النجوم - قصة قصيرة
-لمع حذاءك العسكري جيدا...
قالت نسمات وهي ترمق زوجها الذي دهن فردة الحذاء طويل العنق بالورنيش ثم تركها وأخذ يلمع الفردة الثانية ببطء دون أن ينبس ببنت شفة.
- قلت لك استخدم النشا عند كي البزة العسكرية....ما قيمة الكاكي ان لم يكن نظيفا ومهيبا.. كيف ستترقى لضابط صف يوما ما بهذه الطريقة...
قال بخفوت ودون ان يلتفت اليها:
- نحن لا نترقى لضباط يا نسمات..نحن نظل هكذا حتى الموت...
أصرت:
- بل ستترقى يا عبد القادر لو هندمت نفسك .. لو احترمت العسكرية التي دخلتها دون مزاج ورغبة..
تنفست بعمق ثم تأوهت:
- آه .. كم أتمنى أن أرى نجوما على اسبيلطتك بدل هذه الشرائط الحمقاء..
ثم قالت بغيظ:
- لكنك بلا طموحات....مستسلم ومنهزم...
وقف عبد القادر واستعد للخروج فقالت:
- سرح شعيراتك الخفيفة هذه طيب قبل أن تخرج.. وارتدي البوريه ولا تضعه على كتفك..
بصق على كفيه ومسح شعيراته الخفيفة ، ثم ارتدى القبعة.. لاحقته نسمات بنظراتها المتحسرة إلى أن أغلق وراءه الباب لكنها صاحت بجزع:
- عبد القادر...
عاد عبد القادر ورمقها بنظرة ناعسة.
- سلاحك..نسيت سلاحك ...
ناولته الكنانة الجلدية فارتداها وغادر وظلت هي تراقب الباب بأسى:
- متى ترتدي نجوما يا عبد القادر ..
كانت الأتربة تملأ الجو ؛ وحين رأى زملاءه اتجه نحوهم وحياهم ؛ قال وهو يجلس:
- زوجتي تحب العسكرية أكثر مني..
نظروا اليه مبتسمين فسأله الجنيد:
- يا سعادة الصول كلنا كنا مغرمين بالعسكرية ثم اكتشفنا حقيقتها البائسة بعد ذلك.. دعها ترتدي ملابسك وتأتي للعمل بدلا عنك وصدقني سوف تكره العسكرية..
قال عبد القادر:
- هل تصدق أنها قبل أيام كانت تحرضني على القيام بانقلاب عسكري.
قهقه الجنود وأخرج أصغرهم لفافة بنقوا جاهزة ثم أشعلها وقال:
- انا أحب العسكرية .. وأكره اولئك المهرجين الذين يقلدونها ..
نظر اليه الجميع فأضاف:
- الشرطة...
قال السموءل:
- هؤلاء المخنثون .. لم يجربوا حربا حقيقية من قبل...
دخن عبد القادر نفسين سريعين من البنقو ثم مدها لجندي مكتنز الجسد.. بعد ذلك ظل الرجال ساهمين.
***
- ستقود سيارة النقيب مازن يا عبد القادر.
- أمرك سعادتو..
قال العميد وناوله المفاتيح:
- افحصها جيدا قبل ذلك..
- علم سعادتو..
ضرب قدميه وحيا الضابط ثم دار دورة عسكرية على عقبه وغادر المكتب.
لفحته شمس النهار ولكنه حث خطاه حتى وجد عدة سيارات متراصة قرب بعضها البعض ، ضغط على المفتاح فانارت سيارة النقيب مصدرة صوت تكة سخيفة. جلس الى عجلة القيادة وأخذ يتأمل السيارة ثم غمغم:
- نوبيرا... استعمال نظيف..
انحنى وضغط على زر فتح الصندوق الأمامي قبل أن يخرج ويرفعه . اخذ ينظر لماكينة السيارة بعين خبير.
بعد ذلك بنصف ساعة كان يقود النقيب مازن نحو المدرعات.
كان الرجلان صامتين ؛ النقيب مازن ذو الشارب الخفيف ؛ لم يتجاوز الخمسين بعد. يبدو عفي الجسد والنجوم تتراص على كتفيه لامعة. نظر اليه بالمرآة الأمامية فوجده يدخن بشراهة. فاستمر في قيادته بصمت.
- تحرك نحو شارع الأربعين..لدي غرض هناك..
- أمرك سعادتو..
أدار مقود السيارة وأخذ ينطلق باحترافية عالية شاقا السيارات من حوله. تذكر المرحوم اللواء لطيف الذي كان يغسل له سياراته ؛ والذي تبنى إدخاله للجيش ، ومنحه فرصة تعلم القيادة على إحدى سياراته.
- رحمك الله يا سعادة اللواء...
غمغم فانتبه النقيب:
- من تقصد؟
قال:
- اللواء لطيف عليه رحمة الله.
قال النقيب بدهشة:
- تعرف اللواء لطيف؟
ابتسم وقال:
- نعم سعادتو.. هو من أدخلني الجيش. كنت أغسل له السيارات عندما أعود من المدرسة قبل ذلك.
قال النقيب بفخر:
- أسد وبطل ...
- نعم هو كذلك...
استمر النقيب في التدخين بصمت .. واستمر عبد القادر في قيادته السلسة شاقا صفوف المركبات الأخرى.
-أين تسكن يا عبد القادر؟
ابتسم عبد القادر وقال:
- كم هذا غريب حقا.. فأنا الآن سأمر بمنزلي هناك..
ثم أشار الى زقاق جانبي.
قال الضابط بخجل:
- كم أنا محظوظ.. أرجو ان تسمح لي باستخدام حمامك .. فأنا محتقن قليلا...
- على الرحب والسعة سعادتو...
انحرف بالسيارة ثم توقف أمام باب منزله بثبات واحد ، قبل أن يخرج برشاقة ويجر سلكا مربوطا بمزلاج الباب الداخلي.
-تفضل سعادتو...
دلف مباشرة وخلفه الضابط ونسي وجود زوجته التي قفزت وغطت وجهها حينما داهمها الرجلان. اسرع الضابط الى الحمام فقالت:
- من هذا يا عبد القادر...؟
-النقيب مازن يا امرأة.. ادخلي الى المطبخ.
هرولت واختفت في المطبخ.
***
-كانت نظرة واحدة بيننا يا نسمات .. نظرة واحدة قلبت أحشاء قلبي إلى الخارج...
همس النقيب مازن فقالت نسمات وهي تمسح النجوم على اسبليطته:
- أحسست بك في تلك الثانية حينما دخلت خلف عبد القادر...
زرع كفيه على خصرها واقترب بأنفاسه منها...
- هيا غادري معي يا روح الفؤاد...
قالت بعينين جزعتين:
- أنا خائفة يا مازن...
اقترب منها اكثر فتحطمت قوتها وارتخى ذراعاها:
- عبد القادر سيموت يا مازن...
- لا يستحقك يا نسمات... أنت لي أنا وأنا لك...
-أخشى أن يرتكب حماقة...
- لن يفعل وإن فعل سأعمل على تأديبه..
ثم صفعها صفعة خفيفة على مؤخرتها وقال:
- هيا ..هيا بسرعة.. اجمعي بقجة ملابسك وهلمي لنرحل...
***
قال النقيب مازن لأحد الجنود:
- لم أر عبد القادر منذ أيام.
قال الجندي وهو يحاول تغضية ضحكة قفزت إلى فمه:
- إنه يبحث عن زوجته سعادتو...
هز النقيب رأسه وهمس:
- هكذا إذن...
- نعم سعادتو...
أخرج هاتفه وقال للجندي:
- هل لديك رقم جواله..
- لدى الصول عبود.. سآتيك به...
تلقى عبد القادر اتصالا من النقيب فقال:
- أمرك سعادتو..
قال النقيب بسرعة:
- تعال الى منزلي فورا...
كان ذهن عبد القادر مشحونا بصورة زوجته التي اختفت فجأة ؛ لم يكملا سنتين منذ زواجهما ولم ينجبا ، نسمات قمحية اللون مكتنزة الفخذين والصدر سليطة اللسان رغم جمالها ؛ عشق فيها كل مثالبها هذه حد العبادة. كان ينظر عبر نافذة مركبة النقل دون أن يرى شيئا ، أين اختفت؟ ولماذا؟ لم تكن ترتدي حلية ليتم خطفها بدافع السرقة. كانت جميلة وهذا أهم من الذهب عند الرجال. خشي أن يجدوا جثتها في منطقة نائية ، ثم نفض هذه الأفكار حين وجد نفسه امام منزل النقيب ذي الطابقين. أجرى اتصالا بالنقيب وبقى منتظرا فتح الباب.
