كانت الشمس تميل للغروب، وكنت جالسا على ضفة البحيرة، أتأمل تموجات الماء، كعادتي كل مساء، حين أحسست بشخص يقف خلفي ، ثم سمعته يحييني بصوت أجش، يخنقه السعال.
التفتّ لأتبينَ مصدر الصوت، في ذلك المكان الخالي من الأحياء، فرأيت هيكلا عظميا متكئا على عكازة سميكة.
ورأيته يتقدم نحوي ويجلس بجانبي بهدوء تام، ثم يمد يده إلى علبة السجائر الموضوعة عن يساري ويتناول منها سيجارة ويضعها بين فكيه.
سارعتُ إلى إشعال سيجارته، فنفث الدخانَ بارتياح ثم ابتسم وقال لي:
- البرد شديد في هذا المكان.
قلت له:
- نعم. ولذلك تراني أرتدي معطفا سميكا وأضع قبعة وقناعا وقفازين.
اعتدلَ في جلسته. كان كأنه ينظر بمحجريه الفارغين إلى الشمس الغاربة، فيما الدخان يتصاعد من السيجارة التي يمسكها بين أصابعه العظمية.
بعد لحظات من الصمت عاد يقول:
- لقد كنتُ كثيرَ التردد على هذه البحيرة في زمن مضى.
ثم تنهد بصوت مسموع وأضاف :
- كانت أياما جميلة حقا، لكنها لن تعود.
لاحظتُ عندئذ أن عظامه تصطك من البرد، فنزعت معطفي وطرحتُه على كتفيه.
أصلح بيديه العظميتين من وضع المعطف، ثم رأيته يضع سبابته على شفتيه ويشير إلي أن أصيخ السمع. كانت هناك موسيقى غير مألوفة، تُعزَف في مكان بعيد. موسيقى مترعة بالشجن. سألته عن ذلك فأجاب قائلاً:
- تلك موسيقى تعزفها الهياكل العظمية.
سكتَ قليلا ثم أضاف:
- وعما قليل سيغنون "أغنية الموتى."
قاطعتُه متسائلا :
- أغنية الموتى؟ أنا أحفظها عن ظهر قلب.
شرعت أدندن ببعض مقاطعها، فقاطعني متسائلا:
- هي بالذات ...لكن كيف تعرفها؟ هل سبق لك أن سمعتها؟
لم أجبه فعاد يردد مستغربا :
- كيف ذلك؟ كيف تعرف أغنية الموتى عن ظهر قلب؟
بقي يكرر سؤاله بشيء من العنف، ثم أمرني أن أزيل القناع عن وجهي والقبعة عن رأسي. وعندما امتثلتُ لأمره طفق ينظر إلى عظام جمجمتي البيضاء ويتمتم بكلام غير مفهوم.
التفتّ لأتبينَ مصدر الصوت، في ذلك المكان الخالي من الأحياء، فرأيت هيكلا عظميا متكئا على عكازة سميكة.
ورأيته يتقدم نحوي ويجلس بجانبي بهدوء تام، ثم يمد يده إلى علبة السجائر الموضوعة عن يساري ويتناول منها سيجارة ويضعها بين فكيه.
سارعتُ إلى إشعال سيجارته، فنفث الدخانَ بارتياح ثم ابتسم وقال لي:
- البرد شديد في هذا المكان.
قلت له:
- نعم. ولذلك تراني أرتدي معطفا سميكا وأضع قبعة وقناعا وقفازين.
اعتدلَ في جلسته. كان كأنه ينظر بمحجريه الفارغين إلى الشمس الغاربة، فيما الدخان يتصاعد من السيجارة التي يمسكها بين أصابعه العظمية.
بعد لحظات من الصمت عاد يقول:
- لقد كنتُ كثيرَ التردد على هذه البحيرة في زمن مضى.
ثم تنهد بصوت مسموع وأضاف :
- كانت أياما جميلة حقا، لكنها لن تعود.
لاحظتُ عندئذ أن عظامه تصطك من البرد، فنزعت معطفي وطرحتُه على كتفيه.
أصلح بيديه العظميتين من وضع المعطف، ثم رأيته يضع سبابته على شفتيه ويشير إلي أن أصيخ السمع. كانت هناك موسيقى غير مألوفة، تُعزَف في مكان بعيد. موسيقى مترعة بالشجن. سألته عن ذلك فأجاب قائلاً:
- تلك موسيقى تعزفها الهياكل العظمية.
سكتَ قليلا ثم أضاف:
- وعما قليل سيغنون "أغنية الموتى."
قاطعتُه متسائلا :
- أغنية الموتى؟ أنا أحفظها عن ظهر قلب.
شرعت أدندن ببعض مقاطعها، فقاطعني متسائلا:
- هي بالذات ...لكن كيف تعرفها؟ هل سبق لك أن سمعتها؟
لم أجبه فعاد يردد مستغربا :
- كيف ذلك؟ كيف تعرف أغنية الموتى عن ظهر قلب؟
بقي يكرر سؤاله بشيء من العنف، ثم أمرني أن أزيل القناع عن وجهي والقبعة عن رأسي. وعندما امتثلتُ لأمره طفق ينظر إلى عظام جمجمتي البيضاء ويتمتم بكلام غير مفهوم.