إشرب !!... إشرب !... لتنتسب أكثر إلى شيء ما في هذا الوطن :
شجرة ؛ طائر او بركة ؛ باقة ورد ؛ اضواء ؛ سماء ؛ سحابة ؛ سنبلة . إشرب ! لا يمكن ان تصالح الحاضر ، ردم بينك و بينه ، أنت مغترب مستلب ، لا وطن لك إلا الارصفة والشوارع تذرعها ، لا شيء تنتمي إليه أو ينتمي إليك ، إنهم يفرغون فيك آخر رصاصة إسمها الحرمان من الإنتماء للوطن . في الأسر كنت "الهيدرة " الأفعوان ذو التسع رؤوس وكلما قطع الحجاج رأسا من رؤوسك نبتت لك راس اخرى . والآن تركوا لك الفراغ ، تركوا لك حانة ومبغى
هل هذا هو الوطن ؟ !
هذه امكنة فاسدة ياصديقي ، لا تحوي إلا معطوبين مثلك وحالمين بسفن من الورق تحملهم إلى مدن الشمال
هناك ! حيث يتحررون على الاقل من أسئلة تؤرقهم ،
هنا: قف ! من أنت !؟ من اين أتيت !؟ ما هي وجهتك !؟، ماذا تحمل !؟
أناس مهووسون بالاسئلة ومعبأون "بديناميت" اسمه الخوف المرضي (الفوبيا ) .
لما خرجت من السجن وضعوا عليك عيونا تتعقبك ( حتى " حزقاتك" يحصونها على أطراف أصابعهم )
من مكان إلى آخر وحين ايقنوا ان كسرك قد تم نهائيا ، تركوك للحانات والمباغى ، بورك فيك ايها الطائر المكسور الاجنحة ، هكذا يريدونك ! تحصي جراحاتك على اطراف اصابعك وتلعقها كقط خرج من معركة خاسرة .
إشرب !.. إشرب !.. يا حبيبي حتى تنسى ما اقترفت يد الجلاد في حقك من التدمير، تعج ذاكرتك الآن بمعاملات رهيبة تأبى ان تفكر فيها وتعتبر مجرد ذكرها معاناة بدورها ، لكنها تلح عليك فتسترجع ذاكرتك وانت في ضيافة إحدى الحانات ، صباحات ديسمبر الباردة وضوء الشمس شحيح لكنه رغم ذلك فقد كان يغشى أعينكم و يلهبها ويدمعها من كثرة ما ألفتم الظلام ، وكنتم تركضون كالبغال في باحة السجن تحت لسع السياط ، وفي إحدى تلك الصباحات ، جنت السماء بوابل من المطر والبرد ، ولما جنت السماء جن الجلادون بدورهم وكانوا يصرخون فيكم :
ـ لا تريدون ان تعيشوا في سلام ، كالآخرين يا اولاد....!؟ لماذا تتطاولون على النظام !؟
وينكأ الآخر جراحاتكم :
ـ هاهم اصدقاؤكم قد إعترفوا عليكم ، وخرجوا ، وبقيتم أنتم تهترئون وستفقدون رجولتكم .
لم يعترف أحد ، ولم يخرج احد ، ماتوا كلهم تحت التعذيب ، وفي الهزيع الاخير من ليل اليوم الموالي سمعتم الفؤوس تشق صدر الارض ، والرفوش تكشط التراب ، كانت الاجساد توارى التراب تباعا ، هذا ما خمنتموه ، وتاكد لكم ذلك لما خرجتم من الاسر ، أكبرتم في اصدقائكم شهاماتهم ووفاءهم للعهد الذي اخذتموه على أنفسكم ، ومن اجلهم تمسكتم بقضيتكم ، وكنتم بنيانا مرصوصا في وجوه جلاديكم . وخارج الاسوار كان اعداؤكم يسخرون - فقهاء الظلام – لتحطيم اصنامكم ( كما يقولون) جلادون من نوع آخر، ساهموا مع النظام في إعداد شعب على الفطرة ، لين العريكة ، وفرخوا غيلانا تتقاسم معهم خيرات الوطن ، وهكذا وجدتم انفسكم انتم النوتيون داخل جزيرة نائية محاصرون .
˗ إشرب !.. إشرب ! واركض برجليك من حانة لحانة ، لتشذب اشجار احزانك ، لكن الحانات لم تفلح دائما في إخماد نار الحقد على اعدائك ، بل كانت تؤججها ، فها هي اعناق القناني تنتصب امامك فتذكرك برؤوس آدمية أينعت فحان قطافها فتتذكر " ابن جلا طلاع الثنايا* " وتتذكر غلظة جلاديك فترى القناني تتطاير كأعناق الكراكي ، فتقول في نفسك : لا مكان يخلو من الجلادين .
لم يتبق إلا مزق من الليل حين غادرت إحدى الحانات بعد أن شهدت مجزرة بين حراس أمن الحانة ومجموعة من السكارى ، إحتفى بك الشارع والفراغ والبرد القارس الذي لسع اطرافك وطير الدفء منها ، ولم تكن مفاجئة ان يقع لك ما وقع ، في هذه المدينة التي إستوطنتها الغيلان والعفاريت ، مدينة تركت للنهب ، إستقر حد السيف على اسفل حنجرتك ، حكيت لقاطع الطريق عن السجن عن احزانك التي تشبه دالية معرشة، لكنه لم يأبه لك ، عبثت يداه بجيوبك .... أوراق نقدية فضلت من طوافك على الحانات ، علبة سجائر وساعة يد ، واستوطن جيوبك الفراغ ، لا شيء غير مفاتيح بيتك تركها اللص في يديك وترك لك فرصة أخرى لتشهد أحزانا أخرى في وطن لا يمث بأية صلة إليك .
بوتالوحت احماد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحجاج ابن يوسف الثقفي
شجرة ؛ طائر او بركة ؛ باقة ورد ؛ اضواء ؛ سماء ؛ سحابة ؛ سنبلة . إشرب ! لا يمكن ان تصالح الحاضر ، ردم بينك و بينه ، أنت مغترب مستلب ، لا وطن لك إلا الارصفة والشوارع تذرعها ، لا شيء تنتمي إليه أو ينتمي إليك ، إنهم يفرغون فيك آخر رصاصة إسمها الحرمان من الإنتماء للوطن . في الأسر كنت "الهيدرة " الأفعوان ذو التسع رؤوس وكلما قطع الحجاج رأسا من رؤوسك نبتت لك راس اخرى . والآن تركوا لك الفراغ ، تركوا لك حانة ومبغى
هل هذا هو الوطن ؟ !
هذه امكنة فاسدة ياصديقي ، لا تحوي إلا معطوبين مثلك وحالمين بسفن من الورق تحملهم إلى مدن الشمال
هناك ! حيث يتحررون على الاقل من أسئلة تؤرقهم ،
هنا: قف ! من أنت !؟ من اين أتيت !؟ ما هي وجهتك !؟، ماذا تحمل !؟
أناس مهووسون بالاسئلة ومعبأون "بديناميت" اسمه الخوف المرضي (الفوبيا ) .
لما خرجت من السجن وضعوا عليك عيونا تتعقبك ( حتى " حزقاتك" يحصونها على أطراف أصابعهم )
من مكان إلى آخر وحين ايقنوا ان كسرك قد تم نهائيا ، تركوك للحانات والمباغى ، بورك فيك ايها الطائر المكسور الاجنحة ، هكذا يريدونك ! تحصي جراحاتك على اطراف اصابعك وتلعقها كقط خرج من معركة خاسرة .
إشرب !.. إشرب !.. يا حبيبي حتى تنسى ما اقترفت يد الجلاد في حقك من التدمير، تعج ذاكرتك الآن بمعاملات رهيبة تأبى ان تفكر فيها وتعتبر مجرد ذكرها معاناة بدورها ، لكنها تلح عليك فتسترجع ذاكرتك وانت في ضيافة إحدى الحانات ، صباحات ديسمبر الباردة وضوء الشمس شحيح لكنه رغم ذلك فقد كان يغشى أعينكم و يلهبها ويدمعها من كثرة ما ألفتم الظلام ، وكنتم تركضون كالبغال في باحة السجن تحت لسع السياط ، وفي إحدى تلك الصباحات ، جنت السماء بوابل من المطر والبرد ، ولما جنت السماء جن الجلادون بدورهم وكانوا يصرخون فيكم :
ـ لا تريدون ان تعيشوا في سلام ، كالآخرين يا اولاد....!؟ لماذا تتطاولون على النظام !؟
وينكأ الآخر جراحاتكم :
ـ هاهم اصدقاؤكم قد إعترفوا عليكم ، وخرجوا ، وبقيتم أنتم تهترئون وستفقدون رجولتكم .
لم يعترف أحد ، ولم يخرج احد ، ماتوا كلهم تحت التعذيب ، وفي الهزيع الاخير من ليل اليوم الموالي سمعتم الفؤوس تشق صدر الارض ، والرفوش تكشط التراب ، كانت الاجساد توارى التراب تباعا ، هذا ما خمنتموه ، وتاكد لكم ذلك لما خرجتم من الاسر ، أكبرتم في اصدقائكم شهاماتهم ووفاءهم للعهد الذي اخذتموه على أنفسكم ، ومن اجلهم تمسكتم بقضيتكم ، وكنتم بنيانا مرصوصا في وجوه جلاديكم . وخارج الاسوار كان اعداؤكم يسخرون - فقهاء الظلام – لتحطيم اصنامكم ( كما يقولون) جلادون من نوع آخر، ساهموا مع النظام في إعداد شعب على الفطرة ، لين العريكة ، وفرخوا غيلانا تتقاسم معهم خيرات الوطن ، وهكذا وجدتم انفسكم انتم النوتيون داخل جزيرة نائية محاصرون .
˗ إشرب !.. إشرب ! واركض برجليك من حانة لحانة ، لتشذب اشجار احزانك ، لكن الحانات لم تفلح دائما في إخماد نار الحقد على اعدائك ، بل كانت تؤججها ، فها هي اعناق القناني تنتصب امامك فتذكرك برؤوس آدمية أينعت فحان قطافها فتتذكر " ابن جلا طلاع الثنايا* " وتتذكر غلظة جلاديك فترى القناني تتطاير كأعناق الكراكي ، فتقول في نفسك : لا مكان يخلو من الجلادين .
لم يتبق إلا مزق من الليل حين غادرت إحدى الحانات بعد أن شهدت مجزرة بين حراس أمن الحانة ومجموعة من السكارى ، إحتفى بك الشارع والفراغ والبرد القارس الذي لسع اطرافك وطير الدفء منها ، ولم تكن مفاجئة ان يقع لك ما وقع ، في هذه المدينة التي إستوطنتها الغيلان والعفاريت ، مدينة تركت للنهب ، إستقر حد السيف على اسفل حنجرتك ، حكيت لقاطع الطريق عن السجن عن احزانك التي تشبه دالية معرشة، لكنه لم يأبه لك ، عبثت يداه بجيوبك .... أوراق نقدية فضلت من طوافك على الحانات ، علبة سجائر وساعة يد ، واستوطن جيوبك الفراغ ، لا شيء غير مفاتيح بيتك تركها اللص في يديك وترك لك فرصة أخرى لتشهد أحزانا أخرى في وطن لا يمث بأية صلة إليك .
بوتالوحت احماد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحجاج ابن يوسف الثقفي