مضت سبع دقائق قبل أن ينفتح الباب عن النقيب الذي كان يرتدي جلبابا خفيفا وقصيرا ؛ ثم انتفض قلب عبد القادر حين رأى نسمات خلفه.
صاح:
-أين وجدتها؟
مد النقيب ذراعه سادا ما تبقى من فتحة الباب وقال ببرود:
- نسمات تعيش معي الآن...
اختلطت الأفكار في رأس عبد القادر فقال:
- ماذا تقصد سعادتو؟
قال النقيب بقوة:
- نسمات لا تريدك بعد اليوم...لقد صارت معي الآن...
قال بفزع:
- ماهذا الكلام؟
نظر إلى نسمات الى شاحت بوجهها لتؤكد حديث الضابط.
اخذ عبد القادر يرمش بعينيه بسرعة غير مصدق ما يسمع.
- لا تقترب منها أبدا ما دمت انا حي يا عبد القادر... تعرف ماذا يمكنني أن أفعل بك...
حنى الضابط رقبته وقال:
- الآن .. مع السلامة...
ثم ترك الباب مفتوحا وأحاط كتفي نسمات بذراعه اليسرى وقادها إلى الداخل. وفي حين تجمد عبد القادر وهو لا يكاد يصدق ما يحدث ؛ سمع ضحكات نسمات تجلجل في دلال وغنج قبل أن تغيب في الداخل.
لم تكد قدماه تحملانه إلى منزله. وما أن دخله حتى ارتمى مباشرة على السرير ؛ وظل يحملق في السقف. ثم غفا فجأة.
***
بعد ثلاثة أيام حلق عبد القادر نبت لحيته الخفيف وارتدى زيه العسكري ، ثم اتجه الى عمله. جلس إلى زملائه ساهما ، وهم أيضا احترموا ما يمر به من موقف عصيب ، فلم يتداولوا القفشات كعادتهم. كانوا متجمعين عند البوابة الضخمة ، وحينما رأى عبد القادر سيارة النقيب نهض ببطء ثم أخرج مسدسه من كنانته ووقف امام السيارة ؛ وببطء صوب المسدس الى زجاج السيارة فاخترقت اربع رصاصات الزجاج وصدر النقيب الذي خر صريعا.
قفز زملاء عبد القادر بهلع وهرولوا نحوه. حينها وضع عبد القادر المسدس في جمجمته ولم يسمع شيئا بعدها.
***
جلس العميد أمام مكتبه الوثير ؛ ثم نظر إلى نسمات قائلا:
-نسمات..ما حدث يجب أن ينتهي هنا... هل فهمت... لم يكن الخطا خطأ عبد القادر ولا خطؤك إنما خطا النقيب مازن لهما الرحمة.
ستحصلين على معاش زوجك ما دمت لم تتزوجي بعده...وسأتكفل بتسهيل الاجراءات لك..على أن تعديني أن لا تثيري هذه القضية أمام الإعلام... اتفقنا؟
كانت بسمات تنظر إلى اسبليطة العميد بوله ، لم تسمع شيئا مما قاله وهي ترى تلك الدبابير تلمع على كتفيه. فقال:
- اتفقنا يا بسمات...
قالت هامسة:
- ماهي رتبتك يا سعادتو... عميد أليس كذلك..؟
هز رأسه ايجابا فقالت:
- يا إلهي ... أنت فارس...فارس حقا..
اصابت كلماتها قلب العميد مباشرة فقال بتواضع مفتعل:
- هي مجرد رتب عسكرية يا سيدة نسمات...
ابتلعت غصة في حلقها وقالت بشبق:
-لا يا سعادة العميد.. ليست مجرد رتب .. هل أنت فارس حقا أم أنني اخطأت التقدير؟
حاول الابتسام وقال:
- حسنا كما تشاءين .. أنا فارس...
قالت:
- وهل تراني أنثى... تأمل جسدي.. هل تراني أنثى ...
أخذ العميد يتأمل جسدها وشعر بأنه يراها الآن فقط...
ثم غمغم بتوتر:
- انت انثى .. انثى كاملة الأنوثة يا نسمات...
(تمت)
قصة حقيقية من مضابط القضاء السوداني مع تغيير طفيف للضرورة الأدبية.
-لمع حذاءك العسكري جيدا...
قالت نسمات وهي ترمق زوجها الذي دهن فردة الحذاء طويل العنق بالورنيش ثم تركها وأخذ يلمع الفردة الثانية ببطء دون أن ينبس ببنت شفة.
- قلت لك استخدم النشا عند كي البزة العسكرية....ما قيمة الكاكي ان لم يكن نظيفا ومهيبا.. كيف ستترقى لضابط صف يوما ما بهذه الطريقة...
قال بخفوت ودون ان يلتفت اليها:
- نحن لا نترقى لضباط يا نسمات..نحن نظل هكذا حتى الموت...
أصرت:
- بل ستترقى يا عبد القادر لو هندمت نفسك .. لو احترمت العسكرية التي دخلتها دون مزاج ورغبة..
تنفست بعمق ثم تأوهت:
- آه .. كم أتمنى أن أرى نجوما على اسبيلطتك بدل هذه الشرائط الحمقاء..
ثم قالت بغيظ:
- لكنك بلا طموحات....مستسلم ومنهزم...
وقف عبد القادر واستعد للخروج فقالت:
- سرح شعيراتك الخفيفة هذه طيب قبل أن تخرج.. وارتدي البوريه ولا تضعه على كتفك..
بصق على كفيه ومسح شعيراته الخفيفة ، ثم ارتدى القبعة.. لاحقته نسمات بنظراتها المتحسرة إلى أن أغلق وراءه الباب لكنها صاحت بجزع:
- عبد القادر...
عاد عبد القادر ورمقها بنظرة ناعسة.
- سلاحك..نسيت سلاحك ...
ناولته الكنانة الجلدية فارتداها وغادر وظلت هي تراقب الباب بأسى:
- متى ترتدي نجوما يا عبد القادر ..
كانت الأتربة تملأ الجو ؛ وحين رأى زملاءه اتجه نحوهم وحياهم ؛ قال وهو يجلس:
- زوجتي تحب العسكرية أكثر مني..
نظروا اليه مبتسمين فسأله الجنيد:
- يا سعادة الصول كلنا كنا مغرمين بالعسكرية ثم اكتشفنا حقيقتها البائسة بعد ذلك.. دعها ترتدي ملابسك وتأتي للعمل بدلا عنك وصدقني سوف تكره العسكرية..
قال عبد القادر:
- هل تصدق أنها قبل أيام كانت تحرضني على القيام بانقلاب عسكري.
قهقه الجنود وأخرج أصغرهم لفافة بنقوا جاهزة ثم أشعلها وقال:
- انا أحب العسكرية .. وأكره اولئك المهرجين الذين يقلدونها ..
نظر اليه الجميع فأضاف:
- الشرطة...
قال السموءل:
- هؤلاء المخنثون .. لم يجربوا حربا حقيقية من قبل...
دخن عبد القادر نفسين سريعين من البنقو ثم مدها لجندي مكتنز الجسد.. بعد ذلك ظل الرجال ساهمين.
***
- ستقود سيارة النقيب مازن يا عبد القادر.
- أمرك سعادتو..
قال العميد وناوله المفاتيح:
- افحصها جيدا قبل ذلك..
- علم سعادتو..
ضرب قدميه وحيا الضابط ثم دار دورة عسكرية على عقبه وغادر المكتب.
لفحته شمس النهار ولكنه حث خطاه حتى وجد عدة سيارات متراصة قرب بعضها البعض ، ضغط على المفتاح فانارت سيارة النقيب مصدرة صوت تكة سخيفة. جلس الى عجلة القيادة وأخذ يتأمل السيارة ثم غمغم:
- نوبيرا... استعمال نظيف..
انحنى وضغط على زر فتح الصندوق الأمامي قبل أن يخرج ويرفعه . اخذ ينظر لماكينة السيارة بعين خبير.
بعد ذلك بنصف ساعة كان يقود النقيب مازن نحو المدرعات.
كان الرجلان صامتين ؛ النقيب مازن ذو الشارب الخفيف ؛ لم يتجاوز الخمسين بعد. يبدو عفي الجسد والنجوم تتراص على كتفيه لامعة. نظر اليه بالمرآة الأمامية فوجده يدخن بشراهة. فاستمر في قيادته بصمت.
- تحرك نحو شارع الأربعين..لدي غرض هناك..
- أمرك سعادتو..
أدار مقود السيارة وأخذ ينطلق باحترافية عالية شاقا السيارات من حوله. تذكر المرحوم اللواء لطيف الذي كان يغسل له سياراته ؛ والذي تبنى إدخاله للجيش ، ومنحه فرصة تعلم القيادة على إحدى سياراته.
- رحمك الله يا سعادة اللواء...
غمغم فانتبه النقيب:
- من تقصد؟
قال:
- اللواء لطيف عليه رحمة الله.
قال النقيب بدهشة:
- تعرف اللواء لطيف؟
ابتسم وقال:
- نعم سعادتو.. هو من أدخلني الجيش. كنت أغسل له السيارات عندما أعود من المدرسة قبل ذلك.
قال النقيب بفخر:
- أسد وبطل ...
- نعم هو كذلك...
استمر النقيب في التدخين بصمت .. واستمر عبد القادر في قيادته السلسة شاقا صفوف المركبات الأخرى.
-أين تسكن يا عبد القادر؟
ابتسم عبد القادر وقال:
- كم هذا غريب حقا.. فأنا الآن سأمر بمنزلي هناك..
ثم أشار الى زقاق جانبي.
قال الضابط بخجل:
- كم أنا محظوظ.. أرجو ان تسمح لي باستخدام حمامك .. فأنا محتقن قليلا...
- على الرحب والسعة سعادتو...
انحرف بالسيارة ثم توقف أمام باب منزله بثبات واحد ، قبل أن يخرج برشاقة ويجر سلكا مربوطا بمزلاج الباب الداخلي.
-تفضل سعادتو...
دلف مباشرة وخلفه الضابط ونسي وجود زوجته التي قفزت وغطت وجهها حينما داهمها الرجلان. اسرع الضابط الى الحمام فقالت:
- من هذا يا عبد القادر...؟
-النقيب مازن يا امرأة.. ادخلي الى المطبخ.
هرولت واختفت في المطبخ.
***
-كانت نظرة واحدة بيننا يا نسمات .. نظرة واحدة قلبت أحشاء قلبي إلى الخارج...
همس النقيب مازن فقالت نسمات وهي تمسح النجوم على اسبليطته:
- أحسست بك في تلك الثانية حينما دخلت خلف عبد القادر...
زرع كفيه على خصرها واقترب بأنفاسه منها...
- هيا غادري معي يا روح الفؤاد...
قالت بعينين جزعتين:
- أنا خائفة يا مازن...
اقترب منها اكثر فتحطمت قوتها وارتخى ذراعاها:
- عبد القادر سيموت يا مازن...
- لا يستحقك يا نسمات... أنت لي أنا وأنا لك...
-أخشى أن يرتكب حماقة...
- لن يفعل وإن فعل سأعمل على تأديبه..
ثم صفعها صفعة خفيفة على مؤخرتها وقال:
- هيا ..هيا بسرعة.. اجمعي بقجة ملابسك وهلمي لنرحل...
***
قال النقيب مازن لأحد الجنود:
- لم أر عبد القادر منذ أيام.
قال الجندي وهو يحاول تغضية ضحكة قفزت إلى فمه:
- إنه يبحث عن زوجته سعادتو...
هز النقيب رأسه وهمس:
- هكذا إذن...
- نعم سعادتو...
أخرج هاتفه وقال للجندي:
- هل لديك رقم جواله..
- لدى الصول عبود.. سآتيك به...
تلقى عبد القادر اتصالا من النقيب فقال:
- أمرك سعادتو..
قال النقيب بسرعة:
- تعال الى منزلي فورا...
كان ذهن عبد القادر مشحونا بصورة زوجته التي اختفت فجأة ؛ لم يكملا سنتين منذ زواجهما ولم ينجبا ، نسمات قمحية اللون مكتنزة الفخذين والصدر سليطة اللسان رغم جمالها ؛ عشق فيها كل مثالبها هذه حد العبادة. كان ينظر عبر نافذة مركبة النقل دون أن يرى شيئا ، أين اختفت؟ ولماذا؟ لم تكن ترتدي حلية ليتم خطفها بدافع السرقة. كانت جميلة وهذا أهم من الذهب عند الرجال. خشي أن يجدوا جثتها في منطقة نائية ، ثم نفض هذه الأفكار حين وجد نفسه امام منزل النقيب ذي الطابقين. أجرى اتصالا بالنقيب وبقى منتظرا فتح الباب.
مضت سبع دقائق قبل أن ينفتح الباب عن النقيب الذي كان يرتدي جلبابا خفيفا وقصيرا ؛ ثم انتفض قلب عبد القادر حين رأى نسمات خلفه.
صاح:
-أين وجدتها؟
مد النقيب ذراعه سادا ما تبقى من فتحة الباب وقال ببرود:
- نسمات تعيش معي الآن...
اختلطت الأفكار في رأس عبد القادر فقال:
- ماذا تقصد سعادتو؟
قال النقيب بقوة:
- نسمات لا تريدك بعد اليوم...لقد صارت معي الآن...
قال بفزع:
- ماهذا الكلام؟
نظر إلى نسمات الى شاحت بوجهها لتؤكد حديث الضابط.
اخذ عبد القادر يرمش بعينيه بسرعة غير مصدق ما يسمع.
- لا تقترب منها أبدا ما دمت انا حي يا عبد القادر... تعرف ماذا يمكنني أن أفعل بك...
حنى الضابط رقبته وقال:
- الآن .. مع السلامة...
ثم ترك الباب مفتوحا وأحاط كتفي نسمات بذراعه اليسرى وقادها إلى الداخل. وفي حين تجمد عبد القادر وهو لا يكاد يصدق ما يحدث ؛ سمع ضحكات نسمات تجلجل في دلال وغنج قبل أن تغيب في الداخل.
لم تكد قدماه تحملانه إلى منزله. وما أن دخله حتى ارتمى مباشرة على السرير ؛ وظل يحملق في السقف. ثم غفا فجأة.
***
بعد ثلاثة أيام حلق عبد القادر نبت لحيته الخفيف وارتدى زيه العسكري ، ثم اتجه الى عمله. جلس إلى زملائه ساهما ، وهم أيضا احترموا ما يمر به من موقف عصيب ، فلم يتداولوا القفشات كعادتهم. كانوا متجمعين عند البوابة الضخمة ، وحينما رأى عبد القادر سيارة النقيب نهض ببطء ثم أخرج مسدسه من كنانته ووقف امام السيارة ؛ وببطء صوب المسدس الى زجاج السيارة فاخترقت اربع رصاصات الزجاج وصدر النقيب الذي خر صريعا.
قفز زملاء عبد القادر بهلع وهرولوا نحوه. حينها وضع عبد القادر المسدس في جمجمته ولم يسمع شيئا بعدها.
***
جلس العميد أمام مكتبه الوثير ؛ ثم نظر إلى نسمات قائلا:
-نسمات..ما حدث يجب أن ينتهي هنا... هل فهمت... لم يكن الخطا خطأ عبد القادر ولا خطؤك إنما خطا النقيب مازن لهما الرحمة.
ستحصلين على معاش زوجك ما دمت لم تتزوجي بعده...وسأتكفل بتسهيل الاجراءات لك..على أن تعديني أن لا تثيري هذه القضية أمام الإعلام... اتفقنا؟
كانت بسمات تنظر إلى اسبليطة العميد بوله ، لم تسمع شيئا مما قاله وهي ترى تلك الدبابير تلمع على كتفيه. فقال:
- اتفقنا يا بسمات...
قالت هامسة:
- ماهي رتبتك يا سعادتو... عميد أليس كذلك..؟
هز رأسه ايجابا فقالت:
- يا إلهي ... أنت فارس...فارس حقا..
اصابت كلماتها قلب العميد مباشرة فقال بتواضع مفتعل:
- هي مجرد رتب عسكرية يا سيدة نسمات...
ابتلعت غصة في حلقها وقالت بشبق:
-لا يا سعادة العميد.. ليست مجرد رتب .. هل أنت فارس حقا أم أنني اخطأت التقدير؟
حاول الابتسام وقال:
- حسنا كما تشاءين .. أنا فارس...
قالت:
- وهل تراني أنثى... تأمل جسدي.. هل تراني أنثى ...
أخذ العميد يتأمل جسدها وشعر بأنه يراها الآن فقط...
ثم غمغم بتوتر:
- انت انثى .. انثى كاملة الأنوثة يا نسمات...
(تمت)
قصة حقيقية من مضابط القضاء السوداني مع تغيير طفيف للضرورة الأدبية.