أدب أندلسي صلاح فضل - المعارضات المنسية

يقول الأفراني، شارح موشحة ابن سهل: “وقد وقفت على أزيد من اثنتي عشرة موشحة مما عورض به توشيح ابن سهل” لكنه لا يذكر منها سوى إشارة خفيفة لموشحة بن الخطيب (713 ـ 776 هـ) التي تفوقت على موشحة ابن سهل وأصبحت درة التوشيح الأندلسي خاصة في المغرب، ومطلعها:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس

وهي تستحق مقاربة متأنية، للموازنة بينها وبين موشحة ابن سهل، لكن لا بد أن نشير إلى بعض المعارضات التي لم تظفر بمثل هذه الشهرة.

وقد وجدت ثلاثا منها في الجزء السابع من كتاب المقري الموسوعي “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” ونشير إليها بسرعة قبل أن نفرغ للنص الأساسي الذي أبدعه ابن الخطيب، على الرغم من احتذائه نموذجا سابقا عليه. يقول بعض متأخري المغاربة في معارضة:
يا عريب الحي منحى الحمى
أنتمُ عيدي وأنتم عُرُسي
لم يحل عنكم ودادي بعدما
حلتمُ، لا وحياة الأنفس
من عذيري في الذي أحببته
مالك قلبي، شديد البرحا
بدر ثن أرسلت مقلته
سهم لحظ لفؤادي جرحا
إن تبدّى أو تثنى خلته
غصن بان فوقه شمس ضحى

أما الموشحة الثانية فهي لمشرقي يدعى أبو الفضل بن محمد العقاد وقد وفد من مكة إلى بلاط السلطان المنصور بالمغرب وأنشده هذه المعارضة:
ليت شعري هل أروّى في الظما
من لمى ذاك الثغير الألعسي
وترى عيناي ربات الحمى
باهيات بقدود مُلّس

والثالثة لشاعر آخر يقول:
لا تلمني يا عذولي تأثما
ما ترى جسمي بسقم قد كُسِ
مثلما شرح غرامي علما
حيث أشكو وحشة من مؤنس
ظبي أنس عن فؤادي نضرا
وفؤادي مكتوِ من صدّه
وعذولي في هوى الحب فرى
بملام مذ نهى عن حبه
أنت أعمى يا عذولي ما ترى
يانع الورد بدا من خده

ولن نأخذ في تحليل هذه النصوص ولا بيان مدى ضعفها أو قوتها، لكن حسبنا في هذا السياق أن نشير إلى أمرين:

فأولهما أن المعارضة تخلق لوناً من التنافس الإبداعي، فتكشف عن قدرة الشعراء على التوهج والتفوق، وقد تنتهي إلى تأكيد عظمة اللاحق.

وثانيهما: أن تحليل المعارضات بمنهج “التناص” الحداثي يعفينا إلى حد كبير من ضرورة التقييم؛ إذ يجعل هدف التحليل متابعة الأساليب الشعرية وكيفية إنتاج الدلالات فيها، وتوظيف السياقات، حيث يتم الحوار الخلاق معها، والبناء المنتظم فوقها، في مطارحات تعتمد تخصيب الذاكرة وإثراء المتخيل دون خشية من الوقوع في أسر السابقين أو الاتهام بتقليدهم.

صلاح فضل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى