فنون بصرية كاظم شمهود - موقف الإسلام من التصوير

معنى التصوير:
تشابكت الآراء والتفسيرات والمفاهيم حول تحريم الصور فمنهم من يحرم ومنهم من يحلل ومنهم من يكره ومنهم من يجزئ اي يحرم جزءا من الصورة ويحلل آخر… وسط هذه الفوضى من الآراء نقف حائرين في عصر بلغ فيه العقل البشري اوج عظمته وتقدمه وتنوره الفكري حتى اصبح الانسان يشعر انه قد جمع واستوعب كل علوم ماقبله منذ فجر الحضارات البشرية الى اليوم… ومنهم من يتخندق مع السلف الصالح ومنهم من يفتح باب الاجتهاد على اساس ان الحياة في تطور وتجدد وان الدين يسر وليس عسر. ( لا اكراه في الدين )

ولكن اين يقع التحريم هل بصورة عامة ام هناك استثناءات؟ وهل ان الديانات الاخرى كالمسيحية واليهودية قد وقع فيها تحريم الصور ام ان المسألة منحصرة في الدين الاسلامي فقط؟.. هذا ما نحاول توضيحه بشكل مختصر جدا في السطور الآتية معتمدين على مصادر القرآن والسنة النبوية وكذلك آراء العلماء من الاولين والمعاصرين على مختلف مذاهبهم.. ولنقف قليلا على معنى التصوير .

معناه في اللغة : ويعني الشكل والتمثال ويعني ايضا الصفة والهيئة وكذلك يعني الاشياء المجسمة وغير المجسمة .

معناه في الاصطلاح : ان الفقهاء يطلقون لفظ التصوير على اللوحات المرسومة على الورق او المنقوشة على الثوب وهو ما يعرف اليوم بفن الرسم او الصور غير المجسمة و كذلك يطلقونه على التماثيل المجسمة .

معناه في القرآن : لقد فسر العلماء صور و صورة التي وردت في القرآن الكريم بانها تعني التماثيل التي تحاكي الشكل المخلوق من ناحية تجسيمه و بروز اعضاءه . قال تعالى ( وصوركم فأحسن صوركم ) التغابن – اي انه كونكم التكوين الذي انتم فيه من تجسيم وبروز …


العلماء الاوائل

لقد ورد تحريم الصور في سورة المائدة قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون )

وهنا يتفق جميع العلماء بان الانصاب تعني التماثيل التي كانت تعبد في الجاهلية ولذلك حرمت.. كما ورد التحريم في الاحاديث النبوية الشريفة والتي نقلها البخاري ومسلم و الترمذي و النسائي وغيرهم منها قوله -ص- ( ان اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) وكذلك قوله -ص- ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة )

ويتضح من هذه الاحاديث بان المراد بالصور هي التماثيل حسب تفسير فقهاء الاسلام.. وهي صور الانسان والحيوان من ذوات الارواح. اما من غير ذوات الارواح من شجر وحجر وبحر وسفن وغيرها فليست محرمة باتفاق الجميع ..

لكن ماذا عن الرسم او النقش – اي الصور غير المجسمة – . الواقع لم يرد نص قرآني حول ذلك على الإطلاق. ولهذا علينا ان نرجع الى العلماء والفقهاء في تفاسيرهم وماذا يقولون حول ذلك. وقد ذهبوا مذاهب متباينة فمنهم من يحرم ومنهم من يحلل ومنهم من يكره… وقد ذكر بعض العلماء الذين يميلون الى الحل حديثا رواه البخاري وهو ( ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه صور الا رقما في ثوب ) ويعني – الا رقما في ثوب – هو الرسم او النقش او الصور غير المجسمة ولهذا فقد استثني عن التحريم عند بعض العلماء .

و ذكر الامام ابو بكر ابن العربي: ان كانت الصور مجسمة حرم بالاجماع – وان كنت رقما فاربعة اقوال :
1 – يجوز مطلقا على ظاهر الحديث – الا رقما في ثوب -
2 – المنع مطلقا .
3 – ان كانت الصور باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وان قطعت الراس او تفرقت الاجزاء جاز .
4 – ان كل ما يمتهن جاز وان كان معلقا لم يجز .


العلماء المعاصرون

ذكر الشيخ عبد الحليم محمود: وهو احد مشايخ الازهر في كتابه – موقف الاسلام من الفن – بان الرسول -ص- اقر النقود التي يستخدمها العرب في الجاهلية وكانت ترد من الممالك المجاورة وهي مصورة. وضرب معاوية دنانير عليها صورته متقلدا سيفا. كما سك عبد الملك بن مروان دنانير عليها صورته ايضا وكانت المنسوجات اليمنية فيها تصاوير. ولهذا فان عبد الحليم يقول في كتابه: ونحن نميل الى الحل مستندين الى الحديث الشريف – الا رقما في ثوب -

الشيخ حسنين محمد مخلوف: وهو مفتي الديار المصرية سابقا. فيقول ( و اما الصور الرقمية فلم تكن يوما ما معبودات في الجاهلية ولكنها تتصل بتلك الصور المجسمة نوعا ما و تذكرنا بما كان من امرها… ولكن لما استقر الاسلام وامحت الوثنية.. واستنارت القلوب بنور الايمان… رخص الشارع في الصور الرقمية في حديث – الا رقما في ثوب -… وعليه يخرج جواز صنع الصور الشخصية للانسان والحيوان وليس فيها شائبة وثنية الآن بل لها منافع كبيرة في جميع مرافق الحياة… ) ونفهم من ذلك ان الشيخ يجيز ما هو رقما اي الصور غير المجسمة او الرسم مالم يسلك بها مسلك التعظيم .

الشيخ عبد العزيز بن باز. رئيس البحث العلمي والافتاء والارشاد في السعودية. ان الشيخ ابن باز يحرم الصور المجسمة وغير المجسمة الا ما يمتهن ويوطأ والمقطوع الراس والمهان ونحوه من ذوات الارواح اما غير ذوات الارواح فليس بمحرم. وقد وردت فتواه في مجلة المجتمع الكويتية العدد 484- سنة1980 ما نصه :
( .. تحريم التصوير لكل ذي روح وان ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار, وهي عامة لانواع التصوير في حائط او ستر او قميص او مرآة او قرطاس او غير ذلك.. ) وهذا مذهب الحنابلة والشافعية والحنفية, غير ان المالكية عندهم الصور غير المجسمة مكروهة وليس بمحرمة. وعلى فتوى الشيخ ابن باز يعني ذلك تحريم رسوم وسائل الايضاح المنتشرة في كتب المدارس ومجلات الاطفال والكتب المزوقة بالرسوم ألآدمية والحيوانية ورسوم الفنانين الواقعيين ورسوم افلام كارتون ما شابه ذلك…

الامام الخميني – جاء في كتابه – تحرير الوسيلة – ما نصه ( يحرم تصوير ذوات الارواح من الانسان والحيوان اذا كانت الصور مجسمة كالمعمول من الاحجار والفلزات والاخشاب ونحوها. والاقوى جوازه مع عدم التجسيم وان كان الاحوط تركه ويجوز تصوير غير ذوات الارواح…. ) وهنا يتفق الامام مع مذهب المالكية في الكراهية ولكنه يقول الاقوى جوازه مع عدم التجسيم اي الرسم او النقش …

اما لعب الاطفال والصور الفوتغرافي والرسوم المتحركة وكذلك النحت النصفي مثلا الرؤوس من ذوات الارواح فهي خارجة عن التحريم عند اكثر العلماء… واما الفنون الحديثة التي يطغي عليها طابع التجريد والرقش العربي كالزخرفة الهندسية والنباتية والخط العربي وما شاكل ذلك فليس فيها شائبة .


التحريم عند الديانات الاخرى :

اليهودية: ورد في كتاب – موقف اليهودية من التصوير – للدكتور جمال محمد محرز. بان اليهود في العصر الاول المسيحي ثاروا على التماثيل التي نصبها الرومان للعبادة وحطموها. كما ظهرت فتاوى دينية يهودية من بعض الحاخامات بتحريم الصور لانها قد تعبد. اما في العهد القديم – التوراة – فقد وردت نصوص تحرم عبادة الصور سوى كانت المنقوشة او المنحوتة ومن هذه النصوص: ( لا تصنع لك تمثالا منحوتا ما مما في السماء من فوق وما في الارض من اسفل وما في الماء من تحت الارض ولا تسجد لهن ولا تعبدهن لاني انا الرب الهك ). (لا تصنعوا لكم اوثانا ولا تقيموا لكم تمثالا منحوتا او نصبا ولا تجعلوا في ارضكم حجرا مصورا لتسجدوا له لاني انا الرب الهكم ) .

المسيحية: في كتاب – الامبراطورية البيزنطية – للمؤلف نورمان بينز – يذكر بان المسيحيين الاوائل لم يتطرقوا الى تحريم او منع صور الكائنات الحية بل بالعكس وظفوها بشكل واسع لترجمة تعاليم الانجيل. وبما ان عامة الناس امية في ذلك الوقت فان خير وسيلة لشرح تعاليم الدين هي عن طريق تصويرها على جدران المعابد و بمرور الزمن اصبحت تلك الصور الدينية للمسيح ومريم -ع- والقديسين مقدسة ومحترمة واصبحت الناس تحتفظ بها في بيوتها للبركة …

وفي القرن التاسع للميلاد ظهرت عائلة البولسيون الذين كانوا يمقتون الرهبنة حيث احتجوا على الكنيسة وخرافاتها خاصة صناعة الصور , ومن هنا نشأ الاباطرة اللاصوريون وناصرهم الجيش وكثير من رجال الخدمة المدنية والاساقفة بينما وقفت اليونان مع الاديرة تدافع عن الصور …. وقد اعتبر الحزب الامبراطوري ان محاولة تصوير الاله في صور بشرية هي من قبل الزيغ والاجتراء .. ويذكر بان الذي قام بحملة تحطيم الصور هو الامبراطور ليون اساوريو سنة- 726 م – كما يذكر بان ليو الخامس-813-820- م هو الآخر قام بحملة اخرى لتحطيم الصور المقدسة . واستمر هذا النزاع بين الاباطرة والكنيسة حوالي مائة سنة انتهى بانتصار الكنيسة و عبادة الصور في زمن الملكة ثيودورا سنة -836-م .


الحكام والتحريم

كان ظهور الدولة الاموية- سنة 41 – هجرية – هو بداية للانحراف التام عن خط الصحابة والائمة – ع- وبذلك ظهر الترف والقصور والطرب والغناء وشرب الخمر والانحراف الى غير ذلك من الاباحية… وبالتالي فليس هناك التزام تام بتعاليم واخلاق الاسلام ومنها تحريم الصور… وبذلك فان الاباحية والتحرر من قبل الحاكم تنعكس على الامة في كل تصرفاتها ومشاربها – صلاح الامة بصلاح الحاكم – وقد بنى الخلفاء الامويين قصورا عظيمة وزينوها بالصور والزخارف المتنوعة واحاطوها بالرياض والبساتين الغناءه, منها – قصير عمرة - الموجود حاليا في البادية الاردنية وهو بناء شيده الوليد بن عبد الملك ما بين عامي 94 و 97 – هجرية /712 -715م . ان اهمية هذا القصر تكمن في الصور حيث يغطي جدرانه اقدم تصوير عربي اسلامي, وهي رسوم منفذة على الجدران تمثل مناظر للصيد والرياضة ومشهد للخليفة مع بعض الملوك ونساء عاريات ومناظر اسطورية مثل دب يعزف على آلة موسيقية وغير ذلك. غير ان ما يلفت النظر والغرابة هو موضوع الشخص العاري ففي منطقة الحمام من القصر توجد نساء واطفال عراة يستحممن. وقد نفذت كل هذه الاعمال بالاسلوب الواقعي. ولهذا فان خلفاء بني امية لم يكتفوا بعدم الالتزام بتحريم الصور وانما ذهبوا الى ابعد من ذلك برسم الصور العارية. اما الدولة العباسية فيذكر ان المنصور الدوانيقي قد بنى قصرا عليه قبة خضراء فوقها نصب فارس يمتطي حصانا يدور مع الريح. وقد عثرت على صورة منمنمة لهذا القصر في احد الكتب الاسبانية.. اما الدولة الاموية في الاندلس فحدث ولا حرج من بناء القصور والمدن الخيالية و تزينها بانواع الزينة من رسوم ومنحوتات وزخارف متنوعة لازالت الى اليوم قائمة كشاهدة على ذلك العصر. اما اليوم فان الحكام المسلمين (خير خلف لخير سلف). ولهذا يطلق احيانا على هذه المرحلة المعاصرة – بثقافة الحجارة – خاصة في بلاد الخليج…

ويعتقد الكثير من العلماء ان هناك آلاف الاحاديث الضعيفة والغريبة قد دست في السنة النبوية وتحتاج الى تحقيق جاد لمعرفة مدى صحتها.
ثانيا يجب اعطاء دور كبير للعقل في الحكم والتحليل والتفسير والتمييز والاجتهاد لان القرآن له ظاهر وباطن..
ثم لماذا نتمسك بآراء علماء ظهروا قبل الف سنة وهم غير معصومين عن الخطأ ثم نعطل العقل والفكر ونجمد الحياة..؟ رفقا بالناس ايها العلماء.. والدين يسر ولا عسر والله العالم بالصواب .

د. كاظم شمهود


----------
* موقع Anthropos لــ ذ. درنوني سليم



د. كاظم شمهود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى