الحانة تعجُّ بالزبائن , ودخان السجائر, ورائحة اليانسون .
و زرزور – صاحبُها العجوزُ, الصامت دائـماً – يجلس خلف الدفّة، يسند رأسَه إلى كفّيه, ويراقب بشبه إغماض.
دُون أن يُلقيَ السلامَ, توجّه يوسف الجمل إلى طاولته المعتادة قرب النافذةِ الصغيرةِ المطلة على بيوت الحارة القديمة .
استغرب زرزور, فليس من عادة الجمل أن يدخل هكذا, دون أن يملأ فضاءَ الحـانةِ بضحكته المُجَلجِلة . تجاوزَ صمتَه ... حمل زجاجة عَرَقٍ، وتوجّه نحوه بخطىً زاحفة.
" ليت أحدهم يأتي...فلابدّ من وَداعِهم قبل أن أعود ".
كان هذا الهاجس يدور في رأسه , وشعورٌ بائسٌ ينمو في داخله .
أشعل سيجارةً, وشرب الكأس الأولى. تفتّحتْ عروقه. صعَدَ بخـارُ العرق إلى رأسه , وداعب سقفَ الجمجمة .
ما كان يخطر بباله أنّ رجالاً يشربون بمثل طريقتهم, ويضحـكون بمثل ضحكهم, يمكن أن يحملوا في داخلهم ذلك القلقَ, وذلك العمقَ، وذلك الأملَ الذي يصل إلى حدودِ الشمس .
كان يجلس بينهم كالغريب, لا يدرك كلَّ ما يقولون , لكنّ شيئاً ما في داخله يشدّه نحوهم .
نظّمَ حياته معهم, وأحبَّهم كأنَّه يعرفهم منذ زمان.
قرأ الكتابَ الأوَّل على يدِهم, وكبُر معهم… قوّةٌ جديدة وُلِدتْ في أعماقه, نَمَتْ بسرعة اشرأبّتْ مثل عود قصب ٍ تسلَّل من تحت الحطام, فارتفع, وارتفع حتى عانق الضوءَ والنسيم .
صارت الحياة أثمنَ في عينيه, صار لها معنىً, وهدف ٌ تستحقُّ لأجله أن تُعاش .
شرب كأساً ثانيةً كأنّه يطفئ ظمأً قديماً, دخّن بشهيّة, وأسند رأسَه إلى الجدار القريب، والأخيِلةُ تلاحقه مثل جّنيّاتٍ خرجتْ من حكايات جَدّتِه القديمة.
" كان الوقت مساءً, والقرية الصغيرة تغتسل بأصيل صيفٍ دافئ، حين جاؤوا… أربعة ُرجالٍ بملابسَ عاديّة, يتقدَّمُهم (أبو عبده الدكنجي).
ملامحُهم غيرُ واضحةٍ؛ لكنَّ اللحظة لا تُنسى، أخذوا الأب ومضوا… ظلُّهم يمتدُّ بعيداً خلفهم .
صرختِ الأمُّ، وبكتْ كثيراً... بكى الأطفالُ الخائفون… حارَ الأهلُ ماذا يفعلون.
طرقوا كلَّ الأبوابِ الممكنة، ولم يتوصّلوا إلى خبرٍ عن الأب الذي غاب. تركَ يوسف المدرسة، غادرَ القرية، وجاءَ إلى العاصمة البعيدة، ليبدأ رحلة الضياع والخوفِ والعمل...والمعرفة.
في المدينة الكبيرة كبُرَ يوسف، تشرَّدَ في شوارعها، ورضع حليبَ التجربة .
وفي الحارة العتيقة امتدَّتْ نحوه يدُ الصدفة .
كان بؤسه، وغضبه الدفين كافيين ليتعلَّق بأفكارهم، يحملها على عاتقه، ويمضي بها إلى الأمام.... يدفعُه الحلمُ الفتيُّ، يرسمها بمقياس الألم والحرمان....
الحلمُ الذي صوَّر له الثورة كلمةَ سحرٍ يرميها متى شاء فتُغيِّر العالمَ من حوله، وتبني ذلك العالمَ الآخر الذي لا يعرف له شكلاً، سوى أنّه عالمٌ جميلٌ، سعيدٌ، لا مكان فيه للخوف.
وسَيُدرِكُ متأخِّراً أنَّ الحماسَ والكلماتِ الكبيرةَ لا تغيِّر واقعاً.
وفي مناقشةٍ صاخبةٍ سَيُعلنُ وقفَ نشاطِه، والعودة َإلى قريته.
سيحتدمُ الجدالُ في تلك الليلة، وسيتّهمه أحدُ (الرفاق) بأنّه انهزاميٌّ أو عميل .
سيبتلع الإهانة مع الخيبة ومرارة الحلْق، وستظلُّ كلمة (عميل) تحفر في رأسه طويلاً مثل إزميلٍ حادّ.
" لا يهمُّ … لابدَّ من العودة إلى القرية… أتمسِّك بما تبقّى من الدفء قبل أن يتجمَّدَ في صقيع هذا الزمن البارد... لكنْ لو يأتون!!"
الليلة تمتدُّ على مساحة الذاكرة.
يتأمَّلُ المشهدَ الثمِلَ من حَولِه، ويتنهَّد بسخريةٍ وأسىً.
ينظر من النافذةِ الصغيرة: ضوءٌ أحمرُ خافتٌ ينادي من الشرفة المقابلة.
يتململُ القلب بفرح ٍواشتهاء… إنَّها (عزيزة خانم) فتحتْ ستائرَ غرفتها. ثوبها الورديُّ يتمايل في عينيه، يداعب وجهَه بعذوبةٍ ودلال… تسقط ألفُ زهرةٍ على السرير الواسع، وغيمةُ عطر ٍ تفوح من الملاءة البيضاء.
تنتفض الياسمينةُ المتشبِّثةُ بجدار الشرفة، ترقص، تئنُّ… وتصفِّق الرجولةُ خجلة في داخله.
تتفتّح على خـدّها وردةٌ جوريّـةٌ… ترسمُ أحـلامَ الصِّبا الموؤود.
وعند انصهار الروح بالجسد, يتوحّـد الحزن والفرح… تنبثق الهزائمُ الكامنةُ في الروح... ينفجر تعبُ السنين المتراكمُ, لحظةَ َ احتراق الخلايا… تبكي شبابـَها الضائعَ، ليـالي وحدتِها الطويلة َفي انتظار من لا يأتي… تلملمُ حبّاتِ أمومتِها المتناثرةَ، على بيوت الحارة.
تُسِندُ رأسَها على صدرهِ… تحدِّثـه عن تفاصيل يومِها، عن همومها، وأحلامِها البسيطة، تطوِّقُه بيديها, تشمُّ رائحةَ جسدِهِ… وتعتصِره.
حين بكتْ أمامه أوَّل مرَّة، أحسّتْ بالانكسار، انـهار فجأةً ذلك العنفوانُ والكبرياء، وتمزَّقتْ صورةُ المرأةِ التي تطلبُ الرجلَ فيستجيب.
مسح بأطراف الأصابع ماء عينيها، عَدَّ السنينَ المحفـورةَ على جبينها ووجنتيها، قّبّلَ الجبينَ، واحتضنها بإحساس الرجل الكبير.
تتماهى الأشياءُ، وتمتزجُ الصُّوَرُ… الضوءُ الأحمر يَبْهُت، وتضيع اللحظةُ، ينسدل في داخله ليلٌُ مظلم، ينسحب الحزنُ خيطاً دقيقاً يحزُّ حوافَّ القلب، وعلى اللوحةِ السوداء يرى أمَّه التي تركها صبيَّةً يلبسها السَّوادُ, إخوتَه المنكمشين من خوفٍ داهمَ البيتَ فجأةً, فاختطف الدفءَ الذي كان يشعُّ فيه.
يرى شبابَه الأوَّلَ، والجامعةَ التي كان يحلم أنْ يدخلها .
يرى قريتَه الصغيرةَ, تغفو على سفح الجبل، تحلم مثل صبيةٍ في أوَّل التفتّح .
اختلاطٌ عجيبٌ يعبثً برأسه... تتداخل الأمكنةُ, والأزمنة, والأشياء.
تحاصرُه صُورُ رفاقِهِ، لياليهم الطويلةُ، وكلماتُهم الواثقةُ، تصفعه كلمةُ ( عميل) .
شلالٌ بـاردٌ ينهمر في وجدانِهِ, تجتاحه رغبةٌ بالبكاء... بكاءٍ صافٍ عميقٍ، كبكاء الطفل حين يداهمه حلمٌ حزين.
يشرب من فم الزجاجةِ، ينظر… لا أحدَ يأتي .
شاشة العينين تمتلئ بالغباشِ، واللوحةُ أمامه رجراجة.
لا يخجل من دموعه، ومن تموُّج الأشياء في عينيه.
" هل سكرتَ يا يوسف ؟!!".
لكنَّ يوسف لم يسكرْ. يوسف الجمل ما عاد الخمرُ يُسْكِرُه. هي الروحُ المنعتقةُ تجري أمامه، ترسم خرائط َالزمن ِ القاسي.
" لن يأتوا...!! "
يلملمُ نثارَه، ويهمُّ باتجاه الباب… تخونُه عيناه، يدقّـق أكثر، يراهم قادمين، يفتِّش عن صُورِ رفاقه، ملامحهم غيرُ واضحةٍ، يقتربون أكثرَ فأكثرَ، صورُهم تكبرُ في مرآة العيني… أربعةُ رجالٍ بملابسَ عاديّة.
ذهب يوسف الجملُ، والضوءُ الأحمرُ الخافتُ انطفأ، وأُسدِلت الستائرُ في الشرفة المقابلة… وحدَها عزيزة خانم أسدلت ستائرَها, ولم تفتحْها منذ تلك الليلة.
و زرزور – صاحبُها العجوزُ, الصامت دائـماً – يجلس خلف الدفّة، يسند رأسَه إلى كفّيه, ويراقب بشبه إغماض.
دُون أن يُلقيَ السلامَ, توجّه يوسف الجمل إلى طاولته المعتادة قرب النافذةِ الصغيرةِ المطلة على بيوت الحارة القديمة .
استغرب زرزور, فليس من عادة الجمل أن يدخل هكذا, دون أن يملأ فضاءَ الحـانةِ بضحكته المُجَلجِلة . تجاوزَ صمتَه ... حمل زجاجة عَرَقٍ، وتوجّه نحوه بخطىً زاحفة.
" ليت أحدهم يأتي...فلابدّ من وَداعِهم قبل أن أعود ".
كان هذا الهاجس يدور في رأسه , وشعورٌ بائسٌ ينمو في داخله .
أشعل سيجارةً, وشرب الكأس الأولى. تفتّحتْ عروقه. صعَدَ بخـارُ العرق إلى رأسه , وداعب سقفَ الجمجمة .
ما كان يخطر بباله أنّ رجالاً يشربون بمثل طريقتهم, ويضحـكون بمثل ضحكهم, يمكن أن يحملوا في داخلهم ذلك القلقَ, وذلك العمقَ، وذلك الأملَ الذي يصل إلى حدودِ الشمس .
كان يجلس بينهم كالغريب, لا يدرك كلَّ ما يقولون , لكنّ شيئاً ما في داخله يشدّه نحوهم .
نظّمَ حياته معهم, وأحبَّهم كأنَّه يعرفهم منذ زمان.
قرأ الكتابَ الأوَّل على يدِهم, وكبُر معهم… قوّةٌ جديدة وُلِدتْ في أعماقه, نَمَتْ بسرعة اشرأبّتْ مثل عود قصب ٍ تسلَّل من تحت الحطام, فارتفع, وارتفع حتى عانق الضوءَ والنسيم .
