عندما فتحت زينب عينيها وصوّبتهما كما اعتادت أن تفعل كلّ صباح في اتّجاه السّاعة الحائطيّة المعلّقة على الجدار المقابل، كانت الثاّمنة، موعد عملها وعمل زوجها ومدرسة ولديها قد اقتربت. أسرعت توقظهم وتنبههم إلى أنّ وقت الخروج قد أزف ثمّ هرولت إلى المطبخ تعدّ كيفما اتّفق فطورا سريعا. فكّرت زينب أن سلق أربع بيضات سيكون أسرع وأجدى من أيّ شيء آخر فرمت البيض في الماء ووضعت الماء على النّار وعادت تلحّ في إيقاظ الجماعة وتسرع في وضع أثوابها وتمرّر كيفما اتّفق المشط على شعرها.
تحلّق الأربعة حول طاولة الأكل لاهثين... وضعت زينب أمام كل منهم قهوة سوداء وبيضة مسلوقة وقطعة خبز وهي تحثّهم على ابتلاع ما بين أيديهم حتى لا يفوت أحدا منهم موعد الثامنة.
التهم الولدان وأمّهما بيضاتهم المسلوقة وبدأ في تقشير البيضة الرّابعة الزّوج وهو يتأفّف من ضيق الوقت ويبوسة الخبز ومن رائحة البيض التي يمقتها... عندما نزع سي حمّادي قطعة القشرة لم يلاحظ تحتها بياض البيض العادي المعتاد بل شعرا رقيقا كشعر الأهداب أسود ناعما. لم يقل للجماعة شيئا ولكنّه أسرع في نزع بقية غطاء البيضة مغالبا دقّات قلبه التي بدأت تتسارع في عنف والعرق الذي بدأ ينزّ غزيرا من جبهته والإرتعاشة التي سرت في أصابعه. كانت الزّوجة وأبناؤها يهمّون بالوقوف استعدادا لمغادرة المطبخ عندما قال لهم حمّادي بصوت كصوت الميّت:
انظروا.
نزلت العيون الثّمانية على ما في داخل بيضة سي حمّادي الذي خفّ توتّره بمجرد ما بدأ الجماعة يشاركونه فزعه وحيرته. ليس تحت القشرة البيضاء السّميكة التي نزعها حمّادي بعناية أبيض ولا أصفر. تحت قشرة البيضة التي سلقتها زوجته وصبّت عليها ماء باردا ثمّ مدّتها إليه فقشّرها في عناية، وجد سي حمّادي عينا آدميّة مفتوحة تحدّق بثبات في السّقف. وضعها الرجل برفق فوق الطّاولة والتفت إلى زوجته وابنيه يسألهم تفسيرا لما يرون. زوجته أسرعت إلى الموقد تشعله من جديد ثمّ ترمي عليه بخورا وهي تتمتم بأسماء وأدعية وآيات من القرآن... وأسرع هو إلى جوّاله يعتذر عبره إلى رئيسه في العمل عن الحضور:
- لا بأس عليك، قال عرفه.
- سلقت لنا زوجتي هذا الصّباح أربع بيضات فلم نجد في إحداها لا أبيض و لا أصفر بل عينا آدميّة مفتوحة تحدّق فينا وفي السّقف.
وكلّمت زوجته إدارتها لتخبرها أنّها ستتغيّب عن العمل هذا الصّباح.
- المهمّ أن يكون المانع خيرا.
- سلقت هذا الصبّاح أربع بيضات فوجد زوجي في إحداها مكان الأبيض والأصفر عينا آدميّة سليمة معافاة تحدّق فينا وفي السّقف بثبات شديد.
نزع الطّفلان منديليهما وأعادا إلى طاولتيهما محفظتيهما وخرجا يجوبان ديار الحيّ وأزقّته ويناديان جدّهما وجدّتهما والأعمام والأخوال. كان الشّيوخ والعجائز أوّل الوافدين. دخلوا يبسملون ويحوقلون ثمّ شرعوا في تأمّل العين التي عثر عليها سي حمّادي في البيضة. وبدأ يفد على الدّار زملاء حمادي وزميلاته وزملاء زوجته وزميلاتها.
قال أحدهم:
- غريب. العيون في كل مكان.
وقالت عجوز من الحيّ:
- أجزم لكم أنّ الدّجاجة التي خرجت منها هذه البيضة قد اشتهت أثناء فترة وحمها عينا بشرية. هذا آخر الزمان.
وجاء الشّيخ عزّام فتأمّل العين المفتوحة وتأمل القشرة التي كانت تغطّيها وقال للجموع الغفيرة التي كانت تنتظر بلهفة تفسيرا لما حدث:
- لا أستطيع أن أقول شيئا قبل أن تأتوني بالدّجاجة التي أنجبت هذه البيضة.
وشاع خبر العين البشريّة التي وجدها حمّادي مختبئة في بيضة سلقتها زوجته فتهاطل على الدّار أعوان الحرس الوطني وأعوان الشّرطة وجاء وراءهم رئيس البلدية وحاكم المنطقة ووقفوا واحدا وراء آخر يتفرّجون على العين التي أبى حمّادي أن يزحزحها عن طاولة الأكل أو يبعدها عن قشرتها التي كانت تغطّيها.
قال المسؤولون:
- يجب أن نسأل أهل الذّكر.
ثمّ أرسلوا من يأتيهم بكلّ أطبّاء وطبيبات البلدة وجرّاحيها. ولم يسأل أحد من كلّ الذين مرّوا عرضا أمام دار حمّادي عن سبب مجيء هذا الخلق الغفير. كلّهم كانوا يكتفون بقول: الله يرحمه. ثم يمدّون أيديهم في خشوع إلى بعض الجالسين ويعزّونهم متمتمين:
- البركة فيكم.
تفحّص الأطّباء العين. أهدابها وحجمها ووزنها وسوادها وبياضها وقالوا للمسؤولين:
- يحسن أن نسأل أهل الذكر. نحن أطبّاء عموميّون و لا بدّ من استشارة طبيب عيون.
قال المسؤولون إنّهم مستعدّون لتوفير سيّارة سريعة تجلب طبيب العيون من المدينة المجاورة وأنهم سيتكفلون بإعطائه الأجر مضاعفا. فجاء بعد ساعة واحدة طبيبا عيون أخلى لهما أعوان الأمن المطبخ وادخلاهما. فحصا العين وتثبّتا من حجمها ووزنها ومساحتي بياضها وسوادها ثمّ عمدا إلى ماء ساخن فوضعاها فيه فراعهما أنّ العين انغلقت... أخرجاها وأعاداها إلى الطّاولة فبدأت تسيل منها قطرات من الدّمع... نقلاها إلى الثّلاّجة فاستعادت صفاءها والقها وعادت تحدّق في عيون الطّبيبين هادئة مطمئنّة.
تهافت على دار حمّادي متصاحفون وصحفيّون ومصوّرون كثيرون ومبعوثو إذاعة وتلفزات وأخذوا يسألون سي حمّادي وزوجته وابنيه وشيوخ الحيّ وعجائزه والأطباء وأعوان الأمن ومسؤولي البلدة ويعبؤون أوراقهم بكلام سمعوه وبكلام لم يسمعوه...
وتسللت صحفيّة إلى المطبخ فالتقطت صورا للعين ولقشرة البيض وبقايا القهوة وفتات الخبز... وسأل مصوّر عن العطّار الذي باع حمّادي البيض فالتقط له صورة وجاب آخر دور الحي وأزقته يلتقط صور دجاجه وديكته وصور بقع المزابل التي يقتات منها... ثمّ جاءت من أقصى المدينة سيّارة فارهة تسعى نزل سائقها وخفّ إلى الباب الخلفيّ يفتحه فنزل رجل أنيق يغطّي عينيه بنظّارات سوداء وترك السّائق يشقّ له طريقا بين جموع الخلق حتى أوقفه أمام صاحب العين.
- بكم تبيع لي عينك يا حمّادي؟ سأدفع لك ثمنها مضاعفا وسأدفع لكما أيّها الطّبيبان أجرتكما مضاعفة إن أنتما استطعتما أن تزرعاها مكان إحدى عينيّ المنطفئتين.
وفيما وجم حمّادي ولم يستطع أن يقول للرّجل الأعمى شيئا. أعجبت فكرة زرع العين الطّبيبين فاستخرجا جوّاليهما وشرعا في التشاور بلغات كثيرة مع زملاء لهم وأساتذة ورؤساء أقسام قبل أن يلتفتا إلى الرّجل الأنيق يسألانه عن أمراض طفولته وسوابقه المرضيّة وسبب عماه وتاريخه والفحوص التي أجراها والأطبّاء الذين تردّد عليهم.
قال الرّجل الأعمى محذّرا:
- ولكنّي لن أدفع مليما واحدا قبل أن يرتدّ إلي بصري. هذه عين وجدها سي حمادي في بيضة سلقتها زوجته لمدة عشرين دقيقة في درجة حراريّة لا أظنّ أنّها قلت عن السّبعين. ثمّ بلغني أنكم صببتم عليها الماء الساخن ثمّ وضعتموها في الثلاّجة ثمّ عرضتموها على مئات الأعين الأخرى.... من أدراني أنها عين باصرة وأنني بعدما أخضع للتجربة سأخرج للنّاس مبصرا؟
تدخّلت زوجة حمّادي وقالت له:
- لا أحد أجبرك على شرائها منّا.
- وهل دفعتم فيها أنتم ثمنا؟
- نعم. دفعنا ما لا يقدّر بكلّ الأثمان: فزعنا هذا الصّباح وتسارع قلوبنا وإشرافنا على الموت من شدّة الخوف... وهذا الهرج الذي تحدثه هذه الآلاف المؤلفة حولنا... وقد نصاب من جرّاء كلّ هذا بالعين!
- نتّفق حول مبلغ أدفع لكم نصفه قبل إجراء العمليّة ونصفه الآخر بعدما يرتدّ بصري إليّ.
- وإذا لم يرتّد إليك بصرك؟
- تعيدون إليّ أموالي وأعيد لكم عينكم.
قبض سي حمّادي شيكا بنصف المبلغ ولفّ الطّبيبان العين في قطعة قماش بيضاء نظيفة وسارت سيّارتهما وسيّارة الرّجل الأنيق وسط كوكبة من سيّارات الأمن والجيش. وخرج النّاس في مظاهرات سلميّة يطالبون بأن تبّث لهم التلفزة مباشرة عملية الزرع من أوّلها إلى حين ظهور النتيجة فأمر وزير الإعلام بأن يلبّى طلب المشاهدين موصيا بأن تجرى عملية الزرع ليلا حتى لا يتخلّف الخلق عن أعمالهم.
ليلتها بات الناس متسمرين على مدى سبع ساعات أمام أجهزتهم يتابعون عملية الزرع ثم تكلم كبير الأطباء فأعلمهم أن النتيجة لن تظهر قبل ثلاثة أيّام أخرى.
وفيما أخذ الجميع يدعون للرجل الأعمى أن يصبح مبصرا وللعين التي عثر عليها حمادي في بيضة مسلوقة أن تعوّضه عن عينيه المنطفئتين أخذ سعر البيض والدجاج في الإرتفاع وزادت نسبة الإقبال عليهما وأصبح أصحاب المداجن يعلّقون أمام دجاجهم صورا واضحة بالألوان لقطع غيار بشريّة ثمّ انتبهوا إلى أنّ الصّور المعلّقة قد لا ترسب في أرحام الدّجاج أثناء الوحم فجهّزوا المداجن بشاشات تلفزة من الحجم الكبير وشرعوا يبثّون عبرها أشرطة فيديو تراوح بين موسيقى مثيرة للتنبيه وصور حقيقيّة واضحة للأكباد وللكلى وللقلوب وللعيون.
تحلّق الأربعة حول طاولة الأكل لاهثين... وضعت زينب أمام كل منهم قهوة سوداء وبيضة مسلوقة وقطعة خبز وهي تحثّهم على ابتلاع ما بين أيديهم حتى لا يفوت أحدا منهم موعد الثامنة.
التهم الولدان وأمّهما بيضاتهم المسلوقة وبدأ في تقشير البيضة الرّابعة الزّوج وهو يتأفّف من ضيق الوقت ويبوسة الخبز ومن رائحة البيض التي يمقتها... عندما نزع سي حمّادي قطعة القشرة لم يلاحظ تحتها بياض البيض العادي المعتاد بل شعرا رقيقا كشعر الأهداب أسود ناعما. لم يقل للجماعة شيئا ولكنّه أسرع في نزع بقية غطاء البيضة مغالبا دقّات قلبه التي بدأت تتسارع في عنف والعرق الذي بدأ ينزّ غزيرا من جبهته والإرتعاشة التي سرت في أصابعه. كانت الزّوجة وأبناؤها يهمّون بالوقوف استعدادا لمغادرة المطبخ عندما قال لهم حمّادي بصوت كصوت الميّت:
انظروا.
نزلت العيون الثّمانية على ما في داخل بيضة سي حمّادي الذي خفّ توتّره بمجرد ما بدأ الجماعة يشاركونه فزعه وحيرته. ليس تحت القشرة البيضاء السّميكة التي نزعها حمّادي بعناية أبيض ولا أصفر. تحت قشرة البيضة التي سلقتها زوجته وصبّت عليها ماء باردا ثمّ مدّتها إليه فقشّرها في عناية، وجد سي حمّادي عينا آدميّة مفتوحة تحدّق بثبات في السّقف. وضعها الرجل برفق فوق الطّاولة والتفت إلى زوجته وابنيه يسألهم تفسيرا لما يرون. زوجته أسرعت إلى الموقد تشعله من جديد ثمّ ترمي عليه بخورا وهي تتمتم بأسماء وأدعية وآيات من القرآن... وأسرع هو إلى جوّاله يعتذر عبره إلى رئيسه في العمل عن الحضور:
- لا بأس عليك، قال عرفه.
- سلقت لنا زوجتي هذا الصّباح أربع بيضات فلم نجد في إحداها لا أبيض و لا أصفر بل عينا آدميّة مفتوحة تحدّق فينا وفي السّقف.
وكلّمت زوجته إدارتها لتخبرها أنّها ستتغيّب عن العمل هذا الصّباح.
- المهمّ أن يكون المانع خيرا.
- سلقت هذا الصبّاح أربع بيضات فوجد زوجي في إحداها مكان الأبيض والأصفر عينا آدميّة سليمة معافاة تحدّق فينا وفي السّقف بثبات شديد.
نزع الطّفلان منديليهما وأعادا إلى طاولتيهما محفظتيهما وخرجا يجوبان ديار الحيّ وأزقّته ويناديان جدّهما وجدّتهما والأعمام والأخوال. كان الشّيوخ والعجائز أوّل الوافدين. دخلوا يبسملون ويحوقلون ثمّ شرعوا في تأمّل العين التي عثر عليها سي حمّادي في البيضة. وبدأ يفد على الدّار زملاء حمادي وزميلاته وزملاء زوجته وزميلاتها.
قال أحدهم:
- غريب. العيون في كل مكان.
