في اليوم التالي للرحلة، وفيما كنت أقلب نسخ صورهم، شعرت بلسعة لوم حين رحت أتذكر طلباتي الملحاحة ونداءاتي المحفزة لهم بأن يقفزوا فوق ضفاف الأنهار.. ويعتلوا الهضاب المحيطة بالمكان.. ويتسلقوا الأشجار.. غافلا ـ لا أدري كيف ـ عن عكازاتهم، وناسيا إعاقات أبدانهم!!
لكن ما خفف من وطأة لومي لنفسي وشعوري بالذنب رؤيتي بهجة وجوههم في الصور، وتذكري اندفاعاتهم، طوال ساعات الرحلة، مثل نمور صغيرة، مما أغراني بمتابعتهم بآلة التصوير، والتقاط البرهات الفريدة في القفز أو الاعتلاء أو التسلق، وهو ما كانوا يقومون به بحرارة، وهمة، ومهارة كافية لأن تجعل المرء ينسى، حقاً، إعاقات أبدانهم!
وما انتهيت من توزيع الصور عليهم ـ بعد أن جمعتهم في الصف ـ إلا وكنت قد أُنهكت تماما: هذا يريد تلك الصورة، وآخر يرجو تبديل اللقطة التي يظهر فيها، وثالث يسأل عن إمكان استنساخ المزيد، ورابع يعتب عليَّ لأني لم أصوره ـ كأصدقائه ـ لحظة كان يقفز فوق النهر، وخامس يطلب مني أن أختار عنه الصورة الأفضل، وسادس.. وسابع.. وثامن.. إلى أن وجدتني أنبر بهم مستاء: كفى! هذي صوركم. وتلك هي حصصكم. لا أريد أي سؤال أو طلب بعد!
تزاحموا عند الباب، ثم حجلوا نحو الباحة، فبدوا مثل سرب من طيور، وقد توزعوا جماعات جماعات، ترى الواحد منهم يرفع صورته ويهزها انتشاء بقفزة حققها، وآخر يُعلي عكازه ويلوح بها متفاخراً بهدف أصابه أو شجرة تمكن من تسلقها.
وما كدت أغرق في مقعد مكتبي مستمتعا بسرورهم حتى قُرع الباب! أذنت، فدخل "أحمد" وعلى وجهه ملامح خيبة محيرة. قلت: "ما بك يا أحمد؟ ماذا تريد؟" أجابني: "صورة يا أستاذ!" فسألته: "ألم أوزع عليكم الصور!؟" طأطأ: "أنا لم آخذ صورة" هتفت مستغربا: "ولِمَ؟!" قال بأسف: "لأنني كنت غائبا عن المعهد يوم الرحلة" زاد في استغرابي: "طيب.. وماذا تريد الآن؟".
قال: "صورة" فتجملت بالصبر وعرضت عليه نسخ الصور التي احتفظت بها لنفسي: "وأية صورة تريد؟ " باغتني بقوله: " أية صورة" ثم أدهشني حين تناول واحدة لا على التعيين، واستدار، كمن حصل على كنز، حاجلاً حجلاً رشيقاً، حتى إذا ما انضم إلى أصدقائه كطير ضائع، راح يرفع عكازه تارة، والصورة تارة أخرى مبتهجا ومفاخراً، مثل زملائه تماماً، ولكن بما لم أستطع أن أعرفه أبداً!
[SIZE=3]إبراهيم صموئيل مجلة العربي نوفمبر 1997[/SIZE]
لكن ما خفف من وطأة لومي لنفسي وشعوري بالذنب رؤيتي بهجة وجوههم في الصور، وتذكري اندفاعاتهم، طوال ساعات الرحلة، مثل نمور صغيرة، مما أغراني بمتابعتهم بآلة التصوير، والتقاط البرهات الفريدة في القفز أو الاعتلاء أو التسلق، وهو ما كانوا يقومون به بحرارة، وهمة، ومهارة كافية لأن تجعل المرء ينسى، حقاً، إعاقات أبدانهم!
وما انتهيت من توزيع الصور عليهم ـ بعد أن جمعتهم في الصف ـ إلا وكنت قد أُنهكت تماما: هذا يريد تلك الصورة، وآخر يرجو تبديل اللقطة التي يظهر فيها، وثالث يسأل عن إمكان استنساخ المزيد، ورابع يعتب عليَّ لأني لم أصوره ـ كأصدقائه ـ لحظة كان يقفز فوق النهر، وخامس يطلب مني أن أختار عنه الصورة الأفضل، وسادس.. وسابع.. وثامن.. إلى أن وجدتني أنبر بهم مستاء: كفى! هذي صوركم. وتلك هي حصصكم. لا أريد أي سؤال أو طلب بعد!
تزاحموا عند الباب، ثم حجلوا نحو الباحة، فبدوا مثل سرب من طيور، وقد توزعوا جماعات جماعات، ترى الواحد منهم يرفع صورته ويهزها انتشاء بقفزة حققها، وآخر يُعلي عكازه ويلوح بها متفاخراً بهدف أصابه أو شجرة تمكن من تسلقها.
وما كدت أغرق في مقعد مكتبي مستمتعا بسرورهم حتى قُرع الباب! أذنت، فدخل "أحمد" وعلى وجهه ملامح خيبة محيرة. قلت: "ما بك يا أحمد؟ ماذا تريد؟" أجابني: "صورة يا أستاذ!" فسألته: "ألم أوزع عليكم الصور!؟" طأطأ: "أنا لم آخذ صورة" هتفت مستغربا: "ولِمَ؟!" قال بأسف: "لأنني كنت غائبا عن المعهد يوم الرحلة" زاد في استغرابي: "طيب.. وماذا تريد الآن؟".
قال: "صورة" فتجملت بالصبر وعرضت عليه نسخ الصور التي احتفظت بها لنفسي: "وأية صورة تريد؟ " باغتني بقوله: " أية صورة" ثم أدهشني حين تناول واحدة لا على التعيين، واستدار، كمن حصل على كنز، حاجلاً حجلاً رشيقاً، حتى إذا ما انضم إلى أصدقائه كطير ضائع، راح يرفع عكازه تارة، والصورة تارة أخرى مبتهجا ومفاخراً، مثل زملائه تماماً، ولكن بما لم أستطع أن أعرفه أبداً!
[SIZE=3]إبراهيم صموئيل مجلة العربي نوفمبر 1997[/SIZE]