صارت الحياة أثمنَ في عينيه, صار لها معنىً, وهدف ٌ تستحقُّ لأجله أن تُعاش .
شرب كأساً ثانيةً كأنّه يطفئ ظمأً قديماً, دخّن بشهيّة, وأسند رأسَه إلى الجدار القريب، والأخيِلةُ تلاحقه مثل جّنيّاتٍ خرجتْ من حكايات جَدّتِه القديمة.
" كان الوقت مساءً, والقرية الصغيرة تغتسل بأصيل صيفٍ دافئ، حين جاؤوا… أربعة ُرجالٍ بملابسَ عاديّة, يتقدَّمُهم (أبو عبده الدكنجي).
ملامحُهم غيرُ واضحةٍ؛ لكنَّ اللحظة لا تُنسى، أخذوا الأب ومضوا… ظلُّهم يمتدُّ بعيداً خلفهم .
صرختِ الأمُّ، وبكتْ كثيراً... بكى الأطفالُ الخائفون… حارَ الأهلُ ماذا يفعلون.
طرقوا كلَّ الأبوابِ الممكنة، ولم يتوصّلوا إلى خبرٍ عن الأب الذي غاب. تركَ يوسف المدرسة، غادرَ القرية، وجاءَ إلى العاصمة البعيدة، ليبدأ رحلة الضياع والخوفِ والعمل...والمعرفة.
في المدينة الكبيرة كبُرَ يوسف، تشرَّدَ في شوارعها، ورضع حليبَ التجربة .
وفي الحارة العتيقة امتدَّتْ نحوه يدُ الصدفة .
كان بؤسه، وغضبه الدفين كافيين ليتعلَّق بأفكارهم، يحملها على عاتقه، ويمضي بها إلى الأمام.... يدفعُه الحلمُ الفتيُّ، يرسمها بمقياس الألم والحرمان....
الحلمُ الذي صوَّر له الثورة كلمةَ سحرٍ يرميها متى شاء فتُغيِّر العالمَ من حوله، وتبني ذلك العالمَ الآخر الذي لا يعرف له شكلاً، سوى أنّه عالمٌ جميلٌ، سعيدٌ، لا مكان فيه للخوف.
وسَيُدرِكُ متأخِّراً أنَّ الحماسَ والكلماتِ الكبيرةَ لا تغيِّر واقعاً.
وفي مناقشةٍ صاخبةٍ سَيُعلنُ وقفَ نشاطِه، والعودة َإلى قريته.
سيحتدمُ الجدالُ في تلك الليلة، وسيتّهمه أحدُ (الرفاق) بأنّه انهزاميٌّ أو عميل .
سيبتلع الإهانة مع الخيبة ومرارة الحلْق، وستظلُّ كلمة (عميل) تحفر في رأسه طويلاً مثل إزميلٍ حادّ.
" لا يهمُّ … لابدَّ من العودة إلى القرية… أتمسِّك بما تبقّى من الدفء قبل أن يتجمَّدَ في صقيع هذا الزمن البارد... لكنْ لو يأتون!!"
الليلة تمتدُّ على مساحة الذاكرة.
يتأمَّلُ المشهدَ الثمِلَ من حَولِه، ويتنهَّد بسخريةٍ وأسىً.
ينظر من النافذةِ الصغيرة: ضوءٌ أحمرُ خافتٌ ينادي من الشرفة المقابلة.
يتململُ القلب بفرح ٍواشتهاء… إنَّها (عزيزة خانم) فتحتْ ستائرَ غرفتها. ثوبها الورديُّ يتمايل في عينيه، يداعب وجهَه بعذوبةٍ ودلال… تسقط ألفُ زهرةٍ على السرير الواسع، وغيمةُ عطر ٍ تفوح من الملاءة البيضاء.
تنتفض الياسمينةُ المتشبِّثةُ بجدار الشرفة، ترقص، تئنُّ… وتصفِّق الرجولةُ خجلة في داخله.
تتفتّح على خـدّها وردةٌ جوريّـةٌ… ترسمُ أحـلامَ الصِّبا الموؤود.
وعند انصهار الروح بالجسد, يتوحّـد الحزن والفرح… تنبثق الهزائمُ الكامنةُ في الروح... ينفجر تعبُ السنين المتراكمُ, لحظةَ َ احتراق الخلايا… تبكي شبابـَها الضائعَ، ليـالي وحدتِها الطويلة َفي انتظار من لا يأتي… تلملمُ حبّاتِ أمومتِها المتناثرةَ، على بيوت الحارة.
تُسِندُ رأسَها على صدرهِ… تحدِّثـه عن تفاصيل يومِها، عن همومها، وأحلامِها البسيطة، تطوِّقُه بيديها, تشمُّ رائحةَ جسدِهِ… وتعتصِره.
حين بكتْ أمامه أوَّل مرَّة، أحسّتْ بالانكسار، انـهار فجأةً ذلك العنفوانُ والكبرياء، وتمزَّقتْ صورةُ المرأةِ التي تطلبُ الرجلَ فيستجيب.
مسح بأطراف الأصابع ماء عينيها، عَدَّ السنينَ المحفـورةَ على جبينها ووجنتيها، قّبّلَ الجبينَ، واحتضنها بإحساس الرجل الكبير.
تتماهى الأشياءُ، وتمتزجُ الصُّوَرُ… الضوءُ الأحمر يَبْهُت، وتضيع اللحظةُ، ينسدل في داخله ليلٌُ مظلم، ينسحب الحزنُ خيطاً دقيقاً يحزُّ حوافَّ القلب، وعلى اللوحةِ السوداء يرى أمَّه التي تركها صبيَّةً يلبسها السَّوادُ, إخوتَه المنكمشين من خوفٍ داهمَ البيتَ فجأةً, فاختطف الدفءَ الذي كان يشعُّ فيه.
يرى شبابَه الأوَّلَ، والجامعةَ التي كان يحلم أنْ يدخلها .
يرى قريتَه الصغيرةَ, تغفو على سفح الجبل، تحلم مثل صبيةٍ في أوَّل التفتّح .
اختلاطٌ عجيبٌ يعبثً برأسه... تتداخل الأمكنةُ, والأزمنة, والأشياء.
تحاصرُه صُورُ رفاقِهِ، لياليهم الطويلةُ، وكلماتُهم الواثقةُ، تصفعه كلمةُ ( عميل) .
شلالٌ بـاردٌ ينهمر في وجدانِهِ, تجتاحه رغبةٌ بالبكاء... بكاءٍ صافٍ عميقٍ، كبكاء الطفل حين يداهمه حلمٌ حزين.
يشرب من فم الزجاجةِ، ينظر… لا أحدَ يأتي .
شاشة العينين تمتلئ بالغباشِ، واللوحةُ أمامه رجراجة.
لا يخجل من دموعه، ومن تموُّج الأشياء في عينيه.
" هل سكرتَ يا يوسف ؟!!".
لكنَّ يوسف لم يسكرْ. يوسف الجمل ما عاد الخمرُ يُسْكِرُه. هي الروحُ المنعتقةُ تجري أمامه، ترسم خرائط َالزمن ِ القاسي.
" لن يأتوا...!! "
يلملمُ نثارَه، ويهمُّ باتجاه الباب… تخونُه عيناه، يدقّـق أكثر، يراهم قادمين، يفتِّش عن صُورِ رفاقه، ملامحهم غيرُ واضحةٍ، يقتربون أكثرَ فأكثرَ، صورُهم تكبرُ في مرآة العيني… أربعةُ رجالٍ بملابسَ عاديّة.
ذهب يوسف الجملُ، والضوءُ الأحمرُ الخافتُ انطفأ، وأُسدِلت الستائرُ في الشرفة المقابلة… وحدَها عزيزة خانم أسدلت ستائرَها, ولم تفتحْها منذ تلك الليلة.