وقالت عجوز من الحيّ:
- أجزم لكم أنّ الدّجاجة التي خرجت منها هذه البيضة قد اشتهت أثناء فترة وحمها عينا بشرية. هذا آخر الزمان.
وجاء الشّيخ عزّام فتأمّل العين المفتوحة وتأمل القشرة التي كانت تغطّيها وقال للجموع الغفيرة التي كانت تنتظر بلهفة تفسيرا لما حدث:
- لا أستطيع أن أقول شيئا قبل أن تأتوني بالدّجاجة التي أنجبت هذه البيضة.
وشاع خبر العين البشريّة التي وجدها حمّادي مختبئة في بيضة سلقتها زوجته فتهاطل على الدّار أعوان الحرس الوطني وأعوان الشّرطة وجاء وراءهم رئيس البلدية وحاكم المنطقة ووقفوا واحدا وراء آخر يتفرّجون على العين التي أبى حمّادي أن يزحزحها عن طاولة الأكل أو يبعدها عن قشرتها التي كانت تغطّيها.
قال المسؤولون:
- يجب أن نسأل أهل الذّكر.
ثمّ أرسلوا من يأتيهم بكلّ أطبّاء وطبيبات البلدة وجرّاحيها. ولم يسأل أحد من كلّ الذين مرّوا عرضا أمام دار حمّادي عن سبب مجيء هذا الخلق الغفير. كلّهم كانوا يكتفون بقول: الله يرحمه. ثم يمدّون أيديهم في خشوع إلى بعض الجالسين ويعزّونهم متمتمين:
- البركة فيكم.
تفحّص الأطّباء العين. أهدابها وحجمها ووزنها وسوادها وبياضها وقالوا للمسؤولين:
- يحسن أن نسأل أهل الذكر. نحن أطبّاء عموميّون و لا بدّ من استشارة طبيب عيون.
قال المسؤولون إنّهم مستعدّون لتوفير سيّارة سريعة تجلب طبيب العيون من المدينة المجاورة وأنهم سيتكفلون بإعطائه الأجر مضاعفا. فجاء بعد ساعة واحدة طبيبا عيون أخلى لهما أعوان الأمن المطبخ وادخلاهما. فحصا العين وتثبّتا من حجمها ووزنها ومساحتي بياضها وسوادها ثمّ عمدا إلى ماء ساخن فوضعاها فيه فراعهما أنّ العين انغلقت... أخرجاها وأعاداها إلى الطّاولة فبدأت تسيل منها قطرات من الدّمع... نقلاها إلى الثّلاّجة فاستعادت صفاءها والقها وعادت تحدّق في عيون الطّبيبين هادئة مطمئنّة.
تهافت على دار حمّادي متصاحفون وصحفيّون ومصوّرون كثيرون ومبعوثو إذاعة وتلفزات وأخذوا يسألون سي حمّادي وزوجته وابنيه وشيوخ الحيّ وعجائزه والأطباء وأعوان الأمن ومسؤولي البلدة ويعبؤون أوراقهم بكلام سمعوه وبكلام لم يسمعوه...
وتسللت صحفيّة إلى المطبخ فالتقطت صورا للعين ولقشرة البيض وبقايا القهوة وفتات الخبز... وسأل مصوّر عن العطّار الذي باع حمّادي البيض فالتقط له صورة وجاب آخر دور الحي وأزقته يلتقط صور دجاجه وديكته وصور بقع المزابل التي يقتات منها... ثمّ جاءت من أقصى المدينة سيّارة فارهة تسعى نزل سائقها وخفّ إلى الباب الخلفيّ يفتحه فنزل رجل أنيق يغطّي عينيه بنظّارات سوداء وترك السّائق يشقّ له طريقا بين جموع الخلق حتى أوقفه أمام صاحب العين.
- بكم تبيع لي عينك يا حمّادي؟ سأدفع لك ثمنها مضاعفا وسأدفع لكما أيّها الطّبيبان أجرتكما مضاعفة إن أنتما استطعتما أن تزرعاها مكان إحدى عينيّ المنطفئتين.
وفيما وجم حمّادي ولم يستطع أن يقول للرّجل الأعمى شيئا. أعجبت فكرة زرع العين الطّبيبين فاستخرجا جوّاليهما وشرعا في التشاور بلغات كثيرة مع زملاء لهم وأساتذة ورؤساء أقسام قبل أن يلتفتا إلى الرّجل الأنيق يسألانه عن أمراض طفولته وسوابقه المرضيّة وسبب عماه وتاريخه والفحوص التي أجراها والأطبّاء الذين تردّد عليهم.
قال الرّجل الأعمى محذّرا:
- ولكنّي لن أدفع مليما واحدا قبل أن يرتدّ إلي بصري. هذه عين وجدها سي حمادي في بيضة سلقتها زوجته لمدة عشرين دقيقة في درجة حراريّة لا أظنّ أنّها قلت عن السّبعين. ثمّ بلغني أنكم صببتم عليها الماء الساخن ثمّ وضعتموها في الثلاّجة ثمّ عرضتموها على مئات الأعين الأخرى.... من أدراني أنها عين باصرة وأنني بعدما أخضع للتجربة سأخرج للنّاس مبصرا؟
تدخّلت زوجة حمّادي وقالت له:
- لا أحد أجبرك على شرائها منّا.
- وهل دفعتم فيها أنتم ثمنا؟
- نعم. دفعنا ما لا يقدّر بكلّ الأثمان: فزعنا هذا الصّباح وتسارع قلوبنا وإشرافنا على الموت من شدّة الخوف... وهذا الهرج الذي تحدثه هذه الآلاف المؤلفة حولنا... وقد نصاب من جرّاء كلّ هذا بالعين!
- نتّفق حول مبلغ أدفع لكم نصفه قبل إجراء العمليّة ونصفه الآخر بعدما يرتدّ بصري إليّ.
- وإذا لم يرتّد إليك بصرك؟
- تعيدون إليّ أموالي وأعيد لكم عينكم.
قبض سي حمّادي شيكا بنصف المبلغ ولفّ الطّبيبان العين في قطعة قماش بيضاء نظيفة وسارت سيّارتهما وسيّارة الرّجل الأنيق وسط كوكبة من سيّارات الأمن والجيش. وخرج النّاس في مظاهرات سلميّة يطالبون بأن تبّث لهم التلفزة مباشرة عملية الزرع من أوّلها إلى حين ظهور النتيجة فأمر وزير الإعلام بأن يلبّى طلب المشاهدين موصيا بأن تجرى عملية الزرع ليلا حتى لا يتخلّف الخلق عن أعمالهم.
ليلتها بات الناس متسمرين على مدى سبع ساعات أمام أجهزتهم يتابعون عملية الزرع ثم تكلم كبير الأطباء فأعلمهم أن النتيجة لن تظهر قبل ثلاثة أيّام أخرى.
وفيما أخذ الجميع يدعون للرجل الأعمى أن يصبح مبصرا وللعين التي عثر عليها حمادي في بيضة مسلوقة أن تعوّضه عن عينيه المنطفئتين أخذ سعر البيض والدجاج في الإرتفاع وزادت نسبة الإقبال عليهما وأصبح أصحاب المداجن يعلّقون أمام دجاجهم صورا واضحة بالألوان لقطع غيار بشريّة ثمّ انتبهوا إلى أنّ الصّور المعلّقة قد لا ترسب في أرحام الدّجاج أثناء الوحم فجهّزوا المداجن بشاشات تلفزة من الحجم الكبير وشرعوا يبثّون عبرها أشرطة فيديو تراوح بين موسيقى مثيرة للتنبيه وصور حقيقيّة واضحة للأكباد وللكلى وللقلوب وللعيون.