الى رداد الصديق
لم اتساءل يوما ايهما كان السباق عن الاخر. ليس لاني لم اكن قد بلغت مرحلة التعامل مع الافكار في بعدها المجرد. و انما لاني عشتهما كحياة، امتدت خلف بوابة ، و دون ان ادري الى اين كان يمضي الممر الذي كانت تنفتح عليه. و لذلك وجدت نفسي كجسم عائم ، تتداول حمله الامواج. تخفضه موجة لتسمق به اخرى. تلقي به الواحدة ، لتتلقف موجة بدت و كانها كانت تبحث عما تنشغل به. و بين حالة و اخرى ، كانت معالم تتضح. و رؤية تتشكل و تتسع لتتقلص مساحات القصور ، و تتمدد سماء الاحلام على ايقاع تراجعها.
لم يكن الحلم حلما، او صرحا سحريا قد تجود الصدف بتعويذة تبطل مفعول السحر الذي يخفي بوابته السرية. بل كان مفرا و ملجأ تحتمي به تطلعات افتقدت الى سند يعمدها داخل دنيا دروبها عسيرة و مكتظة بالضواري. و سماؤها حكرا على الكواسر التي تعتمد القتل اسلوبا للعيش. و انا لم اكن انشد غير هطول يوقف مساحات التصحر الزاحف على خفق الروح. و لهذا ، لم يكن لهمسي ان يتردد له صدى بين موجات الزئير المتعالية من كل جانب.
كنت الفتى البدوي الواقف على بعد خطى من عصور الاقتتال و دهور السيبة، التي تركت في وجدان الناس كل انواع الندوب و التصدعات. فتسمروا خلف اسوار حصونهم ينطرون عبر ثقوب الى عالم هجره السلام. و غطى مسامعهم صملاخ عظيم حال بينها و بين التقاط الاصوات الحالمة للحياة. و هو ما اغلق كل المنافذ الا كوة ضيقة انفتحت بعد ان تعطلت قوى الحواس. عالم ان كان قد عوضني عما افتقدته داخل العيش المشترك مع الناس. الا انه جعلني لا احسن قراءة اسماء الدروب، و علامات المباح ، و سمات الممنوع. و لم اتمكن من التخلص من اعتقادي في كون الناس يعيشون بنفس القدار من التساوي و الحظوظ. و من ثم قدر لي ان اتعلم بالندوب و الجراح التي كانت تدفع بي الى نكوص حيث لا يمتد سوى العالم الذي لا تعيش فيه غير كائناتي الممتثلة للاقدار التي كنت اختارها لها. و اوزعها عليها. عزاء كان يدفع بي للانكماش و اغلاق المنافذ و بناء جسور كانت تنتهي بي الى شرود ينهي كل صلة لي بالعالم.
وضع عمق الفارق بيني و بين الحياة. و افهمني باكرا ان الحب نيزك او مذنب حياته في وجوده طليقا في سماء اللامنتهى. محكوم و الى الابد في ان يظل في عمر ووضع دقيق و محدد. وان اي محاولة له في معانقة فضاء كوكب ما ، يكون مصيره الاحتراق و الاندثار. خلاصة تعلمتها و انا لم اغادر بعد اجواء الطفولة ، حين كنت ابحث عن واحة تلطف الاجواء الجافة.
كنت في سنواتي الدراسية الاولى التي زجت بي في هذا العالم. وهي المرة الاولى التي رايت فيها نفسي في عيون الناس.مراة مكنتني من المقارنة بيني و بينهم.و على الفور ادركت ان اشياء كثييرة تنقصني. وهوما دفع بي دائما الى الهروب بعيدا من الواجهة. و التحدث بصوت خافت. و التحصن في الصفوف الخلفية. لكن الروح لم تكن تعاني من هذه العاهة. و لكونها طليقة متحررة من اي شكل او لباس يحشرها داخل تصنيف ما. فقد اوكلت لها صنع التوازن الذي كنت افتقد اليه. حتى و ان كان النجاح يشترط دائما اعتراف الاخرين. لكن هذا الترويض لم يكن موفقا على الدوام. بل اختلط الامر فيه لحد لم افهم احيانا من كان يقوم بترويض الاخر. الروح ام الجسد. كان الامر يصل الى حد انتكاسة جعلتني ادفع ثمنا غاليا جدا.
لقد كانت "كريمة" اسم مطرز بكل الامجاد السلالية و بسسائط من جاه و سلطة. حركات فراشة. قوام اميرة. وجه ملاك. مزيج صنع كتلة مغناطيسية تعطل الابصار و البصيرة الى حين انفضاء مرور مواكبها.
