علي السباعي - احتراق مملكة الورق..

أطفال يلعبون ( الشميطرة )(1) هتف الممسك بعصا أشبه بالصولجان :- حياة الحجاج .
تطير العصا الصغيرة بعيداً ، تصول بين غابات الأيادي المتبارية بدأ العد :-
عشرة . عشرون . ثلاثون ، 0000 مائة ، مائة وعشرة ، مائة وخمسون .
هتف الجميع :- حي . الحجاج حي .
* * *

فتح سمسم الأبواب الموصدة ، سقط الصمت متكسراً متهشماً بانفجاراتٍ راحتْ تكبر ، صارتْ زمناً ملّلوثاً بالوجعِ وآلمها آلامُ نوطة موسيقية كُسِرَ سلّمها ، ارتد لسنان الحجاج قائلاً :-
- خاسرُ مَنْ تركَ عُضوةُ الذكريَّ يُقطعُ.
شُرِّعتْ كل الأبواب المغلقة ، رجالٌ بلا أعضاءَ ذكريّة ، صهيلُ خيولٍ مخصيةٍ محاصرةٌ بانفعالاتٍ إنسانسةٍ ، هَرَجَ الرجال كَسَرَ أوانيَّ الصمت المفخورة 000 علتْ اصواتهم تسأل :-
- لِمَ قَطَعَتَ أعضاءنا الذكريّة ؟
صهيلٌ وجري 00
جريٌ وصهيلُ خيولٍ أُخصيت عن منعطف الحصار فوق الصراط ، بين حياةٍ وموت ، قسوةٍ ورأفة، حصارٍ وحريّة ، جري و وقوف ، بكاءٍ وصمت ، بكاءُ الخيولِ افاقَ من سباتهِ 000 مشى مثل البغايا ، علّق اصحاب الذكور المقطوعة بجزعٍ :-
- نحنْ نتألم
نظر الحجاج ناحيةَ الزمنَ العائد إلى الوراءِ . شدّ . دائماً شدّ ! أدبرتْ عيون الحياة من نوافذِ جفونها تركتْ العالم زنزانة شُمِّعتْ بوابتها بالدمِ ، حشرجتْ الخيولُ بنبوءةِ الهلاك التي اطلقتها العرّافة بوجه قيصر / ممارسة / أضرمتْ نيران الحجاج تقول 00 الآن . الحرق !
* * *

أغمض سمسم عينه . غفا . الأولاد يلعبون الشميطرة ، هتفوا :-
- حي. الحجاج حي .

* * *
مدنٌ تَخثَّر الدمُ في عروقها ، رجالٌ بلا أعضاء ذكريّة ، خيولٌ بلا فرسان ، لا تكرّ ، و لا تفرّ، منادي يذيع فرمانات حجاجية :-
- حاضركم يبلغ غائبكم كلّ مَنْ يريد أعضاءه الذكريَّة يجلب مقابل وزنهِ كتباً ؟
سألهُ احدهم :-
- لماذا الكتب ؟
----------- ( لا جواب ) .
- اطلبوا أيّ شيْ غير الكتب !
----------- ( لا جواب ) .
- كرر المنادي نداءهُ ثانيةً :-
- حاضركم يبلغ غائبكم 00 كلّ مَنْ يريد اعضاءه الذكريَّة يجلب مقابل وزنهِ كتباً ؟
تراب . ضجة . شهيق مخنوق ، الشَّمس لَملَمتْ خيوط غزلها مثل عنكبوت فرط غزل سجادته الحريرية ، زفير نَشَرَ حسراته فوق خطوط الطول وخطوط العرض ، لا أحمر ولا ابيض ، الصراط خالٍ من نقاطِ التفتيش نزعتْ الحدود اسلاكها الشائكة ، مخصيٌّ يرتدي يافطة وفاة ينادي بصوتٍ مثقلٍ بقهرٍ مكتوم :
- ان الذباب لايصّفق إلاّ للقمامة .
* * *

- جلبنا كتب أجدادنا ، آبائنا ، أبنائنا ، و كتبنا 000
رددها الرجال لاهثين ، ضاع صوتهم مع جلبة الصبية ، أعادوا طلبهم باهتمام :-
- اعطنا الأمان فقد جلبنا الكتب ؟
الأفعى أغرتْ حواء ، تعرّتْ شجرة التفاح ، استرحمتْ عيون الرجال الأفعى أن : استري التفاحة !
قضم الحجاج جميع التفاح مستهزئاً ، أمرَ محاربيه قائلاً :-
- إذن . احرقوا الكتب .
ألسنةُ النيرانِ تلوكُ مملكةَ الورقِ ، تحرقها بلعاب جهنم ، وتأكلها كطفلٍ صغيرٍ يتلذذ بالتهامِ الشوكولاته ، ارتفعَ بكاءُ الكتبِ ، نحيبٌ مكتومٌ ، طقطةٌ وجلةٌ ، هسهسة ، وعويلٌ مَزّقَ خدود الكتب ، تعرّتْ النار كأنثى خصبة حصدت بلهبها اللين المستعر حروفها ، انصرف الأولاد يصنعون طائرات ورقية من ورقِ الكتبِ ، صرخ مخصيّ اليافطة متعباً :-
- نحنْ في سَقَرْ .
أمر الحجاج محاربيه :-
- المزيد من النارِ .
لبس الغروبُ عمامته الحمراء ، قَطَعَ القمرُ شخيره الناعمَ ، أسَفَرَ جاحظاً مرعوباً كعيون المحترقين ، رمى الغسق عبائته البرتقالية ، تهادى القمر متأبطاً نبوءة العرّافة لقيصر/ دخان / استنشق الحجاج عبق الكتب المحترقة . عميقاً . عميقاً ، قال بخبثٍ :-
- آن للنار ان تتكلم .

* * *
الصبية يشدّون خيوط طائراتهم بأصابعٍ ملأى بالثآليل ، اشتبكتْ طائراتهم الورقية فزعقوا فرحين : الأخصّاء .
* * *

طائرات الصبية تبخرتْ بدخان داحس والغبراء ، حربٌ بلا أعداء ، بلا شهداء ، الرجال يحاربون بأسلحتهم الزمن ، ولوجها وخروجها ساعةً تؤكد انقضاء زمن الشميطرة ، كل ثانيةٍ تسقطُ طائرةٍ ، يصرخُ طفلٌ منتشاً :-
- عضوٌ ذكريّ واحداً !
كلُ دقيقةٌ تصطدم عدة طائرات ، يهلل الأطفال مبتهجين :-
- ستون عضواً ذكرّياً!!
أقدام الصبية هجرتْ الصراط ، تدخل أتون داحس والغبراء / وَالَفَّتِ السّاقُ بالسّاقِ . إلى رِبِّكَ يومَئِذٍ المساق / بيارقهم حائرة بين الحرب فوق الصراط أو تحته ، صبي يغني بحماس:-
- موطني000 موطني000 موطني!!!
فارتْ النيران برعودٍ حبلى بصراخ المخصيّين ، زمنُ الأخصّاء امتد معمراً بخطى عمرها الف دهر ، تخصّي ورق السلام ، تسافر من اخصّاء إلى اخر ، من سدوم إلى عمورة و سدوم بحلّة زفافها تنتظر الطوفان ، سكارى نساء / عمورة / يصحنَ :-
- أينْ رجالنا ؟
ارتبكَ زفيرُ النسوةِ أمام منظر دخان الكتب ، لهث ، حجل فوق الرماد ، الحرائق مدّتْ اجنحتها دخاناً طائراً في سماءٍ غيومها لهيبٌ مستعر ، أجابهنَّ الحجاج بصلفٍ :-
- أخصّيتهم .
تأبط صبي أسمر طائرته الورقية ، دندن مترنماً :-
- موطني 000 موطني 000
- مخصُّي اليافطة عَصَبَ عينيه بوشاحٍ نسوي ، سار متتبعاً غناء الصبي ، تعثر ، فضحكَ الحجاجُ منتشياً مثل ابرهة ، فوسوسَ باذنِ سمسم ان : اغلق الأبواب !

* * *
صعدتْ الجداّتْ إلى سطوحِ منازلهنَّ ، نهرنَ أحفادهنَّ قائلاتْ :-
- انزلوا !حضرتْ السعالي تَخطفُ الصبيّةِ المشاكسين لترسلُهم إلى الحجاجِ . انزلوا بسرعة
تجرع الأولاد أوامر جدّاتهم كمريضٍ يتجرع (الكنين )(2)
.................
هوامش:
(1) الشميطرة : لعبة من العابِ الأ طفالِ في جنوبِ العراقِ تتكون من عصا وقطعة خشب مدببة الطرفين تسمى (الزاب) ويكون اداء اللعبة هو ان يضرب طفل الزاب بالعصا فيرتفع الزاب ويسقط على الارضِ ثم يضرب طفل آخر الزاب بالعصا ويسقط على الارضِ وعندما يسقط الزاب بمسافةٍ أبعد من مسافةِ سقوط الزاب الذي ضربه الطفل الآخر ، يكون الفائز هو الضارب الزاب الذي يسقط بمسافة أبعد .
(2) الكنين: حبوب طيبة مصنوعة من مادة صفراء تستخرج من ورقِ نبات الكينا ، يكون طعم الدواء مّراً ويستعمل الكنين لعلاجِ الحمّى والملاريا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى