ذبابة تطنّ فوق رأسي مثل طائرة إسرائيليّة فوق غزّة. أريد أن أقبض عليها وألقيَ بِها في السّجن. لن يكون السّجن إلّا علبة كبريت. سأستجوبُها، وأحرّكُ العلبة بِخفّة حتّى تعرف حقّ النوم، وحقّ الرّاحة. أو حتّى أكون أكثر مكراً، سأفعل بِها كما في النّكتة.
سأتربّص بِها وأقبض عليها، وأضعها فوق راحتي، وأهدهدها حتّى تنام. وعندما تنام، سأصيح "زنننننننننننننننننننننننن"، فتفيق. فأهدهدها حتّى تنام، ثُمّ " زنننننننننننننننننننن"، وهكذا... أريد أن تعرف معنى الإزعاج، ومعنى أن لا تترك الآخر بسلام. كلّ تلك الخطط التي أتخيّلها، والذّبابة تغيّر المواقع، يميناً وشمالاً. وأنا أتقلّبُ يميناً وشمالاً.
تقول لِي الذّبابة: أن ترتاح يعني أن تغيّر الغرفة. أن أغيّر الغرفة، يعني أنّي انهزاميّ. الفلسطينيّ لن يرضى. وأنا أيضاً. ليس لديّ فليطوكس، مبيد الحشرات. والفلسطينيّ ليس لديه أسلحة كافية. أشعل الضوء، وأبحث عن شيء، أيّ شيء. كتاب ما، كالكاتيوشا. ليكنْ، سأختار كتاباً خفيفاً، وسأقذف به الذّبابة. كتاب خفيف؟
أمامي "صنعة الشّعر" لخورخي لويس بورخيس. يا بنت الذّبابة ستعلمين الآن مَن يكون بورخيس. أصوّب عليها، وأقذفها بالكتاب.
شاهدت الكتاب ينفتح، كنسرٍ في السّماء يبسط جناحيه، وينقضّ على الذّبابة. يا لَها من مصادفة، الفلسطينيون أيضاً أسقطوا طائرةً للعدوّ الإسرائيليّ. لنفرح، أسقطنا طائرة. أنا سأفرح مرّتين، الطّائرة والذّبابة. لقد لصقت الذّبابة بالصّفحة 52، تماماً فوق مقطع للشّاعر الأميركي كامينغز "وجه الرّبّ الرهيب، أكثر لَمعاناً من ملعقة!!". ماذا يقول هذا...؟ لكنّ بورخيس لَا يهتمّ بالعقيدة، يهتمّ بأمر آخر: "يبدو لي مؤسفاً، لأنّ أحدنا يستشفّ، دون شكّ، بأنّ الشّاعر قد فكّر أوّلاً بسيف، أو بنور شمعة، أو بالشّمس، (...) وقال عندئذٍ: لَا، فأنا شاعر حديث، ولهذا سأدخل ملعقةً في شعري".
إذاً الحداثة الآن أن أكتب عن أدوات المطبخ، والحشرات، والسبانخ. الحداثة الآن أن أحشر النّصوص بالحشرات. الذّبابة الآن وسط الكتاب، منظرٌ مقرفٌ. منظر مقرف، لكنّه أفضل من الطّنين. لم أغيّر الغرفة، ولن أغيّرها. في المرّة القادمة، على الفلسطينيين أن يستعدّوا. وأن يستعدّوا لقذف العدو، إن تطلّب الأمر، وعند الضرورة، بكتب بورخيس.
* العربي الجديد
سأتربّص بِها وأقبض عليها، وأضعها فوق راحتي، وأهدهدها حتّى تنام. وعندما تنام، سأصيح "زنننننننننننننننننننننننن"، فتفيق. فأهدهدها حتّى تنام، ثُمّ " زنننننننننننننننننننن"، وهكذا... أريد أن تعرف معنى الإزعاج، ومعنى أن لا تترك الآخر بسلام. كلّ تلك الخطط التي أتخيّلها، والذّبابة تغيّر المواقع، يميناً وشمالاً. وأنا أتقلّبُ يميناً وشمالاً.
تقول لِي الذّبابة: أن ترتاح يعني أن تغيّر الغرفة. أن أغيّر الغرفة، يعني أنّي انهزاميّ. الفلسطينيّ لن يرضى. وأنا أيضاً. ليس لديّ فليطوكس، مبيد الحشرات. والفلسطينيّ ليس لديه أسلحة كافية. أشعل الضوء، وأبحث عن شيء، أيّ شيء. كتاب ما، كالكاتيوشا. ليكنْ، سأختار كتاباً خفيفاً، وسأقذف به الذّبابة. كتاب خفيف؟
أمامي "صنعة الشّعر" لخورخي لويس بورخيس. يا بنت الذّبابة ستعلمين الآن مَن يكون بورخيس. أصوّب عليها، وأقذفها بالكتاب.
شاهدت الكتاب ينفتح، كنسرٍ في السّماء يبسط جناحيه، وينقضّ على الذّبابة. يا لَها من مصادفة، الفلسطينيون أيضاً أسقطوا طائرةً للعدوّ الإسرائيليّ. لنفرح، أسقطنا طائرة. أنا سأفرح مرّتين، الطّائرة والذّبابة. لقد لصقت الذّبابة بالصّفحة 52، تماماً فوق مقطع للشّاعر الأميركي كامينغز "وجه الرّبّ الرهيب، أكثر لَمعاناً من ملعقة!!". ماذا يقول هذا...؟ لكنّ بورخيس لَا يهتمّ بالعقيدة، يهتمّ بأمر آخر: "يبدو لي مؤسفاً، لأنّ أحدنا يستشفّ، دون شكّ، بأنّ الشّاعر قد فكّر أوّلاً بسيف، أو بنور شمعة، أو بالشّمس، (...) وقال عندئذٍ: لَا، فأنا شاعر حديث، ولهذا سأدخل ملعقةً في شعري".
إذاً الحداثة الآن أن أكتب عن أدوات المطبخ، والحشرات، والسبانخ. الحداثة الآن أن أحشر النّصوص بالحشرات. الذّبابة الآن وسط الكتاب، منظرٌ مقرفٌ. منظر مقرف، لكنّه أفضل من الطّنين. لم أغيّر الغرفة، ولن أغيّرها. في المرّة القادمة، على الفلسطينيين أن يستعدّوا. وأن يستعدّوا لقذف العدو، إن تطلّب الأمر، وعند الضرورة، بكتب بورخيس.
* العربي الجديد