كانت تجلس في المقعد الامامي المحادي لمكتب المدرس. اذ لم يكن يفرق بينها و بين مزهرية حوت كل انواع الازهار الفواحة. و انا كنت في اخر طاولة من الصف الابعد. و لاهتمامي المتزايد بها، فالمسافة لم تكن لتعني اي شئ.
استدعاها المدرس مرة للمثول امامه. في حالة الاخرين يكون الامر فظيعا. فمزاج المدرس يكون في اسوء حالاته. وهو لا يحتاج الى اجتهاد لتفسير معاني النظرات و حدة الصوت و الحركات المليئة بالعنف و الانفعال. لكن في حالة كريمة لم يكن الوضع كذلك. كان ميالا الى المداعبة . و بالكثير من الانشراح اوضح لها انه لا يستطيع معاقبتها. ومن ثم عليها ان تبحث عن متطوع ينال العقاب بدلا عنها. وحين ظلت صامتة، كان هو من تولى البحث عن ذلك المتطوع، وهو يتوقع ان مقلبه سيمضي الى النهاية.
امر كان جل البؤساء امثالي يدركونه بالرغم من انهم كانوا مستعدين لامر سام كهذا. لكني لم اع لحد الان كيف ارتفع اصبعي مكسرا سطوة اللامتوقع. وهو حال اثار اندهاش المدرس الذي رمى كرسيه بحركة عنيفة وهب سامقا كمارد غاضب و فيي نظراته كل اشكال الاسستنكار و المهانة. و حيين لذت بالصمت متجاهلا سيل استفساراته، وقف يتاملني بازدراء واضح. ينقل بصره من جلبابي الصوفي الطويل، الى راسي الحاسر، فالى نعليي البلاستيكي الابيض. شئ واحد كان ينقص سمفونية غضبه. ان يبصق في وجهي.
كم دامت تلك اللحظة؟
قد تكون وجيزة بمنطق عداد لا يهمه ما يترتب عن انزلاق ارقامه. لكني فيها كنت ذلك المذنب الذي مل اسفاره المكتنفة بالوحدة و الغربة و تاق الى مغازلة نجم لامع. و حين غير مجرى سيره، لم يكن بمقدوره ان يعي ما حدث بعد ذلك. لقد كان يحترق. فهل الحب الذي يصنعه الحلم تعنونه الفضائح؟
عبدالله البقالي
لم اتساءل يوما ايهما كان السباق عن الاخر. ليس لاني لم اكن قد بلغت مرحلة التعامل مع الافكار في بعدها المجرد. و انما لاني عشتهما كحياة، امتدت خلف بوابة ، و دون ان ادري الى اين كان يمضي الممر الذي كانت تنفتح عليه. و لذلك وجدت نفسي كجسم عائم ، تتداول حمله الامواج. تخفضه موجة لتسمق به اخرى. تلقي به الواحدة ، لتتلقف موجة بدت و كانها كانت تبحث عما تنشغل به. و بين حالة و اخرى ، كانت معالم تتضح. و رؤية تتشكل و تتسع لتتقلص مساحات القصور ، و تتمدد سماء الاحلام على ايقاع تراجعها.
لم يكن الحلم حلما، او صرحا سحريا قد تجود الصدف بتعويذة تبطل مفعول السحر الذي يخفي بوابته السرية. بل كان مفرا و ملجأ تحتمي به تطلعات افتقدت الى سند يعمدها داخل دنيا دروبها عسيرة و مكتظة بالضواري. و سماؤها حكرا على الكواسر التي تعتمد القتل اسلوبا للعيش. و انا لم اكن انشد غير هطول يوقف مساحات التصحر الزاحف على خفق الروح. و لهذا ، لم يكن لهمسي ان يتردد له صدى بين موجات الزئير المتعالية من كل جانب.
كنت الفتى البدوي الواقف على بعد خطى من عصور الاقتتال و دهور السيبة، التي تركت في وجدان الناس كل انواع الندوب و التصدعات. فتسمروا خلف اسوار حصونهم ينطرون عبر ثقوب الى عالم هجره السلام. و غطى مسامعهم صملاخ عظيم حال بينها و بين التقاط الاصوات الحالمة للحياة. و هو ما اغلق كل المنافذ الا كوة ضيقة انفتحت بعد ان تعطلت قوى الحواس. عالم ان كان قد عوضني عما افتقدته داخل العيش المشترك مع الناس. الا انه جعلني لا احسن قراءة اسماء الدروب، و علامات المباح ، و سمات الممنوع. و لم اتمكن من التخلص من اعتقادي في كون الناس يعيشون بنفس القدار من التساوي و الحظوظ. و من ثم قدر لي ان اتعلم بالندوب و الجراح التي كانت تدفع بي الى نكوص حيث لا يمتد سوى العالم الذي لا تعيش فيه غير كائناتي الممتثلة للاقدار التي كنت اختارها لها. و اوزعها عليها. عزاء كان يدفع بي للانكماش و اغلاق المنافذ و بناء جسور كانت تنتهي بي الى شرود ينهي كل صلة لي بالعالم.
وضع عمق الفارق بيني و بين الحياة. و افهمني باكرا ان الحب نيزك او مذنب حياته في وجوده طليقا في سماء اللامنتهى. محكوم و الى الابد في ان يظل في عمر ووضع دقيق و محدد. وان اي محاولة له في معانقة فضاء كوكب ما ، يكون مصيره الاحتراق و الاندثار. خلاصة تعلمتها و انا لم اغادر بعد اجواء الطفولة ، حين كنت ابحث عن واحة تلطف الاجواء الجافة.
كنت في سنواتي الدراسية الاولى التي زجت بي في هذا العالم. وهي المرة الاولى التي رايت فيها نفسي في عيون الناس.مراة مكنتني من المقارنة بيني و بينهم.و على الفور ادركت ان اشياء كثييرة تنقصني. وهوما دفع بي دائما الى الهروب بعيدا من الواجهة. و التحدث بصوت خافت. و التحصن في الصفوف الخلفية. لكن الروح لم تكن تعاني من هذه العاهة. و لكونها طليقة متحررة من اي شكل او لباس يحشرها داخل تصنيف ما. فقد اوكلت لها صنع التوازن الذي كنت افتقد اليه. حتى و ان كان النجاح يشترط دائما اعتراف الاخرين. لكن هذا الترويض لم يكن موفقا على الدوام. بل اختلط الامر فيه لحد لم افهم احيانا من كان يقوم بترويض الاخر. الروح ام الجسد. كان الامر يصل الى حد انتكاسة جعلتني ادفع ثمنا غاليا جدا.
لقد كانت "كريمة" اسم مطرز بكل الامجاد السلالية و بسسائط من جاه و سلطة. حركات فراشة. قوام اميرة. وجه ملاك. مزيج صنع كتلة مغناطيسية تعطل الابصار و البصيرة الى حين انفضاء مرور مواكبها.
كانت تجلس في المقعد الامامي المحادي لمكتب المدرس. اذ لم يكن يفرق بينها و بين مزهرية حوت كل انواع الازهار الفواحة. و انا كنت في اخر طاولة من الصف الابعد. و لاهتمامي المتزايد بها، فالمسافة لم تكن لتعني اي شئ.
استدعاها المدرس مرة للمثول امامه. في حالة الاخرين يكون الامر فظيعا. فمزاج المدرس يكون في اسوء حالاته. وهو لا يحتاج الى اجتهاد لتفسير معاني النظرات و حدة الصوت و الحركات المليئة بالعنف و الانفعال. لكن في حالة كريمة لم يكن الوضع كذلك. كان ميالا الى المداعبة . و بالكثير من الانشراح اوضح لها انه لا يستطيع معاقبتها. ومن ثم عليها ان تبحث عن متطوع ينال العقاب بدلا عنها. وحين ظلت صامتة، كان هو من تولى البحث عن ذلك المتطوع، وهو يتوقع ان مقلبه سيمضي الى النهاية.
امر كان جل البؤساء امثالي يدركونه بالرغم من انهم كانوا مستعدين لامر سام كهذا. لكني لم اع لحد الان كيف ارتفع اصبعي مكسرا سطوة اللامتوقع. وهو حال اثار اندهاش المدرس الذي رمى كرسيه بحركة عنيفة وهب سامقا كمارد غاضب و فيي نظراته كل اشكال الاسستنكار و المهانة. و حيين لذت بالصمت متجاهلا سيل استفساراته، وقف يتاملني بازدراء واضح. ينقل بصره من جلبابي الصوفي الطويل، الى راسي الحاسر، فالى نعليي البلاستيكي الابيض. شئ واحد كان ينقص سمفونية غضبه. ان يبصق في وجهي.
كم دامت تلك اللحظة؟
قد تكون وجيزة بمنطق عداد لا يهمه ما يترتب عن انزلاق ارقامه. لكني فيها كنت ذلك المذنب الذي مل اسفاره المكتنفة بالوحدة و الغربة و تاق الى مغازلة نجم لامع. و حين غير مجرى سيره، لم يكن بمقدوره ان يعي ما حدث بعد ذلك. لقد كان يحترق. فهل الحب الذي يصنعه الحلم تعنونه الفضائح؟
عبدالله البقالي