السنة وكل هذه أشياء بغيضة الى نفسى أهرب منها كما هرب سكان المدن من الطاعون لانها تزيد من ارهاقى ... أننى واقع فى مطب! والحل فى أنا ولن يجدى الطبيب المداوى شيئاً ـ ولكننى أشعر بالعار لان الحياة نفسها ترهقنى رغم أنها يجب أن تمنحنى السعادة والروعة . فما العمل؟

الحلول ثلاثة أو أربعة :

(1) أن أنفذ كل ما قاله الاطباء
(2) أن أعيش كما أنا واستمر فى هذا المطب
(3) أن أرجع الى السودان
(4) أن أترك القراءة والكتابة وأمارس حياة سهلة لا ترهق . فأرفت وأعود خالى الوفاض].

بدون توقيع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى