أحمد رجب شلتوت - المكان الروائي شخصية موضوعية، وبُعد اجتماعي

الكاتب المصري أحمد رجب شلتوت: المكان الروائي شخصية موضوعية، وبُعد اجتماعي
لا رواية بلا مكان، .. فإذا كان المكان يمثل الموضع الذي تجري فيه أحداث الرواية فلابد إذن من وجوده ولكن عنصر المكان لم يكن فعالًا أو حاسمًا في التخييل الروائي، وتعتبر رواية «روبنسون كروزو» للروائي «دانييل دي فو» هي أول عمل أدبي منح دور البطولة للمكان، فلم يعد مجرد إطار تدور فيه الأحداث. وهو الدور الذي ازداد تدريجيا خاصة مع تأثيرات موجة الرواية الجديدة في فرنسا التي عملت على تحطيم الزمن كمقياس لمغزى الحياة، وأحلوا محله المكان.
وكان السرد العربي القديم أسبق من الرواية في الاحتفاء بالمكان، والمدهش أنّ السرد العربي القديم احتفى كثيرًا بالمكان، ولعل كتاب ألف ليلة وليلة خير دليل على ذلك، لكن الرواية العربية لم تولِ المكان الأهمية التي تليق به (خاصة في مرحلة ما قبل نجيب محفوظ) لكن مع جيل الستينات (والأجيال التي تلت) أدرك الروائيون قيمة المكان، وهنا نشير على سبيل المثال إلى علاقة حنا مينا باللاذقية، وإبراهيم الكوني بصحراء الحمادة بليبيا، وعبد الرحمن منيف بـ «حران» و»مدن الملح»، ومحمد جبريل ومدينة الاسكندرية، وغيرهم. فالمكان الروائي لم يعد مجرد وعاء حاو للأحداث والشخصيات بل هو شخصية موضوعية، كما أنه بُعد اجتماعي إذ يتأثر بحياة من حوله كما يؤثر في حياتهم. وبحسب تعبير جون برين «الناس هم الأماكن، والأماكن هي الناس». وهنا نؤكد على شيء بديهي وهو أنّ القاهرة في روايات نجيب محفوظ ليست هي القاهرة الحقيقية، ونفس الشيء بالنسبة للندن عند «جون جولز وروذي» أو باريس عند «بلزاك» و«زولا»، فالمدينة الروائية مدينة خيالية حتى وإنْ استطاع القارئ أن يتحقق من وجودها الجغرافي، كما أن لها وظيفة خاصة في بناء عالم الرواية إذ تصبح حاملة لمدلولات مختلفة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعناصر الأخرى المكونة للرواية، وتسقط عليها وتكتسب منها عمقها.
والمكان عندي لا يوصف لذاته، ولكن أتعامل معه باعتباره جزءا عضويا في الرواية، خيوطا في نسيجها، يضيف إلى دلالاتها وإيحاءاتها وصورتها الكلية». كما في روايتي «حالة شجن» الفائزة بجائزة إحسان عبد القدوس، ففيها اعتمدت على تقنية الرحلة أو التنقل بين الأماكن، فلم يرتبط ببنية الرواية فحسب، بل كان المكان فاعلا في كل أحداثها، مؤثرا في الشخصيات وفي الأحداث.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى