جيلى عبدالرحمن - هجرة من صاى.. شعر

وقفن على الشط كالذكريات
بقلب المعذب الشاعر
وقبلن أمى فى وجهها
ولوحن للركب الزاخر
وعمى يبلل رأسى الصغير
بريق الفم اللاهث الغائر
ولحيته شوُكت وجنتى
وداعب شاربه ناظرى !
وقال وفى مقلتيه دموع
نزلن غزاراً على خده
وفى قلبه أمنيات حيارى
يناجى بها الليل فى سهده !
بنى .... إذا ما وسلت بخير
وأعطاكم الله من عنده
فقل لأبيك ... تذكر أخاك !
تذكره دوماً ... وعلى بعده !

*******

كهول على الشط تحت النخيل
كأشباح أسطورة ساخرة
روتها المياه الى الشاطئين
مياه مقهقهة ثائرة
وشيخ يحملق فى الواقفين
وروح تحوم فى القاهره
وخلف النخيل على البعد ترنو
بيوت مبعثرة خائرة !
وحين تعالى شراع السفين
ليهتك ستر الفضاء الرحيب
ترقرق فى العين دمع القلوب
وثم عويل وصوت رعيب
وعمى يشير بكلتا يديه
وأمى ترد بطرف كئيب
وغاب بنا موكب الراحلين
كخاطرة فى ضمير الغيوب !!!
أمان تداعب قلب الغلام
وأمى تنغمها كل حين
ففى مصر ,,, فاكهة البرتقال
وفيها لذائذ ... للأكلين!
قصور تطاول سحاب السماء
وتسلب فى مرتقاها العيون
وترقص مصر بأنوارها
وأنوارها تسحر الناظرين

*******

ورحت الوان هذا الخيال
برشة احلامى المبدعة
أظلل فى خاطرى صورة
مجسدة لأبى بارعة
ولما تعالى صفير القطار
وزمجر كالقصة المفزعة
جريت وامى بدت مسرعة
تساهم فى الضجة الممتعه

*******

ركبنا القطار فيا للهناء
وياللعناء عناء السفر!
ورحت أحلق بين الحقول
حقول ! وشى يثير الفكر ّ!
فأين نهاية هذى الزروع !
عجبت عجيب أيجرى الشجر ؟؟؟
وساءلت أمى فى لهفة
فردت على بروح ضجر

*******

وكان عناق ... وكان بكاء
فيا للأسى ليلة دامة
وعمى لقد مات عمى هناك
لقد مات فوق حطام جديب
ونحن أقمنا له مأتماً
هنا فى الصدور هنا فى القلوب
ونحن حفرنا على أعظم
نمزقها فى الأسى والشحوب
حفرنا عليها حروفاً تنير
شعاب الطريق لروح غريب
ومن فم آبائنا قد رضعنا
أغانى الجحيم ونوح اللهيب
وأنا سنرجع ياصاى يوماً
ونعمر أكواخنا والدروب


نقلاً عن ديوان قصائد من السودان - تأليف د. جيلى عبدالرحمن و د. تاج السر الحسن - دار الجيل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى