جعفر الديري - الذكرى الثالثة عشرة على وفاة الأديب البحريني علي التاجر

تمر في يونيو/ حزيران المقبل، الذكرى الثالثة عشرة على وفاة الأديب البحريني علي التاجر الذي يعد أحد أبرز رموز حركة التنوير في البحرين في العصر الحديث وأحد أشهر رواد النقد الأدبي في البحرين ومنطقة الخليج العربي.
ولد في البحرين في العام 1906 وينحدر من أسرة عرفت بالعلم والأدب وأنجبت الكثير من الشعراء والأدباء والفقهاء ورجال الفكر والاقتصاد وكان لها الفضل الكبير في تفعيل الحركة الثقافية والتعليمية في البلاد في النصف الأول من القرن العشرين ومن وجوه الأسرة الشيخ سلمان التاجر والمؤرخ الشيخ محمد علي التاجر وعبدالرسول التاجر الذي أسس مدرسة أهلية العام 1945.
بزغ نجمه في كتابة المقالات الصحافية في عقود الثلاثينات والأربعينات والخمسينات. وأصبح الكاتب المفضل للنخب المثقفة إذ ركز جل اهتمامه في كتابة المقالات النقدية. وتعد المراسلات التي تمت بينه وبين إبراهيم العريض في الفترة من العام 1938 حتى العام 1939 أثناء وجوده في الخارج متنقلا بين أبوظبي ودبي، البدايات المبكرة للنقد الأدبي في البحرين.
ساهم، مع مجموعة من الشباب، في إصدار مجلة صوت البحرين التي استمرت حتى العام 1954، إذ شكلت أبرز المجلات التي صدرت في البحرين في الخمسينات. كان له دور فاعل في تأسيس نادي العروبة في العام،1939 إذ سعى إلى تحقيق أهداف النادي الرامية إلى الاهتمام بالفكر والثقافة والأدب، والعمل على تنمية روح الوحدة الوطنية وبث الوعي الاجتماعي والقومي بين أعضائه ومحاربة الطائفية بجميع أشكالها. انشغل بالنشاط السياسي الوطني مع الهيئة التنفيذية العليا 1954 1956 ثم مع هيئة الاتحاد الوطني بعد الاعتراف بها، وكان ضمن لجنة الثمانية الاستشارية للهيئة. وغادر البحرين واستقر في دبي. وتم تعيينه مسئولاً في دائرة الوثائق والمخطوطات في أبوظبي. استقال من عمله بدار المخطوطات والوثائق في أبوظبي وعاد إلى منزله في دبي واستقر عاكفا على مشروعاته وأبحاثه حتى وافاه الأجل في دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
التاجر في عيون من عرفه
يتذكر من عاصر وجلس مع المرحوم علي التاجر تلك الغلالة الشفافة التي كانت تميز طبعه وسلوكه ويؤكدون أن التاجر كان مفكراً من الطراز الأول وأديبا حاول ما وسعته الحيلة العمل على اثراء الفكر والثقافة وأنه كان موسوعيا يقرأ ويهضم الكثير من بطون الكتب الأدبية والثقافية. وأنه كان علماً بارزاً في ميدان الأدب والنقد والفكر وعلى اطلاع واسع بأمهات الكتب العربية والأجنبية. وأنه كان يتحرى الصدق فيما يكتب بجهد وتعب.
متعدد الاهتمامات
يتحدث الباحث د.منصور سرحان بألم عن المرحوم التاجر حين يقول: «بالنسبة لي عرفت المرحوم علي التاجر صاحب قلم رصين يكتب المقالة الأدبية والصحافية وخصوصاً في مجال النقد وله باع طويل في ترجمة الكثير من الأعمال الأدبية التي كان ينشرها في صحافة الخمسينات. وهو يعتبر المؤسس لحركة النقد في البحرين مع إبراهيم العريض وقد ذكرت ذلك في المراسلات بينه وبين إبراهيم العريض التي كانت تبدأ بإرسال قصيدة من إبراهيم العريض إلى التاجر الذي يقوم بتقديم نقد عليها ومن ثم يعلق العريض على هذا النقد. إذ بدأت برسائل قصيرة وموجزة ثم تحولت بمرور الأيام إلى دراسات وأبحاث قد تستغرق من 5 إلى 6 صفحات إذ كان العريض يستقبل هذا النقد بروح رياضية ويرد عليه فأصبحت تلك المراسلات بداية النقد الأدبي في البحرين.
وكان له دوره في مجلة صوت البحرين التي كانت تصدر في الخمسينات والتي استمرت حتى العام 1954 وكان لها رواجها في الخليج ويعاد نشرها في دار الكشاف في بيروت حيث توزع في الوطن العربي وكان التاجر يقوم بكتابة الكثير من الموضوعات والترجمات والمقالات وكتب الكثير من افتتاحيتها ما أثرى صفحات المجلة طيلة سنوات صدورها». ويضيف: «أيضا للتاجر عطاءه في المجال الأدبي الذي يعود إلى (جريدة البحرين) التي نشرت في الفترة من العام 1941 حتى العام،1942 35 مقالاً نقدياً عن السجال الذي دار بخصوص تجربة الشاعر عبدالرحمن المعاودة ونظم الرباعيات الشعرية على غرار رباعيات الخيام، إذ شارك التاجر بقلمه في تلك المعركة الأدبية النقدية، ورمز إلى اسمه بحرف (ت). وكانت مقالاته النقدية في غاية القوة والصلابة بسبب اطلاعه على أمهات الكتب العربية في مجال الشعر والأدب، وحفظه أقوال الشعراء والأدباء العرب منذ العصر الجاهلي وحتى عصره. وجلست مع المرحوم التاجر قبل خمسة أعوام من وفاته في دبي وكان بحق رجلا قادرا على الحديث في أبواب عدة فعندما يتحدث عن السياسة تجده رجل سياسة وعندما يتحدث عن الأدب تعلم أنه أحد أعلام الأدب وكان دائم الاستشهاد بعبارات ومقالات وبعض الآيات القرآنية».
إصدار كتاب توثيقي
واقترح بعض الأمور التي تجب في حق المرحوم التاجر قال سرحان: «مقترحي الأول بهذا الشأن هو إصدار كتاب توثيقي لحياة التاجر الذي كان له عطاءه في العمل السياسي إلى جانب عطائه الفكري إذ كانت له مواقف المشرفة والمعروفة فهو رجل سياسة وله آراء وطنية وقد رُحّل بسبب آرائه الوطنية. فهو رجل ثري المواهب. لذلك أرى ضرورة إصدار كتاب توثيقي عن المرحوم التاجر. وقمت من جانبي بطرح تلك الفكرة على المهتمين الذين يحتفظون بأوراق تخص التاجر لم تنشر والذين أبدوا استعدادهم لذلك كما أرى انه من الأهمية بمكان طباعة كتابه الذي أشار إليه عند زيارتي له وهو كتاب يتحدث فيه عن البحرين وتاريخها الحضاري والثقافي. إضافة إلى احتفال يقوم به نادي العروبة الذي كان المرحوم التاجر من مؤسسيه الفاعلين فيه».
ذو اطلاع واسع
أما السفير السابق حسين راشد الصباغ الذي التقى بالمرحوم التاجر في صيف العام 1968 فيقول: «لقد التقيت المرحوم الأديب علي التاجر في صيف العام 1968 في المكتبة العامة، ووجدته علماً بارزاً في ميدان الأدب والنقد والفكر، وعلى اطلاع واسع بأمهات الكتب العربية والأجنبية. كما ربطتني علاقة طيبة بنجل علي التاجر المرحوم أحمد التاجر، الذي كان محامياً نشطاً في دبي، وكان زميل دراسة في القاهرة.
