حسن أجبوه - نبوءة...

قررت العيش بدونها. نعم، مللت زرع أعضاء ليست لي، ترفضني، تستغلني فتجعل مني خادما مطيعا لرغباتها وشهواتها. تظن أم أولادي بعدما لاحظت كثرة التغيير الذي أحدثه بوجهي كل مرة أني زير نساء، حتى أنها أسرت إلي ذات ليلة، بجمالي ورمانسيتي المفرطة، هي التي قبلت الإرتباط بي فقط هروبا من عوزها وطمعا بثرائي. فمن هاته المرأة التي تقبل الزواج من مسخ بدون أذن !

منذ وعيت نفسي لا أكاد أتذكر حدثا عشته بدون أن أتعرض للسخرية من منظري. بالبيت والشارع والمدرسة، قالت أمي أن مجيئي بينهم كان عقابا إلاهيا لتقاعسهم عن التبرك بضريح شريف البلدة..الذي استجمع كل دعواته عليها، فرماها بسهم ناري أبي، أحست باختراقه بطنها ذات ليلة قمرية. فمن عادات حوامل البلدة التزلف للشريف بالمنن والعطايا، ليرزقهم الذرية السليمة الصالحة ! لكن للأسف ما باليد حيلة وقت مخاضها بي، كان والدي بعيدا، ولم تف بوعدها للشريف، فولدتني مشوها بدون أذن. لذلك وجدتني محط سخرية الجميع.

حتى بعد رحيلنا عن البلدة وساكنتها، تبعتني دعوات الشريف، ونبوءته اللعينة، مات أبي أولا بسقوطه المفاجئ من أعلى ورش بناء، تم بعد ذلك أمي لم تقو على فراقه والتحقت به. فما كان من رب عمل أبي إلا أن تبناني؛ ربما للتكفير عن ذنبه، أو ربما شفقة بي، المهم بعد أن أصبحت إبنا له خفت حدة التنمرات، ولم يعد أحد يتساءل عن سر اعتماري للطاقية السوداء صيفا وشتاء. الحق يقال أن لولاه لما أصبحت ما أنا عليه الآن. بكل هذا الجاه والثراء بعد وفاته.

يقول الأطباء أن أذنا من السليكون تفي بالغرض، وأنها بالمثالية والجمال، بحيث يصعب التفريق بينها وبين الحقيقية. لكنني رفضت الأمر، أريدها بشرية. لذلك ما فتئت أوزع الأموال لتفادي طابور الإنتظار، وكلما توصل بنك الأعضاء بواحدة جديدة إلا وكانت من نصيبي.

لكن يبدو أن نبوءة الشريف لا يمكن ردها. فبعد كل عملية جديدة يستتبعها تغير كلي بشخصيتي، يقول طبيبي أنها توهمات بعد العملية. المرة الأولى ومباشرة بعد نجاح عملية الزرع، بدأت أسمع أصوات صاخبة ودوي إنفجارات تقض مضجعي، أسمع أهات وتوسلات جنود بالمعركة! أصبحت كثير الإنفعال، أرغد وأزبد.. فقررت إخراجها من جسمي مهما كان الثمن. سئمت سماع الرصاص والخوف المنتشر بحياتي. وهكذا كنت أستبدل الواحدة بالأخرى أتقلب بين شخصيات الهزل والكسل والخوف والتواكل والكرم والرومانسية…

لذلك عندما أصبحت شاعرا أستهلم قصائدي من المعلقات القديمة، تعلقت زوجتي بي وألحت علي بعدم نزع الأذن الرومانسية. لكن ليس باليد حيلة..

لابد من حل لهذه المعضلة وإلا لن تدوم الحالة أكثر من سنة. ما العمل ؟ الكل يعشق شخصيتي الجديدة الكريمة التي توزع الهدايا والاكراميات، و تمدح البعيد والقريب.

لذلك قررت السفر للبلدة، وإغداق العطايا لضريح الشريف ومريديه. وصلت مساء، تغيرت ملامح قرية طفولتي، سألت أحد المارين عن مكان الضريح:

– سيدي، عيد مبارك.

تفضل هذه الرزمة.

لو سمحت مرت مدة لم أزر بها البلدة، هلا دللتني على طريق الوصول لضريح الشريف.

– شكرا لكم يا كريم، يبدو أنك أطلت غيابك عن البلدة، لم يعد بقريتنا ضريح، فقد سويت الأرض التي كان يتواجد بها وعبدت الطريق !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى