قصة قصيرة (مفارقتان ) ياسين رفاعية
جلست في المقعد المجاور لمقعدي في الطائرة، التفت نحوها فإذا بها فتاة جميلة في
العشرينات من عمرها، أخرجت مرآة صغيرة من محفظتها ومشطاً صغيراً سرّحت به شعرها، ثم أخرجت أحمر شفاه وخضبت به شفتيها، كانت تتحرك إلى جانبي بنزق ظاهر ، ما أن بدأت الطائرة بالتحليق نحو السماء ، حتى بدت لي متوجسة وخائفة ، وعندما تجاوزت الطائرة مرحلة الاقلاع واستقرت في سيرها، فكت جارتي حزام المقعد والتفتت نحوي:
ـ مرحبا عمو
ـ أهلاً
ـ هل أنت مسافر لأول مرة إلى لندن؟
ـ لا..ربما العشرين أو الثلاثين.. وأنت؟
ـ هذه أول مرة أسافر في طائرة وأول مرة إلى مدينة كلندن، يقولون إنها كبيرة جداً.
ـ إنها كبيرة جداً
ـ جميل في الإنسان أن يكتشف العالم
ـ فعلاً
ـ هل أنت ذاهب في شغل؟
ـ تقريباً
ـ أنا ذاهبة إلى عرسي، سأتزوج في لندن، خطيبي ينتظرني هناك، ترك بيروت من عشر سنوات، ودرس هندسة المعمار والمدن ، وحصل على وظيفة كبيرة في إحدى الشركات التي كلفته بهندسة فندق كبير على نهر التايمس، المهم في الأمر أن أصحاب الشركة، زيادة في تميز الفندق وكي يكون من أجمل فنادق لندن، جعلوا لكل غرفة ديكوراً خاصاً بها، وطلبوا أن تكون هذه الديكورات مستوحاة من أساليب البناء الشرقية، تصوّر ـ عمو ـ يالحظي ـ أنا تخرجت مهندسة ديكور العام الماضي ، فطلب مني خطيبي أن أرسم مشروعاً لغرف الفندق الخمسمئة، تصوّر ... لكل غرفة ديكورها .. ماأجمل ذلك؟ المهم، أنني بذلت جهداً كبيراً كي أفوز بهذا المشروع، وسوف يقف خطيبي إلى جانبي حتى أفوز به ، جميل أن تبدأ حياتنا ، خطيبي وأنا بمثل هذا النجاح، سأكون سعيدة جداً في حياتي.
كم هي الحياة جميلة يا عم، خصوصاً عندما تتوفر للمرء سبل النجاح على أكثر من صعيد ، وفي آن معاً، إنني أكاد أطير من الفرح ، أتزوج وفي نفس الوقت أعمل إلى جانب زوجي فنبني حياتنا كما يحلو لنا.
صمتت لحظة، ثم التفتت نحوي
ـ عمو.. هل عندك أولاد؟
ـ نعم
ـ كم عددهم؟
ـ شاب وفتاة بعمرك
ـ الله يخليلك ياهن
ـ أشكرك
وعندما جاءت وجبة الطعام ، انشغلت الفتاة بها، بدت لي أنها جائعة ، وانتبهت إلي أنني لم أفتح علبة الطعام : فسألتني:
ـ عمو.. هل أنت مريض؟
ـ لا..
ـ لماذا لم تأكل.. ؟ الطعام طيّب جداً
لم أجب كنت مشوشاً ، ومع اقتراب الطائرة من لندن، أحسست أنني أرتجف ، أم أن الطائرة هي التي كانت ترتجف أشعلت الضوء الذي فوق رأسي ، فاقتربت مني المضيفة:
ـ هل أخدمك بشيء؟
قلت:
ـ إنني بحاجة إلي حبتي اسبرين .. رجاء
أحضرت لي المضيفة الاسبرين مع كأس ماء، فابتلعته على عجل .. وشربت الماء، وفيما كانت الطائرة تهبط ازداد توتري، فإذا بجارتي الحسناء تضع يدها على يدي:
ـ هل هناك من سينتظرك؟
قلت:
ـ نعم
انتهينا من مراقبة جوازات السفر، واقتربنا لسحب حقائبنا، كانت الفتاة ترقص، وكأنها عصفور ملون على أشجاره.. بينما كان حزني يزداد وشعور بالخواء يملأ صدري.
خرجنا معاً إلى قاعة الاستقبال، فلمحت الفتاة تركض نحو شاب كان ينتظرها فيما اتجهت نحو ابني الدامع العينين لأقول له: البقية بحياتك، فعانقني باكياً: البقية بحياتك ياأبي.
ولم تكن تلك الفتاة الذاهبة إلى عرسها تعرف أنني قادم إلى لندن لألقي النظرة الأخيرة على ابنتي قبل أن أواريها الثرى..!
جلست في المقعد المجاور لمقعدي في الطائرة، التفت نحوها فإذا بها فتاة جميلة في
العشرينات من عمرها، أخرجت مرآة صغيرة من محفظتها ومشطاً صغيراً سرّحت به شعرها، ثم أخرجت أحمر شفاه وخضبت به شفتيها، كانت تتحرك إلى جانبي بنزق ظاهر ، ما أن بدأت الطائرة بالتحليق نحو السماء ، حتى بدت لي متوجسة وخائفة ، وعندما تجاوزت الطائرة مرحلة الاقلاع واستقرت في سيرها، فكت جارتي حزام المقعد والتفتت نحوي:
ـ مرحبا عمو
ـ أهلاً
ـ هل أنت مسافر لأول مرة إلى لندن؟
ـ لا..ربما العشرين أو الثلاثين.. وأنت؟
ـ هذه أول مرة أسافر في طائرة وأول مرة إلى مدينة كلندن، يقولون إنها كبيرة جداً.
ـ إنها كبيرة جداً
ـ جميل في الإنسان أن يكتشف العالم
ـ فعلاً
ـ هل أنت ذاهب في شغل؟
ـ تقريباً
ـ أنا ذاهبة إلى عرسي، سأتزوج في لندن، خطيبي ينتظرني هناك، ترك بيروت من عشر سنوات، ودرس هندسة المعمار والمدن ، وحصل على وظيفة كبيرة في إحدى الشركات التي كلفته بهندسة فندق كبير على نهر التايمس، المهم في الأمر أن أصحاب الشركة، زيادة في تميز الفندق وكي يكون من أجمل فنادق لندن، جعلوا لكل غرفة ديكوراً خاصاً بها، وطلبوا أن تكون هذه الديكورات مستوحاة من أساليب البناء الشرقية، تصوّر ـ عمو ـ يالحظي ـ أنا تخرجت مهندسة ديكور العام الماضي ، فطلب مني خطيبي أن أرسم مشروعاً لغرف الفندق الخمسمئة، تصوّر ... لكل غرفة ديكورها .. ماأجمل ذلك؟ المهم، أنني بذلت جهداً كبيراً كي أفوز بهذا المشروع، وسوف يقف خطيبي إلى جانبي حتى أفوز به ، جميل أن تبدأ حياتنا ، خطيبي وأنا بمثل هذا النجاح، سأكون سعيدة جداً في حياتي.
كم هي الحياة جميلة يا عم، خصوصاً عندما تتوفر للمرء سبل النجاح على أكثر من صعيد ، وفي آن معاً، إنني أكاد أطير من الفرح ، أتزوج وفي نفس الوقت أعمل إلى جانب زوجي فنبني حياتنا كما يحلو لنا.
صمتت لحظة، ثم التفتت نحوي
ـ عمو.. هل عندك أولاد؟
ـ نعم
ـ كم عددهم؟
ـ شاب وفتاة بعمرك
ـ الله يخليلك ياهن
ـ أشكرك
وعندما جاءت وجبة الطعام ، انشغلت الفتاة بها، بدت لي أنها جائعة ، وانتبهت إلي أنني لم أفتح علبة الطعام : فسألتني:
ـ عمو.. هل أنت مريض؟
ـ لا..
ـ لماذا لم تأكل.. ؟ الطعام طيّب جداً
لم أجب كنت مشوشاً ، ومع اقتراب الطائرة من لندن، أحسست أنني أرتجف ، أم أن الطائرة هي التي كانت ترتجف أشعلت الضوء الذي فوق رأسي ، فاقتربت مني المضيفة:
ـ هل أخدمك بشيء؟
قلت:
ـ إنني بحاجة إلي حبتي اسبرين .. رجاء
أحضرت لي المضيفة الاسبرين مع كأس ماء، فابتلعته على عجل .. وشربت الماء، وفيما كانت الطائرة تهبط ازداد توتري، فإذا بجارتي الحسناء تضع يدها على يدي:
ـ هل هناك من سينتظرك؟
قلت:
ـ نعم
انتهينا من مراقبة جوازات السفر، واقتربنا لسحب حقائبنا، كانت الفتاة ترقص، وكأنها عصفور ملون على أشجاره.. بينما كان حزني يزداد وشعور بالخواء يملأ صدري.
خرجنا معاً إلى قاعة الاستقبال، فلمحت الفتاة تركض نحو شاب كان ينتظرها فيما اتجهت نحو ابني الدامع العينين لأقول له: البقية بحياتك، فعانقني باكياً: البقية بحياتك ياأبي.
ولم تكن تلك الفتاة الذاهبة إلى عرسها تعرف أنني قادم إلى لندن لألقي النظرة الأخيرة على ابنتي قبل أن أواريها الثرى..!