دور بارز مع نادي العروبة
من جهته، يورد الباحث والمترجم محمد الخزاعي جانباً من الذكريات التي جمعته مع المرحوم التاجر حين يقول: «لقد كان المرحوم علي التاجر يمثل بالنسبة الي جيل الآباء بسبب فارق السن، فقد كنت في سن ابنه الثاني المرحوم كاظم وبفارق لا يزيد على عامين في سن ابنه الثالث محمد أطال الله في عمره إذ جمعتنا صداقة وعشرة حتى فرقت بيننا ظروف الحياة بهجرة البعض من آل التاجر إلى دبي. كنت في صباي أتردد على منزل علي التاجر الملاصق لبيت العائلة الكبير. وطبعاً كنا نادراً ما نراه إلا عن بعد لأننا نحن الصبية لا نجرؤ على المثول بين يديه. كان المرحوم علي واحداً من بين جيل «الأساتذة الذين ارتبطوا بمهنة التعليم كإبراهيم العريض وسالم العريض، وحسن الجشي، وميرزا عبدعلي الخزاعي الذين اكتسبوا اللقب بحكم امتهانهم التدريس». لهذا السبب لم يكن هذا اللقب يعطى إلا لنفر قليل من بين هؤلاء الرواد الذين عاصروا بدايات التعليم النظامي في البحرين.
في فترة الصبا علمنا أن إبراهيم العريض وعلي التاجر كانا يعملان لدى شركة امتيازات النفط البريطانية كمترجمين بسبب إجادتهما للغة الإنجليزية. وبسبب عمله في تلك الشركة فقد كان دائم السفر والتنقل. غير أن التاجر اشتهر كأحد ثلاثة أشرفوا على تحرير مجلة «صوت البحرين» ذات الطابع الأدبي والسياسي والاجتماعي العام. كانت تصدر شهرياً وتطبع في بيروت. كنت أرى المجلة في بيتنا إذ كان أخي الأكبر يواظب على قراءتها. لم أكن مهتماً بتلك المجلة في ذلك الوقت بسبب صغر سني، ويتحدث عن العلاقة التي ربطته معه في نادي العروبة بقوله: «لقد عرفت الأستاذ علي من خلال نادي العروبة الذي التحقت به قبل تخرجي من المدرسة الثانوية بقليل. هناك كنا نلتقي في غرفة الألعاب و نتجمهر حول طاولات الشطرنج و الطاولة والكيرم والدامة. كان المرحوم علي لاعبا ماهراً مولعاً بالطاولة وكنا نستمتع بمشاهدته وهو يلعبها وكيف كان يرمي الزهر ويحرك القطع بعصبية واضحة عندما لم تكن رمية الزهر مواتية لتوقعاته. في النادي كانت تجري نقاشات سياسية واجتماعية وكان الأستاذ دائم المشاركة فيها، وكنا نحن صغار الأعضاء مشاركين سلبيين في هذه الحوارات و نكتفي بدور المستمع.
دراسة أعماله المنشورة
ويرى الخزاعي أن خير تكريم لهذا الرائد من رواد النهضة الفكرية والأدبية في البحرين هو القيام بإجراء دراسة تقييمية موضوعية لأعماله المنشورة في صوت البحرين، خصوصاً بعد أن تم إعادة نشر أعداد المجلة من قبل مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث فهي الآن في متناول الباحثين.
ويوضح الخزاعي: «فباستثناء كتاباته في صوت البحرين لم يكن لعلي التاجر إنتاج منشور. نعلم أنه كان شديد الاهتمام بتاريخ المنطقة وخصوصاً بصلة الفينيقيين وأصولهم، وكان يعكف على تأليف مجلد بشأن هذا الموضوع، لست أدري كم فصلاً تم إنجازه منه. يخيل لي أن أفضل ما يمكن عمله هو نشر ما هو متوافر من مخطوطة الكتاب».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى