ظلت فلسفة الدواء السوية تستهدف العودة بالجسد المريض إلى حالته الطبيعية, لكن سُعار الربح ومنطق السوق, أحالا الدواء إلى سلعة تلهث وراء الربح, ولو بالخروج على سنن الطبيعة ومنطق الفطرة, ومقتضيات الأعمار التي لكل منها جماله الطبيعي ونشوته الخاصة.
اندهش كثيرون عندما أبدى مرشح الرياسة الأمريكي السابق بوب دول حماسا إعلاميا واسعا للحبة الزرقاء, واستغرب كثيرون - خاصة في الشرق - لجرأة السيدة دول - التي لاح ترشيحها للرئاسة الأمريكية ممكنا بعض الوقت - في التأكيد على رأي زوجها الإيجابي في فعالية هذه الحبة. كانت شهادة (دول) الثمانيني ثمينة جدا للشركة المنتجة للفياجرا, مما عدّه الكثيرون إعلانا مدفوع الأجر بسخاء. أما شهادة (دوله), السبعينية, فهي مشروع جريمة في حق كثيرات من بنات جنسها لأنها - على افتراض صدق شهادة زوجها وحقيقة شهادتها هي - تساعد في كبت آلام نفسية وجسدية مريرة تعانيها النساء المسنّات ممن ألقى بهن سوء الطالع في القبضة الوحشية, المختفية وراء رقة لون حبة الفياجرا ورشاقة شكلها وإغوائها لأزواجهن المسنين, الذين يقضي بعضهم نحبه من جراء استخدامها. وهو استخدام يثبت أن الإنسان حيوان طماع, وأفصح تعبيرات طمعه هي الرغبة في تبديل الفطرة والعبث بسنن الوجود, برغم الآثار واضحة التدمير المترتبة على ذلك, سواء في بيئة الحياة من حوله, أو في بيئة حياته هو نفسه, أو حياة شريكة عمره المديد.
رأس جبل الجليد العائم من المرارات التي يرجح معاناة المسنات منها جراء رضوخهن لنزوات أزواج مسنين يتناولون الحبوب الزرقاء هو ما يسمى الآن (التهاب مثانة شهر العسل الثاني) (Honey moon Cystitis), وهي تخريجة من اصطلاح قديم يشير إلى التهاب المثانة الذي تعانيه بعض العرائس الجديدات الصغيرات من جراء اللقاء الزوجي والذي يؤدي إلى تحريك بعض البكتريا عن مواضعها لتسبب التهاب المسالك البولية لدى أولئك العرائس.
أما التهاب مثانة شهر العسل الأول, أي الطبيعي, فهو عابر وآلامه محتملة وعلاجه يسير في ضوء الحيوية الجسدية والنفسية للأنثى الشابة. بينما التهاب مثانة شهر العسل الثاني, لدى المسنات, فهو وإن اشترك مع الأول في معظم أعراضه الجسدية - كثرة الرغبة في التبول المصحوب بحرقان وألم, ومرور بعض الدم مع البول - إلا أنه يخفي وراءه معاناة نفسية نادرا ما تفصح عنها المهانات إلا في مجتمعات استثنائية الانفتاح كالتي اكتشفت فيها الحالات المستجدة, وذكرها بحث نشر أخيرا في الدورية الطبية (نيوإنجلاند جورنال أوف ميدسين).
لاحظ ثلاثة من الأطباء في (كونفنجتون) ازدياد إصابة النساء الواقعة أعمارهن بين 60و75 سنة بالتهابات المثانة, وبالتحري الطبي تبين أن أزواجهن ممن يتعاطون الفياجرا بوصفات طبية. وقال الدكتور هنري باتون المشارك في البحث إنه من بين زوجات 100 رجل تعاطوا الفياجرا راجعتهن 15 زوجة مصابة بالتهاب المثانة. وهذا الرقم كبير الدلالة إذا أخذنا في الاعتبار أنه حتى في المجتمعات المنفتحة تتغلب الفطرة, وفي أمر شديد الحرج كهذا يُرجّح أن تتكتم كثرة من المصابات أخبار معاناتهن.
أكثر هشاشة من البنات
صحيح أن السبب في التهاب مثانة (شهر العسل الثاني) يكاد يكون هو نفسه سبب التهاب المثانة في (شهر العسل) (الأول): حيث تنقل الاحتكاكات بعض البكتريا عادية التواجد إلى فتحة مجرى البول ومن ثم سرعان ما تقطع المسافة القصيرة وتصيب المثانة فيتطور الالتهاب. إلا أن مصاب النساء المسنات أقرب وأفدح. فالمرأة بعد ما يقارب عشر سنوات من بدء ما يسمى بسن اليأس تعتري جهازها التناسلي تغيرات كبيرة تتلخص في الضمور والترقق والجفاف بسبب نقص هرمون الأستروجين, ويصير الوسط الكيميائي في المكان أقل حامضية مما يعرضه للإصابة أكثر بالعدوى. وهي حالة من الهشاشة تشبه كثيرا أجهزة البنات الصغيرات قبل البلوغ, وهذا ما يوضح كثرة الإصابة بالتهابات المثانة لدى الفئتين, وهي لديهما كثيرا ما تكون دامية, لكن نزيف النفس يكون أخطر لدى الكبيرات.
فما العمل?
في الجانب الجسدي يوصي الأطباء بشرب 6-8 أكواب من الماء يوميا ويفضل بعضها قبل اللقاء بدقائق, لزيادة تدفق البول وغسل ما يعلق من البكتيريا بالمثانة التي يستحسن إفراغها بعد اللقاء مباشرة.
وينصح بشراب التوت الغامق أو شراب ثمار العليق البري المخفف لأنهما يمنعان التصاق البكتريا بجدران المثانة.
وفي حال وقوع إصابة التهابية للمسالك البولية تكون مترافقة بارتجافات, وغثيان, وقيء, وآلام في أسفل الظهر, فإن الأمر يتطلب تدخل الطبيب للعلاج بالمضادات الحيوية المناسبة لإيقاف الالتهاب وحماية الكلى.
وماذا عن النفس... والروح?
إنه شيء غاية في الغرابة بالنسبة للرجال الكبار الذين يشترون نشوة خاطفة خارج إطار العمر - إن صحّت - بمخاطر مثبتة وصلت في بعض الحالات إلى حد الوفاة مقابل هذه النزوة. قد يكون هذا باهراً كرمز أدبي كما في رواية الحب في زمن الكوليرا لجابريل جارثيا ماركيز, حيث أتت اللحظة للعاشق بعد حرمان استمر نصف قرن ووصل به إلى ما بعد السبعين. أما في إيقاع الحياة المألوفة لرجال عاشوا أعمارهم وانتقلوا من صبوات الأجساد المتحققة إلى نشوات الوجود, فإن اجتياح الحبوب الزرقاء لسلامة نفوسهم هو بمنزلة ظهور جديد لغول من أغوال التاريخ يرعب بتناقضه مع السوية البشرية, تماما كأساطير الرجل الذئب ومصاص الدماء و(الزومبي) (الجدث الميت الحي), وثمن هذا الرعب تدفعه النساء اللائي وصلن إلى سن النفوس المطمئنة, فمن المؤكد عضويا أنهن لا ينلن من هذه الولائم الدامية إلا الصبر والرغبة في إرضاء الرجل الممسوس, حتى لا يخرج عن آخر ما بقي من المودة والرحمة إلى الهرولة في طرقات مراهقة الشيخوخة, والبحث عن شريكة شابة لشبابه المصطنع, وهي كارثة مزودجة مهما تمدد عمر كمونها القصير, سواء بتأثيرها على (الشاب) السبعيني أو الثمانيني, أو على عروسه العشرينية أو الثلاثينية, والعواقب فادحة حتما.
لاشك في أن عقار الفياجرا, ومشابهاته (التي يتم طمسها إعلاميا لأهداف تجارية في حروب مافيا الدواء العالمي), تمثل انجازا طبيا علميا باهرا, لكن في إطار استعادة السوية الفسيولوجية للأجساد المعتلة في نطاق الأعمار المناسبة. بل صار هذا العقار أداة تشخيصية مهمة فيما يعرف باختبار (الحبة الواحدة) لتشخيص نوع العنانة لدى الرجال غير المسنين. أما اختلاق فحولة مصطنعة خارج إطار الفطرة والسوية والعمر, فهو نذير بانهيارات بعيدة المدى على كل الأصعدة, الأخلاقي منها, والنفسي, والاجتماعي, والصحي أيضا... وإن توارى إلى حين
[SIZE=3]محمد المخزنجي مجلة العربي ديسمبر 2002[/SIZE]
اندهش كثيرون عندما أبدى مرشح الرياسة الأمريكي السابق بوب دول حماسا إعلاميا واسعا للحبة الزرقاء, واستغرب كثيرون - خاصة في الشرق - لجرأة السيدة دول - التي لاح ترشيحها للرئاسة الأمريكية ممكنا بعض الوقت - في التأكيد على رأي زوجها الإيجابي في فعالية هذه الحبة. كانت شهادة (دول) الثمانيني ثمينة جدا للشركة المنتجة للفياجرا, مما عدّه الكثيرون إعلانا مدفوع الأجر بسخاء. أما شهادة (دوله), السبعينية, فهي مشروع جريمة في حق كثيرات من بنات جنسها لأنها - على افتراض صدق شهادة زوجها وحقيقة شهادتها هي - تساعد في كبت آلام نفسية وجسدية مريرة تعانيها النساء المسنّات ممن ألقى بهن سوء الطالع في القبضة الوحشية, المختفية وراء رقة لون حبة الفياجرا ورشاقة شكلها وإغوائها لأزواجهن المسنين, الذين يقضي بعضهم نحبه من جراء استخدامها. وهو استخدام يثبت أن الإنسان حيوان طماع, وأفصح تعبيرات طمعه هي الرغبة في تبديل الفطرة والعبث بسنن الوجود, برغم الآثار واضحة التدمير المترتبة على ذلك, سواء في بيئة الحياة من حوله, أو في بيئة حياته هو نفسه, أو حياة شريكة عمره المديد.
رأس جبل الجليد العائم من المرارات التي يرجح معاناة المسنات منها جراء رضوخهن لنزوات أزواج مسنين يتناولون الحبوب الزرقاء هو ما يسمى الآن (التهاب مثانة شهر العسل الثاني) (Honey moon Cystitis), وهي تخريجة من اصطلاح قديم يشير إلى التهاب المثانة الذي تعانيه بعض العرائس الجديدات الصغيرات من جراء اللقاء الزوجي والذي يؤدي إلى تحريك بعض البكتريا عن مواضعها لتسبب التهاب المسالك البولية لدى أولئك العرائس.
أما التهاب مثانة شهر العسل الأول, أي الطبيعي, فهو عابر وآلامه محتملة وعلاجه يسير في ضوء الحيوية الجسدية والنفسية للأنثى الشابة. بينما التهاب مثانة شهر العسل الثاني, لدى المسنات, فهو وإن اشترك مع الأول في معظم أعراضه الجسدية - كثرة الرغبة في التبول المصحوب بحرقان وألم, ومرور بعض الدم مع البول - إلا أنه يخفي وراءه معاناة نفسية نادرا ما تفصح عنها المهانات إلا في مجتمعات استثنائية الانفتاح كالتي اكتشفت فيها الحالات المستجدة, وذكرها بحث نشر أخيرا في الدورية الطبية (نيوإنجلاند جورنال أوف ميدسين).
لاحظ ثلاثة من الأطباء في (كونفنجتون) ازدياد إصابة النساء الواقعة أعمارهن بين 60و75 سنة بالتهابات المثانة, وبالتحري الطبي تبين أن أزواجهن ممن يتعاطون الفياجرا بوصفات طبية. وقال الدكتور هنري باتون المشارك في البحث إنه من بين زوجات 100 رجل تعاطوا الفياجرا راجعتهن 15 زوجة مصابة بالتهاب المثانة. وهذا الرقم كبير الدلالة إذا أخذنا في الاعتبار أنه حتى في المجتمعات المنفتحة تتغلب الفطرة, وفي أمر شديد الحرج كهذا يُرجّح أن تتكتم كثرة من المصابات أخبار معاناتهن.
أكثر هشاشة من البنات
صحيح أن السبب في التهاب مثانة (شهر العسل الثاني) يكاد يكون هو نفسه سبب التهاب المثانة في (شهر العسل) (الأول): حيث تنقل الاحتكاكات بعض البكتريا عادية التواجد إلى فتحة مجرى البول ومن ثم سرعان ما تقطع المسافة القصيرة وتصيب المثانة فيتطور الالتهاب. إلا أن مصاب النساء المسنات أقرب وأفدح. فالمرأة بعد ما يقارب عشر سنوات من بدء ما يسمى بسن اليأس تعتري جهازها التناسلي تغيرات كبيرة تتلخص في الضمور والترقق والجفاف بسبب نقص هرمون الأستروجين, ويصير الوسط الكيميائي في المكان أقل حامضية مما يعرضه للإصابة أكثر بالعدوى. وهي حالة من الهشاشة تشبه كثيرا أجهزة البنات الصغيرات قبل البلوغ, وهذا ما يوضح كثرة الإصابة بالتهابات المثانة لدى الفئتين, وهي لديهما كثيرا ما تكون دامية, لكن نزيف النفس يكون أخطر لدى الكبيرات.
فما العمل?
في الجانب الجسدي يوصي الأطباء بشرب 6-8 أكواب من الماء يوميا ويفضل بعضها قبل اللقاء بدقائق, لزيادة تدفق البول وغسل ما يعلق من البكتيريا بالمثانة التي يستحسن إفراغها بعد اللقاء مباشرة.
وينصح بشراب التوت الغامق أو شراب ثمار العليق البري المخفف لأنهما يمنعان التصاق البكتريا بجدران المثانة.
وفي حال وقوع إصابة التهابية للمسالك البولية تكون مترافقة بارتجافات, وغثيان, وقيء, وآلام في أسفل الظهر, فإن الأمر يتطلب تدخل الطبيب للعلاج بالمضادات الحيوية المناسبة لإيقاف الالتهاب وحماية الكلى.
وماذا عن النفس... والروح?
إنه شيء غاية في الغرابة بالنسبة للرجال الكبار الذين يشترون نشوة خاطفة خارج إطار العمر - إن صحّت - بمخاطر مثبتة وصلت في بعض الحالات إلى حد الوفاة مقابل هذه النزوة. قد يكون هذا باهراً كرمز أدبي كما في رواية الحب في زمن الكوليرا لجابريل جارثيا ماركيز, حيث أتت اللحظة للعاشق بعد حرمان استمر نصف قرن ووصل به إلى ما بعد السبعين. أما في إيقاع الحياة المألوفة لرجال عاشوا أعمارهم وانتقلوا من صبوات الأجساد المتحققة إلى نشوات الوجود, فإن اجتياح الحبوب الزرقاء لسلامة نفوسهم هو بمنزلة ظهور جديد لغول من أغوال التاريخ يرعب بتناقضه مع السوية البشرية, تماما كأساطير الرجل الذئب ومصاص الدماء و(الزومبي) (الجدث الميت الحي), وثمن هذا الرعب تدفعه النساء اللائي وصلن إلى سن النفوس المطمئنة, فمن المؤكد عضويا أنهن لا ينلن من هذه الولائم الدامية إلا الصبر والرغبة في إرضاء الرجل الممسوس, حتى لا يخرج عن آخر ما بقي من المودة والرحمة إلى الهرولة في طرقات مراهقة الشيخوخة, والبحث عن شريكة شابة لشبابه المصطنع, وهي كارثة مزودجة مهما تمدد عمر كمونها القصير, سواء بتأثيرها على (الشاب) السبعيني أو الثمانيني, أو على عروسه العشرينية أو الثلاثينية, والعواقب فادحة حتما.
لاشك في أن عقار الفياجرا, ومشابهاته (التي يتم طمسها إعلاميا لأهداف تجارية في حروب مافيا الدواء العالمي), تمثل انجازا طبيا علميا باهرا, لكن في إطار استعادة السوية الفسيولوجية للأجساد المعتلة في نطاق الأعمار المناسبة. بل صار هذا العقار أداة تشخيصية مهمة فيما يعرف باختبار (الحبة الواحدة) لتشخيص نوع العنانة لدى الرجال غير المسنين. أما اختلاق فحولة مصطنعة خارج إطار الفطرة والسوية والعمر, فهو نذير بانهيارات بعيدة المدى على كل الأصعدة, الأخلاقي منها, والنفسي, والاجتماعي, والصحي أيضا... وإن توارى إلى حين
[SIZE=3]محمد المخزنجي مجلة العربي ديسمبر 2002[/SIZE]